في الحروب الحديثة لا تنحصر المعركة في العمليات العسكرية الحربية فقط بل تتعداها الى كل مجالات الحياة دون استثناء. فهناك حرب موازية للحروب العسكرية سميت كناية بحرب الاشباح يدخل في اطارها الاغتيالات وبث الشائعات والفتن وافتعال الازمات واخفاء العملة واختفاء المواد التموينية وغيرها من الامور لتشمل الحرب الاقتصادية والحرب الاعلامية والحرب النفسية. وتتشكل لهذه الحرب الشاملة فرق سرية متخصصة ومعززة بامكانات مالية وبشرية ومعلوماتية هائلة, حيث تخترق عناصر هذه الفرق جسد الخصم لتفتته من داخله, مستغلة اوضاع الحرب وما تسببه من اشكاليات وصعوبات بعضها طبيعي والاخر مفتعل. وفي الحالتين تقوم هذه الفرق باستخدام هذه المعوقات لتحقيق اهدافها وتحويل مجرى الاحداث الى مالات اخرى اكثر تعقيدا, وتصورها بغير حقيقتها الفعلية مستخدمة كل الامكانات والوسائل بما فيها الصحفيين ووسائل الاعلام المحسوبة على الخصم وصولا الى بعض قياداته. فلو اعدنا قراءة الاحداث التي عشناها ومازلنا, فستتراكم لدينا تساؤلات كثيرة منها: 1- هل يمكن ان تختفي العملة الوطنية فجاة دون وجود فاعل؟ واين ذهبت مئات المليارات؟ وماهو دور البنوك الخاصة ورجال الاعمال في هذا الاختفاء الغريب؟ 2- ماهو دور مؤسسة البريد والبنك المركزي في اشكالية عدم صرف رواتب بعض الفئات مع وجود السيولة المالية؟ 3- ماهو دور مصافي عدن وشركة النفط في ازمات المشتقات النفطية وانقطاع الكهرباء؟ 4- ماهو دور وزارة الصحة والخدمة المدنية والقيادة العسكرية والامنية في مشكلة جرحى الحرب وعلاجهم في الداخل والخارج؟ 5- ماهي مشكلة قيادات المقاومة التي تشكلت مؤخرا داخل مديريات محافظة عدن, ووضعت نفسها في موازاة سلطة الدولة؟ وهناك الكثير من المشاكل غير ما ذكر, لكننا نجد الاجابات على مثل هذه التساؤلات في ضعف سلطة الدولة وعدم اكتمال بناء بعضها وتوقف بعضها عن القيام بوظائفها. ففي جريمة اخفاء العملة الوطنية كان يمكن للبنك المركزي مراجعة العمليات البنكية للبنوك ليكتشف من هي الجهة التي اخفت السيولة او ارسلتها نقدا الى جهات في صنعاء. وفي مشكلة جرحى الحرب كان يمكن تشكيل لجان طبية عسكرية مطعمة بخبرات طبية مدنية لتقرير ما يلزم لكل حالة, على ان تقوم وزارة الصحة باعادة تقييم لمنشاتها الطبية وطواقمها وتجهيزاتها وماتحتاجه لتسيير العمل بها من جديد, في حين تقوم الخدمة المدنية بالتاكد من تواجد الموظفين والكوادر ومباشرتهم لاعمالهم وكذلك تفعل الداخلية والدفاع, شريطة ان يتم الدفع لمن يباشر عمله نفس المبالغ التي يتم دفعها للمستشفيات الخاصة. هاتين المشكلتين الفاعل فيهما مستتر غير ظاهر ويصعب اكتشافه بسهولة. اما في اشكالية صرف الرواتب او الحقوق المالية المستحقة, وحجز المشتقات النفطية, وظهور قيادات للمقاومة داخل مديريات محافظة عدن, فالفاعل هنا ظاهر وواضح وضوح الشمس, يطرح شروطه وتتفاوض معه اعلى قمة في هرم السلطة مقدمة التنازلات والتسهيلات الى الحد الذي يجعلها تاتمر بامره. هذه الاشكاليات الثلاث تدار من جهة واحدة تلعب بهذه الكروت الثلاثة بتناغم يلحظه المواطن بكل سهولة ودون تعقيد. فاذا تمكنت السلطات من حل مشكلة صرف الرواتب, تظهر مباشرة مشكلة جديدة تتعلق بقطع غيار مولدات الكهرباء تليها بالتناوب مشكلة عمال المصافي, مع ملاحظة تزامن عجيب بين لظهور هذه المشكلات الثلاث عند كل انتصار كبير يحققه الابطال في جبهات القتال, وذلك للتشويش على تلك الانتصارات والتدليس على المواطن بان الدولة التي لا تستطيع ضبط الامور في معقلها لا يمكنها ان تدير معركة او تحقق أي انتصار. فلو حاولنا استجرار امثلة على هذا الواقع المرير للحرب الخفية او حرب الاشباح سنجد الاتي: 1- قامت قيادة المقاومة الجنوبية في مدينة الشعب باغلاق كليات جامعة عدن, فتم التفاوض والاتفاق معها بان تقوم بحماية الكليات بمقابل مالي ونسبة من المقاعد الدراسية في كل كلية, ومع ذلك لم تسلم اراضي الجامعة من النهب. 2- قامت قيادة المقاومة الجنوبية في مديرية البريقة وخصوصا في مصافي عدن بوقف توزيع المشتقات النفطية على المحطات الخاصة والمؤسسات الحكومية, تحت ذريعة المطالبة بمستحقات مالية للعاملين فيها ما تسبب في معاناة قاسية للمواطنيين بشكل عام وللمرضى وكبار السن خاصة مع توقف العمل في اغلب المؤسسات العامة والخاصة. في هذه الاشكالية يقول البعض بان من حق اولئك طالما وان لهم حقوق لم يستلموها, التلاعب بحياة الناس واستخدام معاناة المواطنيين ورقة ضغط على السلطات. بهذا المنطق غير السوي نكون قد شرعننا للبلطجة والفوضى, علما بان غالبية المقاتلين في الجبهات لم يستلموا مرتباتهم لعدة اشهر بل ان بعضهم لم يتم ترقيمه كجندي. فاذا كانت الامور سوف تسير بهذه الطريقة فمن حق قائد حماية المطار اغلاق المطار ووقف الرحلات منه واليه تحت ذريعة المطالب بمرتبات جنوده, بالذات في هذا التوقيت الذي ابدت فيه بعض شركات الطيران عن رغبتها في تسيير رحلات الى مطار عدن. فهل يحق لاي موظف اغلاق مرفق عمله عندما يكون لديه مطالب حقوقية لم تسلم, لكن اختيار المصافي والكهرباء لم يكن عبثا, بل تم بعناية فائقة لان خدماتهم تمس الجميع دون استثناء ولا يمكن الاستغناء عنها, اما بقية المؤسسات فان توقف خدماتها يمكن تلافيه وتاثيره محدود يمكن ان لا يشعر به المجتمع. 3- تقوم مؤسسات اعلامية وقنوات تلفزيونية محددة وتحت ذريعة الحياد والنقد بتشويه الانجازات في المناطق المحررة وتضخيم الاخطاء فيها ومهاجمة بعض القيادات ونقل الاحداث بطريقة مشبوهة ومفبركة, كذلك يفعل بعض الصحفيين المدربين تدريبا عاليا على صياغة المعلومة او الخبر وحبكها باسلوب فني وذكي على طريقة دس السم في العسل. 4- بعض القيادات والاطراف السياسية تقوم بمهاجمة افراد او جماعات او احزاب تختلف معها بطريقة لا تنم عن حنكة سياسية, تخدم في اغلب الحالات العدو المشترك وتشق الصف الوطني وتبعثر الجهود. ولتجاوز هذه المعظلات وتصحيح الخلل, فاننا نرى الاتي: 1- الاسراع في عملية استكمال بناء اجهزة الدولة المدنية والعسكرية على اسس وطنية وعلمية تتلافى كل مشكلات الماضي وتؤسس لمستقبل واعد بالعدل والمساواة والشراكة الوطنية. 2- اعتماد الشفافية والعلنية في كل الامور المرتبطة بالمواطن او تؤثر فيه. 3- الاسراع في حل الامور الاشكالية المعلقة حلا جذريا ونهائيا وعادلا يحفظ للدولة هيبتها ومكانتها دون الانتقاص من حقوق المواطن وكرامته. 4- اعتماد مبدا التدوير الوظيفي والتنافس الشريف لشغل المناصب القيادية وفق المؤهل والقدرات العملية, واشراك الكفاءات الشابة في المنافسة مع استخدام مبدا الثواب والعقاب. 5- الاستفادة من الكوادر العلمية الاكاديمية المتمكنة في الجامعات الحكومية لرفد مواقع صنع القرار بكفاءات ذات وزن في مجال تخصصها وقدرات مشهود لهم فيها. 6- اعادة الاعتبار لسلطة القانون وتفعيل اجهزة القضاء والضبط القضائي. 7- البدء بدراسة وضع التمييز المالي في الوظيفة العامة, حيث يستلم الموظف دون مؤهل في المصافي او شركة النفط ما يفوق راتب الاستاذ الجامعي وحيث تستلم مظيفة الطيران بدون مؤهل علمي ما يفوق راتب قاضي استئناف بشهادة ماجستير. 8- تحرير الاعلام من النفاق السياسي والتبعية للدولة او الاحزاب وتحريم الحزبية والتحزب الوظيفي في كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية. لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet