تشير المتغيرات والتحولات السائدة في منطقة الشرق الأوسط أن القوة الاجتماعية التي كانت بقيادة قطر الإعلامية كثيرا ما كانت شبيها بثورة ابن الاشعث في مواجهة تنظيمات الحجاج ابن يوسف العسكرية وكان من نتائجها استعجال النتائج فأسقطت أنظمة الحكم المنتخبة في مصر وغيرها وفي ذلك إشارة إلى أن الإعلام لا يكفي وحده في صناعة الأحداث فالقوة العميقة التي يمتلكها أنظمة الحكم العسكرية لا يمكن الاستهانة بها أو مواجهتها بعواطف دينية عقائدية أو مظلومية فقط. وأتذكر يوما أن قناة الجزيرة طلبت مني التعليق والتنبؤ بنجاح الثورة اليمنية في مواجهة نظام صالح وبما أنني لم أكن حينها ممتهن للصحافة ولم أكن قد درستها فأجبت بأن قوة صالح لا يمكن أن تطيح بها ثورات عشوائية غير منسجمة أيدلوجيا وعقائديا أو وطنيا بل كانت الأحزاب تسعى لاقتسام السلطة والثروة واحتكارهما في استبداد جديد أكثر من استبدادية النظام القديم وقد رأينا جيدا تقاسم الوظائف بين أحزاب الشرعية بما يلغي صفة وجود الدولة الحقيقية القائمة على مبدأ الكفاءة والجدارة ولم تختلف عن سياسة نظام صالح السابقة القائمة على مبدأ المحسوبية والولاء والعشوائية. وقع الإصلاح كغيره من الأحزاب في مصيدة التعصب الحزبي وتقديس كوادره وهو ما أقصى أي كوادر أخرى خارج نطاق تنظيمه وأسهم في تشكيل أيدلوجيا المؤتمر المتعصبة و التي أصبحت حكرا على تنظيمها في مواجهة كوادر الوطن مما أدى الى فصل المؤتمر عن الشعب وفي المقابل انفصل الإصلاح في برجه تنظيمي عن دوره وتأثيره في الشعب. وعندما وصل الإصلاح إلى السلطة اختزلت الثورة الشعبية وتحولت من ثورة إلى مؤامرة وبدأت وكأنها مواجهة أحمريه في مواجهة الأحمر واستغلت تلك الأحزاب وغيرها تلك الكوادر الحزبية للدفاع عن مصالح ونفوذ القيادات العلياء مستفيدين من وضع المواطن وظروفه المليئة بالتخلف والجهل والفقر واللاوعي وزجت بكوادرها في لجنة الحوار للاسترزاق بينما كان الشعب ينتظر النتائج التي انتهت بسلسلة من المؤامرات النفسية والسياسية والعسكرية للإطاحة بنظام الدولة الشكلي لعبد ربه والتي لم تكن له قوة حقيقية وإن كان قد تماهي داخل النظام العسكري. أدى توسع نفوذ دائرة العسكر والقضاة وفسادهم في أعراض وقضايا ودماء المواطن الذي اصبح صيدا لافتراس القوى الحزبية والقبلية وأصحاب الجبايات ورجال الأمن والصعاليك وحركات الفتوة داخل العاصمة ومن ثم انفجر الشعب بالثورة على واقع سعى لتحسينه واختار عبد ربه منصور رئيسا للخروج من الأزمة وشارك المؤتمر والإصلاح في اختيار هذه الشخصية والتي لم تكن لديها مقومات القوة للسيطرة عليها ومن ثم استطاع عبد ربه التخلص من سيطرتي أحمر السلطة وأحمر المعارضة والاحتماء بقوى التحالف ومن ثم سعىلتغيير شكل الدولة سلميا ولم يكن قد أدرك الواقع على الرغم من كونه قائدا عسكريا محنكا خاضا حروبه ضد الانفصال. كاد عبد ربه أن يحقق نجاحا لو استغل قوات الإصلاح وقواعده غير أن الإصلاح كان يسعى للسيطرة عليه والتحكم بقرارته وفرض معتقداته التي لم كن تتناسب مع أيدلوجية الرئيس الشرعي فاحتمى بالأحزاب الضعيفة القريبة من معتقداته وحاول إرضاء الكل فخسر الجميع، ومن ثم فإن عبد ربه فشل سياسيا في علاقاته الخارجية وفشل إداريا في اختيار كوادر الدولة وفشل إعلاميا في السيطرة على الشعب وفشل أمنيا واقتصاديا وذلك لأنه أعطى للتحالف وصفا تخيليا وغير حقيقي مما دقع بقوى التحالف للمواجهة العسكرية في اليمن. ومع هذا فإن دعم التحالف للرئيس عبد ربه في أول بداية الحرب لم يحقق النتائج التي رسمها مع قيادات الأحزاب المتخيلة في الرباط بينما كان للرئيس علي صالح نفسا طويلا واستطاع أن يستفيد من أخطاء الأحزاب وأطماع الحوثية من مواجهة التحالف واستطاعت الفوضى المحلية والدولية ودخول إيران في اليمن من ازعاج دول الجوار مع العلم أن إيران التي رأت أن تحالفها مع الحوثيين أفضل من تحالفها مع نظام صالح لكون الأول مرتبط بها أيدلوجيا. بينما تعتبر الثاني الثعلب المارد الذي قد يستغلها في انتصاره على دول التحالف ثم يرمي بها كما رمى بحلفائه من قبل الاشتراكي والإصلاح. وتؤكد الدراسات التاريخية إن القوة العقائدية تظل ضعيفة ما لم تكن لها قوة سياسية تنظيمية تستطيع نقلها الى الواقع وأي حركة عقائدية لا تستطيع أن تشغل قوة عسكرية وإدارة سياسية تنتهي بالفشل. أخطأ الإيرانيون في استعجال النتائج ونشر معتقداتهم مستغلين غياب الوعي والجهل في صعدة وبعض مناطق صنعاء قياسا على ذلك اعتبروا اليمن. وعندما دخل التحالف إلى اليمن لم يكن مدركا لطبيعة اليمن وقوى التأثير ومراكز القوة وحتى الآن لا يعرف ذلك ولم يستطع أن يخلق مراكز قوى جديدة مؤيده له ومرتبطة به أيدلوجيا أو عقائديا وإنما استخدم سياسة المال في إدارة السياسات والواقع وظل متذبذبا في فهم الواقع ومن ثم كان الإصلاح البديل الوحيد لصالح الحليف الأسبق في مواجهة حليفها صالح المتحالف مع مليشيات الحوثية التابعة لإيران والناكث لبنود المبادرة الخليجية. استطاع الرئيس صالح استغلال أخطاء الحوثيين وأطماعهم المادية والسلطوية وعبوديتهم المطلقة للحضارة الفارسية وأعياد النيروز كما استغل أخطاء حكومة باسندوه وضعفها وأخطاء السلطة الشرعية بقيادة عبد ربه وأطماع بيت الأحمر ومن ثم دخل المواطن التغيريوالثوري في الصراع المادي الحقيقي واستخدم قربانا للتغيير بنفسه دما وحاله جوعا وحصارا وكما قتل من قاذفات السلطة ونيرانها كذلك قتل بقاذفات المقاومة والتحالف والسلطة الشرعية. استطاع نظام صالح استغلال التعبئة الشعبية القديمة وعدائها للسعودية من مواجهة دول التحالف. كما استغل العداء الإماراتيوالقطري الإيدلوجي والتاريخي والعقائدي للسعودية في الوقوف الى جانب قطر ومن ثم عندما ارتبط بنظام الملك عبد الله ردت عليه قطر بدعم الحوثية ثم مشيخيات الإصلاح القبلية والعسكرية ومن ثم بدأ سلسلة جديدة من الانتقام المتبادل بين أنظمة دول الجزيرة العربية التي لا تجيد بناء الاستراتيجيات وإنما صناعة المؤامرات وتفكيك النظم والتنظيمات الوطنية وليس استغلالها ودمجها. واستغل علاقته مع الإمارات والتي ارتأت أن يبقى نظام صالح ويعاد الى الحكم بشخصيات أخرى مثله إلا أن تمسك صالح بالسلطة لنفسهوورثته من بعده دفع بالإمارات لاستخدام قوى العصا والجزرة معه ومن ثم تهيأت ظروف اضطراب القوى الشرعية وفشلها في تحقيق الأمن على مستوى العاصمة المؤقتة عدن أن تتسيد سياسة الإمارات وبدورها ازاحت دولة قطر وفرضت الحصار عليها وأدخلتها في صراع مباشر مع سلطة الرياض وفرضت أجندتها على اليمن. وسعت لمساعدة علي صالح في التدخل بشؤون اليمن تارة بدعمها للتنظيم السلفي في تعز وتارة بدعمها للقوى الانفصالية ودعمها للرئيس علي صالح وترشيحيها شخصيات تابعة لها أو مؤيدة للرئيس صالح في نظام الشرعية لعبد ربه وهو ما كانت ترفضه سلطة الرياض إلا أن دخول الرياض في سلسلة من أمنيات النصر في اليمن أدخلها في ازمات اقتصادية مما قد تدفع الثمن غاليا وقد يضر بأمن واستقرار المواطن السعودي وهو ما سيجعلها تتبع سياسة البرجماتية في استغلال صالح لمواجهة الحوثية لكنه تريده أن يبقى ضعيفا وإن وصل إلى السلطة باعتباره أخف الضررين وقد تكون سلسلة الحوار الذي سيطرح بعد ذلك عبارة عن حلول مؤقته قد تؤدي الى أزمات مستقبلية ما لم تتخذ لها سياسة مختلفة عن سياسة التسكين أو سياساتها التقليدية القديمة. تواجه السعودية عدة أزمات في الداخل كما تواجه أزمات حادة مع محيطها العربي وأزمات ساكنه مع دويلات الخليج العربي ومن الأمراض السياسية أن التحالف لمواجهة الخطر الكبير يعمل على منعه وليس استئصاله مما قد يؤدي المنع إلى الانفجار مرة أخرى ويمكننا مواصلة سلسلة مقالات مفسرة للواقع اليمن وشبه الجزيرة العربية إذا سمحت لنا الصحف من مواصلة النشر بما لا يخدم جهة أو أيدلوجية معينة ...بقدر ما يسعى لتفسير الواقع ووصفه ووضع الحلول المناسبة لمساعدة صناع القرار. ..... لمتابعة قناة التغيير نت على تيلجيرام https://telegram.me/altagheernet