في المؤتمر العام الخامس لاتحاد الادباء والكتاب اليمنيين ،الذي انعقد خريف العام 1990 في مدينة عدن، كان قد بدأ السؤال الاخطر بالتشكل ، والذي لم يُقرأ بعناية كافية وقتها وهو: ما الذي تبقى من الاتحاد بعد عشرين عاما من حضوره في حياة اليمنيين كمرموز ثقافي وسياسي موحد ،خارج رغبة العقل السلطوي التشطيري ووعيه ؟. متوجبات هذا السؤال وحافزاته ، تأسست على قاعدة ان الشعار الذي تكتل تحته الاعضاء والمنتسبون كان يقول " تحقيق الوحدة اليمنية في الصدارة من مهام اجيالنا المعاصرة" ، ولان الوحدة صارت حالة متحققة منذ اواخر ربيع ذات العام ، كان لابد من اعادة بلورة شعار وخطاب جديدين لعمل الاتحاد، يخفف من الحمولة السياسية الثقيلة التي وضعت على ظهره لعقدين. مع اولى الخطوات في العهد الجديد بدأ التعثر البائن بالانقسام الفوقي ، الذي كان سببه في الاصل عملية الارباك الكبيرة التي وقع فيها "اليسار" بسبب المتغيرات التي اجتاحت البلاد والمنطقة والعالم ، ودخوله الوحدة بدون رؤية واضحة، وكان هذا الانقسام في الاصل امتدادا لمفروزات المؤتمر ،التي تمثلت في تجاوز بعض الاسماء التي ارتبطت بتاريخ الاتحاد ، واستبدالها بأسماء اخرى من داخل بنية اليسار ذاتها ، لكنها لم تستطع خلال العام الاول ادارة العجلة بذات الطريقة التي سُيِّرت بها طويلا. في المؤتمر العام السادس ،الذي انعقد في صنعاء في نوفمبر 1993 (عشية اندلاع حرب صيف 94 )، بدأت تتظهر شهية المتصارعين لتجيير موقف الاتحاد لمصلحة خطاباتها وتكتيكاتها السياسية، غير ان الاتحاد خرج من هذا المؤتمر متماسكا ، لكنه بعد انقشاع الغمامة الصفراء للحرب وجد نفسه عاريا وبدون مقراته الرئيسة في عدنوالمحافظات الجنوبية، التي اجتاحها تحالف السلطة في صنعاء. بعد هذه الجائحة بدأت تتشكل في المحافظات المقهورة ردة فعل رافضة لعملية الاخضاع والانحراف بمسار الوحدة الى ما تشتهي رغبات المنتصر ، التي عملت على تجريف ارث دولة الجنوب الثقافي والاجتماعي وثرواتها، والتي رأى فيها ابناء هذه المناطق ومثقفوها احتلالا مضمراً. وبالمقابل كانت مرحلة اللاتوازن في عمل اتحاد ما بعد الحرب، استجابة لهذا الطارئ النفسي لمنتسبيه في الجنوب الذين كانوا يعتبرون الاتحاد جزء من ذاكرة جغرافيتهم ، حيث شهدت ولادته وتملَّك مقراته ، وبها اصدر مجلته "الحكمة" ، وان عملية نقل ادارته المركزية ومجلته الى صنعاء ، ابتداء من منتصف التسعينيات ، كان عند معظمهم هو نوع من تجيير تاريخه الرمزي.
ربط الاتحاد بالمؤسسة البيروقراطية للنظام المركزي بإعادة تسجيله مثل اي جمعية خيرية، ودمج مخصصاته بموازنة وزارة الشئون الاجتماعية، امور ساعدت على تدجينه وانخفاض صوته السياسي ، وساعد في ذلك ايضا تواري قياداته الوازنة والمؤثرة اما بالموت او بالإزاحة او بإعادة ترتيب اوضاع البقية منها في مواضع حزبية ووظيفية ، فصار الاتحاد كموقف وحضور هو استجرارا لماضيه. وما لم يستطع فعله النظام طيلة ربع قرن فعله بسنوات قليلة من خلال فرض المحسوبين عليه ، ومتساقطي الاحزاب في مواقعه القيادية، من خلال اعادة شروط التمويل والدعم او شراء اصوات مقترعي المؤتمرات ، وكان الهدف من ذلك توظيف ارث الاتحاد وتاريخه ضمن عملية تنصيع صورة النظام الشائهة ، حين بدأ بتقديم تجربة الحكم الهلامية في البلد المتخلف بوصفها ديمقراطية ناشئة ، بحاجة للإعانة والدعم الخارجي. بين المؤتمرين السابع 1997 والتاسع 2005، استنفذ الاتحاد كل ارثه السياسي تقريبا ،غير ان شريانه اليابس ترطب بدماء شابة من اديبات و ادباء ، اكثر صلة بالشأن الثقافي والادبي وان كانت اقل خبرة نقابية وسياسية، فبدا اكثر اعتلالا في شقه السياسي ، لكنه اكثر تعافيا في نزوعه النقابي وحضوره الثقافي المتعززان بحالة الاستقرار المالي ، فعادت اليه روح مختلفة ، تحلق به في فضاء نوعى يقترب من الطبيعة الحقيقية في جوده ، فكان مشروع الاصدار وانتظام مجلته ، وتنظيم مناشطه الثقافية والادبية. ومع كل ذلك كان يلاحظ ان مسألة المركزة واستبداد الجغرافية في الوعي التشطيري هي التي تعمل بكفاءة عالية في بنيته التنظيمية، فتحولت الفروع الى اطراف مهملة لا يُلتفت اليها الا اثناء التحضير للمؤتمرات ، بوصفها خزان اصوات يغترف منها مرشحو دوائر الحاكم، فكان في الغالب يعاد ترتيب وضع المجلس التنفيذي والامانة العامة بغلبة المركز ومزاجه، حتى بأولئك المحسوبين على الجنوب ،واستقروا في صنعاء وسكنتهم رغباتها. في مطلع العام 2007 بدا الصوت الخافت يعلو تحت سقف "الحراك السلمي" في الجنوب. صوت بدأ حقوقيا لم يُلتفت اليه بسبب عجرفة النظام ورأسه ولم ينته ، حتى الان ،وقد صار فعلا تجزيئيا متحققا على الارض، ومعها بدأ الوعي الاستقلالي او حلم استعادة الدولة يكبر ويستطيل في المزاج الشعبي ، الذي صار حاضنة للدعوات التي تشير الى الممكن من التحقق، في خطاب الرغبويين والعنصريين معاً . الكثير من فاعلي الحراك وناشطيه اعتبروا ان استعادة الدولة لا يمكن ان تتم الا بتكوين قطاعات مهنية ونقابية يُلتف حولها ، لتصير هي المحور القائد في تكتيل وتنظيم منتسبيها لإسناد خطوات "تقرير المصير" ، فظهرت اصوات تدعوا الى تشكيل رابطة للصحافيين الجنوبيين واخرى للاكاديميين وثالثة للفنانين ، وبدأ الصوت الداعي لتشكيل اتحاد ادباء وكتاب جنوبي اكثرها نشازا و انفلاتا وسَهُل شيطنته بداية الامر في سياق الخطاب الرسمي المناهض للحراك ، غير ان الامر كان قد بدأ يتعزز في وعي شريحة الانتساب هذه ، فأبانت اكثر الاصوات عقلانية فيها عن مبادرات لحل المعضلة باقتراح "فدرلة" الاتحاد بوضعين جغرافيين " اتحاد للشمال ومماثل آخر للجنوب" ،حتى ان هذا الاقتراح نُقل الى اجتماعات رسمية تخص المجلس التنفيذي والامانة العامة ، في تجاوز يجرِّمه في الاصل النظام الداخلي ولوائحه. في مايو 2010 انعقد المؤتمر العاشر في عدن ، في وضع شديد التعقيد، فالبلاد كانت تنزلق الى الانفجار، لان ترقيعات السلطة لم تعد تصلح للثوب المهترئ الذي يستر جثتها. الشحن المناطقي كان قويا والوعي التشطيري كان يعمل بوقود الظلامة السياسية ، لهذا انشطر المجلس التنفيذي المنتخب الى كتلتين متساويتين ومتباينتين" شمالية وجنوبية" تعبيرا عن الانقسام البائن في جسم الاتحاد، الذي اختزل الانقسام الفعلي في المجتمع وعبَّر عنه، لهذا لم تتشكل الامانة العامة الا بعد مضي اربعة اشهر من انعقاد المؤتمر في سابقة خطيرة، وتشكلت بمزاج المحاصصة ايضا وبالتناصف "شمال وجنوب". لم تمض سوى اشهر قليلة ،الا وكانت ثورة فبراير 2011 تعري النظام وتكشف هشاشته . ساحات الشمال كانت تطالب بإسقاط النظام وساحات الجنوب كانت تطالب بإسقاط الوحدة ، وليس للاتحاد من صوت واضح حيال ما يجري، فلا هو دعم الثورة بسبب قياداته المحسوبة على النظام المثار عليه، ولا هو دعم الحراك لتعارضه مع نظامه الداخلي ، وفي هذا التوقيت تحديدا بدأت الاستقالات من عضوية الامانة والمجلس من اسماء جنوبية وازنة، اعلنت صراحة سعيها لتشكيل اتحاد ادباء وكتاب جنوبي. تعطُل انعقاد هيئات الاتحاد بسبب الاستقالات ،وغلق مقراته بسبب قطع التمويلات الحكومية في منتصف 2014 ،وانطمار صوته نهائيا اظلم بقية اجزاء الصورة، لتاتي حرب 2015 واجتياح الجنوب مرة اخرى من تحالف شمالي جديد لتهيِّج الشارع وبشكل عنصري ضد كل ما هو شمالي. بروز المجلس الانتقالي كوريث لكل فصائل الحراك ، ومعبِّر سياسي وامني لصوت فك الارتباط مع الشمال في مايو2017 ،كان اللحظة المثلى التي استثمر فيها الصوت الداعي لتشكيل اتحاد ادباء وكتاب الجنوب ، الذي استطاع في ذكرى استقلال الجنوب في 30 نوفمبر 2018 من اعلان هذا الكيان وبدعم من المجلس، كتعبير جلي لموجة سياسية عاتية اكثر منها فعلا ثقافيا ونقابيا يمكن ترسيخه كمفهوم للتنوع . ختاما في عام "1970" اعلن عن هيئة تأسيس اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين في مدينة عدن ، كتكتل ثقافي يعبر عن وحدة أعضائه في الشمال والجنوب بسبب وجود سلطتين في بلد واحد ، وكان الخطاب السياسي وفعله الواضح مشغلا حيويا في ظاهرة الاتحاد طيلة عقدين، وهاهي المدينة ذاتها، وبعد قرابة نصف قرن، تشهد ولادة كيان تجزئي ،منقادا بحبل السياسة ايضا، لكن هذه المرة بوعي عصبوي مناطقي .