اصبحت عبارة «رجاء ممنوع التكلم في السياسة» مشهدا مألوفا يزين واجهات المحال التجارية في اسواق بيروت، خاصة تلك التي تقع في مناطق «ساخنة» حيث مساحة الاختلاط الطائفي فيها كبيرة، سواء في احياء بربور او المزرعة او البسطة او مار الياس او الحمراء. وشرح أحد التجار السبب في انتشار هذا الشعار بان الهدف هو تجنب الفتنة، حيث قال «نريد ان نعمل بأمان، أو بمعنى آخر نريد ان نعمل ونكسب رزقنا. وليس ان نحول اسواقنا الى ساحة حرب، لاسيما ان أصغر كلمة صارت تكفي للاستفزاز، الافضل ان نصمت ونعمل». يذكر ان اجواء الفتنة غزت هذه الاسواق بنسب متفاوتة، حتى ان بعض «القوى» التي كانت أشبه بخلايا نائمة في الاحياء، هبت وعملت على تنظيف اماكن «نفوذها» من الشعارات والصور التي تصنف في خانة «الاعداء». فلم تسلم مثلا صيدلية تحمل اسم «المستقبل» من التحطيم، على رغم ان صاحبها لا علاقة له بالتيار السياسي الذي تمثله التسمية، سواء لجهة الانتماء الطائفي او الحزبي. كما خلت مناطق نفوذ حركة «أمل» و«حزب الله» في الضاحية الجنوبية لبيروت والأحياء الغربية لبيروت من صور الرئيس الراحل رفيق الحريري والنائب سعد الحريري. ولم تشذ منطقة الطريق الجديدة عن القاعدة فأزالت اية صورة او اشارة الى فريق المعارضة. ولم يوفر السكان فرصة للتعبير عن رفضهم أي دخيل، وذلك من دون حرج تجاه جيرانهم ومعارفهم. ولم يقتصر حظر الحوار السياسي على التجار واسواقهم، بل تجاوزها الى المؤسسات الخاصة كالمصارف والشركات. وشمل ايضا المدارس والجامعات حيث عممت مذكرات تمنع الموظفين والاساتذة والطلاب من النقاش والجدال، تفاديا للتشنج والتلاسن الحاد. تقول نيفين جمعة، الموظفة في مؤسسة خاصة: «ان عدم الرد على الاستفزاز هو المطلوب، واذا سلمنا جدلا ان هناك مخططا اميركيا لاشعال الفتنة في لبنان، فلماذا نسير باتجاهه ونحقق للاميركيين غايتهم؟». وتضيف: «الدنيا تتطور، وبدأ تنظيم الرحلات الى المريخ. وشبابنا عادوا الى العصي والحجارة ليشتبكوا. بتنا نترحم على الحرب الاهلية. آنذاك كان الجار يصون جاره». اما الناشط السياسي والمحامي زياد بارود فلا يحبذ هذا القمع الذاتي، ويقول ل«الشرق الأوسط»: «المشكلة لا تكمن في الحديث وانما في عدم الاستماع الى الآخر والتمسك بموقف واحد وعدم قبول المغاير».