تصدرت تطورات المواجهات المحتدمة في محافظة صعده بين أتباع الحوثي والقوات الحكومية اهتمام الصحافة اليمنية الصادرة خلال الأسبوع الجاري حيث أفردت العديد من الصحف الحزبية والمستقلة مساحات بارزه على صدر صفحاتها الأولي لتغطية أحداث الاشتباكات المتصاعدة في المناطق الشرقية بصعدة . يومية " الأيام " الصادرة بعدن طالعت قرائها في عددها الصادر الاثنين المنصرم بتغطية خاصة لأحداث المواجهات حيث نشرت على صدر صفحتها الأولي خبرا خاصا تضمن إحصائية للخسائر البشرية التي مني بها طرفي الصراع بصعده أثر اشتباكات عنيفة استمرت حتى فجر الاثنين اسفرت بحسب الصحيفة عن مصرع وإصابة " 35" من القوات الحكومية والعشرات من صفوف " أتباع الحوثي " وأشارت " الأيام " إلى أن ثمة "بوادر لحسم المشكلة مع عناصر التمرد عسكريا ظهرت الاثنين الماضي بعد وصول جميع مبادرات الصلح وجهود الوساطة الأخيرة إلى طريق مسدود " وأن رحى المواجهات تدور في الجبال القريبة من منطقة الطلح في غرابة والعويرة ومنطقة آل سالم وغيرها من المواقع الأخرى ". ونقلت الصحيفة صورة عن بعض أوجه التداعيات الإنسانية لتصاعد المواجهات الدامية وبخاصة في أوساط سكان مدينة صعده والمناطق القريبة منها بالقول " لقد أدت المواجهات الأخيرة إلى تزايد الشعور بالخوف لدى سكان مدينة صعده والمناطق القريبة جراء أصوات القذائف التي يسمعونها على مقربة منهم بالإضافة إلى تخوفهم من استمرار الاشتباكات داخل المدينة مثل تلك التي دارت مساء أمس الأول. " الأيام " أبرزت أيضا على صدر صفحتها الأولي في ذات العدد خبرا حول استقبال رئيس الجمهورية لبعثة الكونجرس الأميركي من أعضاء لجنة شئون الاستخبارات في الكونجرس كما نقلت على لسان دايل عيسى عضو الكونجرس عن الحزب الديمقراطي قوله إن " لجنة الاستخبارات تقوم بجولة في المنطقة وهي من أعضاء الكونجرس الأميركي وهي أول جولة لليمن لتعزيز العلاقة اليمنيةالأمريكية وقد التقينا برئيس الجمهورية ووزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء وزير الداخلية وأوصلنا لهم رسالة وهي أننا نريد أن نواصل التعاون في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون العسكري. كما وجهنا دعوة للرئيس لاستضافته في واشنطن من قبل لجنة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري". ذات الصحيفة أفردت مساحات في أعدادها الصادرة خلال الأسبوع الجاري لتغطية تطورات ما بات يعرف بقضية " " الجعاشن " كان أبرزها ما نشرته على واجهة صفحتها الأولي في عددها الصادر صبيحة الثلاثاء من خبر حمل عنوان ": مليشيات مسلحة تقصف بعنف عزلة الصفة في الجعاشن بأسلحة ثقيلة ومتوسطة " أوردت من خلاله ما تضمنه بيان ل الهيئة الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات (هود) من " أن أبناء عزلة الصفة بالجعاشن يتعرضون منذ صباح أمس الاثنين لقصف عنيف بكافة الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من قبل مليشيات مسلحة تتبع أحد الشيوخ وقيام أطقم مزودة بأسلحة رشاشة بغلق الطرق المؤدية الى المنطقة ومنع حركة الخروج منها أو الدخول اليها." أسبوعية " الناس " من جهتها وفي أطار تغطيتها لتطورات المواجهات في صعده وتداعياتها الراهنة والمحتملة نشرت في عددها الصادر الاثنين حوارا مطولا أجراه رئيس تحريرها مع رئيس الدائرة السياسية لحزب الحق وعضو لجنة الوساطة في أحداث صعده الأخيرة السياسي المعارض حسن زيد مبرزة مقتطفات من الحوار على واجهة صفحتها الخامسة من قبيل " حمل السلاح في وجه السلطة كارثة والحرب في صعده تشغل الرئيس عن مطالب الجنوب " . رئيس الدائرة السياسية لحزب الحق المعارض علق على الاتهامات التي وجهتها وسائل إعلام حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في وقت سابق من الأسبوع المنصرم للجنة الوساطة بمساندة الحوثي بالقول أن التهمة لم تقتصر على مجرد مساندة الحوثي وإنما وصلت إلى حد الاتهام بممارسة الإرهاب " مشيرا في ذات السياق الى أن لجنة الوساطة لم تبادر بالاضطلاع الطوعي بالوساطة وإنما بعد اتصالات من مسئولين كبار في الدولة ". وفي معرض رده على سؤال ل الناس " عن ما يتردد من اتهامات رسمية حول الدور الإيراني في انبعاث أحداث صعده مجددا قال " زيد " " الحكومة ملزمة بتعقب أي نشاط أيراني يتجاوز ما تسمح به طبيعة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين " مشيرا الى جهة نظره في الاتهامات الرسمية لإيران بالضلوع في دعم " الحوثيين " بالقول " كمواطن استبعد ذلك لأنه لم يتم القاء القبض على جاسوس أيراني واحد كما لم يتم كشف وثائق منذ عام 2004م وحتى الآن عن علاقة مالية مشبوهة بين أي يمني وإيراني ناهيك على أنه لا توجد مباشرة بين اليمنوإيران فالدعم أما أن يكون عبر السفارة الإيرانية ومن يذهب اليها يفترض انه مرصود وهذه مسئولية الأمن القومي والسياسي أو من خلال المنافذ الحدودية وهي أيضا مرصودة ولا أتصور إيران تخترق المملكة العربية السعودية وتسرب الدعم عن طريق الحدود مع السعودية " ذات الصحيفة تناولت أيضا تطورات الأحداث المتصاعدة في صعده من خلال رؤى لعدد من الكتاب عبر مقالات حملت تواقيع الكاتب الصحفي مهدي محسن حامد بعنوان " صعده عندما عجز السلم ..هل يتعثر الحسم المسلح " وكذا الكاتب منصور راجح الذي تحدث في مقال حمل عنوان " بين طهران والرياض ..هل تغادر اليمن الحديقة الخلفية " عن رؤيته لإبعاد ما يوصف بتصفية الحسابات الإقليمية من خلال الانبعاث المتجدد للمواجهات المسلحة بين " أتباع الحوثي " والدولة بصعده رئيس بعثة الكونجرس الأمريكي ل «الأيام»: البعثة في اليمن لتبادل المعلومات الاستخباراتية". كما أفردت الصحيفة مساحة في صفحتها الثانية لتغطية تطورات قضية " الجعاشن " نشرت فيها تقريرا لمراسلها في تعز تحدث حول استمرار عملية التهجير لأبناء الجعاشن وسط صمت رسمي متخاذل ". يومية " أخبار اليوم " من جهتها نشرت متابعات لأحداث المواجهات في صعده في أعدادها الصادرة الأسبوع الجاري كان من أهمها ما أبرزته في صفحتها الأولي من عددها الصادر الاثنين في خبر حمل عنوان ""عياش» والشرذمة تفشل في السيطرة على «ولد فوط» وتضمن معلومات نقلتها الصحيفة عمن وصفتها " بالمصادر المحلية " بالقول " أن قوات الجيش تمكنت وبعد انتهاء المهلة المحددة حتى ظهر يوم الأحد كمهلة أخيرة للمتمردين من تطهير فلول التمرد في منطقتي «جمعة بن فاضل» و«ولد عياش». وأشارت " الصحيفة إلى " أن القوات قد سيطرت على كافة المواقع التي كان يتمترس فيها المتمردون في هاتين المنطقتين، وأن المواجهات التي شهدتها هاتان المنطقتان قد أسفرت عن مصرع وجرح العديد من المتمردين الذي كانوا يتحصنون في مواقع «جمعة بن فاضل» و«ولد عياش» . صحيفة " النداء " الاسبوعية المستقلة أوردت في صفحتها الأولي بعددها الصادر الاربعاء خبرا تطرقت من خلاله إلى التباين بين تأكيدات رئيس الجمهورية بوجود بعد إقليمي وراء انبعاث أحداث صعده مجددا ونفي المعارضة لهذه التأكيدات مشيرة في خبرها الذي حمل عنوان " الرئيس يؤكد والمعارضة تنفي البعد الإقليمي لأحداث صعده إلى اتهامات الرئيس الأخيرة للحوثي وأتباعه " بتنفيذ إرادة الغير لتصفية حسابات إقليمية على الأراضي اليمنية " والى ما تضمنه البيان الأخير الصادر عن أحزاب اللقاء " المشترك " من نفي لوجود البعد الإقليمي في قضية أحداث صعده ".. النداء نشرت تحليلا بقلم المحرر السياسي لخارطة المواقف المتباينه بين السلطة والمعارضة أزاء توصيف حقيقة ما يحدث في صعده حمل عنوان " في ضرورة إعادة صعده الى السياسة " انتقدت فيه موقف أحزاب اللقاء المشترك بالقول " افسد اللقاء المشترك في بيانه الصادر الاثنين بشأن أحداث صعده صناعة الإجماع الوطني الذي بدا وكأنه قد دخل دور الازدهار ". كما نشرت الصحيفة خبرا حول تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في قضية " الجعاشن " مورده مقتطفات من بيان " هود " من أبرزها " الشيخ منصور يرد عسكريا على قرار البرلمان بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق " . ذات الصحيفة نشرت أيضا خبرا عن مصرع الطفل محمد العواضي " 11سنه " أثناء عودته من المدرسة امام عيني والده ومن قبل شيخ قبلي من منطقة سنحان ساردت تفاصيل الحادث المأساوي الذي دفع بثلة من المسلحين الى قتل الطفل بدم بارد امام ناظري والده ولمجرد خلاف على قطعة ارض أثارت أطماع الشيخ في الاستيلاء عليها ببسط اليد ". وكتب رئيس تحرير الصحيفة , سامي غالب , تحليلا مطولا حول مؤتمر الإصلاح الرابع المقرر أن ينعقد السبت المقبل تحت عنوان : ( لا دخان أبيض سيتصاعد من قاعة أبوللو.. كرادلة الاصلاح يجددون للشيخ الأحمر بواسطة الإرادة الشعبية ) وفيما يلي نص التحليل : (يتميز التجمع اليمني للإصلاح منذ نشأته ببرنامج انتخابي الكتروني متطور يتم من خلاله فرز أصوات المتنافسين لشغل 130 مقعداً في مجلس الشورى (اللجنة المركزية). وذلك على الأرجح ما سيحدث مطلع الأسبوع المقبل عندما يلتئم المؤتمر العام الرابع للإصلاح في العاصمة صنعاء. البلاغ الصحفي الصادر مساء الاثنين الماضي تعمد الاستطراد حال تطرق إلى بند المؤتمر الخاص بانتخاب مجلس الشورى الذي سيتم انتخابه من اعضاء و عضوات المؤتمر «وفق آلية تنافسية تتيح فرصاً متكافئة للترشح لعضوية المجلس حسب اللائحة الداخلية»، عدا هذا فقد التزم صائغو البلاغ الاقتضاب، وربما أصابهم قدراً من الانقباض، وهم يشيرون إلي أن بنود المؤتمر تتضمن انتخاب رئيس الهيئة العليا (رئيس الحزب) ونائبه، ورئيس الهيئة القضائية. لا يحيل البلاغ هنا على اللائحة الداخلية التي تلزم المؤتمر بانتخاب اشخاص جدد لشغل المواقع العليا في الحزب (الرئيس والأمين العام ورئيس مجلس الشورى). ومعلوم أن شاغلي هذه المواقع قد استنفدوا الحق في الترشح إليها بعد 3 دورات انتخابية. شيخان الدبعي، نائب رئيس لجنة الإعداد للمؤتمر، نفى في مؤتمر صحفي الاثنين إمكانية حدوث أي تعديلات في لوائح «الاصلاح»، وإذ لفت إلى عدم تقدم أية هيئة إصلاحية بمقترحات تعديل، قال إن إحداث تعديل يضمن بقاء أي من القيادات (الحالية) رهن بإرادة المشاركين في المؤتمر. إرادة المشاركين هنا تحيل على «الإرادة الشعبية»، التي غالباً ما تترجم نفسها في البلدان العربية على صورة مسيرات تأييد ومبايعة للحكام العرب المقيمين (بالأحرى المقعدين) في القصور الرئاسية والملكية. والحال أن البلاغ الصحفي للإصلاح، كما تصريحات قيادييه، تتوقى أية إشارات أو إشعاعات منبعثة من صلب مادة محورية في النظام الداخلي تحظر التجديد لرئيس الحزب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، أو أمينه العام محمد اليدومي أو رئيس مجلس شوراه الشيخ عبدالمجيد الزنداني. فالقياديون الثلاثة أمضوا 3 دورات في مواقعم الحزبية. وباتوا ملزمين بعدم الترشح شرعياً (!) وأخلاقياً وسياسياً حيال دستور حزبهم (الكلمة العليا في حياة الاصلاحيين) وقاعدتهم الحزبية (أعضاء المؤتمر الرابع يمثلون نسبة ضئيلة منهم)، وأنصار المعارضة الذين يُعدون بالملايين وينحازون إلى المعارضة أملاً في التغيير بمعناه الاجرائي والحسي: تداول السلطة سلمياً بدءاً من الموقع التنفيذي الأول في اليمن. على «الأخ الكبير» في اللقاء المشترك أن يُقدم القدوة لحلفائه ولجمهوره، فيُعلي من «دستوره» الذي امتنع «الاصلاحيون» قبل عامين عن المس بقواعده في الدورة الوثائقية المخصصة لبحث اقتراحات تعديل في أي من وثائق الحزب. إن الاحتكام للإرادة الشعبية (وهي هنا إرادة المشاركين) تؤكد رغبة «كرادلة الإصلاح» -أي الماسكين بالقرار في هيئاته العليا ومفاصله التنظيمية- في الانقلاب على الدستور المنظم للعلاقات والحقوق والواجبات داخل أكبر أحزاب المعارضة وعلينا ألاَّ ننتظر دخاناً أبيض يتصاعد من مداخن قاعة أبولو؟. إنه احتكام غير نظامي، وبالتالي غير ديمقراطي. وهو احتكام يتجاوز وصف الايعازإلي مرتبة التعميم الداخلي (أو التعاليم الشرعية) التي سيتعين على أعضاء المؤتمر (4000 عضواً) الإذعان لها بسلطة الأمر الواقع، وبسطوه الكرادلة وجدارة المصطفين الذين لم يكونوا كذلك عندما انتخبوا قبل 12 سنة، سنة إقرار انتخاب الرئيس علي عبدالله صالح بالأسلوب الشعبي المباشر! يتميز الإصلاح، ولا جدال، ببرنامج انتخابي الكتروني متطور، لكن هذا البرنامج يفقد كفاءته عند الحديث عن القيادات التاريخية (المؤسسة، والحاضنة). ما يستدعي مقولة «الاسلاميين والقوميين العرب» المركزية القائمة على التمييز بين انسانية الحضارة (أي مكتسباتها وأدواتها) وخصوصية الثفافات (والتي غالباً ما ترمز إلى الزعيم الجامع ووحدة الجماعة والظرف الاستثنائي). والثابت أن صناع القرار الحزبي في الاصلاح عملوا كل ما يلزم لإعادة انتخاب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيساً للإصلاح، و(إن أمكن فلا مانع من) إعادة انتخاب اليدومي والزنداني.وهم في مواربتهم (المكشوفة) حالوا دون طرح المواقع الحاكمة الثلاثة لفكرة التغيير، بدءاً من إغفال نصوص صريحة في اللائحة الداخلية، و مروراً بتصريحاتهم وبلاغاتهم التي تقصي مفردة التجديد (أو الجديد) كلما جاءوا على ذكر المواقع الثلاثة، وانتهاء باحترامهم غير المسبوق للإرادة الشعبية (إرادة المشاركين في المؤتمر)، وبات من المستبعد أن يبادر أحد هؤلاء المدعوين لإنفاذ «الإرادة المغلولة» الى خوض المغامرة بترشيح نفسه، وفي حال رشح نفسه فإن البرنامج الالكتروني المطور لن يكون ساعتها قيد الاستخدام! المؤتمر الرابع، إلى ذلك، مدعو إلى تكريس «الإصلاح» حزباً معارضاً، واسقاط رهانات البعض في أن يظل مجرد حزب في المعارضة، وقد يمهد لعلاقة موضوعية بين أكبر أحزاب المعارضة والسلطة، خصوصاً وأن الانتخابات الرئاسية الماضية كشفت للاصلاحيين، مدى الضرر الذي يلحقه بالحزب، استمرار فاعلية قنوات وصلات مرئية وغير مرئية، سياسية وغير سياسية، رسمية و(في الغالب) غير رسمية، بين رموز وفئات اصلاحية وبين شخصيات نافذة داخل مؤسسات الحكم الرسمية والفعلية. هذه القنوات والصلات أدت غالباً إلى التباسات وخِناقات وضغائن جراء التوقعات المفرطة لدى أطرافها، وجراء رهانات عقيمة ومداورات لا تنتهي ناجمة عن مألوف عادات من حقبة غابرة، أو من روابط شخصية أو من محض مصالح وهواجس وتهويمات. وإذاً، فإن الاصلاح ماضٍ في تكريس نفسه حزباً معارضاً وفياً لحلفائه، خصوصاً وأن معركته الديمقراطية المقبلة (أبريل 2009) تدور في الساحة التي يفضل اللعب فيها، كما أشقاؤه في العالم العربي، أي الانتخابات النيابية. وهي معركة لا تدور في مواجهة الرئيس صالح (وفي عينه)، وانما في مواجهة حزبه وأنصاره. يوم السبت المقبل سيكون لافتاً لأنظار المدعوين إلى افتتاح المؤتمر في قاعة أبولو في العاصمة صنعاء، وجود نحو600 إمرأة إصلاحية في المؤتمر (من اصل 4000 مندوباً). وهؤلاء اللواتي صبرن كثيراً على مدى سنوات وهن يكافحن في سبيل إعلاء كلمة الحزب (وأحياناً كلمة شيوخه الأجلاء)، ودفعن ضريبة الخروج إلى الشارع والدخول إلى مراكز الاقتراع المحفوفة بالأخطار، في سبيل مطالب سياسية، سينتظرن الجزاء من أغلبية المندوبين، هؤلاء الذين لا يرون حرجاً في زيادة غلتهن في هيئات الحزب التنفيذية، ولا يجدون مانعاً شرعياً أو اجتماعياً يحول دون ترشحهن إلى الهيئات العامة في الدولة، وفي الصدارة مجلس النواب والمجالس المحلية. والشاهد أن تلكؤ أصحاب الكلمة الفصل في الاصلاح في حسم مشاركة المرأة كمنتخبة (بالفتح) لا ناخبة فحسب، أدى إلى إلحاق ضرر انتخابي (وسياسي) بالمعارضة في الانتخابات الاخيرة. والاصلاح (بما هو حركة إسلامية) لا شك قد قرأ نتائج الانتخابات البرلمانية (2003) والرئاسية (2006)، ولحظ أنه لم يُعد الطرف الأقدر على جذب أصوات النساء في الانتخابات العامة. والمؤكد أن الالتزام الأصيل بالديمقراطية والحق في المشاركة السياسية للمرأة، هو الذي يُدر على المدى البعيد «الأصوات الناعمة» التي ما تزال تُعد، مكروهة (إنْ لم تكن منكرة) لدى أقلية صغيرة من «المحافظين» داخل الإصلاح. في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الإصلاح سيكون حاضراً جار الله عمر، السياسي المحنك الذي دفع حياته ثمناً لمغامرته الكبرى، والذي قضى في الجلسة الافتتاحية لمؤتمر الإصلاح الثالث (ديسمبر 2002). والوفاء لمهندس اللقاء المشترك من حلفائه ا لاصلاحيين، يقتضي إخضاع المزيد من مقولاتهم وشعاراتهم للشك، والمضي قدماً في سبيل تأسيس معارضة يمنية مدنية تُعلي من ثقافة الحوار وتنحاز إلى الحقوق والحريات وتنبذ التطرف المذهبي والأيديولوجي ). أسبوعية الصحوة الناطقة بسان حزب التجمع اليمني للأصلاح أوردت في صفحتها الأولي بعددها الصادر اليوم الخميس مقتطفات واسعة من بيان أحزاب " المشترك " حول تطورات المواجهات الدامية في محافظة صعده مبرزة هذا العنوان :" المشترك يدين تجدد مواجهات صعده ويرفض أي تدخل خارجي " . كما نشرت الصحيفة تقريا إخباريا لمراسلها في مدينة تعز تناول من خلاله تطورات " قضية الجعاشن " نقل من خلاله مناشدة أبناء الشمايتين لنائبهم بأن يكف عنهم نوابه " . وأبرز التقرير ما يتعلق باعتصام نفذه مواطنون قدموا من كافة قرى وعزل الشمايتين بتعز أمام مقر المجلس المحلي للمطالبة " بالمواطنة المتساوية ووقف العبث بالتعليم من قبل المتنفذين والوقوف ضد القمع والتعسف ومصادرة الحقوق " . كما احتلت قضية " مقتل الطفل محمد العواضي " على يد شيخ من سنحان مساحة على صدر الصفحة الأولي من الصحيفة مبرزة عنوان لافتا تضمن " بعد أن عجوا عن اختطافه ..مرافقوا شيخ من سنحان يقتلون طفلا أمام والده " . الصحيفة أبرزت أيضا خبرا حمل عنوان " الاصلاحيون يدشنون مؤتمرهم الرابع " تضمن استعراضا للاستعدادات القائمة لعقد المؤتمر العام الرابع لحزب التجمع اليمني للإصلاح . أسبوعية " الوسط " بدورها نشرت في عددها الصادر الأربعاء الماضي عددا من التغطيات الخاصة لتطورات المواجهات بصعده حيث أوردت في صدر صفحتها الأولي خبر ا خاصا حمل عنوان "يحيى الحوثي يقود حرب بيانات تصف الرئيس بالطاغوت والمرتد" نقلت من خلاله عن مصدر وصفته بالمقرب من الحكومة تأكيداته بتقدم الجيش في المواجهات المحتدمة مع الحوثي وأتباعه بالقول " تقدم أحرزه الجيش يوم أمس الثلاثاء باتجاه تحصينات أتباع الحوثي والذي كان مصدراً مقرب منهم قد أكد ل«الوسط» استيلاء مجاميع تتبعهم على مواقع في غرابة العسكري شمال مديرية سحار الاثنين الماضي وأنهم قد تمكنوا من الاستيلاء على مختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة التي خلفها المنسحبون . وأشارت " الوسط " إلى تمكن عناصر حوثية من إسقاط طائرة عسكرية بالقول " تمكنت عناصر حوثية من إسقاط طائرة هيلوكبتر في منطقة «بركان» بحرف سفيان إلاَّ أن طاقمها نجا من الحادثة ورغم نفي مصدر عسكري للحادثة إلاَّ أن شهود عيان أكدوا الحادثة بما فيهم شخصيات برلمانية وقبلية زارت موقع سقوط الطائرة التي لم يتم انتشالها إلاَّ بعد ساعات من الحادثة وفي غير المواجهات تم اغتيال طه الصعدي وهو ضابط في الجيش حينما خرج من منزله لإجابة احد كان يناديه. وحول حرب البيانات التي يقودها يحي الحوثي قالت الصحيفة "وفي إدارة موازية للقتال في الميدان يقود يحيى الحوثي حرب بيانات يصدرها من الخارج فقد اتهم الرئيس بالعمالة لجهات أجنبية «يعمل لأجلها منذ توليه السلطة لقاء ما يتقاضاه من أموال ونسب إليه قتل الحمدي بتوجيه من السعودية واصفاً إياه بالطاغوت المرتد عن الدين وخارج إلى أوهام الدجالين. كما نشرت " الوسط " خبرا استقته من صحف سويسرية حول تقديم اليمن معلومات عن معتقليها على ذمة القاعدة للجهات الأجنبية مشيرة إلى ذلك بالقول " ذكرت المعلومات المنشورة في الصحف السويسرية أن اليمن كانت شريكة مع القضاء السويسري في قضية التحقيق مع معتقلين يمنيين متهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة إلى جانب ال(سي أي ايه) الأمريكي. وتحدث صحفيان سويسريان عن ارسال القضاء السويسري لصور المعتقلين اليمنيين الى جوانتانامو «ما أثار ضجة لدى الرأي العام» وعلقا على ذلك ب«ثم أعقبه أقامة شراكة مع دولة اليمن المنتهكة للحقوق ". صحيفة ( الطريق ) الأسبوعية كشفت في خبر على صدر صفحتها الأولى عن أن السلطات اليمنية تحقق مع إيراني متورط بدعم المتمردين الحوثيين ونسبت الخبر الى مصادر خاصة وجاء فيه : ( كشفت مصادر أمنية أن السلطات في محافظة صعدة ألقت القبض على رجل ايراني متورط بدعم أحداث التمرد الأخيرة التي تقوم بها الجماعة الإرهابية لتنظيم الشباب المؤمن المحظور بقيادة عبد الملك الحوثي . وضبطت ا جهزة الامن اليمنية رجل الاعمال الايراني مختبئا في منزل احد قادة جماعة الجوثي ويدعى صالح مطر في منطقة مذاب العقب في محافظة صعدة . وذكر احد المصادر ل ( الطريق ) ان الايراني وهو مقاول دأب على العمل في المقاولات السكنية والانشائية بمحافظات مأرب , الجوف وصعدة منذ عدة سنوات , بيما كشفت المعلومات الاستخبارية انه على صلة محتمله باطراف رئيسية تعتبرها السلطات ضالعة في احداث الفتنة والاشتباه بقيامه بدعم الحوثي وجماعته ماديا ولوجستيا وتمويل انشطتهم التي يسعون بها الى زعزعة الامن والاستقرار والسلم الاجتماعي في اليمن . وكانت الحكومة لوحت الاسبوع الماضي بقطع علاقات مع دولتين على خلفية مواقفهما من دعم الاحداث والتمرد الحوثي في صعدة . وقالت المصادر ان الرجل الايراني الذي لم تكشف عن اسمه المصادر نقل الى السلطات الامنية بصنعاء حيث تجري معه التحقيقات ومن ثم احالته الى المحكمة ) . صحيفة " الميثاق " , الناطقة باسم المؤتمرالشعبي العام , اوردت تحقيا صحفيا للصحفي عبدالولي المذابي ,حول الفساد تحت عنوان (اختلفوا على تعريفه واتفقوا على أضراره الكارثية.. الفساد.. الجريمة المجهولة؟؟ ) , وهذا نصه : (يعبر الفساد عن حالة انحراف قيمي تترجم بسلوكيات تنتهي بخروج عن الأهداف الحقيقية للمؤسسة أو الدولة، ويظهر الفساد في أشكال عدة ومتنوعة.. ويعتبر هذا الانحراف السلوكي ظاهرة عالمية مؤرقة للشعوب والدول نظراً لتعدد مظاهره وآثاره السلبية الكبيرة على مختلف الأنشطة الحياتية، فلم يعد هناك أي مجال أو نشاط إنساني لم يتعرض للأختراق من قوى الفساد وشياطينه.. وقد مر الفساد بثلاث مراحل في التطور والتشعب فكان ينظر إليه في المرحلة الأولى على أنه مخالف للقيم وفي المرحلة الثانية كان مخالفة للقوانين والشرائع الإلهية، أما المرحلة الأخيرة التي نحن بصددها اليوم فقد وصل الفساد إلى أرفع مراحله بل أحطها وهي مرحلة اختراق القيم والقوانين والنظم والمعتقدات. هناك مثل يوناني قديم يقول : »كلما زادت القوانين غير المطبقة للدولة، زادها الفساد فساداً« وتعرف منظمة الشفافية العالمية الفساد بأنه استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة. والفساد في اللغة: نقيض الصلاح. فَسَد يَفْسُدُ وفَسُدَ فَساداً وفُسُوداً فهو فاسد. والفساد: خروج الشيء عن الاعتدال، قليلاً كان الخروج عنه أو كثيراً، ويضادّه الصلاح، ويُستعمل ذلك في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة. هناك توجهات متنوعة في تعريف الفساد فهناك من يعرفه بأنه وهو خروج عن القانون والنظام (عدم الالتزام بهما) أو استغلال غيابهما من اجل تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية للفرد أو لجماعة معينة، فهو سلوك يخالف الواجبات الرسمية للمنصب العام تطلعا إلى تحقيق مكاسب خاصة مادية أو معنوية. وهناك اتفاق دولي على تعريف الفساد كما حددته "منظمة الشفافية الدولية" بأنه " كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته "، وبشكل عام وبالنتيجة فإن الفساد يؤدي إلى إلحاق الضرر بالمصلحة العامة. مظاهر الفساد تتعدد مظاهر وصور الفساد ولا يمكن حصر هذه المظاهر بشكل كامل ودقيق فهو يختلف باختلاف الجهة التي تمارسه أو المصلحة التي يسعى لتحقيقها، فقد يمارسه فرد أو جماعة أو مؤسسة خاصة أو مؤسسة رسمية أو أهلية، وقد يهدف لتحقيق منفعة مادية أو مكسب سياسي أو مكسب اجتماعي. وقد يكون الفساد فردي يمارسه الفرد بمبادرة شخصية ودون تنسيق مع أفراد أو جهات اخرى، وقد تمارسه مجموعة بشكل منظم ومنسق، ويشكل ذلك اخطر أنواع الفساد فهو يتغلغل في كافة بنيان المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. وينقسم الفساد وفقا لمرتبة من يمارسه إلى فساد أفقي »فساد صغير Minor Corruption« يشمل قطاع الموظفين العموميين الصغار بحيث يتطلب إنجاز أية معاملة مهما كانت صغيرة تقديم رشوة للموظف المسؤول، وفساد عمودي (فساد كبير Corruption Gross) يقوم به كبار المسؤولين ويتعلق بقضايا اكبر من مجرد معاملات إدارية يومية، كما يهدف إلى تحقيق مكاسب اكبر من مجرد رشوة صغيرة.وعلى وجه العموم يمكن تحديد مجموعة من صور الفساد وأشكاله على النحو التالي: - استخدام المنصب العام للحصول على امتياز خاصة كالاحتكارات المتعلقة بالخدمات العامة ومشاريع البنية التحتية، والوكالات التجارية للمواد الأساسية، أوالحصول من آخرين على العمولات مقابل تسهيل حصولهم على هذه الامتيازات دون وجه حق. - غياب النزاهة والشفافية في طرح العطاءات الحكومية، كإحالة عطاءات بطرق غير شرعية على شركات ذات علاقة بالمسؤولين. - المحسوبية والمحاباة والوساطة في التعيينات الحكومية. - تبذير المال العام من خلال منح تراخيص أو إعفاءات ضريبية أو جمركية لأشخاص أو شركات بدون وجه حق بهدف استرضاء بعض الشخصيات في المجتمع أو تحقيق مصالح متبادلة أو مقابل رشوة، مما يؤدي إلى حرمان الخزينة العامة من أهم مواردها. أسباب تفشي ظاهرة الفساد تتعدد الأسباب الكامنة وراء بروز ظاهرة الفساد وتفشيها في المجتمعات بالرغم من وجود شبه إجماع على كون هذه الظاهرة سلوك إنساني سلبي تحركه المصلحة الذاتية، ويمكن إجمال مجموعة من الأسباب العامة لهذه الظاهرة. وبشكل عام يمكن إجمال هذه الأسباب كمايلي: - انتشار الفقر والجهل ونقص المعرفة بالحقوق الفردية، وسيادة القيم التقليدية والروابط القائمة على النسب والقرابة. - عدم الالتزام بمبدأ الفصل المتوازن بين السلطات الثلاث. - ضعف أجهزة الرقابة في الدولة وعدم استقلاليتها. - تدني رواتب العاملين في القطاع العام وارتفاع مستوى المعيشة. - غياب قواعد العمل والإجراءات المكتوبة ومدونات السلوك للموظفين في قطاعات العمل العام والأهلي والخاص. - غياب حرية الإعلام، مما يحول دون ممارستها لدورها الرقابي على أعمال الوزارات والمؤسسات العامة. - ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الخاصة في الرقابة على الأداء الحكومي أو عدم تمتعها بالحيادية في عملها. - غياب التشريعات والأنظمة التي تكافح الفساد وتفرض العقوبات على مرتكبيه. الآثار المترتبة على الفساد يلقي الفساد بظلاله على مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويؤدي الفساد إلى خلخلة القيم الأخلاقية والى الإحباط وانتشار اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع، وبروز التعصب والتطرف في الآراء وانتشار الجريمة كرد فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص. كما يؤدي الفساد إلى عدم المهنية وفقدان قيمة العمل والتقبل النفسي لفكرة التفريط في معايير أداء الواجب الوظيفي والرقابي وتراجع الاهتمام بالحق العام. والشعور بالظلم لدى الغالبية مما يؤدي إلى الاحتقان الاجتماعي وانتشار الحقد بين شرائح المجتمع وانتشار الفقر وزيادة حجم المجموعات المهمشة والمتضررة وبشكل خاص النساء والاطفال والشباب. ومن الناحية الاقتصادية يؤدي الفساد الى الفشل في جذب الاستثمارات الخارجية، وهروب رؤوس الأموال المحلية، كونه يتعارض مع وجود بيئة تنافسية حرة التي تشكل شرطا أساسيا لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية على حد سواء، وهو ما يؤدي إلى ضعف عام في توفير فرص العمل ويوسع ظاهرة البطالة والفقر. ومن الناحية السياسية يترك الفساد آثارا سلبية على النظام السياسي وقدرته على احترام حقوق المواطنين الأساسية وفي مقدمتها الحق في المسأواة وتكافؤ الفرص وحرية الوصول إلى المعلومات وحرية الإعلام. - يؤدي إلى خلق جو من النفاق السياسي كنتيجة لشراء الولاءات السياسية. الفساد من منظور اسلامي تعتقد الباحثة السعودية هناء يماني بوجود انفصام بين النظرية والتطبيق وبين التصور والسلوك وبين القناعات والأداء ومرد هذا إلى ضعف التدين وغلبة الهوى والسعي واللهث نحو تحقيق المصالح الشخصية إضافة لضعف الرقابة الداخلية ورقابة المجتمع. وترى أن الحديث عن الفساد لا يخص مجتمعا بعينه أو دولة بذاتها، وإنما هو ظاهرة عالمية تشكو منها كل الدول، لما له من خطر على الأمن الاجتماعي والنمو الاقتصادي والأداء الإداري، ومن هنا حازت هذه الظاهرة على اهتمام كل المجتمعات وكل الدول وتعالت النداءات إلى إدانتها والحد من انتشارها ووضع الصيغ الملائمة لذلك. ولقد تناول القرآن جانب الفساد، وتعددت الآيات التي تذكر لفظ الفساد، ويذكرأن الانطباع الأول الذي تبادر عند الملائكة حينما خلق الله آدم، وأخبرهم أنه جاعل في الأرض خليفة كان استفهاما استغرابيا عن إنشاء هذا المخلوق الجديد، وذلك بقولهم : { قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء } (البقرة : 30)، ومعنى ذلك بأن الأرض كانت مكانا يسوده الاطمئنان والسلام والهدوء لا فساد فيها ولا خراب ولا تجأوز ولا تعدٍ حتى كان هذا المخلوق المكرّم عند الله هو مبدأ الفساد وسفك الدماء، وكان الرد الرباني على هذا الاستغراب الملائكي : { قال إني أعلم ما لا تعلمون } (البقرة : 30)، إشارة إلى سر في هذا المخلوق وحكمه في وجوده على الأرض وطبيعته ومسيرته وتكامله فيها، ولعل في الجواب الإلهي للملائكة إقرارا بهذا الجانب في الظاهرة الإنسانية وكأن الفساد وسفك الدماء ملازمان لطبيعة الإنسان بما يملكه من قدرة على الاختيار والإرادة والتجأوز : { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا } (الدهر : 3). مفهوم الفساد الإداري يحدد بعض المتخصصين مفهوم الفساد الإداري (بانه يجسم ظاهرة سلبيه بحد ذاتها تنبع من انحراف قيمي وتترجم بسلوكيات منحرفة عن النظام السلوكي المعتمد، وتنتهي بأهداف غير الاهداف الحقيقيه لأجهزة الدولة). والبعض الاخر يعرف الفساد الإداري (بانه الانحراف عن قواعد العمل الموضوعه في الجهاز الإداري)، وهنالك من يفسر الفساد الإداري (بأنه القصور القيمي عند الافراد الذي يجعلهم غير قادرين على تقديم الالتزامات الذاتية المجردة التي تخدم المصلحه العامة) كما عرف الفساد الإداري (بانه الحالة التي يدفع فيها الموظف، نتيجه محفزات مادية أو غير مادية غير قانونية، للقيام بعمل لصالح مقدم المحفزات وبالتالي الحاق الضرر بالمصالح العامة). ويؤخذ على هذا التعريف بانه اهمل امكانية حدوث الفساد الإداري نتيجة اندفاعات ذاتية عند الموظف والموظفين ولصالحهم ودون وجود شخص اخر يقدم المحفزات ويتلقى المحاباة والمعاملة الخاصة. بجانب ماتقدم يعرف الفساد الإداري بانه (السلوك المنحرف عند الواجبات الرسمية لاعتبارات خاصة كالاطماع المالية والمكاسب الاجتماعية أو ارتكاب مخالفات ضد القوانين لاعتبارات شخصيه). تصنيف الفساد الإداري لقد صنف الفساد الإداري، استنادا على الرأي العام تجاهه، الى ثلاثة انواع (الابيض، والاسود، والرمادي) فإذا اتفق الجمهور والعاملون في الجهاز الإداري للدولة على ادانة عمل رديء معين، اعتبر ذلك العمل فساداً اسود في حين اذا استحسن ذلك العمل من قبل نفس الجهاز عندئذ يعتبر فساداً ابيض، اما اذا لم يتم الاتفاق فذلك يعني انه فساد رمادي. وهنا تبرز الصعوبه في تحديد موقف الرأي العام بالنسبة لظاهرة الفساد الإداري المعنية. ويرى الدكتورماجد محمد خورشيد الدأودي الخبير الاقتصادي أن التصنيف اعلاه هو الاكثر دقة من التعاريف التي تعتبر مجرد الخروج على قواعد العمل المعتمدة في الجهاز الإداري أو مجرد الخروج عن قواعد النظام القبلي في المجتمع حالات فساد اداري. يقول الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى الفقي: أن المجتمعات تعاني من ظاهرة الفساد بسبب غيبة الرؤية وتداخل القضايا بل وازدواج النظرة أحيانا، ويضيف بأن الثقافة المجتمعية من الأسباب المؤدية لظاهرة الفساد وأن علاج الفساد يكمن في التركيز على الإصلاح الاجتماعي وليس مجرد التوقف عند الإصلاح الاقتصادي لأن _ من وجهة نظره _ المناخ العام في كل مجتمع هو الذي يحدد درجة تقبله للفساد من عدمه ويطرح أيضا أسلوب مواجهته سواء تم ذلك بالطرق القانونية أو الجهود الثقافية. أسباب الفساد الإداري : الفساد يعود في الغالب إلى سببين رئيسيين هما : الرغبة في الحصول على منافع غير مشروعة _ ومحاولة التهرب من الكلفة الواجبة. وللفساد أسباب تربوية وسلوكية تتمثل بعدم الاهتمام بغرس القيم والأخلاق الدينية في نفوس الأطفال مما يؤدي إلى سلوكيات غير حميدة بقبول الرشوة وعدم المسئولية وعدم احترام القانون. وهناك أسباب بيئية داخلية (قانونية) مصدرها سوء صياغة القوانين واللوائح المنظمة للعمل وذلك نتيجة لغموض مواد القوانين أو تضاربها في بعض الأحيان، الأمر الذي يعطي الموظف فرصة للتهرب من تنفيذ القانون أو الذهاب إلى تفسيره بطريقته الخاصة التي قد تتعارض مع مصالح المواطنين. من أين يبدأ الفساد؟ جاء في كتاب (الفساد. الأسباب والعواقب والإصلاح) لمؤلفته الدكتورة سوزان روز أكرمان، وهي أستاذة في القانون والعلوم السياسية بجامعة ييل في الولاياتالمتحدةالأمريكية إن من أكبر مظاهر الفساد الإداري هو عندما يكون المسؤول الأول مشغولاً لدرجة أن يترك أمور جهازه الإداري في تصرف أحد موظفيه وكم من موظف أصبح في الأهمية قبل رئيسه. وهنا يبدأ الفساد الإداري في غياب المراقبة والمتابعة حتى إن العديد من القضايا المهمة التي تحتاج إلى أن يحاط المسؤول الأول بها علماً تحجب عنه ولا يعلم عنها إلا بعد وقوع كارثة أو نتيجة مساءلة للمسؤول ممن هو أعلى منه. أما عن الفساد الإداري المرتبط بالمحسوبيات فتقول هذه الدراسة إن الدول العربية هي أكثر دول العالم التي ينتشر فيها هذا النوع من الفساد الإداري والذي تلعب المحسوبية من القرابة أو الرحم أو الانتماء إلى قبيلة أو منطقة دوراً كبيراً فيه مما يؤدي إلى إعطائهم الأولوية في التعيين أو الترقية أو الابتعاث أو تسهيل الإجراءات وحرمان الآخرين بدون سبب غير ذلك. وتوضح الدراسة أن غياب أجهزة المتابعة والتقييم وغياب المواطنين الصادقين والمخلصين في نقل الصورة الحقيقية لولي الأمر عن المسؤولين الفاسدين إدارياً تجعل الأمر أكثر تعقيداً. ويتحول في النهاية الفساد الإداري إلى فساد مالي يدفع قيمته المواطنون المحتاجون حيث إن الفساد المالي ينقسم إلى قسمين الأول ويسمى (سرقة المال العام) والثاني (سرقة أموال المواطنين) والثاني هو الأخطر والأسوأ حيث تصعب مراقبته وينتشر سريعاً حتى يصبح وكأنه رسم متعارف عليه وتختلف أنواعه.. فمنها النقدي ومنها العيني ومنها تسهيلات أخرى. ويتحاشى الناس المحتاجون الرافضون لهذه الأتأوى من الإعلان أو الشكوى خوفاً على مصالحهم الحالية والمستقبلية. وتؤكد الدراسة أنه وإن كانت بعض الدول النامية قد وضعت أنظمة وقوانين تمنع الوزراء من ممارسة العمل الخاص أو أبناءهم أو زوجاتهم خوفاً من استغلال النفوذ إلا أنه على أرض الواقع لا يوجد تطبيق صارم لهذا النظام لعدم وجود أجهزة رقابة على الوزراء وكبار الموظفين ولهذا فإن النظام غير مفعل ولا يجرؤ أحد أن يتحدث عن مخالفة بعض الوزراء الذين يعمل أبناؤهم في أعمال خاصة مرتبطة بأعمال وزاراتهم. قالوا عن الفساد.. ويقول سليمان بن محمد الجريش أمين عام مجلس هيئة التحقيق والإدعاء العام السعودي - مؤلف كتاب (الفساد الإداري وجرائم إساءة استخدام السلطة والوظيفة) : الفساد يعد من الجرائم المجهولة ومن الجرائم الصعبة الاكتشاف، وعادة يكون الاتفاق على هذا الأمر حذراً جداً ولا يكون مباشراً وغالباً ما يتم الفساد عن طريق وسطاء، والتلاعب بالمال العام لا يكون مباشراً ولكن عن طريق تمرير، فجريمة الاختلاس صعب الحكم عليها لذلك يسميها اهل الاختصاص الجرائم المجهولة التي تتم في الظلام، ولهذا نجد ان القضاء يقف حائراً امامها عند المناقشة، فوسائل الاثبات التي تقدمها الدولة وجهات الادعاء وجهات التحقيق دائماً ما تكون محل جدل، ولا يعني هذا ان الفساد غير مكتشف، ولكن يتعطل عندما تكون هناك انظمة غير واضحة وعندما يكون هناك تعطيل للمصالح ووجود بيروقراطية وعندما نرى ان هناك اشخاصاً جاثمين على كراسيهم ثلاثين أو اربعين سنة في ادارات معينة كالمالية والمناقصات وغيرهما من الأماكن التي لها علاقة بالأمور الخدمية، وهنا تبدأ الشكوك عند الناس، ثم تبدأ عملية الاتهام وبعدها يأتي التحليل ثم يصل بعد ذلك الناس الى نتائج قد تكون صحيحة أو غير صحيحة ولكنها تثير الشكوك. يقول الدكتور سالم بن سعيد القحطاني أستاذ الإدارة المشارك - جامعة الملك سعود : تطور مفهوم الفساد الإداري من خلال ثلاث مراحل الى ان اصبح اليوم ليس فساداً على مستوى المنطقة وإنما على مستوى العالم. في المرحلة الأولى كانت هناك قيم وكان ينظر الى من كان يخالفها على انه ارتكب جريمة فساد، لأنه خالف القيم، وفي المرحلة الثانية ظهرت النظم والقوانين وأصبح من يخالفها سواء في الأعمال أو في الممارسات أو في الإدارة فإنه يكون قد إرتكب جريمة فساد اداري، ولم تعد القيم بالنسبة لبعض المهتمين بالنظم والقوانين، ذات قيمة كبيرة، وإنما يركزون فقط على مخالفة الأنظمة والقوانين، وهذا ما نراه في البلاد غير الإسلامية، أما البلاد الإسلامية فتركز على القيم والمعتقدات، ثم جاءت المرحلة الثالثة وهي الخلط مابين القيم والأنظمة. موجود في الأنظمة أما الدكتور عزمي الشعيبي فيرى أن الفساد الإداري موجود في كل الأنظمة سواء كانت ديموقراطية أو دكتاتورية، فالفساد ينشئ في بيئة تتوفر فيها شروط معينة تتيح المجال لاستغلال الفرص والاستفادة من (الرشوة) أو الواسطة والمحسوبية (سوء استخدام الموقع العام) لمصالح خاصة. ومن المؤكد أن اللامركزية تقلل من فرص اشخاص مركزيين لاستثمار الوظيفة العامة، الا انه تنشأ فرص لاعداد جديدة وهم العاملون في الهيئات المحلية. ويرى الدكتور مصطفى الفقى رئيس لجنة العلاقات الخارجية مجلس الشعب المصري: إن الذين قالوا أن "التزأوج بين السلطة والثروة يولد الفساد" كانوا على حق لأن كثيراً من النظم السياسية خصوصاً في العالم الثالث قد اعتمدت على أساليب تخرج عن نطاق دورها ومارست تأثيراً قوياً على دوائر المال ورجال الأعمال وأصحاب الثروة حتى أصبحت رائحة ذلك التزأوج تزكم الأنوف وتمثل مصدر خطر كبير. كيف نواجه الفساد الإداري ؟ الفساد الإداري ينشأ نتيجه لوجود فرص ومحفزات تدفع الموظفين لممارسته وبالتالي فإن الحلول الناجحة تكون بأزاله تلك الفرص وفي نفس الوقت العمل على مضاعفة المردودات السلبيه لعملية الفساد الإداري بالنسبة (للموظفين الفاسدين) داخل الجهاز الإداري وجعلها اكثر من المردودات الايجابية (أي مايتوقع ان يحصل عليه لممارسته الفساد)... ويمكن معالجة ذلك بالطرق التالية :- - تشريع عمليات الفساد الإداري المالية، أي جعل بعض العمليات التي تنضوي تحت مفهوم الفساد الإداري شرعية واعتبار مايدفع لقاء القيام بها تحت نفس المفهوم رسما حكوميا واجب الدفع لميزانية الجهاز الإداري المعني. -اعادة صياغة الخطوات والاجراءات لاتخاذ القرارات التي تسربت اليها عمليات الفساد الإداري بحيث تقلص المنافذ التي كانت تنساب من خلالها عمليات الفساد الإداري. - اجراء تغيرات في الهياكل التنظيمية لتسهيل عمليات الاشراف وازالة حالات تمركز صلاحيات اتخاذ القرارات في الجهاز الإداري المعني.. كذلك فان اجراء تغيرات دورية في شاغلي المراكز القيادية الإدارية وسيؤدي الى الحد من تنامي العلاقات الاجتماعية بين القادة وتابعيهم وبين الافراد الخارجين. كما ان استحداث تشكيلات رقابية وتفتيشية متخصصة داخل الجهاز الإداري المعني يمكن ان تساعد في تضييق احتمالات ظهور حالات الفساد الإداري. - مضاعفة العقوبات والمردودات السلبية بالنسبة لممارسات الفساد الإداري. - احداث تغيرات قيمية في النظام الاجتماعي الذي يعمل ضمنه الجهاز الإداري المعني بحيث تعمق ادانة الممارسات الإدارية الفاسدة، كذلك احداث تغيرات في معاير اختيار القادة الإداريين لضمان الوقاية من تسرب قيادات يمكن ان تمارس الفساد أو تتساهل ازاء حالات الفساد. - التقييم الدوري لقيم وسلوكيات وممارسات الافراد العاملين داخل الجهاز الإداري والمتعاملين معه. - التأكيد من خلال برامج التعليم في المدارس والجامعات على غرس روح الولاء لاهداف المصلحة العامة عند الافراد وعدم تفضيل المصالح الفرديه عليها، بما يساهم في تخريج جيل جديد من المثقفين والمتخصصين يؤمنون بالولاء للمصلحة العامة. - تشجيع مشاركة العاملين في الجهاز الإداري الحكومي وكذلك المواطنين من خارج الجهاز بأتخاذ القرارات وبالتالي خلق حصانة ذاتية في الجهاز الإداري ضد احتمالات ظهور حالات الفساد الإداري. - نشر قيم العدالة وتقليل الفوارق في المزايا المكتسبة بين العاملين داخل الجهاز الإداري الحكومي. - تنمية الحس العام لدى افراد المجتمع (المواطنين) بشكل عام وكذلك العاملين في الأجهزة الإدارية للدوله بشكل خاص ضد ممارسات الفساد الإداري.. وهذا يتطلب وضع خطة اعلامية وثقافية شاملة وهادفة وفي ضوء تشخيصات ميدانية لاسباب حالات الفساد الإداري، كذلك تجنيد وسائل وأجهزة الإعلام والأجهزة التعليمية والتربوية في الدوله لهذا الغرض. - الغاء الأجهزة الإدارية الاكثر فسادا أو التي لايؤمل انقاذها من الفساد ضمن الامكانات المتاحه والعمل على انشاء أجهزة بديلة اذا كان ذلك الجهاز ضروري لعمل الدولة وذو فائدة للمجتمع. دور الإعلام الباحث العراقي كامل القيّم وضع بعض المقترحات المختزلة لكيفية تفعيل دور الإعلام في ملاحقة الفساد الإداري منها : _ عمل مؤتمر إعلامي لوضع آلية عمل شاملة لتشكيل (حملة إعلامية) للحد من الفساد الإداري، بالاشتراك مع الأكاديميين، وعلماء الاجتماع والدين والسياسة والاقتصاد، بالإضافة الى رجال الإعلام. _ تكفيل الحماية القانونية للصحفي أثناء عمله في الكشف عن حالات الفساد. _ الإيعاز لكافة دوائر الدولة والمرتبطة بها لتزويد رجال الإعلام بالمعلومات المالية والإدارية، التي من شانها ان تصل الى حالة مرجوة العمل أو النشر. ((وبقرار من رئاسة الوزراء)). وفي فلسطين أعدت المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية "مفتاح" بإشراف "ائتلاف أمان" مشروعا لتعزيز قدرة الإعلاميين على مكافحة الفساد سيتم تنفيذه خلال العامين 2006 -2007 ويهدف المشروع إلى تعزيز قدرة وكفاءة وسائل الإعلام وضمان استقلاليتها لمحاربة الفساد من خلال عقد عدد من الدورات التدريبية حول أصول الصحافة الاستقصائية من اجل الكشف عن الفساد، بالإضافة إلى تشجيع وتوفير الحماية لوسائل الإعلام حتى تتمكن من العمل في بيئة تمكنها من التعامل والتطرق إلى قضايا الفساد دون أية قيود أو شعور بالخوف. اتفاقية الأممالمتحدة دخلت اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد حيز التنفيذ في 14/12/2005. وتشكل هذه الإتفاقية خطوة هامة في حركة مكافحة الفساد في جميع أنحاء العالم حيث تندرج تحت هذه الإتفاقية التزامات لجميع الدول للعمل على تحريم الفساد بكافة أشكاله، وتشكيل ودعم المؤسسات العاملة على منع حدوثه، وملاحقة مرتكيبه، ومن أهداف هذه الاتفاقية: - ترويج وتدعيم التدابير الرامية إلى منع ومكافحة الفساد بصورة أكفأ. - ترويج وتيسير ودعم التعاون الدولي والمساعدة التقنية في مجال منع ومكافحة الفساد، بما في ذلك في مجال استرداد الموجودات - تعزيز النزاهة والمساءلة والإدارة السليمة للشؤون العمومية والممتلكات العمومية. وتقوم كل دولة طرف، وفقا للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، بوضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع، وتجسد مبادئ سيادة القانون، وحسن إدارة الشؤون والممتلكات العمومية، والنزاهة والشفافية والمساءلة وترويج ممارسات فعالة تستهدف منع الفساد وإجراء تقييم دوري للصكوك القانونية والتدابير الإدارية ذات الصلة، بغية تقرير مدى كفايتها لمنع الفساد ومكافحته. تنظر كل دولة طرف أيضا في اعتماد تدابير تشريعية وإدارية مناسبة، بما يتوافق مع أهداف هذه الاتفاقية، ووفقا للمبادئ الأساسية لقانونها الداخلي، لوضع معايير تتعلق بالترشيح للمناصب العمومية وانتخاب شاغليها. اليمن في مواجهة غول الفساد عانت اليمن كغيرها من دول العالم من تفشي الفساد لأسباب عدة تداخلت فيها الاقتصاد والسياسة وغيرها، وانعكست آثار الفساد على كل مناحي الحياة نسب متفاوتة، وهو ما دفع القيادة السياسية والحكومات المتعاقبة إلى تبني برامج إصلاحية.. للهياكل الإدارية والمالية واستحداث وتعديل العديد من القوانين والعمل على مواجهة الفساد بكافة الأساليب والوسائل المتاحة. وأنشئت هيئات ولجان حكومية ومستقلة لمكافحة الفساد والتوعية بمخاطره وآثاره الكارثية، التزاماً منها بمقتضيات اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد. كما عملت الحكومة على إصلاح القضاء وفق برنامج مرحلي تضمن في البداية تحسين أوضاع العاملين في جهاز القضاء ومنحهم رواتب ومكافآت مجزية تمنعهم من ذل السؤال، ثم قامت بتطوير نظام وإجراءات التقاضي والتوسع في إنشاء المحاكم والنيابات، ورفع مستوى القضاة ثقافياً ومعرفياً من خلال إدخال النظم المتطورة وشبكات المعلومات وأساليب التخزين والتوثيق، ورفد الجهاز القضائي بكوادر متخصصة جرى تدريبها وفق أحدث المناهج والطرق التدريسية.. تلى ذلك إجراء تنقية للسلك القضائي من الأعضاء غير الفاعلين الذين ثبت عدم نفعيتهم ومواكبتهم للإصلاح المطلوبة، وكانت الخطوة المهمة التي اتخذت في مجال الإصلاح القضائي هي التأكيد على استقلالية القضاء وتحريره من أي ضغوط كانت، فأصبح هناك مجلس أعلى للقضاء يدار باستقلالية ويرأسه أحد أعضاء السلك القضائي المشهود لهم بالنزاهة، وتمكن هذا المجلس من كشف العديد من قضايا الفساد، كما تمكن المجلس بواسطة جهاز التفتيش القضائي من إحالة عدد من القضاة الذين ثبت تورطهم في قضايا فساد وتحايل على القوانين والأنظمة إلى المحاسبة والمحاكمة، حيث أحال المجلس 19 عضواً في جهاز القضاء والضبط القضائي إلى المحاسبة في أقل من شهر. جهود المؤتمر وضع المؤتمر الشعبي العام برنامج الانتخابي لرئاسة الجمهورية بواسطة نخبة من الكفاءات الأكاديمية في كافة المجالات لاحتواء كافة مظاهر الفساد والاختلالات التي تعيق حركة التنمية وقدمها في خلاصة موجزة ولكنها ثرية لما تتضمنه في جوهرها من معالجات حقيقية للفساد في المنظومة القيمية والإدارية والمالية. وبقراءة متمعنة يمكن استنباط مدى الدقة في تحديد الأولويات وملامسة البرنامج لمكامن الفساد ووضع الحلول الناجعة لاستئصاله أو الحد منه، ويبقى الحديث عن مدى استيعاب الجهات التنفيذية لمضامين البرنامج والجدية في نقله من الورق إلى الواقع، وهو أمر مشروط لنجاح أي فكرة.. فمن حيث المبدأ لايوجد في أي من الأدبيات أو القوانين نص يبيح الفساد أو يبرره صراحة.. بل على العكس من ذلك فكل الأدبيات والقوانين والخطب السياسية تدعو إلى اجتثاث الفساد ومحاسبة مرتكبيه، ولكن المشكلة دائماً تكمن في ضعف الجهات الرقابية وقصور أدائها في محاربة الفساد، بالإضافة إلى المساومة السياسية والاعتبارات الاجتماعية والتي من شأنها خذل كل الجهود المخلصة وإحالتها إلى فشل. تحديث الإدارة بإطلالة سريعة على مضامين البرنامج الانتخابي لرئىس الجمهورية سنجد أن البرنامج يقدم الحلول العملية لكافة المشاكل التي وردت في هذا الموضوع، ففي مجال إصلاح وتحديث الإدارة الحكومية يؤكد البرنامج على زيادة المرتبات والأجور والبدلات لموظفي الدولة والقوات المسلحة والأمن لضمان مستوى معيشي أفضل يجنبهم الوقوع في أي مغريات تدفعهم للاخلال بواجباتهم الوطنية، بالإضافة إلغاء مظاهر الازدواج الوظيفي وتطوير البناء الهيكلي للجهاز الإداري للدولة ومواصلة بناء القدرات المؤسسية، وتدوير الوظيفة العامة في المراكز القيادية والالتزام بمعايير النزاهة والكفاءة في التوظيف وتعزيز الشفافية في المعاملات الحكومية وتبسيطها وتطوير نظم المعلومات التي تساعد على سلامة اتخاذ القرار الإداري.. وعملياً يمكن القول بأن أغلب هذه البنود قد بدأ تنفيذها من قبل الحكومة بمتابعة مباشرة من الأخ رئىس الجمهورية. وفي مجال تطوير نظام السلطة المحلية ينص البرنامج على تطوير قانونها بما يكفل انتخاب المحافظين ومديري المديريات، واستكمال البناء المؤسسي للسلطة المحلية وتعزيز مواردها لكي تقوم بدورها في التنمية المحلية، مع إعادة النظر في التقسيم الإداري وفق أسس علمية. وكان رئيس الجمهورية قد وجه في شهر رمضان بعمل الترتيبات اللازمة لانتخاب المحافظين إلاَّ أن ذلك تأجل لأسباب فنية، فيما يجري استكمال البناء المؤسسي لأجهزة السلطة المحلية وتعزيز مواردها. سياسة محفزة وفي مجال السياسات الاقتصادية الحديثة المحفزة للنمو يؤكد البرنامج على اتباع سياسة مالية متوازنة يأتي في مقدمتها تخفيض الضرائب وتحسين آليات تحصيلها، وزيادة الانفاق الاستثماري والرأسمالي، وإصلاح القطاع المصرفي ومواصلة الاهتمام بالمناطق الحرة بما يعزز دورها في خدمة الاقتصاد الوطني. كما يؤكد البرنامج على اتباع سياسة نقدية كفؤة تؤدي إلى الحفاظ على الاستقرار النقدي، وتطبيق سياسة فاعلة للتجارة الخارجية على أساس تنمية الصادرات غير النفطية وتنويع أسواقها مع تطوير التشريعات المتعلقة بالتجارة الخارجية ومواصلة الجهود للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية.. ولأن المواطن هو الهم الأول للبرنامج فقد ربط بين هذه السياسات وتوفير حماية أكبر للمستهلك من خلال تفعيل الرقابة التموينية والصحية ونشر التوعية الاستهلاكية، وتطوير القوانين لضمان إيجاد المنافسة ومنع الاحتكار وحماية المستهلك. كما يؤكد البرنامج على تنمية القطاعات الواعدة مثل القطاع الزراعي والسمكي والتوسع في أعمال الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز والمعادن، وتشجيع الاستثمار في الصناعات الإنشائية وتنشيط السياحة. الحد من البطالة وأفرد البرنامج مساحة كبيرة للحد من البطالة ومكافحة الفقر مؤكداً على توسيع شبكة الآمان الاجتماعي وتوفير فرص عمل للشباب واستقطاب الاستثمارات الوطنية والأجنبية المشغلة للعمالة في كافة مناحي الاقتصاد الوطني، وتوسيع برامج الاقراض الأصغر، وإنشاء وحدات سكنية لمحدودي الدخل.. وفي هذا المجال وجه فخامة الأخ رئىس الجمهورية ببناء 15 ألف وحدة سكنية لمنتسبي القوات المسلحة والأمن. وفي مجال توفير فرص عمل للشباب بدأ مشروع الصالح للحد من البطالة يؤتي ثماره حيث تم استيعاب 15 ألف شاب وفتاة في بداية المرحلة الأولى من تنفيذ المشروع فيما يجري توسيع نشاطه تمهيداً للمرحلة الثانية التي ستشمل بقية محافظات الجمهورية. كما ينص البرنامج الانتخابي على توزيع أراض سكنية وزراعية للشباب ومحدودي الدخل في إطار مشاريع الأمل وتقوم وزارة الشباب بالتنسيق مع وزارة الزراعة لبدء توزيع هذه الأراضي على الشباب بعد الاتفاق مؤخراً على الاستراتيجية الخاصة بالتوزيع. وفي مجال تعزيز برنامج شبكة الأمان الاجتماعي تم اعتماد مائة ألف حالة جديدة خلال العام الحالي لتشمل أعداداً جديدة من الأسر المستفيدة للضمان الاجتماعي. ونظراً لما تشكله حياة الناس من أهمية خاصة في كل برامج التنمية فقد أكد البرنامج على زيادة إنتاج الطاقة الكهربائية بالوسائل المتطورة بما يلبي الاحتياجات الراهنة والمستقبلية للطاقة الكهربائية وتشجيع الاستثمار الخاص في هذا المجال.. وأكد البرنامج على تطوير شبكة النقل والطرق والتوجه نحو إنشاء شبكة عصرية للنقل الحديدي للمعادن والبضائع والركاب، والتوسع في إنشاء شبكة الطرق الرئيسية والريفية واستكمال الربط الإقليمي.. وإقامة بنية تحتية متطورة للاتصالات وتقنية المعلومات تشمل جميع المحافظات.. وانتهاج سياسة مائية وبيئية سليمة وتحسين الموارد المائية وحمايتها من الهدر والاستنزاف والتلوث، وإيجاد حلول عاجلة لمشكلة المياه في أمانة العاصمة صنعاء ومدينة تعز وضواحيها مع التوسع في تنفيذ مشاريع مياه الريف. وفي مجال التعليم يؤكد البرنامج على المزيد من الإجراءات الكفيلة بتوفير التعليم المجاني وتخفيض الرسوم الدراسية على الطلاب الجامعيين. وفي هذا السياق اصدرت الحكومة قراراً بإعفاء الفتيات في المرحلة الأساسية من كافة الرسوم الدراسية، كما تم تنفيذ برنامج لتطوير التعليم العالي والبحث العلمي وتنظيم الابتعاث إلى الخارج على أسس علمية ومعايير شفافة تتواءم مع احتياجات البلد من الكفاءات والكوادر العلمية المتخصصة في كافة المجالات. كما يجري حالياً التوسع في إنشاء الجامعات الحكومية مثل جامعة عمران، وتشجيع إنشاء الجامعات الخاصة وفق الشروط العلمية والأكاديمية المعمول بها دولياً. أما مكافحة الفساد فكانت الشغل الشاغل للبرنامج فقد وردت تحت عنوان »مكافحة الفساد خيار ثابت ومسار لايتوقف« في إشارة إلى مواصلة جهود مكافحة الفساد المالي والإداري من خلال تطوير سياسات وآليات مكافحته، وينص البرنامج على تطبيق قانون الذمة المالية وإصدار قانون مكافحة الفساد وإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد المالي والإداري، وتعديل قانون المناقصات والمزايدات وإنشاء هيئة مستقلة للمناقصات من أشخاص مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، مع تفعيل دور نيابات الأموال العامة واستكمال بناها التحتية والمؤسسية في بقية المحافظات، وإعطائها صلاحيات كاملة للتعامل مع كافة قضايا الفساد المالي والإداري. ويلاحظ من خلال هذا العرض الموجز لبعض بنود البرنامج الانتخابي أنه يقدم الحلول الشافية لأمراض الفساد ويحول دون انتشارها، إذا تأتت له كل الإمكانات والجهود المخلصة لتطبيق بنود البرنامج بأمانة وصدق، وهو ما من شأنه إحداث نقلة نوعية في التنمية وتمكين اليمن من بلوغ أهداف التقدم والازدهار.