كنت أشرت في خاتمة الحلقة الماضية إلى أنه ووفقاً للقانون رقم ) 39لسنة 2006م( بشأن مكافحة الفساد فإن الجرائم الماسة بالاقتصاد الوطني تعد من جرائم الفساد ومنها ما يتعلق بالمناقصات والعقود الحكومية، وأنا كنت لمحت في تلك الحلقة إلى توفر حيثيات قوية للقول بأن إرساء المناقصة على هيئة موانىء دبي يعد جريمة بحق الاقتصاد الوطني، فإنني أصرح ولا ألمح وهنا بأن ملف ميناء الحاويات بشقيه أكان العقد الموقع مع شركة )أو.بي.إم( لتشغيل وإدارة ميناء الحاويات، والذي أفردنا له حيزاً واسعاً في حلقاتنا وكذا في تقارير بالصفحة الأولى، أو كان محاولات ومساعي تسليم ميناء عدن لشركة موانىء دبي بحاجة لأن يوضعا على طاولة الهيئة العامة لمكافحة الفساد، لأن تعاطي الحكومة مع ميناء عدن صار أمراً غير مقبول البتة. وقد أثار استغرابي واستهجاني خلال بحثي في هذا الملف الحيوي الطريقة غير المقبولة والحرفنة التي اتبعتها هيئة موانىء دبي خلال جولاتها للاستحواذ على ميناء عدن وأثارني أكثر التساهل من قبل حكومتنا بأجهزتها المختصة مع الأمر. ومبعث استغرابي واستهجاني الطريقة الملتوية التي اتبعتها ))دبي(( للتفاوض مع الحكومة وأقصد بها لجوءها إلى تأسيس شركات أخرى صغيرة ومن خلالها تتفاوض وتوقع العقود مع حكومتنا... ومن الأهمية بمكان إشراك القارىء الكريم بالمعلومات التي تحصلت عليها وإشراكه أيضاً بالتساؤلات المثارة في ذهني. فقد وجدت أن هيئة موانىء دبي لم تتقدم مباشرة بطلب تشغيل أو تطوير ميناء عدن، بل لجأت إلى عدد من الخطوات بحيث تبقى هي بعيدة عن المساءلة القانونية إذا ما لحقت أضرار بميناء عدن، ففي 2005920م، قامت هيئة موانىء دبي بتأسيس وتسجيل شركة في )جبل علي( حملت اسم )دي. بي. آي . إدين م م ح( ورقم رخصتها 6461 وبرأسمال مليون درهم إماراتي وهي شركة ذات مسؤولية محدودة ونشاطها إدارة وتشغيل الموانىء البحرية وتأجير معدات الموانىء ومديرها السيد محمد شرف وتتبع هيئة موانىء دبي، حيث قامت هذه الشركة بالتفاوض أولاً حول ميناء عدن، وكان يهدف أن تقوم هذه الشركة الجديدة )دي. بي. آي.إدين.م.م.ح( ومع شركة أخرى بتأسيس شركة جديدة لاحظوا المشاوير والتحايلات الطويلة ولنتابع معاً لتتولى التفاوض للمرحلة الثانية حول ميناء الحاويات في عدن. ففي 1 فبراير 2006م تم في عدن تأسيس شركة أخرى جديدة سميت )دي. بي. العالمية عدن د م م(، كشركة ذات مسؤولية محدودة برأسمال 50 خمسين ألف دولار أمريكي فقط، وقد أسست هذه الشركة من قبل شركة (دي.بي. إدين م م ح) والذي سبق وقلنا إن شركة موانىء دبي أسستها في جبل علي في سبتمبر 2005م وشركة أخرى هي دار الأختراع الدولي ويملكها أحد التجار اليمنيين المغتربين في الخليج والسعودية، حيث قضى الاتفاق أن يكون لشركة (دي. بي. آي. إدين، م م ح)60% في الشركة الجديدة و40% لشركة دار الاختراع الدولي.. وإذا فتشنا عن شركة دار الاختراع الدولي لوجدنا أن نشاطها نظافة وصيانة المباني السكنية والتجارية والتعليمية والترفيهية والصحية برأسمال(50) خمسين ألف ريال سعودي فقط، بحسب شهادة تسجيلها في بلد نشاطها ورقم شهادتها هو نفس الرقم المدون في تأسيس شركة الموانىء المسجلة في المنطقة الحرة بعدن. وحتى لايتوه القارىء الكريم ويفقد خيط المتابعة فإني أعيد التتابع التالي: قامت هيئة موانىء دبي في سبتمبر 2005 تحت اسم (دي. بي. آي. إدين، م م ح)كشركة ذات مسؤولية محدودة برأسمال مليون درهم إماراتي، ثم قامت هذه الشركة (ي.بي.آي.إدين، م م ح)وبالمشاركة مع شركة أخرى تدعى دار الاختراع الدولي لمليونير يمني بتأسيس شركة أخرى سجلت في المنطقة الحرة بعدن في فبراير 2006م وسميت (ي بي العالمية عدن د م م)برأسمال خمسين ألف دولار وكشركة ذات مسؤولية محدودة وأول بند من أغراضها كان إبرام اتفاقية امتياز طويل الأجل مع حكومة الجمهورية اليمنية على أساس الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية لغرض تشغيل وإدارة وصيانة وتحسين وتطوير محطة حاويات عدن ومحطة حاويات المعلا، بالإضافة إلى توسيع محطة حاويات عدن لتصبح منشأة متعددة الاستعمالات في ميناء عدن وفقاً لقوانين الجمهورية اليمنية ليشار إليها فيما يلي:((اتفاقية الامتياز)) ولغرض تنفيذ كافة التزاماتها وممارسة كافة حقوقها بموجب الاتفاقية المذكورة).. ويهمني في وقفة قصيرة أن أبين حجم التراخي والتساهل من قبل الجهة المسؤولة والمخولة بدراسة طلب تأسيس الشركة المذكورة وإعطائها الترخيص وهي هنا المنطقة الحرة، حيث وجدت في البند رقم(23) من أغراض الشركة مايلي: ((الحصول من أي شخص أو شركة أو هيئة مؤسسة أو غير مؤسسة، سواء في جمهورية الهند أو في أي مكان آخر، على المعلومات الفنية والمعرفة العملية والعمليات والبيانات الهندسية والتشغيلية والخطط والمخططات التي تكون مفيدة من أجل تصميم وتشييد وتشغيل المكائن المطلوبة لأي من أعمال الشركة والحصول على رخصة أو أية حقوق ومزايا أخرى فيما يتعلق بالأمور والأشياء السابقة)) ويمكنا أن نستنتج بسهولة من هذا البند أن المكلفين بإعداد النظام الأساسي للشركة قاموا بمزج عدد من نماذج أنظمة الشركات المشابهة في عدد من الدول دون مراعاة للتدقيق والمراجعة والتصحيح، وإلا ما علاقة جمهورية الهند بميناء عدن، وهل ميناء عدن يقع في جمهورية الهند أم في الجمهورية اليمنية، وهل نشاط الشركة هو مناولة الحاويات أو نشاط جمع المعلومات الاقتصادية والعلمية.. وهو موضوع آخر، وكيف مرت مثل هذه الأمور على الدائرة القانونية في المنطقة الحرة بعدن.... وأعود إلى صلب الفكرة الرئيسية لهذه الحلقة والتي تتمحور حول لماذا لجأت شركة موانىء دبي إلى التفاوض من أجل الاستحواذ وتشغيل ميناء عدن عبر الطريق غير المباشر ومن خلال تأسيس شركتين واحدة تلو الأخرى والأخيرة بالمشاركة مع شركة أخرى..؟.. وجميعها ذات مسؤولية محدودة، ونوضح للقارىء الكريم أن المقصود بذلك أن مسؤولية الشركة عن أي خسائر أو تعويضات هو بحدود الرأسمال المسجل للشركة وهو خمسون ألف دولار للشركة المسجلة في المنطقة الحرة بعدن ومليون درهم للشركة المسجلة في جبل علي، وكيف تقبل حكومتنا من حيث المبدأ أن تجلس للتفاوض حول مشروع سيادي واستراتيجي كبير مثل ميناء الحاويات مع شركات بهذا المستوى. ورب قائل يقول إن من الناحية القانونية من حقهم تأسيس شركات بهذا القدر من الرأسمال، وبأن تكون ذات مسؤولية محدودة، ولكني أقول ومن حق حكومتنا الرفض والمطالبة بأن تفاوض دبي مباشرة وتوقع العقد مباشرة باسمها وحتى إن صح ما قيل من أن هيئة موانىء دبي قالت في جولة المفاوضات الأولى إنها من خلف الشركة المفاوضة، ولكننا كان يفترض أن نرفض، لأن هذا مشروع كبير وسيادي، ولماذا تطرح حكومتنا مشروعاً سيادياًً في أيدي شركات صغيرة مثل هذه، وبغض النظر عمن يقف خلفها وإن كانت هيئة موانىء دبي وهي شركة عالمية معروفة، تقف في الخلف؟ فلماذا لاتدخل دبي بثقلها، هي بذاتها بثقلها، ولايهم وجود أي بند بمسؤوليتها، لأنه سيكلف الحكومة مشقة الملاحقة والمتابعة القانونية والمحاكم، كما إن العم رجل الأعمال عبدالله بقشان والذي نكن له كل تقدير واحترام لماذا لايدخل بثقله واسمه مباشرة وعلى العين والرأس وليس عبر شركة صغيرة تدير أعمالاً محدودة في السعودية لا علاقة لها بالموانىء وأنشطتها، نريد وضوحاًً، ومثلما دخل الشيخ الفاضل خالد بن محفوظ في مشروع إنشاء ميناء الحاويات بثقله وترك بصمة تاريخية ثم أدخل معه شريكاً عالمياً هو شركة (بي.إس.إيه)، كنا نتمنى من هيئة موانىء دبي أن تدخل باسمها وثقلها مثلما تعمل في كل موانىء العالم، والشيخ عبدالله بقشان أن يدخلوا بثقلهم وبما يعطي عدن حقها، وسنحملهم فوق الرأس والعين، ولا موقف شخصي ضدهم، وإنما رؤى مبدئية ومطلبية بأن تستقيم الأمور، لأن ميناء عدن من غير المقبول أن نفرط به.. وسأختم حلقة هذا الأسبوع بتأكيد آخر عن الرغبة الحقيقية لهيئة موانىء دبي بأن تسيطر على ميناء عدن خدمة لمصالحها، وهو الأمر الذي تتقبله حكومتنا برضى غريب، وتأكيدنا هذا موثق، حيث ورد في تعرفة رسوم موانىء دبي في أبريل 2006م الصفحة الأخيرة تحت عنوان مواقع الشحن المتنافسة في السوق العربية:(إن مجموعة من الموانىء الرئيسية والتي تسعى لأن تكون استلام ومغادرة للحاويات ونتيجة لهذا التنافس الشديد قد تغير الخدمة في سوق الموانىء العربية، بحيث أن الخدمة ستتطور بسبب التنافس الشديد في الموانىء، ودبي بحسب الوثيقة ذاتها أسست نفسها كميناء محوري تخدم الشحن لأسواق الخليج العربي وربع من حجم إعادة الشحن للحاويات في إطار الخليج العربي مع السعودية والكويت وإيران.. وسلطة موانىء دبي تخطط لزيادة حجم تعاملها في مجال الحاويات، ومن ضمن استراتيجيتها السيطرة على السوق، حيث قامت سلطة موانىء دبي بتعاقدات لإدارة تشغيل موانىء أخرى في المنطقة، وبالتالي ستتمكن من السيطرة على الشبكة اللوجستية للمنطقة.(( وهذا اعتراف واضح من هيئة موانىء دبي برغبتها بالسيطرة ووضع ميناء عدن ميناء تنافسي معها وقدمت أسوأ العروض، ومع هذا تصر حكومتنا.. ترى ماهي الأسباب الحقيقية لذلك؟. الأمر الآخر هل اتفاق تأسيس شركة مشتركة مع دبي لإدارة تشغيل وتطوير ميناء الحاويات وميناء المعلا سيكون مع الشركات )النواني( الصغار التي أشرنا لها... أم مع الشركة الأم هيئة موانىء دبي؟. ونستمر بالمطالبة بفتح التحقيق في قضية المشغل )أو.بي.إم( ونستمر بالمطالبة بإعادة طرح المناقصة من جديد لميناء الحاويات. ..هنا عدن.. الطريق العدد (546) الصادر يوم الثلاثاء الموافق 432008