نجحت الأيام الأولى من مهرجان أبوظبي السينمائي في دورته الرابعة في تقديم العديد من العروض المميزة للأفلام الدرامية والوثائقية إلى جانب اللقاءات والمداخلات مع أهم نجوم الفن والإخراج. هذا وكانت فعاليات المهرجان، الذي يقام من الفترة 14- 23 أكتوبر، قد أنطلقت وسط حضور كبير لنجوم السينما العربية والغربية. وقد حمل إفتتاح المهرجان لهذا العام رسالة تضامنية "لدعم أهمية التعبير الحر والأفكار المنفتحة"، حسب قول اللجنة المنظمة للمهرجان ، إذ تم عرض الفيلم الإيراني القصير "اوكرديون"، وهو آخر أعمال المخرج الإيراني المعروف جعفر بناهي، الذي تعرض للسجن ومنع من السفر. وكان قد سبق هذا العرض مراسم المرور على السجادة الحمراء التي استقبلت عدداً من كبار نجوم الفن العربي والعالمي، وكان منهم النجم الأمريكي "أدريان برودي" الذي أذهل الجمهور بأداءه الرائع والمميز لفيلم (محَطم) الذي عرض في اليوم الثاني من المهرجان، وهو اليوم الذي شهد أيضاً عرض الفيلم الوثائقي (القسَم) للمخرجة الأمريكية لورا بويتراس، الذي يستعرض حياة ناصر البحري (المعروف ب أبو جندل)، الحارس الشخصي سابقاً لأسامة بن لادن، وصهره سليم حمدان الذي عمل سائقاً عند بن لادن، والمحتجز في سجن جونتنامو. الفيلم الذي يسلط الضؤ بدرامية واقعية محترفة على مسيرة أبو جندل وعلاقته بزعيم تنظيم القاعدة، ثم على حياته الجديدة في اليمن كسائق تكسي، وأسرته، والتغيرات النفسية والفكرية التي مر بها خلال فترات اعتقاله في اليمن، إلى جانب إنعكاسات السياسة الأمريكية في المنطقة وما خلفته الحرب الأمريكية ضد ما يسمى ب"الإرهاب". كما يقوم الفيلم في نفس الوقت برصد ظروف اعتقال سليم حمدان في أفغانستان ومحاكمته، ثم عودته إلى اليمن، ليتحول إلى شخص يختار عزلته الاجتماعية بعد سلسلة من التجارب المريرة. تقول مخرجة الفيلم لورا بويتراس أنه لم يكن من السهل إقناع أبوجندل للمشاركة في هذا الفيلم، وقد تطلب الأمر محاولات كثيرة، وقد تشجع أخيراً بعد أن شاهد فيلمها الأول "بلادي بلادي" عن العراق، وأعجب به، مضيفة أنها واجهت صعوبات عديدة في العمل معه خاصة وأن ظروفه المعيشية والأمنية كانت غير مستقرة. كما شهد المهرجان عدداً من اللقاءات والحوارات الفنية مع نجوم السينما العربية والعالمية، وقد كانت أولى هذه الجلسات مع النجم الانجليزي كليف أوين، ثم تبعه جلسة حوارية أخرى الفنان يحيى الفخراني والفنانة الكبيرة يسرا، والتي أدارها الفنان الشاب خالد أبو النجا. في هذه الجلسة تحدث الفخراني عن بعض جوانب من مشواره الفني، وكيف أنه تخلى عن مهنة الطب مقابل أن يقوم بالعمل الذي كان دائماً يحلم بالقيام به، وهو التمثيل، مشيراً إلى أهمية تشجيع ما يعرف ب"السينما المستقلة" التي تحمل دماء جديدة تعوض عن التراجع الذي يحدث في السينما العربية والمصرية، وأن على السينما العربية والمصرية أن ترفع من مستوى جودة الفيلم وأن تتعمق صلته بالواقع المحلي لكي يصل إلى العالمية. كما أعربت الفنانة يسرى عن إعجابها بالسينما الإيرانية، مشيرة إلى أن الرقابة لم تكن عائقاً لانتاج أفلام ذات جودة عالية، بل أن هذه الرقابة دفعت بالممثلين إلى إخراج كل ما عندهم من طاقات لإبراز العمل بشكل جيد، وعليه "فليس هناك ما يبرر عدم وجود سينما ذات جودة عالية في العالم العربي". يتضمن برنامج المهرجان لهذا العام عرض 32 فيلماً للمرة الأولى من بين مجموع 172 فيلماً متنوعاً، منها 71 فيلماً روائياً طويلاً و55 فيلماً قصيراً من 43 بلداً، اختيرت من بين أكثر من 2000 مشاركة، بالإضافة إلى 46 فيلماً إماراتياً وخليجياً. كما يتضمن برنامج المهرجان لهذا العام ما لا يقل عن خمس مسابقات تشرف عليها لجان تحكيم وتتنافس ضمنها الأفلام على جوائز اللؤلؤة السوداء، وهي من الجوائز الأكثر سخاء التي يقدمها أي مهرجان سينمائي، توزع جوائز اللؤلؤة السوداء كما هو معتاد على الأفلام الفائزة في مسابقة الأفلام الروائية والأفلام الوثائقية الطويلة، ومسابقة الأفلام القصيرة، بالإضافة إلى مسابقة “آفاق جديدة” التي تم إطلاقها مؤخراً لتقام للمرة الأولى هذا العام، وتتوجه إلى المخرجين في تجاربهم الإخراجية الأولى والثانية، وكذلك “مسابقة الإمارات” (مسابقة أفلام من الإمارات سابقاً) التي تنضم إلى برامج المهرجان للمرة الأولى. هذا بالإضافة إلى الجوائز التي تمنحها لجان التحكيم في هذه المسابقات، هناك جائزة الجمهور، حيث يمكن التصويت للأفلام ضمن قسم عروض السينما العالمية، المخصص لمجموعة مختارة من أبرز الأفلام التي نالت تكريماً في مهرجانات عالمية أخرى. سعى مهرجان أبوظبي السينمائي الذي كان يعرف سلفاً بإسم (مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي) منذ أنطلاقته عام 2007 إلى خلق ثقافة سينمائية في جميع أنحاء المنطقة، حيث تعرض من خلاله العديد من الأفلام التي لا تُقدم في السينما السائدة، وخاصة من السينما العربية، كما يمثل المهرجان فرصة مهمة لتلاقي كبار المنتجين والممولين والمديرين التنفيذيين وصناع الأفلام من جميع أنحاء العالم. ويوفر المهرجان مناخاً ملائماً يتعرف من خلاله العالم على السينما العربية الحديثة، كما يتم فيه الاحتفاء سنوياً بأفضل الممثلين والممثلات والمخرجين والأفلام في الشرق الأوسط.