يعيش "اليمن" حالةَ مخاضٍ عسير، قد يُفضي في النهاية إلى ولادة نظام سياسي جديد بصورة طبيعية مألوفة تكفل هدر الدماء أو اللجوء إلى عملية قيصرية في ظل توالي الضربات الداخلية الموجعة وصعوبة تعديل الدستور المقلوب على أركانه. ولم يخف بعض المراقبين لعقارب الساعة العربية خشيتهم أن ينتج عن ذاك المخاض وليد مشوه أطرافه الشمالية منفصلة عن بقية الجسم، في الوقت الذي يلوح فيه الرئيس علي عبد الله صالح بالقتال حتى آخر قطرة دم وما يقابله من ثبات المحتجين لمطالبتهم بمغادرة كرسي الحكم، وأمام عملية الشد والجذب بين الأطراف المتصارعة تلك، يصبح اليمن لقمة سهلة للابتلاع الغربي - حسب المتابعين. وقد نظمت المعارضة اليمنية مظاهرات واحتجاجات جديدة، دعت إليها في جميع أنحاء البلاد للمطالبة بإسقاط النظام وتنحي الرئيس علي عبد الله صالح. ويأتي ذلك رغم إعلان الرئيس اليمني استعداده للرحيل، مشترطا أن يكون هناك انتقال سلس للسلطة. إرادة الشعوب الرافضة مدير مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتجية وليد علي أوضح ل "فلسطين" أن ما يميز الثورات العربية بمجملها بما فيها الثورة اليمنية هي إرادة الشعوب الرافضة للرضوخ للحكام ورغبتهم في المشاركة السياسية واختيار من يمثلهم بأنفسهم دون أن يُنصب رغماً عن أنوفهم أو أن يطلق له العنان في التصرف حيثما يشاء. وأشار في حديثه من بيروت إلى أن دولاً عربية محيطة وغربية تسعى لإبقاء الوضع اليمني مرهوناً بالمساعدات الخارجية، لحمله على تقديم تنازلات سياسية واقتصادية وذلك لما يشكله اليمن من نقطة حيوية تشرف على مسارات وطرق التجارة العالمية. ولم يخف الباحث خطر انقسام الجنوب عن الشمال إذا ما سقط النظام اليمني، مطالباً الشعب بتفويت الفرص على النظام الحاكم لضرب الوحدة الوطنية، وتأجيل ملاحظاتهم لحين إصلاح النظام السياسي على أسس ديمقراطية. وبين أن الوقائع العملية على الأرض أثبتت أن التقسيمات القطرية الكيانية والطائفية المذهبية وراءها الحكام لإحكام سيطرتهم على نفوذ البلاد، وتفجير كنسية القديسين في مصر لخير دليل حيث أدين وزير الداخلية المصري السابق حبيب العادلي بها. تفادي خطر الانفصال وقال ل"فلسطين": "منذ البدايات كانت قوى في الجنوب ترفض الوحدة وتدعو إلى الانفصال والسبب أرجعه لحماقة النظام السياسي غير المتوازن ومحاباته طرفاً على حساب الآخر، كما أن الحوثيين في الشمال تعرضوا لظلم واضطهاد وهو الذي جرهم إلى قتال النظام اليمني". ودعا الباحث المجتمع اليمني لتفادي خطر الانفصال في الوقت الذي يشدو فيه نحو التغيير والبناء على الديمقراطية إلى إقامة مؤتمر تأسيسي عام يضم كل القوى المعارضة يسهم في تجاوز الثغرة القائمة. التشكيل والتركيب القبائلي وأثرهما على السلطة وتسليم القوات المسلحة لأبناء الحكام من نقاط الاتفاق بين الدولتين ومن الميزات المتشابهة بين النظامين، أما غنى الأرض الليبية بالنفط والتعداد السكاني القليل هو ما يميز الحالة الليبية عن اليمنية ذات البلد الفقير والتعداد السكاني الكثير,علي وعن وجه التشابه والاختلاف بين الحالة اليمنية والليبية قال: "التشكيل والتركيب القبائلي وأثرهما على السلطة وتسليم القوات المسلحة لأبناء الحكام من نقاط الاتفاق بين الدولتين ومن الميزات المتشابهة بين النظامين، أما غنى الأرض الليبية بالنفط والتعداد السكاني القليل هو ما يميز الحالة الليبية عن اليمنية ذات البلد الفقير والتعداد السكاني الكثير". وبين أن تأثير الدعم القبائلي ظهر جلياً في الحالة الليبية عندما انفكت بعض القبائل الموالية للرئيس معمر القذافي عن تأييدها ودعمها له فأصبح نظامه السياسي القائم عارياً يعتريه الضعف والانحلال. طرق التغيير الآمنة ولفت في حديثه إلى أن غنى ليبيا بالنفط وتعداد سكانها القليل مكن الحاكم من استغلال أمواله الضخمة لكسب فئات الأنصار والمؤيدين له بخلاف اليمن الذي يواجه رئيسها فقراً لسوء استثماره الأرض اليمنية على النحو الصحيح. وفي معرض رده على طرق التغيير الآمنة في اليمن لقطع الطريق أمام سفك المزيد من الضحايا إذا ما اشتدت الأزمة بين الرئيس وشعبه قال الباحث: "حقيقة هذا الأمر يتوقف على مدى تجاوب الحاكم مع العقل وقبوله إشراك كل القوى السياسة والوطنية في تحديد مصيرها ومستقبلها وذلك بتخليه عن السلطة الآن وليس بعد عامين، ورفع يد أبنائه عن مقاليد الحكم، ووضع برنامجاً لانتخابات حرة". وبين أن الرئيس اليمني قد يقاتل ويسفك الدماء حفاظاً على منصبه ولكن ليس بقدر الرئيس الليبي القذافي، مشيراً إلى أن وضع إدارة القوات المسلحة بيد أبناء الرئيس اليمني نقطة قوة الرئيس. وتوقع صالح انقسام اليمن إذا وصلت المعارضة إلى السلطة, وقال "لن يقدروا على أن يحكموا أسبوعا واحدا، وأجزم بذلك وبأن اليمن سينقسم إلى أربعة أشطار". واتهم صالح جهات لم يسمها بتمويل المظاهرات المطالبة بإسقاطه، وقال "هم يريدون الفتنة"، وشدد على أن دور علماء الدين ضروري في درء الفتنة بين اليمنيين، وأبدى ترحيبه بأي مقترح لعلماء الدين في اليمن للخروج منها. وكانت المعارضة اليمنية أعلنت رفضها لمقترح إقامة حكومة وحدة وطنية، وأصرت -عبر ناطقها الرسمي محمد الصبري- على إسقاط النظام. وقالت المعارضة إنها ستقف مع عشرات الآلاف من المحتجين المطالبين بإنهاء حكم صالح الذي يسعى لحشد الدعم من جماعات عشائرية وقادة عسكريين. التدخل الخارجي الدكتور هيثم الناهي الخبير في الشأن الدولي يرى أن الأزمة اليمنية مصدرها خارجي تشارك فيه قوى غربية للسيطرة على اليمن لما لها من خصوصية استراتيجية. وقال ل "فلسطين": لا يمكن اعتبار الأحداث المرتكبة في اليمن أزمة داخلية بقدر ما هي ناتجة عن دفع خارجي، فبعض الدراسات الصادرة أظهرت أن الولاياتالمتحدةالأمريكية عازمة على فض قواعدها في أفغانستان، ونقلها إلى اليمن ذات الطبيعة الجغرافية المشابهة للأفغانستانية"، مشيراً إلى أن الهدف من النقل تعزيز حماية الممرات المائية وإبقاؤها تحت إشراف أمريكي، بعد تمكن واشنطن والاتحاد الأوروبي من زرع قاعدتين عسكريتين في الإمارات وثالثة في عُمان. وأضاف: "اليوم نرى أمريكا تتجه تحت غطاء الدفاع عن حقوق الإنسان إلى التدخل في الشؤون العربية، في وقت غابت فيه عن دورها الحقيقي المتمثل بإدانة الجرائم الإسرائيلية في لبنانوفلسطين وجرائمها نفسها في العراقوأفغانستان". وأوضح الدكتور الناهي أن أمريكا تسعى إلى تقسيم دول عربية إلى دويلات جديدة في إطار شرق أوسط جديد وقال: "حسب التصريحات الأمريكية الظاهرة والخفية أن الدول الجديدة قد تكون عرقية وطائفية". الأزمة اليمنية مصدرها خارجي تشارك مهنا قوى غربية للسيطرة على اليمن لما لها من خصوصية استراتيجية، وأمريكا تسعى إلى تقسيم دول عربية إلى دويلات جديدة في إطار شرق أوسط جديد .. وحسب التصريحات الأمريكية الظاهرة والخفية أن الدول الجديدة قد تكون عرقية وطائفية,الناهي وأضاف: "هذا يدفعنا للربط بين ما يحدث في الدول العربية وبين تلك التوجهات، فمن وجهة نظري أن العراق سيقسم الى عدة دويلات، والسودان الى دولتين،(...) وربما إنشاء دولة مسيحية في الجنوب المصري والحبل على الجرار(..) فالمخطط الجديد هو افتعال أزمات متوالية بصورة أو بأخرى في الدول العربية ذات طابع شعبي. تأزيم الوضع اليمني وأشار إلى أن تأزيم الوضع اليمني مرهون بما ستؤول إليه الأوضاع في ليبيا" فإذا ما سقط الرئيس معمر القذافي ستسلط الأضواء السياسية والإعلامية والدولية صوب اليمن ويصبح قضية رأي عام". وقال: "الحراك الذي يدور في اليمن ليس نحو الإصلاح بقدر الاتجاه نحو الانفصال وإن بدا الأخير خجولاً قبل أكثر من سنة". ودعا المحلل الراغبين في التغيير إلى السير خلف رموز سياسية أو دينية حتى لا تتحول ثورتهم إلى فورة سرعان ما تنتهي وتتصارع فيها الشخصيات على منصب القائد. وقال:" الملاحظ أن الشعب حينما يسقط نظامه ورئيسه يبقى بحاجة إلى من يمثله وهذا ما حدث في تونس ومصر، حيث إن الشعبين الآن لا يدركان ما الذي يحدث وماذا سيحدث؟! فلابد من رمز يتم الالتفات إليه لتوحيد المطالب".