" التغيير" عبد الله علي صبري: في ظل تغطية اعلامية رسمية, وبتمويل حكومي توالت خلال يومي 29-30 ابريل 2006م على قاعة قصر الشباب بالعاصمة صنعاء فصول مسرحية هزليه باسم المؤتمر العام الثالث لاتحاد القوى الشعبية. وقد اراد المخرج من خلال المسرحية استنساخ صورة ثالثة من الاتحاد والاعلان عن قيادة (وهمية) تستطيع السلطة ان تسيرها وفقاً لمخططات واهداف النظام. وكان اتحاد القوى الشعبية المنضوي في اطار اللقاء المشترك- تجمع احزاب المعارضة اليمنية, قد عقد مؤتمره "الفعلي" الثالث في سبتمبر 2005, الا ان نتائج المؤتمر لم تات بمستجدات راهن عليها النظام, اذ خرج الاتحاد من مؤتمره العام الثالث اكثر تماسكاً وصلابة, فحاولت السلطة باختلاق المؤتمر "الوهم" اجهاض معنويات الاتحاديين والزج بحزبهم في ملهاة جديدة طالما تفنن النظام في ابداع اشكال منها في مواجهاته المستمرة مع احزاب وقوى المعارضة. المسرحية لم تخل من تفنن في الخداع, فكان لزاماً ان تذيع وسائل الإعلام الرسمية وصحف الحزب الحاكم ان المؤتمر قد اقال كافة القيادات السابقة, متمسكاً بفضيلة العلامة ابراهيم بن علي الوزير مرجعاً روحياً للحزب. وبهذا تتمكن وزارة الاعلام من استمرار اصدار صحيفة الشورى (المستنسخة) وعليها صورة الأستاذ إبراهيم الوزير مؤسس اتحاد القوى الشعبية في انتهاك صارخ يتعدى الصحيفة والاتحاد والأستاذ الوزير إلى جموع قراء "الشورى" عوضاً عن محرريها ورئيس تحريرها الذي تم استبداله هو الآخر بموظف حكومي لا علاقة له بالصحافة من قريب او بعيد كما اعترف هو بنفسه وبخط يده!! صورة ابراهيم الوزير تتكرر على مدى اكثر من عامين وبشكل قياسي على صدر صفحات منشورات الشموع وأخبار اليوم) المقربة من أجهزة الحكم الأمنية, وكل حدث صغر او كبر يتم ربطه في هذه المنشورات بابراهيم الوزير واتحاد القوى الشعبية, ووفق تصوراتهم الاستخباراتية ينسج الوزير خيوط مؤامراته من على الاراضي الامريكية, مع ان قدمي ابراهيم الوزير لم تطأ اراضي الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م. شرعنة الاحتلال: تأتي هذه الاجراءات التي تستهدف الاتحاد, استكمالاً لمسلسل الانتهاكات التي طالت الاتحاد ومقراته وصحفه منذ الرابع عشر من مايو 2005م, عندما ماتواطأت الاجهزة الامنية مع عملية احتلال المقر الرئيسي للاتحاد بالعاصمة, ثم احتلال مقر صحيفة الشورى الصادرة عن الاتحاد, عوضاً عن اختطاف الاستاذ رشاد سالم عضو الامانة العامة للاتحاد, وعضو الاتحاد الاستاذ شاهر سعد, وفيما طرقت الامانة العامة للاتحاد كافة الابواب القانونية جاءت الردود بخيبة امل تعكس قتامة الحياة السياسية والامنية في البلاد, حيث اخطر الاتحاد وزارة الداخلية وامن امانة العاصمة بواقعه الاتحاد,ولم يجد أي تجاوب, ثم تقدم الاتحاد بشكوى الى نيابة غرب الامانة, وفيما بدأ المختص مباشرة مهامه باتجاه جمع الاستدلالات وضبط المشكوبهم, جاءت تعليمات وزارة الداخلية بإيقاف أية إجراءات بحجة ان المسألة سياسية. وزارة الإعلام من جهتها استكملت سيناريو المؤامرة, فأوقفت طباعة صحيفة الشورى "الاصلية" وسهلت ومعها مؤسسة "الثورة" الحكومية إصدار مطبوع مسخ يحمل اسم "الشورى" في فضيحة مخزية لازالت تتكرر صباح كل اربعاء رغم الوعود الرئاسية المتكررة بحل الاشكال. يحدث هذا في الوقت الذي ترتفع فيه مطالب الاصلاح السياسي في اليمن, بينما تحاول السلطة –عبثا- السيطرة على هامش ديمقراطي لم تعد مجدية معه سياسة الاحتواء واساليب الترهيب والتخوين والبلطجة. وسبق هذه الاجراءات حملة اعلامية مكثفة ضد الاتحاد وقياداته وصحيفته اشتركت فيها الصحف الرسمية واعلام الحزب الحاكم. وجاءت قرارات لجنة شؤون الاحزاب والادوار الخفية التي تلعبها لتشرعن لعمليات الاحتلال والاستنساخ في تنصل واختراق صارخ لواجباتها ومسؤولياتها الدستورية والقانونية. الشورى أولاً.. ودائماً. ملفات "توريث الحكم والوظيفة العامة" التي نشرتها الشورى تباعاً, ماكان لها أن تمر مرور الكرام في ظل نظام قمعي يستأسد على مواطنيه, ويسلط على خصومه أجهزة لا تحترم حقوق الإنسان, ولا تفقه أدب الاختلاف ولاتتورع عن انتهاك الحريات. فبعد محاكمة صورية افتقدت الى ادنى شروط العدالة قضت محكمة غرب الامانة (5/9/2004) بحبس رئيس تحرير الشورى عبدالكريم الخيواني لمدة عام وايقاف صحيفة الشورى عن الصدور لمدة ستة اشهر, ولم يمكن الخيواني من حقه في الاستئناف, فسرعان مااقتحمت جماعة مسلحة في العاشرة من مساء اليوم الذي صدر فيه الحكم مبنى صحيفةالشورى واقتادت الخيواني الى مكان مجهول, ليأتي بعدها وكيل نيابة الصحافة للتغطية على الجريمة, واغلاق مقر الشورى واخراج العاملين فيه, وكذا مصادرة العدد (48) من صحيفة "صوت الشورى" التي يصدرها الاتحاد. وفي ظهيرة اليوم التالي اتضح للصحفيين ان زميلهم الخيواني مودع في السجن المركزي بصنعاء, وقد منعوا يومها من زيارته والاطمئنان على صحته تحت مسوغ "توجيهات عليا". وقد شهدت قضية الشورى ورئيس تحريرها عبدالكريم الخيواني تفاعلات محلية ودولية اجبرت السلطات على الاستجابة للاحتجاجات المتوالية, فأفرجت عن الخيواني, وسمحت للشورى بمعاودة الصدرو, ولكن إلى حين!, اذ لم تمر سوى بضعة أسابيع حتى نفذت السلطات سيناريو الاحتلال الآلاف الذكر. الاستهدافات السلطوية المتوالية لاتحاد القوى الشعبية بدأت بعد حرب صيف 1994م التي اودت بالتوازن السياسي في البلاد, وشكلت عائقاً حقيقياً امام تطور الديمقراطية الناشئة في اليمن:- فلما كان الاتحاد أول حزب سياسي معارض ينشط في الساحة اليمنية بعد الحرب كان من الطبيعي ان يدفع ضريبة موقفه, وهو ماحدث فعلاً عند انعقاد المؤتمر العام الأول للاتحاد (يوليو 1995) عندما حرضت السلطة شخصاً مستقيلا من الاتحاد, وقدمت له الدعم المادي والمعنوي ليعتدي على مقر الاتحاد مستخدماً الاسلحة النارية. وبحجة هذا الاعتداء اصدرت لجنة شؤون الاحزاب قراراً باغلاق مقرات الاتحاد وتجميد ارصدته في البنوك, وكذا ايقاف اصدار صحيفة الشورى التي احتجبت بسبب هذا القرار لمدة احدى عشر شهراً, لتعود للصدور من جديد اثر حكم قضائي لصالح الاتحاد. اقدم الامن السياسي في 23/2/1999م على اعتقال رئيس تحرير صحيفة الشورى السابق الاستاذ نعمان قائد سيف وايداعه سجن البحث الجنائي, بعد ان نشرت الشورى خبراً عن توجيهات رئاسية بشراء سيارات جديدة بمبالغ باهظة. وبعد اعتقال رئيس التحرير بيومين اصدر وزير الاعلام في 25/2/1999م قراراً يحمل رقم (7) ادى الى ايقاف صحيفة الشورى عن الطباعة والتداول والنشر, حيث تم الايعاز لعناصر مفصولة من الاتحاد باصدار صحيفة مزيفة تحمل ترويسة "الشورى" لسان حال الاتحاد, واستخدمت وزارة الاعلام الصحيفة المستنسخة ذريعة لايقاف الشورى "الاصلية". في 12/3/1999م, اقدمت نفس العناصر التي اصدرت الشورى المستنسخة, على عقد مؤتمر وهمي يحمل اسم الاتحاد وبدعم وتمويل حكومي, رغم صدور امر قضائي بوقف اعماله وبطلان نتائجه في حال انعقاده. خلال هذه الفترة تعرضت الشورى وعدد من كتابها للمحاكمة, وصدر بحق الشورى في احداها حكم شهير قضى بجلد رئيس تحرير السابق عبدالله سعد واخيه الكاتب عبدالجبار سعد. وفي يونيو 2001م وجهت نيابة الصحافة- وبطريقة انتقائية- بايقاف صحيفة الشورى عن التداول لمدة ستة اشهر, الامر الذي اضطر الاتحاد الى اصدار صحيفة اخرى وهي "صوت الشورى". في يونيو 2002م وجهت وزارة الاعلام بايقاف العدد (29) من صحيفة "صوت الشورى" بذريعة اساءة العدد لرئيس الجمهورية والوحدة الوطنية. الخوف من الديمقراطية: من المعروف ان الحرية والتعددية هما جناحا الديمقراطية. وبالنسبة لليمن فالمعطيات زاخرة بالانتهاكات الواسعة التي تطال الحريات والتعددية السياسية. وما يحدث للاتحاد وصحيفة الشورى ليس الا غيض من فيض التجاوزات السلطوية التي حولت الديمقراطية الناشئة في اليمن الى حالة كسيحة ومستعصية. وقد تجلى ضيق النظام بالهامش الديمقراطي وبالتعددية الى الدرجة التي جعلت كبار مسئولي الدولة يتحدثون عن ضرورة الاكتفاء باربعة احزاب فقط في اتجاه لتفعيل الديمقراطية وفق اهواء الحاكم, ولم يكن مستغرباً ان تهدد السلطة- في حالة نزق- بحل جميع احزاب المعارضة!! والمتمعن في حالة الاتحاد يجد نفسه امام سلطة تحشد كافة اجهزتها بهدف لجم صوت تراه نشازاً في مقابل حزب صامد يراهن على عدالة قضيته وثبات اعضائه وتضامن انصار الحريات والديمقراطية في ارجاء العالم. وفي مجتمع مفخخ بالعصبيات يلجأ الاتحاد دوما الى القضاء والقانون كوسيلة حضارية ومدنية لحل النزاعات واستردار الحقوق, ومع ذلك تمعن السلطة في استبدادها فتحول بين الاتحاد والقضاء, حيث رفضت المحاكم والنيابات كل الدعاوى التي رفعها محامو الاتحاد سواء ضد وزارة الاعلام او لجنة شؤون الاحزاب او ضد صحف الحزب الحاكم. ويفرض السؤال نفسه.. لماذا هذا الصلف السلطوي تجاه الاتحاد؟ بالقطع لاتوجد اجابة جاهزة, او مسوغاً يمكن تفهمه, لكن لعلنا اذا اشرنا لبعض خصوصيات الاتحاد نقترب من الاجابة على السؤال. اتحاد القوى الشعبية تنظيم سياسي وطني عريق تم الاعلان عنه قبل قيام ثورة سبتمبر 1962م, وقد عرف في ستينات القرن الماضي ابان الحرب ( الملكية- الجمهورية ) بالقوة الثالثة حيث كان الاتحاد يدعو بصوت مرتفع الى اهمية السلام وحقن الدماء واستفتاء الشعب والاخذ برأيه في اقرار شكل نظام الحكم في اليمن. وبعد المصالحة الوطنية واستقرار الاوضاع نسبياً, حرمت الحكومات المتلاحقة في شمال اليمن العمل بالتعددية السياسية, وهو ما اوجب على الاتحاد وغيره من الاحزاب ان تنشط في المعارضة بشكل سري بهدف تغيير واصلاح الحكم. وشكل هذا النشاط للاتحاد خصومة مباشرة من قبل النظام الحالي الذي حكم شمال اليمن قبل الوحدة, وساعدته المتغيرات على البقاء في الحكم بعد الوحدة. وفي ظل المناخ الجديد الذي شهدته اليمن بعد الوحدة اتجه الاتحاد الى النشاط السياسي العلني ملتزماً خطاً وطنياً ثابتاً منحازاً لقضايا وهموم المواطنين, فكان عضواً في التكتل الوطني للمعارضة ثم عضوا في مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة، وهو حالياً عضواً نشطا في اللقاء المشترك. وفتح الاتحاد صحيفة الشورى لمختلف الاقلام والاراء بعيداً عن النفس الحزبي السائد في الصحافة الحزبية. واضحت الشورى صوتاً معبراً عن الشعب وعن تطلعاته في الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان. وواجه الاتحاد المستجدات والاستحقاقات السياسية بشجاعة ومسؤولية, حيث رفض حرب صيف 94م وحذر من نتائجها على الوحدة الوطنية والديمقراطية والاستقرار في اليمن. ورفض الاتحاد الانسياق الى متاهات المذهبية والطائفية والمناطقية التي اصابت بعضا من الاحزاب. ورفض الاتحاد باستمرار كل الاجراءات السلطوية التي تضر بالعملية الديمقراطية وتنتهك من حرية الصحافة وحقوق الانسان. وفوق ذلك فان الاتحاد ظل الى اليوم معتمداً على التمويل الذاتي في تسيير نشاط الحزب وهو ما جنبه الكثير من المزالق التي وقعت فيها كثير من الاحزاب تحت ضغط الحاجة الى التمويل الحكومي. المشترك والاصلاح السياسي: من جهة اخرى لايمكن عزل مايحدث للاتحاد والشورى عن التوجه السلطوي القائم ضد المعارضة واحزاب اللقاء المشترك وضد الصحافة والصحفيين عموماً, خصوصاً بعد ان اعلن المشترك عن مشروعه الوطني للاصلاح السياسي, هذا المشروع الذي اعتبرته جوقة النظام انقلاباً على الحكم والحاكم. لقد شبت المعارضة عن الطوق, وبدأت اولى الخطوات العملية في استعادة الثقة بالشعب والجمهور. وقد شهدت الايام الاخيرة صراعاً سياسياً محموماً بين السلطة والمعارضة, وتوحي تصريحات الرئيس وقيادات المؤتمر ان البلد على حافة ازمة سياسية خطيرة, ومطلوب من احزاب اللقاء المشترك ان تتراجع عن كل مطالبها من اجل تجاوز هذه الازمة. انا ومن بعدي الطوفان, شعار كل الديكتاتوريات السابقة واللاحقة.. وهو الحال الذي ينطبق على النظام في اليمن الذي بات يهدد المعارضة ب"الصوملة" مالم تكف عن مطالب التغيير والاصلاح السياسي. ومايحدث للاتحاد اولاً واخيراً ليس الا نتاج سياسة نظام مستبد يراوغ باسم الديمقراطية ويتوارى خلف الشعارات الزائفة, فاذا ماوجد ان مواطناً او حزبا تجاوز الخطوط الحمراء كشف القناع وكشر عن انيابه وبدا كالثعبان يلدغ ما أمامه!!