على مدى السنوات الثلاث الماضية قادت الناشطة اليمنية توكل كرمان احتجاجات صباح كل ثلاثاء في الساحة امام مبنى مجلس الوزراء والتي أطلقت عليها لقب "ساحة الحرية". ولمدة 3 سنوات حمل المحتجين لافتات يطالبون فيها بإصلاحات شتى بدءا من إصلاح الحكومة الى تحرير الإعلام والافراج عن السجناء السياسيين.لكن هؤلاء المحتجين لم يستحوذوا الكثير من الإهتمام حتى بداية هذا العام وتحديدا يوم الغضب 3 فبرير/شباط 2011. وكان يوم الغضب مبادرة شبابية صرف، بدأت على الانترنت من خلال مجموعات على صفحة ال"فيس بوك". وهكذا بدون تخطيط او استراتيجيات ومن دون دعم أو توجيه من المعارضة المنظّمة، بدأ الشباب اليمني بتشكيل بدايات ثورته والتي استمد ايحائها من الثورات العربية في تونس ومصر بدون تدخل من احزاب المعارضة وبمستوى تنظيمي ضعيف. اليوم وبعد حوالي ثلاثة أشهر أعلنت أحزاب اللقاء المشترك انها ستتوجه الى الرياض قريبا مع الرئيس علي عبدالله صالح لتوقيع إتفاقية بوساطة من دول مجلس التعاون الخليجي لتحديد طريقة انتقال السلطة. وتنص المبادرة انه على الرئيس التنحي خلال ثلاثين يوما من التوقيع وتسليم السلطة الى نائبه وحكومة ائتلاف وطني. ورفض الشباب في الساحة المبادرة ورأوها على انها تمنح صالحمساحة كبيرة للمناورة. لكن إعتراضاتهم حتى الآن ذهبت ادراج الرياح وهكذا وجد الشباب مطالبهم غير مستجابة ودورهم في مستقبل اليمن غير واضح، في حين يتم إجراء اتفاقات بين سياسين لا يمثلونهم بالضرورة. ترددت أحزاب اللقاء المشترك قبل الإنضمام الى الشارع الثوري الى ما بعد الاطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك في يوم 11 فبراير، واستمرت في محاولة الحوار مع الرئيس وإن كان حوارا متعثراً. كما استفاد صالح من الانقسام بين الشباب وأحزاب اللقاء المشترك وقام بحملات تعبئة في الشارع في محاولات لتقسيمهم وابعادهم عن بعضهم البعض. فقد ظهر معتصمون جدد كانوا معرفون سابقا بموالاتهم للنظام ونصبوا خيامهم في ساحة التغيير حاملين لافتات مثل "ثورتنا ثورة شباب لا تنظيمات ولا أحزاب" وغيرها مما يتهم الأحزاب السياسية بمحاولة إختتطاف الثورة الشبابية وركوب موجتهم للوصول الى السلطة. وكما كان متوقع، ما لبث ان نكث صالح بجميع وعوده لأحزاب اللقاء المشترك ومن ضمنها وعده في يوم 2 فبراير بالتنحي عن السلطة قبل نهاية العام. وبذلك دفع صالح عن غير قصد أحزاب اللقاء المشترك للانضمام إلى ثورة الشباب. إعتراف الاحزاب السياسية بثورة الشباب والتحامهم بها اعطى الشباب دفعة معنوية هائلة وإحساس بالقوة لم يشعروا بها من قبل، بالذات لأن أحزاب المعارضة، والتي تعتبر اقوى منهم من ناحية التظيم السياسي، انضمت اليهم بدلا من أن ينضموا هم اليها. هكذا وبدعم من أحزاب اللقاء المشترك نصبت أول خيمة في 21 فبراير في الساحة أمام جامعة صنعاء والتي سميت "ساحة التغيير". الصراع من اجل الظهور كان لدى العديد من الناشطين في ميدان التغيير (مثل توكل كرمان، خالد الآنسي، وسامية الاغبري) انتماءات سياسية سهّلت الإتصالات ما بين الشباب والمعارضة المنظمة. لكن في البداية، إستاء بعض الشباب الذين بدأ الثورة وقاوموا هذه التدخلات – وبعض الأحيان الهيمنة – من قبل أحزاب اللقاء المشترك، وخصوصا من حزب الإصلاح ذا البعد الإسلامي والذي يعد الطرف الأقوى والأكثر خبرة سياسيا وفيما يتعلق بالتعبئة الجماهيرية. وفي أوائل آذار/مارس، انسحب بعض المتظاهرين الشباب من الساحة بسبب هيمنة حزب الإصلاح وتوجهاته المحافظة. وفي حين أن هذه المجموعة عادت الى الساحة في اليوم التالي، فهذا الانسحاب لفت الانتباه إلى ضرورة وضع استراتيجية للحفاظ على وحدة المتظاهرين. شملت هذه الاستراتيجية التقريب بين شباب الثورة والأحزاب من خلال بروز بعض القيادات الشابة في الأحزاب والتي اصبحت تأخذ مراكز مميزة وينظر إليها على أنها الحل الوسط بين قادة أحزاب اللقاء المشترك المتشددة (وخصوصا التجمع اليمني للإصلاح) وشباب الثورة العصريين. وأعطى هؤلاء القادة الجدد للمجموعات الشبابية المختلفة – بما في ذلك المجموعات النسائية – فرصة للتحكم بالمنصة لمدة ساعتين يوميا. كما استشاروهم في صياغة البلاغات الصادرة عن الساحة والبيانات التي تطلق بإسم المعتصمين بالرغم من أن الشباب المستقلين كانوا في ذلك الوقت يشملون ما يقارب 30 في المئة من جميع العناصر الموجودة في ساحة التغيير والتي تضمّنت حوالي عشرين الف متظاهر. كما تعد جمعة 18 مارس/آذار لحظة حاسمة أخرى في ثورة اليمن، وذلك حين قتل أكثر من 60 متظاهرا من قبل قناصة تابعين للأمن. وهكذا تحولت لهجة التعامل مع ثورة الشباب الى لهجة متعاطفة ليس فقط في اليمن بل أيضا من قبل المجتمع الدولي. وتسببت الاشتباكات الدامية في توافد عدد اكبر من المتظاهرين للإعتصام في ساحة التغيير وبين ليلة وضحاها تحول عدد المتظاهرين من الآلاف الى مئات الآلاف. كما وحّد هذا الحدث المعارضة اليمنية وسلّط الضوء على أهمية تنظيم الصف. و ادرك الشباب اهمية وجود جهة تكفل الحصول على المعدات الطبية والغذاء الكافي والتخطيط الاستراتيجي. وهكذا أصبحت ساحة التغيير خلية نحل تعج بالأنشطة المختلفة. تهميش الشباب في المبادرة الخليجية على الرغم من أن الشباب هم الذين بدؤا الثورة في اليمن إلا أنهم لم يتم دعوتهم للمشاركة في المحادثات رفيعة المستوى في الرياض وأبو ظبي بين وزراء الخارجية الخليجيين وممثلي احزاب المعارضة. ويبرر السياسيون من كلا الجانبين هذا الإقصاء بسبب تشتت الشباب وعدم وجود ممثلين او قيادة موحدة لتمثيلهم في المحادثات. هذا صحيح، فيوجد اليوم اكثر من 72 مجموعة شبابية في ساحة التغيير الكثير منها متفاعلة عبر الإنترنت ولا سيما على الفيس بوك. وبالرغم من وجود محاولات لتكوين تحالفات او شبكات تنسيق بينه تلك المجموعات إلا انها لا تزال غير نهائية او مستقرة. تكمن مشكلة شباب الثورة في اليمن في قلة خبرتهم السياسية بسبب عدم ممارستهم الديموقراطية بمعناها التنظيمي الحقيقي قبل الآن. وبإستثناء بعض النشطاء، والذين تبرز بينهم بعض الإنقسامات على المستوى الفكري او الأيديولوجي، لا توجد لدى بقية شباب الثورة ادنى فكرة عن كيفية تنظيم أنفسهم أو صياغة برنامج سياسي. وبالتالي فإنهم يصبحون فريسة سهلة للسياسيين من ذوي الخبرة، سواء كانوا مؤيدين للنظام أم معارضين. وقد أظهر قبول أحزاب اللقاء المشترك لمبادرة دول مجلس التعاون الخليجي كيف يمكن لمعارضة سياسية منظمة ركوب موجة من الاحتجاج الشعبي للوصول إلى مناصب السلطة. وعلاوة على ذلك أثار عضو اللقاء المشترك ورئيس حزب الحق حسن زيد يوم 20 ابريل إستياء بالغا من الشباب عندما وصف دورهم بالثوري وقال انه "لا ينبغي أن تكون لهم طموحات ليكونوا جزءا من النظام السياسي الجديد." أدى هذا التعليق الى تعميق الفجوة بين الشباب الثوريين والأحزاب إن إفتقار الشباب الى التنظيم والقيادة الموحدة، فضلا عن إصرارهم على شروط صارمة ضد الرئيس، أدى الى تهميشهم من قبل الجهات الأكثر حنكة سياسيا. اما الآن فعلى الشباب توحيد صفوفهم وتحديد أهدافهم السياسية وتكوين كيان تنظيمي سياسي واضح إذا ارادوا لعب دور في المرحلة الانتقالية. لأنهم إذا لم يفعلوا ذلك سريعا سيجدون ان جهودهم وتضحياتهم على مر الأشهر الماضية قد تحولت الى مجرد مضيعة للوقت وللدماء.