الجوف.. مقتل شيخ قبلي وإصابة نجله في كمين مسلح    ورشة عمل حول تحسين وتطوير منظومة الزراعة التعاقدية في محصول التمور    وفاة امرأة في عدن جراء انقطاع الكهرباء    وزير الاقتصاد يلتقي المواطنين خلال اليوم المفتوح    غليان وغضب شعبي في عدن ومطالبات للحكومة بتوفير الخدمات    عدن تموت في هذا الصيف والحكومة في غيبوبة    سرايا القدس تعلن تدمير آلية عسكرية صهيونية وسط مدينة خان يونس    نحن لا نعيش تحت حكم "دولة عميقة".. بل تحت احتلال عميق!    بعد وداع المونديال.. الأهلي يريح لاعبيه 18 يوما    الأندية المغادرة والمتأهلة لثمن نهائي كأس العالم للأندية    الوزير الزعوري يشيد بمشاريع هيئة الخليج وعدن للتنمية والخدمات الإنسانية وجهودها في دعم الفئات المحتاجة    كم كسب الأهلي ماليا من كأس العالم للأندية 2025    توقعات بأمطار رعدية وطقس حار واضطراب البحر    الصحة الإيرانية تعلن استشهاد 44 سيدة و13 طفلاً في هجمات الكيان الصهيوني على إيران    استشهاد وإصابة61 مواطنا بنيران العدو السعودي الأمريكي الصهيوني في صعدة    وفاة 49 شخصا وإصابة 485 في 353 حادثاً مروريا خلال إجازة العيد    - عنوان ممتاز وواضح. ويمكنك استخدامه كالتالي:\r\n\r\n*الأوراق تكشف: عراقيل تهدد إعادة فتح فندق موفنبيك \r\nعراقيل مفاجئة أمام إعادة افتتاح موفنبيك صنعاء... والأوراق تفتح الملف!\r\n    "حققنا هدفنا".. الحكومة الإسرائيلية تعلن رسميا سريان وقف إطلاق النار مع إيران    وفاة وكيل وزارة الثقافة عزان    من يومياتي في أمريكا .. مؤتمر وباحث عن فرصة عمل    كيف تواجه الأمة واقعها اليوم (4)    موقف غير أخلاقي وإنساني: مشافي شبوة الحكومية ترفض استقبال وعلاج أقدم كادر صحي في المحافظة    ارتفاع حصيلة قتلى صاروخ إيران الأخير إلى 11 إسرائيليا على الأقل    المجلس الأعلى للطاقة يقر حلول إسعافية عاجلة لتوفير وقود لكهرباء عدن    بوساطة قطرية.. اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران    عدن على حافة الانفجار: انهيار شامل وخيوط مؤامرة دولية تُنسج بأيدٍ يمنية    اليمن تضع إمكانياتها تحت تصرف قطر وتطلب من المغتربين عدم العودة لسوء أوضاع وطنهم    "العليمي" يفرض الجزية على حضرموت ويوجه بتحويل 20 مليار ريال شهريا إلى إمارة مأرب    هلال الإمارات يوزع طرود غذائية على الأسر الأشد فقرا بشبوة    كفى لا نريد دموعا نريد حلولا.. يا حكومة اذهبي مع صاروخ    أوساكا.. انتصار أول على العشب    حان وقت الخروج لمحاصرة معاشيق    مسئول ايراني كبير: تصريحات ترامب حول اتفاق وقف النار "خدعة"    إب .. تعميم من مكتب التربية بشأن انتقال الطلاب بين المدارس يثير انتقادات واسعة وتساؤلات حول كفاءة من اصدره    حين يتسلل الضوء من أنفاس المقهورين    السقلدي: هناك شحن وتعبئة لقوات الامن تجاه المواطن    - من هو رئيس تحرير صحيفة يمنية يلمّح بالزواج من إيرانية ؟ أقرأ السبب !    عربة خدمات ارضية تخرج طائرة لليمنية عن الخدمة    بطولة عدن الأولى للبلولينج تدخل مرحلة الحسم    تحركات مشبوهة للقوات الأجنبية حول مطار المهرة ..    هيئة الآثار والمتاحف تسلم 75 مخطوطة لدار المخطوطات بإشراف وزير الثقافة    النفط يرتفع إلى أعلى مستوياته منذ يناير بسبب المخاوف بشأن الإمدادات    الشعر الذي لا ينزف .. قراءة في كتاب (صورة الدم في شعر أمل دنقل) ل"منير فوزي"    ريال مدريد يقسو على باتشوكا    فصيلة دم تظهر لأول مرة وامرأة واحدة في العالم تحملها!    الصين.. العثور على مقابر مليئة بكنوز نادرة تحتفظ بأسرار عمرها 1800 عام    الكاراز يعادل رقم نادال على الملاعب العشبية    قطاع الأمن والشرطة بوزارة الداخلية يُحيي ذكرى يوم الولاية    المنتخب الوطني تحت 23 عامًا يجري حصصه التدريبية في مأرب استعدادًا لتصفيات آسيا    إيران تنتصر    مرض الفشل الكلوي (9)    توقيف الفنانة شجون الهاجري بتهمة حيازة مخدرات    كشف أثري جديد بمصر    من قلب نيويورك .. حاشد ومعركة البقاء    الحديدة و سحرة فرعون    شوجي.. امرأة سحقتها السمعة بأثر رجعي    علاج للسكري يحقق نتائج واعدة لمرضى الصداع النصفي    حين يُسلب المسلم العربي حقه باسم القدر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعز : ليلة سقوط " الحرية "
نشر في التغيير يوم 11 - 06 - 2011

توجهت الى مدينة تعز الحالمة .. الهائمة .. العاشقة للثورة التي تعيشها اليمن اليوم , والحاضنة لها , بل يجوز لنا الوصف لها بأم الثورة , فمنذ قيام ثورتا تونس ومصر كانت مدينة تعز تعيش المخاض , حيث كان شرف المواطن العربي المقهور أباً ,جائت منه ثورتا تونس ومصر وصولاً لثورة اليمن التي حملت بها الحالمة في ( أحيائها ) , وغذتهامن أوردتها المثقلة بحب الوطن بفكرها المدني ساهم في ذلك نسبة التعليم والوعي الكبيرين فيها , يضاف اليه ما قدمته تعزمن تضحيات كبيرة طوال فترة اليمن الجمهوري عقب ثورتي سبتمبر واكتوبر , وكان لهذه المدينة دور كبير فيهما , وعندما انحرفت الحقبة الجمهورية عن بعض مسارها كان أبناء تعز من قام باعداد كشوفات التقييم ووضحت الاختلالات فيها , وكانت النتيجة دفع عدد من ابنائها ثمناً لذلك كإقصائهم عن الكثير من الحقوق المشروعة لهم وأبسط شروط المواطنة المتساوية.
بعد زيارة سابقة لساحة الصمود بمدينة صعدة ونشر استطلاع بصحيفة حديث المدينة عن تلك الزيارة , راودتني الفكرة لكتابة استطلاع آخر عن ساحة التغيير بصنعاء , لكني منعت نفسي عن ذلك نظراً لعدد من الملاحظات غير المرغوب فيها والتي لا نريد الحديث عنها أو ( نشر غسيلنا ) كما يقال خشيةً من تأخر نجاح ثورة الشباب وإحساسنا بأن ما نقوله قد يكون سبباًفي ذلك , حتى أصبحت جملة ( نبحث عما يجمعنا , وليس ما يفرقنا ) مادةً للتندر علي من قبل اصدقائي ومن نجلس سوياً في الساحة , والحقيقة انني أعرف تماماً كالآخرين أن هناك الكثير من رجال الأمن ( القومي والسياسي ) الذين يحاولون أن يقوموا باشاعة الكثير من الكلام المغلوط والضغط على موضع الجرح الموجود فعلاً بين الفرقاء السياسيين وكثير من الشباب ينتمون الى تلك التوجهات السياسية , وتلك المواضيع أوراق لعبها جيداً نظام الرئيس صالح طوال الفترات الماضية ولعقود وكانت هي سبب ( مخارجته ) من الكثير من المآزق السياسية التي مر بها وجعلته ممدداً لا يبالي بأحد في سدة الحكم لثلاثة وثلاثين عاماً , وكان لا بد من تجاوز تلك الجراح لتنجح هذه الثورة , ولكن ( ولعة ) العمل الإعلامي كانت تجتاحني للكتابة دون الخوض في إشكاليات ما يحدث من تجاوزات للسبب المذكور آنفاً ,فكنت أتأمل كيف يمكن أن أزاول عملي الأعلامي وبهذه المواصفات .. الحذرة , الحريصة على عدم الخوض فيما قد يسيئ لتصرفات بعض الثوار الجامحين فلم أجد مجالاً من الكتابة عن ساحة الحرية بتعز فهي حسب المعلومات الواردة الينا عبر وسائل الإعلام وعبر عدد من أبناء هذه المحافظة الذين تكاد لا تخلو منهم ساحة , وهكذا وجدت النفس تهفو لزيارة الحالمة حيث تعد ساحة الحرية أولى الساحات لثورة التغيير وبها نصبت أول خيمة للثوار , كما أن ما حققه شباب الثورة بتعز كان بمثابة انتصار كبير للمنادين بالتغيير – وانا منهم – فالصمود الذي حققوه بشارع جمال كان يشكل انتصاراً بنفوس من سمعوا به في ساحات التغيير بعموم المحافظات , وكذلك تمكنهم من اغلاق عدد من المرافق , وما سمعناه من تعامل راقي للثوار في التعامل مع تلك الجهات التيتمكنوا منها وكتبوا عليها عبارة ( مغلق من قبل الشعب ) فالشباب في تعز لم ينهبوا تلك المؤسسات او يضروا بها باعتبارها ملكاً لكل ابناء الشعب بعيداً عن ثقافة الفيد المتعارف عليها والمجربة من خلال مواقف سابقة مشابهة لذلك , منها ما سمعنا عنه وعاصرنا بعضها , ولمسنا تصرف ينم عن وعي كبير عرف به ابناء تعز,وهكذ قررت الكتابة عن تلك المدينة الصامدة وساحة الحرية بها وحول شبابها الثائر الواعي لأعطي صورة تفاؤلية بعيداً عن الشوائب .وبقيت أتخيل ذلك طوال المسافة الفاصلة بين صنعاء وتعز.وللعلم فقط فعندما أسافر الى تعز أذهب عادة الى مكتب صحيفة حديث المدينة وأبقى بها فعندما شرعنا بالتصوير للسلسلة الوثائقية ( رواد الفن ) وكانت أجزاء تلك السلسلة عن المبدع الكبير أيوب طارش عبسي أقام طاقم التصوير بأحد الفنادق وحجزت غرفة باسمي - لم أرها حتى - وأمضيت معظم وقتي عند الصديق الرائع فكري قاسم بالصحيفة وعدد آخر من الأصدقاء الذين تعرفت بهم لديه ولا أفارقهم الا في أوقات التصوير الميداني , ثم تلتها زيارة لاحقة لذلك بهدف الترويح عن النفس امضيتها بنفس مقر الصحيفة أما هذه المرة فمكثت هناك لشوقي إليهم ولضرورة ملحة أخرى حيث كنت أخشى السكن بأحد الفنادق فيحدث ما لا يحمد عقباه من أحد المتعصبين نظراً لمعرفة الغالبية لمواقفي المناصرة لثورة التغيير وكان وصولي بصحبة الصديق الصحفي محسن عائض الشهير باسم ( طاهش الحوبان ) وهو الاسم الذي اختاره لنفسه على صفحته بالفيسبوك بعد منتصف الليل بقليل .
كم كنت سعيداً وانا اشاهد ساحة الحرية , وزاد سروري عندما التقيت بعض شبابها الثائر الذين كانوا من أوائل من امتلئت بهم شوارع المدينة وساحاتها في الحادي عشر من فبراير وهذا التاريخ هو البداية الحقيقية لثورة الشباب في اليمن ومعظم أولئك الشباب ينتمون الى جماعة كبيرة أطلقت على نفسها هذا التاريخ ويعرفون بشباب ( أحدعشر فبراير ) ويعتزون بذلك التاريخ كثيراً , وصاروا يعرفون بهذا الاسم ويفخرون به الى درجة التعصب حيث يشعرون من خلاله بأولويتهم في الثورة , جلسنا اليهموتبادلنا الكثير من المواضيع عن الثورة ومنها تحملهم العنف الشديد من رجال الأمن ورجال الجيش الذي تم الاستعانة به عندما لمست جهات الأمن صعوبة إخماد الثورة الوليدة وإطفاء اتقاد شعلة الشباب المؤمن بشرعية مطالبه ,حيث وفي تعز - كجميع المحافظات - تتموضع القوات المسلحة داخلها في معسكرات منتشرة لقمع الشعب كما ذكر ذلك الرئيس صالح بنفسه , وهناك ( معسكر خالد بن الوليد ) الذي ساهم في ذيوع صيته على مستوى الجمهورية ان الرئيس الذي يطالب الشعب اليوم برحيله وإسقاط نظامه كان يوماً قائداً له , ومنه وصل الى كرسي الحكم بصنعاء عام 1978م ,
وتحتوي تعز على الكثير من الحكايات عن فترة وجود الرئيس فيها قبل حكمه اليمن , ويتندرون بأن جميع المحافظات تطالب برحيل الرئيس لأنهم سئموه لفترة حكمه الطويلة ( 33 سنه ) مليئة بالفساد وإعادة حكم الفرد , أما تعز فقد حكمها ( 37 سنة ) مضيفين أربع سنوات كان خلالها قائداً لمعسكر خالد , ثم قائداً للواء تعز .وعودة للموضوع فقد شهدت في تعز حماسة الشباب الكبيرة للتغيير وطرحت عليهم العديد من الأسئلة التي أجابوا عنها معززين الفكرة التي طرحتها أحياناًونفو بعضها نفياً قاطعاً أحيان أخرى فعلى سبيل المثال سمعت أن ( بيت هائل يوزعون على كل المتواجدين بساحة الاعتصام دجاج بروست ورز وسلطه , والتحلية لكل معتصم حسبما ذكر لي الصديق حمزه الكمالي ونحن بالمركز الاعلامي في صنعاء ) وضحكت كثيراً لنفيهم القاطع ذلك وانا اسمع مدى تحملهم للاوضاع المالية الشحيحة التي يعانونها لكنهم كانوا يشرحون بحماس كبير كيف تمكنوا من الذود عن أنفسهم بعد تمكنهم من الاستيلاء على شارع جمال ويترحمون على أصدقائهم الذين سقطوا هناك ويسمونهم بالشهداء , كما لا يخفى لمن يجالسهم أن يلحظ التقارب الكبير بينهم مما يدعوا للاستغراب حين تعلم ان معظمهم لم يتعارفوا قبلاً , وكانت أول معرفة لهم ببعضهم في أول يوم خرجوا به وهو الحادي عشر من فبراير , ثم زادت الألفة بينهم وقربهم الى بعضهم الهدف المشترك والمواقف الحالكة التي لقوها معاً من قوات الأمن حتى سارت دفة الحديث معهم الى التجاوزات التي تحدث في الساحة مع بعض المحسوبين الأحزاب وكما ذكرت فإن من اسباب نزولي الى تعز هو الابتعاد عن طرح تلك المواضيع , فاستوقفتهم عن التطرق لتلك المواضيع اكثر من مرة لنعاود الحديث , وأجدهم دون شعور بدئوا بذكرها مجدداً وفي كل مرة يعودون للتذمر من تصرفات الاحزاب , وكل مرة كان الموضوع مختلفاً لكن يوجد ما يذكرهم بتلك التصرفات ولكثرة ترديدهم ذلك أحببت أن انبههم الى وجود المندسين من قوات ( الأمن القومي والأمن السياسي )في ساحات الاعتصام وهدفهم إثارة البلبلة في صفوف الشباب وشق الصف الواحد الذي يطالب بإسقاط النظام , على اعتبار إجهاض هذه الثورة مذكراً لهم أن كثير من الشباب في الساحات هم ينتمون لأحزاب متعددة وهذا لا يعيب , ولا يمكن إغفالهم أو إقصائهم لتتنوع الردود لي في هذا المقام الذي لبست فيه ثوب الناصح وحينها تعالت أصواتهم بالصراخ دفاعاً عن موقفهم متعللين بأن سبب ذلك هو وصولهم الى درجة من الصبر لا تحتمل , وأنهم قد فاض بهم الكيل ولم يعودوا يقوون على السكوت , لكن استوقفتني كلمة أحدهم ( هولاء المندسين مش الأمن القومي أو السياسي , لكنهم احنا حتى أصبحنا نضحك من كثر ما أطلقوها علينا ونسمي ارواحنا حركة المندسين الأحرار ) وضحكوا جميعاً , عندها شعرت بغصة في نفسي لهذا الأمر ففي الحقيقة انه لا يوجد أحد ممن أعرفهم تقريباً إلا واطلقت عليه هذه الصفة الرديئة رغم وجود الجميع في نفس الساحة ( وأنا منهم بالطبع ) لكني ذكرت لهم رغم ذلك أن هناك من لا يعرف الآخر نظراً لكبر حجم الساحات والأعداد الهائلة من الناس بها, ومن يحب الثورة هذه لا بد ان يتحمل ولا ينثني عن خدمتها مهما واجه من الصعاب مذكراً لهم بأن صديقي ( فكري قاسم ) وهو ممن كتبوا وحلموا وتغنوا بالتغيير عبر كتابته منذ سنوات قد اتهم بنفس التهمه ومع هذا لا يزال على موقفه لم يتزحزح , وكذلك الصحفي ( عبدالكريم الخيواني ) الذي سجن عدة مرات بسبب مطالبه بتغيير النظام وحلمه برحيل الرئيس – وهي نفس المطالب اليوم - ووجدته بساحة التغيير بصنعاء ومواقفه لم تتزحزح رغم وسمه بالمندس , لكن هذا يأتي بسبب جهل البعض بالشخص الذي أمامه ..... الخ عندها انفجروا بوجهي وكأنهم يطالبون برحيلي انا وهم يقولون ( ما عنسكتش . لابد نوضح من الآن . صبرنا خيرات . اللي يشتي يسكت اخبر بنفسه . وغيرها من الكلمات التي تقاذفتها السنتهم جميعاً ) لكن ذلك الموقف جعلني أشعر بحجم ما يحملونه بأنفسهم وشدة ضيقهم مما لاقوه من تخوين في مواقفهم ولكني تجاوزت الأمر وقلت : هذا ليس موضوعي أنا نزلت ابحث عما يفرحني وليس ما يصيبني بالأكتئاب , ومع هذا كتبته هنا لسبب سيعرفه القارئ اذا لم يضجر مني في سياق ما كتبته
تتميز ثورة شباب التغيير في محافظة تعز بالوعي الكبير وارتفاع نسبة الثقافة في صفوف المنظمين لها , مع هذا فبعض شباب الحادي عشر من فبراير ممن نزلوا قبل غيرهم الى الشارع معلنين ميلاد الثورة من محدودي التعليم نتيجة تسربهم من الدراسة خلال مراحل التعليم بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية واحتياجهم للعمل في سبيل اعالة أسرهم وانفسهم , وبعضهم تركوا الدراسة دون ان يلتحقوا بالعمل نتيجة تسرب اليأس لنفوسهم وهم يرون اقارب لهم او جيران من حملة الشهادات العليا , يعانون دون الحصول على وظيفة , هؤلاء جميعاً عاشوا قبل اندلاع الثورة حياة ( الصعلكة ) بالمصطلح العامي وعرفوا بإثارتهم للمشاكل , لكنهم رغم ذلك يحملون من الثقافة ما لا يحمله من يشابه ظروفهم بالمحافظات الاخرى ربما لوجود المحيط الثقافي المتعلم , واستفادتهم من الثقافة الشفهية , لكن من خلال مشاركتأولائك الشباب الفاعلة تأكد للجميع ان الثورة بحاجة للجميع من ابناء الشعب , فدفاع واستبسال من كانوا يعرفوا بالصعاليك عن انفسهم ومن يشاركونهم المسيرات والاعتصامات امام رجال الجيش والأمن دون الإخلال بمبدأ سلميتها أكسبهم الإحترامالكبير بنظر الآخرين , وهنا كأن الشباب عرفوا هدفاً سامياً وجدوا لأجله وهي تلك اللحظات التي يذودون بها عن انفسهم ورفاقهم وخدمة وطنهم , وزادهم التقدير الذي يرونه بعيون الغير لهم شجاعةً , فكان سبباً لزيادة حماستهم في الاستبسال خدمة لهذه الثورة التي اعادت لهم الاعتبار حتى من قبل نجاحها بنظر انفسهم وغيرهم , إذن فهي ثورة تشكل مصيراً لهم وهدفاً خلقوا له ولا بد ان يكونوا في مستوى المسئولية , وكان الشباب الذين التقيت بهم موضع الكثير من الاسئلة التي كنت بحاجة لمعرفتها بدايةً من أحداث شارع جمال وأحداث إدارة البحث الجنائي وبها تم إسترجاع 12 سجيناً وسيارتهم , ووكانت اخبار انتصاراتهم هي مصدر فرح بالنسبة للشباب في الساحات الأخرى خصوصاً بعد ان طال أمد الثورة وبدأ اليأس والتململ يتسرب لنفوس الآخرين فتأتي أخبار شباب تعز بلسماً على أرواحهم الملتهبة , كما تعد المظاهرات التي جرت بتعز هي الوحيدة التي حدثت خلال فترة مفاوضات المبادرة الخليجية وتوقف المسيرات وفيها اثبتت الاحزاب انها الوحيدة القادرة على التحكم بالتصعيد في الساحات ليعلو صوت شباب تعز ان ثورتهم ثورة شباب بلاحزبية او أحزاب وشكلوا مسيراتهم دون الانصياع لمكبرات صوت المنصات المطالبة ببقاء الشباب داخل الساحات وعدم المطالبة بالخروج منها ومن يفعل ذلك فهو ( مندس ).
توجد بتعز مديرية القاهرة التي سميت نسبةً للقلعة الشهيرة الواقفة على جبل صبر , ومبنى هذه هذه المديرية قريب لساحة الحرية حتى انها تعتبر ضمنها نوعاً ما ويتم المرور أمامها عند الدخول الى الساحة , لنشاهد على سطحها عدة اشخاص بملابس مدنية وعدد أقل بالزي العسكري يلقون الحجارة على شباب مجتمعين تحت مبنى الإدارةوكانت الساعة حينها تشير الى الثالثة تقريباً عندما بدأ الجنود بإطلاق النار في الهواء من سطح المبنى
المتواجدين على سطحه, ولم نعرف سبب ذلك ثم علمنا لاحقاً أن شباب التغيير ألقوا القبض على جندي أكد لنا جميع من كانوا موجودين وقتها بأنه قتل مواطناً من المعتصمين , وهذا ما أكده لي أحد الجنود الذين تصادف لقائي بهم في طريق عودتنا الى صنعاء راكبين سيارة بيجوت , وذكر اسم ذلك الجندي وهو ( ع زش ) قال : قتل أحد المواطنين , وكان يضرب رصاص وسط , وقفز له واحد ومسكه . وضربوه وأخذوه لحقهم المستشفى الميداني , وبعدما دخلت قوات الجيش والأمن الى ساحة الحرية دخلوا المستشفى وعاده فيه , قام بأخذ آلي ورش بالرصاص على الدكاترة .. وللعودة الى بداية الأحداث فقد تصاعد الوضع باحتجاز الأمن لمعتصم على حدود ساحة الحرية وهو يغادرها , ونادت المنصة بالاعتصام أمام مديرية القاهرة للمطالبة بإخراجه , وعندما تم التواجد امام مبنى المديرية صعد بعض المتواجدين داخلها من الجنود بالزي المدني والعسكري الى سطحها وكان ذلك المشهد الذي رأيناه من إلقاء للحجارة على المعتصمين حتى تطور الى اطلاق للنار عليهم , مما أثار استياء المعتصمين وتصاعد الوضع ليطلق عليهم النار من اشخاص آخرين اعتلوا مبنى بنك التسليف الزراعي المقابل لمبنى المديرية , وثار الوضع دفعة واحدة , حتى تمكن المعتصمون من القبض على جندي آخر بزي مدني , هو ذلك الذي ظهر في القنوات الإخبارية ممسكاً ببندقية ويطلق النار ويغطي وجهه بشال , وأخذ المعتصمون الجنديين المحتجزين لديهم الى الساحة عندما رفضت المديرية إخراج المعتصم المحتجز لديها , حتى قامت قناة الجزيرة بتصعيد الوضع أكثر على شاشتها واستفزاز النظام اليمني وهي تكرر أن المعتصمين قاموا باحتجاز جنديين والمطالبة بتبادلهم مع قوات الأمن بمسجونين لديهم , وشعرت بالغصة لذلك فالصياغة كانت سيئة من قبل الجزيرة , وجعلت كل جندي يستفز , وصبت الزيت على النار , وتصاعد الوضع من قبل القوات المسلحة والأمن ليتزايد إطلاق النار ويتكثف الحضور للعساكر في المنطقة المحيطة بالساحة ويبدأ جس نبض مع رغبة محمومة للاقتحام , منتظرين وجود رد من المعتصمين لاعتقادهم بتسريب أسلحة الى داخلها وظلوا يطلقون النار بصورة متقطعة عليهم وعندما وجدوا ان الشباب لا يحملون أي اسلحة نارية واثبتوا ان ثورتهم سلمية بالفعل , بدأ الجنود بالتقدم على الساحة مستعينين برافعات قامت بإزالة الحواجز الاسمنتية مدعمة بقوات مشاة وأطقم عسكرية ومصفحات ومدرعات أحاطت بمختلف المنافذ وكانت تقوم بإطلاق النار من أسلحة الكلاشينكوف ومضادات الطائرات المعروفة باسم 12/7 لإخافة المعتصمين بأصواتها الهادرة , ثم بدأت بالتقدم شيئاً فشيئاً مع استمرارها بضرب الأعيرة النارية في الهواء لكنها لا تتورع عن إصابة أي شخص يبدي المقاومة او الوقوف أمامها , وكان الأفراد يقومون بإحراق خيام المعتصمين التي تتواجد في الأماكن التي وصلوا إليها , حتى تمكنوا من تصفية ساحة الاعتصام بالكامل واحراق محتوياتها مع ضرب المستشفى الميداني , وفندق المجيدي الذي كانت تتواجد به كاميرات قناتي سهيل والجزيرة حسبما علمت لاحقاً .
لا يخفى على أحد شيوع كلمة الفيد في ثقافتنا اليمنية والتي تعني سلب الطرف المهزوم ممتلكاته , ففي صبيحة اليوم التالي لاقتحام ساحة الحرية واستيلاء قوات الأمن والجيش لكل ما كان متوفراً لدى المعتصمين وبالذات أجهزة الستلايت والتلفزيون الموجودة في معظم خيام المعتصمين وكذلك أجهزة الكمبيوتر , واستيلائهم على كامل محتويات المستشفى الموجود داخل الساحة ونهب ممتلكات فندق المجيدي , وكل ما طالته أيديهم بما في ذلك بعض البيوت بالساحة , وكأنهم تمكنوا من فتح بلاد الكافرين , ورأينا الأطقم العسكرية محملةً بتلك الغنائم , عاكسين نظرةً سيئة للغاية عنهم أمام كل من شاهدوا تلك الصورة بما في ذلك عدد من مؤيدي النظام من أبناء تعز , والكثير من المحايدين , وأضحكني رغم ألمي لما حدث الليلة السابقة , تعليق أحد المارة الذين توقفوا لمشاهدة المنظر - سيارته تحمل صورة الرئيس - مما يعني أنه من مؤيدي النظام وهو يقول ( مالها الاطقم محمله بالأجهزة .. شكلهم زي اللي عادهم مروحين من الخليج ) وكان اطلاق النار مستمراً ذلك اليوم بصورة متقطعة داخل الساحة رغم عدم وجود أحد لمناؤتهم , وتوقعت ان يكون ذلك بمثابة إنذار لمن قد يرغبون في القيام بأي رد فعل , مع ملاحظتي لعدم وجود مقاومة كبيرة كما عرفت بأن عدد الشهداء ممن سقطوا تلك الليلة زاد عن ثلاثة وستين شخصاً ولم أرى مكتوب بوسائل الإعلام سوى سقوط عشرين فقط , وعلمت من أحد الأشخاص هناك الذي بدى عليه التحسر بصمت مثلي أن الجزيرة ذكرت الموجودين بالمستشفى الميداني فقط أما الموجودين باللجنة الطبية لم يذكروا , وبرز أمامي شرخ كبير في الموضوع آخر ذكرني بحديث الشباب السابق عن انقسام المواقف بينهم وبين المنتمين للأحزاب فالمستشفى الميداني يتبع الأحزاب , واللجنة الطبية للشباب المستقلين , ومن تتصل بهم الجزيرة هم المنتمون للأحزاب غالباً لهذا لم تتم الإشارة للشهداء الآخرين باللجنة الطبية .
غادرت موقع الساحة السابق أو أطلالها متجهاً الى اللامكان لأصل الى بوفية بشارع جمال دخلتها لتناول عصير يبرد سخونة ما يدور برأسي , فسمعت طلقاً نارياً وخرجت لألقي نظرة فاذا به احد البلاطجة اطلق عياراً نارياً في الهواء على شابين صغيرين يهتفون بسقوط النظام , بادرا بالهرب من أمامه وامرأة تجري باكية بسبب فزعها من صوت الرصاصة , والبلطجي يسب ويلعن وكأنه وكيل الله في أرضه , ورثيت لحال تعز قبلة المدنية في بلادنا التي وصلها الحال الى اطلاق النار دون خوف من مسائلة حتى أخلاقيه , وغادرت المكان أكثر ألماً حتى وجدت نفسي في مكان بعيد وقدماي متعبتان من السير , فركبت تاكسي وكان متذمراً من مرور الاطقم العسكرية بكثافة واطلاقها النار كل قليل في الهواء دون وجود مبرر سوى لإخافة أي اشخاص يزيد عددهم عن خمسة يسيرون مع بعض , وتجاذبنا الحديث فوجدته مؤيد لفكرة التغيير , وضرورة رحيل النظام الحالي , وحين سئلته : كيف تمكن الأمن من إسقاط ساحة الحرية ؟ أجابني أن المعتصمين داخلها هم من أسقطوها , وليس الأمن , فزاد عجبي لحديثه , وفسر لي ذلك بالقول : الساحة كانت شبه فاضيه اللي فيها قليل , وما بتكبر الساحة الا في يوم الجمعة عند الصلاة وكلهم اللي يصلوا هناك مؤيدين للثورة والتغيير لكنهم ما بيتواجدوشبالساحه في أي يوم اخر غير الجمعة رغم انهم كانوا فيها اول الثورة وكانت أعدادهم كبيرة وهم ثوار حقيقيين لكنهم ما يحبوش يعتصموا فيها بسبب كثرة المشاكل داخلها وصراع الأحزاب والشباب للسيطرة على منصتها , وخروج كل طرف بمسيرة مستقلة بدون الآخر , ( أوف .. هذا الحديث ما تعمدت الهروب منه في صنعاء لأجده في تعز ) حدثت نفسي .. لكن ربما يكون سائق التاكسي رجل أمن ولا بد من عدم اعتماد كلامه , وحين نزلت ودفعت له الحساب توقفت عند عدة محلات ( بوفية , بقالة , مطعم , صالون حلاقة , تاكسي آخر ) لأجد نفس الاجابات مع اختلاف حدة الأمر من شخص لآخر , عندها قررت ان أتطرق للموضوع واجعله محوراً مهماً لما سأكتبه في هذا الاستطلاع آراء الثوار حول سقوط ساحة الحرية.
لعل القارئ الصبور إنتبه لكلامي السابق بدايةً هنا , عندما ذكرتعدم رغبتي بالتطرق الى مواضيع الاشكاليات المتواجدة بساحة التغيير في صنعاء وكانت سبباً لنزولي الى ساحة الحرية في تعز , التي كنا نعتقدها بعيدةً عن تلك المشاكل الكثيرة , لأجدها تسقط وانا هناك – ويعلم الله مدى اكتئابي لما حدث - ولكن هل لا يزال هناك مزيد من الصمت بعد الذي جرى؟ أم حان الوقت أن نقتنع أن آخر الدواء الكي؟ هل سنؤمن أن جلد الذات هو ما سيحررنا؟ هل سنوقن أن علينا نقد أنفسنا لتقليل الأخطاء ؟ ما الذي يمكن ان يحدث ؟ هل سيقولون عنا مندسين ؟ لقد قالوها وانتهينا وقالوا ما هو أكثر من ذلك إذن فلنذهب الى الثوار ونعرف آرائهم , وليفعل الله ما يريد , وأحب أن ألفت نظر المشاهد الحصيف اني حولت ذكر اسم حزب بعينه الى كتابة ( الأحزاب ) حتى لا نجعل الأمر كأنه موجه لأحد بعينههكذا فكرت وأحاديث الشباب الذي سبق ذكرها في هذا الاستطلاع قبلاً وشكواهم من الاحزاب تتوارد الى خاطري وأنا اعاود السير لكن هذه المرة لم اكن بمفرديومعيالصحفي الصديق عبدالباسط مقبل الذي كان من المتواجدين بساحة التغيير الذي قال لي
عبدالباسط مقبل (الساحة كانت مليان أول ما اتكونت .. لكن امس لما سقطت ما كان فيها سوى ألف شخص – قاطعته : ألف بس ليجيب – خليهم ثلاثة ألف بالزيادة ..ذهاب الساحة لا يعني شيئفقد طلعوا ارواحنا أحسن ان الساحه سقطت .. ما كان بيجي منها الا المشاكل ووجع القلب .. انا كنت فيها واتهموني اني مندس .. وانا مش حق مشاكل.. وخرجت منها رغم اني مؤمن بها كثورة حقيقية لكن الثورة ما بتتوقفشوبتنجح بدون ساحة.. لأنها ثورة للناس كلهم مش حق ابو احد )تذكرت جملة مش حق ابو احد عندما كتبها الاستاذ نصر طه مصطفي في أحد ردوده على الفيسبوك في موضوع مشابه , وتذكرته ايضاً ذات مرة ونحن على الفيسبوك كذلك عندما قام أحد المفسبكين باسم وهمي بإنزال صورته طارحاً تساؤل حول سبب كتابته لبيان أبدى فيه قلقه عن الشباب والشابات الذين حوصروا من قبل أولاد الشيخ عبدالله الأحمر رغم أن لا أحد يمكنه التشكيك بموقف رئيس الوكالة السابق الذي قدم استقالته متضامناً مع الثورة بعد مذبحة جمعة الكرامة , وتنبهت من لحظة التذكر تلك على صوت عبدالباسط يقول لي وهو يشير الى شابة تسير بذات الشارع : هذه هناء الشرجبي ناشطة مدنية ومع الثورة قلباً وقالباً .. فبادرت للذهاب إليها وبعد أن ألقيت التحيةسئلتهاعن الساحة وما حدث بها ؟
هناء الشرجبي ( الساحة سقطت بسبب العنف الذي اقتحموه بها وهناك جثث أخذوها ما احد يعرف لفين أما الأختلاف في الساحة كان موجود وممكن يكون بأي مكان , لكن ما يؤديش الى انها تسقط بسهوله , سقوطها كان بسبب العنف ) وكم كانت سعادتي وأنا أسمعها تقول ذلك , فهنا يوجد رأي يناسب مع ما أرغب في سماعه , لكن واجب الصدق والمهنية هو ما يدفعني لنشر آراء الجميع دون تمييز خصوصاً أني مؤمن بأن الثورة ستنجح الآن بالصدق , والحديث أن لا صوت يعلو فوق صوت الثورة غير نافع , فالجميع خرج لنصرة هذه القضية ولكن التخويف , والتهديد , والاتهامات طالت الكثيرين , وتذكرت كيف كانت التهديدات تأتي عندما انتشر خبر تأييدي للثورة وشاهدني الكثيرين اتواجد بساحة التغيير بصنعاء بداية تأسيسها, كانت من طرف المؤيدين للرئيس ونظامه , وكيف أصبحت التهديدات تأتيني مؤخراً من أشخاص يتهموني بخيانة الثورة , وقول أحدهم : ستلقى جزائك عندما تنجح ثورتنا , وكنت مصراً ان مثل هذا - هوالمندس -ويحاول إخافتي وتركي المطالبة بتنحي النظام وسقوطه , لكن ذلك لا يتعارض مع كلمة الحق.اتصلت بعد ذلك بالناشطة شفيقة القدسي هاتفياً وكانت بغاية الانفعال لسقوط الساحة والتي قالت
شفيقة القدسي ( إحنا المشكلة صدقنا انها مدنية وسلمية , والمشكلة من عندنا نزلين نسوان المؤتمر بتعزيطالبين الرئيس يضرب بيد من حديد , والآن هذا اللي حصل يقتلوا شبابنا حتى الجزيرة تقل اللي قتلوا عشرين وهم اكثر , لكن كلهم حقراء .. الرئيس خايف من تعز وبيعتقدوا لو سقطت ساحة تعز كل الساحات بتسقط , لكن ما بيحصلش , تعز كلها ساحة واحدة الآن ما فيش مجال للتراجع , وهو بيسقط ان شاء الله والمهماانا اثبتنا للعالم أن ثورتنا سلمية , ولم يتم الرد عليهم بطلقة رصاص واحده ) ما أروعها وقوة عزيمتها شفيقة وأنا أستمع لحديثها , وكانت هي الوحيدة التي تحدثت معها بين الجميع عبر الهاتف , أما البقية فقد التقيت بهم مباشرةً وقمت بتصويرهم , وبمناسبة قوة الطرح سأضع هنا حديث الشاب عمرو العريقي , الذي يحس الشخص عند لقائه بأنه أكبر من عمره بكثير وهو يقول
عمرو العريقي ( سقطت ساحة تعز بسبب عدم التصعيد معنا من ساحة صنعاء لما كنا نصعد , ولو نريد سنعيد الساحة وتكون اقوى من السابقة , انا باعتبر تعز حقي كلها , وكلها ساحة , لكن للأسف اكتشفنا انه لا يوجد لدينا جيش وطني زي الجيش في مصر , احنا الجيش عندنا مخصص لضربنا احنا ومع هذا الساحة مش النهايه وسنعود بتصعيد اقوى من قبل ) الله على عمرو ما أروعه وهو يتحدث بتلك الثقة في النفس , اما زكي حسن جواس وهو من أبناء الضالع أصلاً يقيم في تعز التي لاحظت أنها تذيب بداخلها المناطقية , لأن كثيرين ممن التقيت بهم أصلاً من محافظات أخرى صهرتهم تعز مواطنين منها .. زكي هادئ جداً عندما يتحدث لكن من يعرفوه داخل الساحة قالوا ( لا يغرك هدؤه ) وسمعت عنه قصص تتحدث عن شجاعته واستبساله في المسيرات , وقد أجابني حول محور سؤالي عن اسباب سقوط ساحة الحرية
زكي حسن جواس ( الاحزاب راس المشاكل كنا كل يوم نتضارب احنا وحقهم الكوادر بسبب انهم يجلسوا يقطعوا اللافتات حقنا اللي مكتوب فيها لا حزبية لا أحزاب .. ثورتنا ثورة شباب , ليش يجلسوا يتكلموا كلهم في التلفزيون انها ثورة شباب وفي الساحة يسوو خبر ثاني ما يصحش .. هذي ثورتنا وما بنسيبهاش لاحد ) كانت تلك اللقاءات بالميدان ثم عدت لمقر الصحيفة وفيها إلتقيت بالصديق الصحفي أحمد شوقي أحمد الذي تعرض للكثير من التشكيك في مواقفه , وكان من الذين خرجوا بداية المسيرات وشكلوا الساحة , ثم امتنع بسبب كثرة التشكيك فيه ووصفه بالمندس
أحمدشوقي ( الأحزاب سبب المشاكل وخروجنا من الساحة .. وخطاب المنصة كذلك لأنه لم يرتقي الى وعي وعقلية أبناء تعز المتقدم عليهم وهرب الناس من الساحة انا أشارك في المسيرات لكن ما احب ادخل الساحة ) وفي نفس اللحظات سمعنا أصوات مسيرة تهتف بسقوط النظام وخرج ليلحق بهم – مش دعاية لأحمد وإنما بصدق هذا ما حدث ثم جاء دور بعض من تعرفت عليهم بتعز قبل سقوط الساحة لأتحدث معهم ومنهم طلعت الشرجبي ناشط في الساحة وهو أحد المتواجدين ليلة اقتحام الساحة , وسمعته يتحدث أنه سيذهب لإعادة زوجته التي اشتاق إليها , حيث أودعها في بيت أهلها منذ تأسيس ساحة الحرية.
طلعت الشرجبي ( الأحزاب ما فيش غيرها السبب , روحو اصحابي كلهم بسببهم , واصبحنا نسمي انفسنا حركة المندسين الأحرار , يا اخي وعاد احنا بشارع جمال والضرب فوقنا طلعت واحده من البنات المنصه تدعي الناس يجو يوقفوا معانا , طلعوا يقولوا عليها هذي مدري فين تشتي تشل البنات .. لاتصدقوهاش , ولا احد يخرج ) بعدها التقيت بالزميل عمار المعلم وهو أحد الأصدقاء منذ فترة عمله في التلفزيون , وتعارفنا هناك , ومعرفتي به تسبق ذلك حيث كان في الدفعة السابقة لنا بكلية الإعلام ويعمل حالياً مديراً عاماً لإذاعة تعز .
عمار المعلم ( يا صديقي احنا قد طفحنا منهم .. جالسين يتصلوا ويهددو , واحنا بنتعامل بمهنية .. اذاعة تعز قومت ثورات سبتمبر واكتوبر ونصرت حرب 94 .. وبتجيلي مشاكل بسبب مواقف الاذاعة المهدئه من الدولة .. وهولاء يجوا يقلوا لك ليش الاذاعة ما تخدم الثورة كأنني موظف عندهم .. طيب ولو فعلنا ايشبيحصل .. ينتعونا من الاذاعة ويجيبوا واحد يشعلها على رؤوس الكل ) أما الدكتور عبدالله الصوفي وكان متطوعاً باللجنة الطبية , وذكره الجميع باعتباره أول من أسف مصاباً في بداية خروج الشباب على سيارته , يتحدث بألم
د/ عبدالله الصوفي ( الساحة سقطت من المشاكل , يشتو يتعاملوا معانا كتابعين لهم .. مش شركاءوهذا غلط كلنا خرجنا بنحمل نفس الهدف لكن واحد يكون هو المسئول والثاني موظف عنده ما يجيش .. نزلوا وبراسهم صندوق التبرعات ما فيش غيره .. وكنا احنا قد عملنا الساحة ونزلوا الاحزاب بعدنا .. وأول ما وصلوا معاهم صندوق خاص بالتبرعات وسندات استلام .. هذي مهرتهم ما فيش غيرها معاهم ) بعدها تعرفت الى شاب ممن شاركوا بالساحة وله حضوره ويكتب قصائد جمياه وهو الاخ/ نجيب القرن الذي حاول الدفاع بشتى الصور ببطلان ما طرحته عليه
نجيب القرن ( الساحة سقطت لأنه ما فيش انضباط المنصه تقول يجلسوا وهم يخرجو , ويعملوا مشاكل ويشتو يمشو اللي براسهموهذا سبب مشاكل كثير علينا وضعف موقفنا ) وفرت المادة الدسمه للأخير , فهذا شاب الجميع يجمع على مدى شجاعته وإزعاجه لقوات الأمن في المسيرات التي يشارك في معظمها وله أدوار بطولية ذكروها لي في إنقاذ زملائه من يد رجال الأمن والبلاطجه واسمه محمد سلطان , ويلقبونه شيطان , تحدث معي بإسهاب شديد كغيره لكني أختزل هنا بذكر أبرز ما قالوه حتى لا أطيل أكثر.
أحمد سلطان ( كنا ننظم مسيرات ونخرج من الساحة , ويصيحوا بالمنصة ان احنا مندسين , لما يموت احد من اصحابنا يرجعوا يصرخوا شهدائنا ) جملة اختزلت الاحساس بمحاولة سيطرة طرف على الساحة في اتخاذ القرار , والعمل على نسبة ما يعتبر إنجاز لنفسها ولا يوجد انجاز أكبر من وجود شهيد لديهم باعتباره وقوداً للثورة ليس أكثر وأكتفي بهذا القدر من التصريحات , وأتمنى ان يفهم المراد هنا على حقيقته , ومن سيفهمه بصورة مغايره هو حر بنفسه , لكن ما قيل هنا هو من أهم أسباب سقوط ساحة التحرير بتعز.
في اليوم التالي لسقوط الساحة كانت المسيرات تخرج قليلة متفرقة غير محددة الموعد أو الأهداف مسبقاً وانما يحركها الشعور العام بخسارة ساحة الحرية وتأكد لي ما قصده البعض أن تعز بأكملها ستكون ساحة حرية , وكانت الأطقم العسكرية تضرب برشاشاتها كلما وجدت عدداً من الشباب يسيرون مع بعض خشية أن يكونوا نواة لمسيرات اكبر وأضخم ,وتسائلت عن عدم وجود مسيرة كبيرة تنديداً بما حدث , وعلمت أنها استراحة المحارب والتهيئة لمسيرة كبيرة في اليوم التالي ستبدأ من جولة القاضي في الساعة التاسعة وهناك سيتم التجمع , وأعلنت عن رغبتي المشاركة فيها , كمسيرة سلمية تنادي بوقف العنف ضد أبناء تعز , وتنديداً بما حدث لساحة الحرية وحاولت النوم دون جدوى فلم أستطع النوم لرغبتي الكبيرة في المشاركة بها مع الشباب في مسيرتهم , فالمسيرة بتعز شرف لا يمكن أن يفوته أحد من المنضمين لثورة شباب التغيير , وأمضيت الليل بصفحتي على الفيسبوك لأجد أن موعد ومكان المسيرة على كل صفحة , وقلت هذا سيساهم في زيادة أعداد المشاركين رغم أنه يتنافى مع مبدأ السرية لكن لا يهم ولا يوجد ما نخاف عليه فأهدافنا واضحة ومحددة سلفاً وجائت عدة اتصالات تحاول أن تثنيني عن المشاركة بالمسيرة لكني كنت مصمم على حضورها ليفاجئني أحدهم بقوله لا تتخيلش انهم بيحضروا كثير هذي مسيرة كل واحد بيحاول يفشل الطرف الآخر , وانهم ما ينفعوش بغيرهم سواء الاحزاب أو الشباب ولم أصدق المتصل , وقبل الساعة التاسعة صباحاً كنت في الشارع اسير في الشارع ولمدة تتراوح نحو عشرين دقيقة حتى وصلت للمكان المحدد لأجد نحو ثلاثمائة شخص فقط على عكس تلك الجحافل الكبيرة التي رأيناها على الشاشات وهي حقيقية عدد من الشباب هناك يغنون ويهتفون تأييداً لتعزولثورة الشباب , وتسائلت عن سبب تضاؤل العدد الى هذا الحد على عكس ما كنت أتوقع لأعلم أن السبب في الأساس كان شك كل طرف بالآخر ( الأحزاب , والشباب المستقلين ) وأن كل طرف غير واثق من تواجد الآخر , أو أن كل طرف يريد إيصال رسالة للطرف الآخر أنه سيكون ضعيفاً اذا غاب الآخر , فغابوا جميعاً حسبما حدثني المتصل الليلة السابقة لتأتي بعد دقائق الأطقم العسكرية , وهي تضرب بالمضادات الى الهواء بشدة وكثافة ويبدأ يوم من المطاردات الطويلة للشباب حتى من ليس لهم دخل في المسيرات , وعندما التقيت بالأصدقاء بشق الأنفس لتناول الغداء تمت دعوتي الى مقيل لعدد من قيادات ثورة الشباب , وحين سئلتهم اذا كانوا شاركوا في المسيرة اليوم نفوا جميعاً ذهابهم لجولة القاضي , وبدئوا بالتحدث وكلما طال الوقت بنا في المقيل ازدادت حرارة النضال لديهم حتى كان وقت المغرب ليشغل كل واحد هاتفه حتى يعرف كم عدد الشهداء من آخرين في مقائل ثورية أخرى ( وهات ما إتصالات مع القنوات ) الجزيرة , والبي بي سي , واذاعة مونت كارلو , وكل واحد يدبج , ويؤكد صدق مصادره رغم تناقض الأرقام بينهم , وشخص حاضر يقرأ لنا رسائله التي يوجهها لعبده الجندي , وأنا أشاهد النضال على أصوله , وحين أخبرتهم عن استغرابي واستنكاري لعدم مشاركتهم في مسيرة ذلك اليوم تنوعت الردود والأعذار دون ان يعترف أحد بتقصيره بل يبرر عدم حضوره بالتكتيك الذكي , أو مبررات تذمر حمقاء من استئثار الأحزاب وهذا غير مبرر حقيقي , وبعض ممثلين الأحزاب يلقون باللوم على تهور الشباب وعدم انضباطهم
لن أطيل أو أحاول ان البس ثوب الناصح على أي طرف , لكن ما أعلمه هو أن الشباب خرجوا وملئوا الساحات بمفردهم بداية الأمر , وحتى المعتقين الحزبيين يتباهون في جميع القنوات الإخباريه بأنهم لن يسرقوا على الشباب ثورتهم , رغم علمنا التام بأن الشباب بحاجة الى رافعة لهم امام المحافل الديبلوماسية الدولية , لكن أن يتم التعامل معهم كأيتام قصر , يحاول الوصي عليهم ان يستولي على ما هو لهم فلا يجوز , وعليهم الا يغتروا انهم عندما يمسحون على رؤوسهم سيحصلون على ملايين الحسنات , ولكم في سقوط ساحة الحرية عبرة يا أولي الألباب .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.