أكَّد المحامي عبد العزيز البغدادي رئيس المرصد اليمني لحقوق الإنسان أن النشاط الإرهابي يقف ضد بناء الدولة، من خلال نشاط الجماعات الإرهابية، والاستغلال المتبادل بين سلطات الحكم وبين هذه الجماعات ضد قوى الحداثة في المجتمع. وقال البغدادي في ورشة مناقشة مسودة التقرير السنوي السادس لحقوق الإنسان والديمقراطية في اليمن الذي يصدره المرصد اليمني الخميس: "هناك ما يشبه التحالف بين السلطات أو بالأصح مركز السلطة، وتلك الجماعات، كي لا تبنى الدولة لأن السلطة بطبيعتها الاستبدادية ترى أن إعاقة بناء الدولة العصرية الحديثة معناه الإبقاء على الاستبداد من خلال الإمساك بالجذور الثقافية الداعمة لبقائه". وأضاف: "إن الحرب على الإرهاب ينبغي أن تمتدَّ إلى معالجة الجذور والأسباب، وليس فقط مكافحة النتائج، وهو ما أشار إليه التقرير، ما يتطلب أن تكون شراكة اليمن في الحرب على الإرهاب شراكة مبنية على الوضوح والشفافية، كي لا تستمر السلطة الرسمية في استغلال هذا العنوان لتكريس النظام الاستبدادي". واستعرض الدكتور عادل الشرجبي مسودة التقرير الذي قال إنه يتضمن مكونين رئيسين هما الإرهاب والبيانات الرصدية. وذكر الشرجبي أن النظم العربية ونتيجة لغياب الديمقراطية قامت بإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والدين، فأصبح النظام يسيطر على الدين بعكس ما كان سائداً في أوروبا التي كانت الكنسية هي التي تسيطر على السلطة فيها، وهو ما يستدعي قيام علمانية معكوسة. وأشار إلى أن هذا دفع الجماعات الدينية إلى التقوقع حول قضايا المرأة والقضايا الأخلاقية، وهجرت القضايا الهامة كمساءلة الحاكم عن فساده واستئثاره بالسلطات، وإعاقة التنمية، وذلك بمساعدة عددٍ من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وعن علاقة القبيلة بالإرهاب أوضح الشرجبي وهو رئيس فريق البحث في المرصد اليمني لحقوق الإنسان أن استفادة الإرهاب من البيئة القبيلة لا يعني أن القبيلة إرهابية، وإنما ينبغي النظر إلى ذلك وفقاً لبنية النظام السياسي الذي ينشأ صراع بينه والقبيلة التي بدورها تتخذ من التنظيمات الإرهابية عوناً لها في هذا الصراع. ويبحث التقرير الذي سيتم إطلاقه في وقت لاحق من هذا الشهر، يبحث في الجزء الأول منه في قضايا الإرهاب في اليمن، فيمَ خصص الجزء الثاني من التقرير لبيانات الرصد اليومي للحقوق المدنية والسياسية خلال 2011م، متضمناً رصداً لواقع ووقائع انتهاك حقوق الإنسان المدنية والسياسية وخصت بعض الحقوق ببعض من التحليل بسبب الانتهاكات الواسعة التي تعرضت له خلال العام الماضي. ويبرر معدّو التقرير اختيار تنظيم القاعدة تأسيس تنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب في اليمن بسبب ضعف دولتها. وعلى الرغم من ذلك فإن القاعدة –بحسب التقرير- تنظيم لا مستقبل له، لاسيما إذا كان مستقبله يقوم على تقييم مدى إمكانية وصوله إلى السلطة، فيمكن القول أن القاعدة تنظيم لا مستقبل له، بمعنى أنه لن يستطيع الوصول إلى السلطة والسيطرة على الدولة، فالعنف عموماَ والإرهاب بشكل خاص "يمكن أن يهدم الدولة، لكنه لا يمكن أن يبنيها"، أما إذا كان معيار الحكم على مستقبل القاعدة هو استمراره، فإن ذلك يتوقف على طبيعة الإجراءات التي سوف تستخدمها الدولة في حربها ضد القاعدة، فإذا استمرت الدولة في تبنى الإستراتجية الأمنية والعسكرية فقط في تعاملها مع تنظيم القاعدة، ففي ظل ذلك سوف يستمر تنظيم القاعدة لفترة طويلة، فالخسائر التي سوف تصيب تنظيم القاعدة بفعل قتل بعض أفرادها والقبض على آخرين، سوف تعوضه العوامل المولدة للإرهاب، والمتمثلة بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، حيث تدفع هذه الأوضاع بأفراد جدد للالتحاق بالتنظيم، ويستنتج التقرير إن الإمكانية البديلة هي السيطرة على جزء من سلطة الدولة وإقليمها، فيمكن للتنظيم أن يؤسس إمارة في منطقة ما أو عدد من الإمارات في بعض المناطق، ولفترة محدودة، أو أن يهدم الدولة في منطقة جغرافية واسعة، بمعنى تدمير مؤسسات الدولة في المحافظات القبلية والبعيدة، مع ذلك فإن مثل هذه الانتصارات التي يمكن للتنظيمات الإرهابية أن تحففها، هي انتصارات مؤقتة، سوف تتمكن الدولة من مواجهتها على المدى المتوسط. ويؤكد أن مستقبل القاعدة يتوقف على طبيعة الجهود التي سوف تبذلها الدولة في حربها ضد القاعدة بالدرجة الأولى، وعلى الرغم من أن القاعدة بسبب اعتمادها على الإرهاب فهي تنظيم لا مستقبل له، إلا أن محاربتها والقضاء عليها تتطلب حرباً طويلة، وعلى جبهات عديدة، ولا يمكن القضاء على مشكلة الإرهاب خلال فترة قصيرة، بل تتطلب وقتاَ طويلاَ، قد يمتد لعقود، ويتوقف مدى النجاح في هذه الحرب على طبيعة بناء الدولة. كما يؤكد على ضرورة أن تعمل الدولة على إضعاف البنى والعلاقات التقليدية، فهذه البنى فضلاً عن كونها تمثل بيئة حاضنة لجماعات التعصب والتطرف، فهي مولدة لمشكلات اجتماعية واقتصادية وسياسية مساعدة على خلق مجتمع شقاقي، فالبنية القبلية مسئولة عن كثير من المشكلات، ليس فقط الإرهاب، بل أيضاَ التقطع، خطف الأجانب، عدم تنفيذ القانون، الثأر، وبالتالي فإن واحد من الإجراءات الهامة التي ينبغي على الدولة أن تتخذها هو إضعاف البنية القبلية، مركزاً على ضرورة الكف عن توظيف الدين لخدمة السياسة، فمعظم أفراد القاعدة العرب الذين ينشطون على المستوى الدولي ينتمون إلى عدد من الدول العربية، هي: المملكة العربية السعودية، اليمن، مصر، الجزائر، الأردن، وهناك أفراد من بعض الدول العربية ينشطون على المستوى القطري في دولهم، مثل موريتانيا، لبنان إلى حدٍ ما ، ولم يحدث أن كان هناك أعضاء في القاعدة من الدول العربية الأخرى مثل عمان، قطر، البحرين، الإمارات العربية المتحدة، ينشطون على مستوى قطري أو على مستوى دولي، فالدول التي حققت مستوى مقبول من التنمية أو من بناء الدولة ومأسستها، والفصل بين المؤسسات الدينية ومؤسسات الدولة، نادراً ما ينخرط مواطنيها في تنظيم القاعدة، فهي إما دول توفر مستوى معيشي جيد لمواطنيها، أو توفر لهم مستوى مقبول من الحقوق السياسية والحريات المدنية، وبالتالي لا تسعى إلى إخضاع الدين للدولة، ولا تسعى إلى إقصاء الدين من المجال السياسي إلى المجال الأخلاقي. كما يوصي التقرير الدولة بتوسيع من مجال الحريات العامة والخاصة ومن الفضاء الوسيط بين الدولة والمجتمع، حتى يتسع للنقاشات العامة، وتتصارع الأفكار في المجتمع، بما يعمل على تنافس الأفكار، لا أن تحتكر الدولة وسائل الإعلام.