يخوض اليمنيون حروباً عديدة في حياتهم اليومية، منها حربهم الضروس مع الكهرباء، التي باتت تطال كل أرجاء البلاد وكل مواطن فيها وتشكل حالة مؤرقة ذات تأثيرات مكلفة . حرب الكهرباء بشكلها الصارخ في البلاد، وإن كانت تعاني منذ سنين تدهوراً حاداً، ليست وليدة اليوم، بل وليدة العام الماضي، ارتباطاً بثورة الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي أطاحت في نهاية المطاف رأس النظام السياسي الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وقد اكتسبت من الحدة عند اعتمادها سلاحاً للضغط ولَيّ الذراع والايذاء، ومنحها لبوساً سياسياً مكشوفا، فيما لم يعد خافياً على الرأي العام أن النظام السابق اتخذها سلاحاً في محاولة التأثير في مسار الأحداث منذ منتصف العام الماضي، ويستمر الأمر كذلك حتى الآن . حرب الكهرباء في المشهد السياسي الحالي اتخذت في تصاعدها أشكالاً عديدة أخطرها تعطيل منظومة الطاقة الكهربائية في البلاد برمتها بجهد بسيط لا يتطلب سوى متقدم لرمي الخبطة (سلك حديدي) على خطوط نقل الطاقة الكهربائية مأربصنعاء، ليحرم كل البلاد من التيار الكهربائي، مقابل الحصول على المال . وقد سجلت مؤسسة الكهرباء اليمنية في العام الماضي 93 حادثة اعتداء على خطوط النقل منها 52 على خط نقل الطاقة الكهربائية مأربصنعاء، في حين سجلت قرابة 40 اعتداء منذ بداية العام الجاري . ووفقا لمصدر حسب تصريح مسؤول بوزارة الكهرباء والطاقة فإن “إجمالي الخسائر الناجمة عن تلك الاعتداءات تقدر بنحو 39 مليار ريال تشمل طاقة منقطعة وقطع غيار وتكاليف إصلاح” . في حين أن نتائج كارثية قد تؤدي إلى انهيار شامل لأجزاء المنظومة الوطنية الكهربائية من جراء تلك الاعتداءات . وتصاعدت مظاهر تلك الحرب في الأوان الأخير بشكل غير منطقي بخروج المنظومة الكهربائية عن الخدمة وانقطاع التيار الكهربائي عن العاصمة صنعاء ومعظم المدن اليمنية بفعل “خلل فني”، حسبما أعلنت المؤسسة العامة للكهرباء . كما تمظهرت في الطاقة الكهربائية الإسعافية المشتراة لمدينة عدنجنوباليمن، التي تعثر إدخالها في الخدمة، وحامت إشاعات عديدة ومغرضة في تفسير هذا التعثر، وهو الأمر الذي استغل سياسيا في محاولة نعت جهود حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها محمد سالم باسندوة، ومحافظ محافظة عدن وحيد رشيد ب”الفشل”، وهما المحسوبان على معارضي النظام السابق، فيما تدل المعطيات على تدخل يد معطلة لإبقاء حرب الكهرباء مشتعلة، خاصة أن إسعاف الكهرباء ومدينة عدن واستقرار الخدمة فيها يعني عودة استقرار الخدمة في صنعاء وبقية المدن اليمنية، وفق تصريح رسمي سابق لمؤسسة الكهرباء في العاصمة . حرب الكهرباء كشفت حقائق عديدة من خلال انعكاسها في مظاهر المعركة السياسية والإعلامية التي مازالت قائمة حتى اليوم بين مسؤولي حكومة الوفاق الحالية، وبالتحديد المحسوبين على تكتل أحزاب المشترك، ورموز النظام السياسي السابق وإعلامه، ومن تلك الحقائق أن حرب الكهرباء هذه وتوابعها لا تخاض إلا في (بلاد السعيدة) من دون بقية دول العالم . ففي خضم هذه الحرب ارتفع منسوب المهاترات السياسية والاتهامات والتصريحات، كان أبرزها عندما اتهم وزير الكهرباء صالح سميع، الرئيس السابق علي عبدالله صالح ب”الوقوف خلف عصابة تقف وراء الاعتداءات على خطوط الكهرباء”، وبالمقابل كان واضحاً أن رموز النظام السابق وإعلامه يسعون إلى وضع وزير الكهرباء في خانة الفشل كمهمة مباشرة وإيصال رسالة إلى الرأي العام مفادها أن هذا هو الحال المر لعاقبة الوقوف مع الثورة ضد نظام السابق، وإن الحال في عهده كان هو الأفضل . وحرب الكهرباء في اليمن وصل صداها إلى طاولة مجلس الأمن الدولي عندما أشار موفده إلى اليمن جمال بن عمر إلى أن “قطع الكهرباء يتم بدافع سياسي” . وللوقوف أمام معالجة آثار حرب الكهرباء في اليمن تطلب الأمر الوصول الى أعلى مراتب الدولة وهيئاتها السياسية وقواتها المسلحة، ففي شهر يونيو الماضي لم يكن أمام الرئيس عبدربه منصور وقادته العسكريين إلا تسيير حملة عسكرية لردع مرتزقة الكهرباء الذين، كشفت المعلومات، عن تقاضي الواحد منهم 5000 دولار مقابل رمي (الخبطة) في محافظة مأرب، تبعتها تهديدات قوية من قادة عسكريين في المنطقة، ما حقق استقراراً ملحوظا بعد توقف الاعتداءات على خطوط الضغط العالي الممتدة من المحطة الغازية في مأرب، إلا من اعتداءات لاحقة تم معالجة آثارها، واكتفت وزارة الداخلية اليمنية بإدراج مرتكبيها ضمن قائمة المطلوبين من المعتدين على الكهرباء وملاحقتهم أمنياً . ولم يكن أمام حكومة الوفاق الوطني إلا أن تتخذ قرارات مكلفة بشراء طاقة كهربائية إسعافية بلغت حتى الآن 203 ميجاوات، لتغطية العجز الكبير في إمدادات الطاقة الى المدن ، بخاصة في المناطق الحارة منها . ويرى البعض أن “الحكومة لجأت إلى أسوأ البدائل لتعزيز القدرات التوليدية للكهرباء وسد العجز وليس إلى أنسب البدائل، في حين توجد بدائل عدة كان من الممكن إن تغني اليمن من الكهرباء المشتراة كاستيراد محولات توليدية للحد من العجز وتعزيز قدرات الطاقة والعمل على معالجة قضية الفاقد في الكهرباء الذي يكلف البلد مليارات الريالات” .