السامعي يوجه رسالة شكر وتقدير وعرفان لكل المتضامنين معه ويؤكد استمراره في أداء واجبه الوطني    مقتل ضابطين برصاص جنود في محافظتي أبين وشبوة    مسؤول إسرائيلي: نعمل على محو الدولة الفلسطينية    مستشفى الثورة… حين يتحوّل صرح العلاج إلى أنقاض    الرئيس المشاط يعزّي في وفاة الشاعر الكبير والأديب كريم الحنكي    السهام يقسو على النور بخماسية ويتصدر المجموعة الثالثة في بطولة بيسان 2025    وزير التجارة يكشف أسباب تعافي الريال ويؤكد أن الأسعار في طريقها للاستقرار(حوار)    ردود أفعال دولية واسعة على قرار الكابينت الصهيوني احتلال غزة    هبوط العملة.. والأسعار ترتفع بالريال السعودي!!    واشنطن: استقلالية البنك المركزي اليمني ضرورة لإنقاذ الاقتصاد ومنع الانهيار    مليونية صنعاء.. جاهزون لمواجهة كل مؤامرات الأعداء    إعلاميون ونشطاء يحيون أربعينية فقيد الوطن "الحميري" ويستعرضون مأثره    الفاو: أسعار الغذاء العالمية تسجل أعلى مستوى خلال يوليو منذ أكثر منذ عامين    الأمم المتحدة تعلن وصول سوء التغذية الحاد بين الأطفال بغزة لأعلى مستوى    القبض على 5 متورطين في أعمال شغب بزنجبار    رباعية نصراوية تكتسح ريو آفي    200 كاتب بريطاني يطالبون بمقاطعة إسرائيل    الأرصاد يتوقع أمطار رعدية واضطراب في البحر خلال الساعات المقبلة    الذهب يسجل مستويات قياسية مدعومًا بالرسوم الجمركية الأمريكية    الشهيد علي حسن المعلم    الإدارة الأمريكية تُضاعف مكافأة القبض على الرئيس الفنزويلي وكراكاس تصف القرار ب"المثير للشفقة"    صحيفة روسية تكشف من هو الشيباني    اشتباكات مسلحة عنيفة بين فصائل المرتزقة في عدن    بايرن ميونخ يكتسح توتنهام الإنجليزي برباعية نظيفة    تفشي فيروس خطير في ألمانيا مسجلا 16 إصابة ووفاة ثلاثة    فياريال الإسباني يعلن ضم لاعب الوسط الغاني توماس بارتي    ما سر قرار ريال مدريد مقاطعة حفل الكرة الذهبية 2025؟    اكتشاف معبد عمره 6 قرون في تركيا بالصدفة    دراسة تحذّر من خطر شاشات الهواتف والتلفاز على صحة القلب والشرايين!    المحتجون الحضارم يبتكرون طريقة لتعطيل شاحنات الحوثي المارة بتريم    يحق لبن حبريش قطع الطريق على وقود كهرباء الساحل لأشهر ولا يحق لأبناء تريم التعبير عن مطالهم    في تريم لم تُخلق النخلة لتموت    إنسانية عوراء    الراجع قوي: عندما يصبح الارتفاع المفاجئ للريال اليمني رصاصة طائشة    باوزير: تريم فضحت تهديدات بن حبريش ضد النخبة الحضرمية    لماذا يخجل أبناء تعز من الإنتساب إلى مدينتهم وقراهم    وتؤكد بأنها على انعقاد دائم وان على التجار رفض تسليم الزيادة    وسط تصاعد التنافس في تجارة الحبوب .. وصول شحنة قمح إلى ميناء المكلا    تغاريد حرة .. عندما يسودنا الفساد    كرة الطائرة الشاطئية المغربية.. إنجازات غير مسبوقة وتطور مستمر    القرعة تضع اليمن في المجموعة الثانية في تصفيات كأس آسيا للناشئين    إب.. قيادي حوثي يختطف مواطناً لإجباره على تحكيمه في قضية أمام القضاء    الرئيس المشاط يعزي في وفاة احد كبار مشائخ حاشد    محافظ إب يدشن أعمال التوسعة في ساحة الرسول الأعظم بالمدينة    عصابة حوثية تعتدي على موقع أثري في إب    الصراع في الجهوية اليمانية قديم جدا    وفاة وإصابة 9 مواطنين بصواعق رعدية في الضالع وذمار    جامعة لحج ومكتب الصحة يدشنان أول عيادة مجانية بمركز التعليم المستمر    خطر مستقبل التعليم بانعدام وظيفة المعلم    دراسة أمريكية جديدة: الشفاء من السكري ممكن .. ولكن!    أربع مباريات مرتقبة في الأسبوع الثاني من بطولة بيسان    هيئة الآثار تنشر قائمة جديدة بالآثار اليمنية المنهوبة    اجتماع بالمواصفات يناقش تحضيرات تدشين فعاليات ذكرى المولد النبوي    مجلس الوزراء يقر خطة إحياء ذكرى المولد النبوي للعام 1447ه    لا تليق بها الفاصلة    حملة رقابية لضبط أسعار الأدوية في المنصورة بالعاصمة عدن    من أين لك هذا المال؟!    تساؤلات............ هل مانعيشه من علامات الساعه؟ وماذا اعددناء لها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإصلاح السياسي بوابتنا نحو المستقبل
نشر في التغيير يوم 01 - 10 - 2005

الإهداء: إلى أطراف المنظومة السياسية اليمنية، المستقبل، مستقبلنا جميعاً يستحق حواراً جاداً ومسئولا، مفتوحاً وعلنياً، خارج الغرف المغلقة." لم يعد لديكم متسع من الوقت، ولا تعتقدوا انه إذا
وصلت بلدكم إلى حالة الانهيار آن أحدا سيساعدكم، ستتركون وحدكم" هذا ما قاله السيد ولفنستون رئيس البنك الدولي، في جلسة المباحثات مع الحكومة اليمنية أثناء زيارته الأخيرة لليمن.
"على الإدارة أن تعمل على منع تحول اليمن إلى بلد فاشل" من توصيات التقرير الرئاسي الأمريكي لعام2004 الصادر عن معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
لقد سبق للكثيرين وأنا منهم التحذير من التحديات المستقبلية التي تهدد مستقبل اليمن ' والتي أسميتها؛ بمعادلة الرعب اليمنية، وحددت طرفيها بقرب النفاد الفعلي لأهم الموارد الطبيعية اليمنية بما فيها الماء والنفط من ناحية والانفجار السكاني الأعلى بين شعوب العالم من ناحية أخرى وبين طرفي هذه المعادلة، فساد ، بل لنقل ما هو افسد من الفساد، يزيد من حدة التفاعلات، و من الآثار التدميرية لطرفي المعادلة ويمنع المجتمع اليمني بكل قواه السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكل المواطنين من المشاركة والمبادرة للبحث عن حلول لمواجهة هذه التحديات ومنع انهيار اليمن والبحث عن نوافذ الأمل لمستقبل طبيعي ومتوافق مع المتاحات البشرية والاقتصادية المتوفرة لليمن و الكثيرة العدد من ناحية والمحدودة الكمية والحجم من ناحية أخرى.
أما على المستوى السياسي فقد شاهدنا جميعاً مشهداً سياسياً تاريخياً تمثل في التقاء كل من طرفي السلطة التنفيذية ممثلين برئيس الوزراء وعدد من وزرائه، وممثلي السلطة التشريعية والاستشارية ممثلين بمجلسي البرلمان والشورى المكونين من 412 عضواً أغلبيتهم الساحقة ( ممثلين للحزب الحاكم) التقى الطرفان في اجتماع استثنائي قبل عدة أشهر لمناقشة برنامج الحكومة للإصلاح لاقتصادي. كانت أخر كلمات تقرير السيد رئيس مجلس الوزراء أمام المجتمعين كما يلي: "إن القادم أمر من المر" فرد عليه المجتمعون وبصوت واحد وعلني "إن الحاضر افسد من الفساد وأنه غير مؤهل ولا موثوق به لتنفيذ عملية الإصلاح" هذه خلاصة ذلك الاجتماع التاريخي بعده توافق الطرفان على عدم المساس بمصالحهما من خلال الإبقاء على الوضع الراهن كما هو. هكذا توقف المشهد السياسي اليمني الرسمي، حاضر افسد من الفساد ومستقبل أمر من المر.
وبالتوازن والتزامن مع المشهد السياسي الرسمي يأتي المشهد السياسي المعارض ممثلا بموقف أحزاب المعارضة اليمنية والذي يمكنني وصفه بالموقف المتربص السلبي. وهو في نظري، ناتج عن تأثير تفاعل عاملين أساسيين؛ الأول، يتمثل في الضعف المعرفي لدى معظم قيادات ومؤسسات أحزاب لمعارضه، ضعف جعلها غير قادرة على استشراف وتشخيص واستيعاب طبيعة التحديات المستقبلية وخطورتها وغير مستعدين ولا راغبين في التفكير والبحث عن حلول لمواجهتها. وبسبب تأثير هذا العامل تضخم لدى معظم قيادات المعارضة اليمنية وبصورة خطيرة ما يمكن تسميته بقيمة أو ثقافة الانتهازية السياسية السلبية، وهو العامل الذي حدد موقفها بالتربص السلبي بانتظار لحظة الانهيار التي يعتقدون واهمين انه سيكون بإمكانهم - كل طرف منهم على حدة - اختطاف ثمار السلطة المتساقطة، وأنه سيكون بإمكانهم حينها وقف عملية الانهيار ومواجهة التحديات بحلول سحرية (لذيذة) مستحضرة من خارج حدود العلم والمنطق أو من خارج نطاق القدرات البشرية بشكل عام.
عند هذا الحد أجدني ملزماً بالتنبيه إلى انه قد يكون من الممكن للقارئ غير اليمني أن يتفهم التحديات الطبيعية التي تواجه اليمن، لكنه سيكون غير قادر أن يتفهم موقف أطراف المنظومة السياسية الحاكمة والمعارضة من هذه التحديات بالصورة التي عرضتها في الفقرات السابقة،لهذا لابد من إيضاح وتأكيد مصداقية ما قلته من خلال عرض المواقف العملية لعينة من القيادات السياسية الأهم في السلطة والمعارضة من مشروع ندوة بحثية كنا في منتدى التنمية السياسية نعد لها بعنوان ( وقفة أمام المستقبل) وذلك بهدف دراسة وتشخيص أهم التحديات الإستراتيجية التي ستواجه اليمن خلال العشر السنوات القادمة، واستحضاره في أذهان وأمام الأطراف الفاعلة والمؤثرة في القرار والفعل السياسي اليمني.
لقد تباين رد القيادات ألأعلى في الحزب الحاكم بين التجاهل الكلي للدعوة وبين ألاعتذار عن المشاركة فيها بعد سابق وعد بذلك.
أما رد احد القياديين الأعلى والأكثر تأثيراً في المعارضة فقد كان أكثر وضوحاً وصراحة، وأكثر تعبيراً عن الواقع الذي سبق لي شرحه، لقد رد بأننا اليمنيين جميعا في السلطة وفي المعارضة غير مؤهلين وغير قادرين على الاستفادة من عملية التشخيص العلمي الدقيق للتحديات المستقبلية وبالتالي فأن ...... و ..... فقط هما من سيستفيد من نتيجة هذه الندوة.
لقد كان هذا الرد كافياً ليجعلنا نعيد النظر في فكرة الندوة ونبحث في وسائل واسايب أخرى نستحضر بها هذه التحديات ونضع أطراف المنظومة السياسية أمامها مباشرة، ولربما تكون هذه الورقة بمقدمتها الطويلة احد تلك البدائل.
ومع وضوح خطورة توقف المشهد السياسي اليمني بطرفيه الحاكم والمعارض عند هذا الحد، ومع اقتناعي بأهمية وفاعلية التنبيه أو العلاج بواسطة الصدمة، خاصة عندما يصل الخطر إلى المستوى الذي وصلته تحديات معطيات الطبيعة اليمنية أمام متطلبات واحتياجات الإنسان اليمني، مع أهمية كل ذلك، إلا إن التوقف عند استحضار التحديات فقط لا يخلو من الخطورة. إن الاكتفاء بعرض وإبراز تحديات قاتلة بهذه الصورة قد يترتب عليه الكثير من النتائج السلبية والخطيرة، فمن الممكن أن يؤدي إلى زيادة الإحساس باليأس وفقدان الأمل وتحفيز روح الانتهازية، ويدفع بالكثيرين إلى استبدال البحث عن حلول ذاتية محل البحث عن الحلول الجماعية، الأمر الذي سيسرع من حالة التهور ويعجل ببلوغ حالة الانهيار.
إنها معادلة صعبة وحساسة والموازنة بين اقل المخاطر، وبالتأكيد فان التغاضي عن مواجهة التحديات والتستر عليها لا يمثل بأي حال من الأحوال احد البدائل المتاحة كونه تواطؤاً مقيتاً مع هذه التحديات وخيانة لمسؤولية العلم والمعرفة, ولهذا ، ومع إن الهدف من هذه المقدمة هو استحضار للتحديات المستقبلية وخطورتها وبصوره مكثفة وبارزه وبما يتناسب مع المستوى الخطير الذي وصلت إليه هذه التحديات، إلا انه لابد لي من الإشارة وبإيجاز إلى المقدرات الطبيعية والبشرية التي يتمتع بها اليمن وبالممكنات السياسية والثقافية والاجتماعية التي تراكمت لدى الشعب اليمني خلال سنوات نهوضه المعاصر.
فالتنوع الطبيعي والبيئي والتعدد الثقافي ولاجتماعي والسياسي يمثلان قاعدة وأساساً هاماً وايجابياً للبناء عليه والانطلاق منه في أي مواجهة للتحديات وأي مشروع تنموي شامل إذا ما توفر له بعدا الرشاد والحصافة، الرشاد في نظام الحكم ونهج التفكير، والحصافة في التعامل مع الموارد الطبيعية وفي منهج توفير الاحتياجات السكانية وإشباعها.
بعد هذه المقدمة الطويلة واللازمة اعتقد بأنني قد حسمت الجدل حول مدى حاجة اليمن إلى الإصلاح من عدمه وأكون قد أوضحت بان الإصلاح بالنسبة لليمن هو قضية بقاء وليس مجرد خيار أفضل.
فالسيد رئيس البنك الدولي لم يقل حكومتكم. كما إن التقرير الرئاسي الأمريكي لم يتحدث عن منع الحكومة اليمنية من أن تتحول إلى حكومة فاشلة بل تحدث عن اليمن، هذا يعني آن الأمر لم يعد يهم الحكومة فقط بل انه يهم المجتمع اليمني كله. وان مواجهة هذا التحدي أصبحت مسؤولية المجتمع اليمني بكل مكوناته السياسية والاجتماعية. انه تحدٍ وطني بكل ما تعنيه الكلمة.
آن المدخل الصحيح والآمن لمواجهة هذا التحدي يبدأ بتبني برنامج وطني للإصلاح السياسي والثقافي يمكن المجتمع اليمني من المشاركة السياسية الواسعة والفعالة لمواجهة هذا التحدي التاريخي.
إن التداخل بين ما هو سياسي وما هو ثقافي في اليمن معقد ومتشابك الأمر الذي يتطلب آن يتزامن الإصلاح السياسي مع الإصلاح الثقافي بصورة متوازنة.
وقبل الحديث في صلب الموضوع أرى انه من المهم أن أمهد لذلك بعرض لحكمة من الهند، بلد الحكمة، قد تساعدنا في فهم طبيعة واقعنا الحالي. تقول الحكمة الهندية، إن احدهم شاهد قطيعاً كبيراً من الفيلة تسير بانتظام دقيق وهي مربوطة بصورة جماعية بخيط ضعيف، فسأل مدرب الفيلة:كيف استطعت أن تجعل كل هذه ألفيلة القوية تسير بهذا الانتظام وهي فقط مربوطة بهذا الخيط الضعيف؟ رد عليه: لقد حاولت هذه الفيلة التخلص من هذا الخيط عندما كانت صغيرة جدا ولم تستطع وقد يئست من إمكانية التخلص من هذا الخيط ولهذا لم تعد تحاول ذلك الآن. إن هذه الحكمة تفسر بوضوح حالنا في دول العالم المحرومة من الحرية. إننا مستسلمون ليأس مترسب في أعماقنا. وما أحاول قوله من خلال هذه الورقة هو التذكير بأن الوقت قد حان لمحاولة التخلص من وهم خيطنا الضعيف والواهن بل والمهترىء.
. الى صلب الموضوع :
بداية أود آن أؤكد على مجموعة من المحددات لملامح الإصلاح السياسي الواردة في هذه الورقة:
- أهمية الاتفاق على طبيعة المرحلة الحالية في مشروع بناء النظام الديمقراطي اليمني. فأنا أرى أننا في اليمن مازلنا حالياً في مرحلة بناء النظام الديمقراطي ولم نصل بعد إلى مرحلة تسيير النظام الديمقراطي التي تبدأ مع اكتمال عملية البناء. واهم ما يميز مرحلة البناء عن مرحلة التسيير خاصيتان أساسيتان، هما، الخاصية الأولى تتمثل في ضرورة مشاركة كل أطراف المنظومة السياسية في إنجاز هذه المرحلة، والخاصية الثانية تتمثل في أهمية توفر الإرادة الجادة والصادقة لجميع الأطراف لإنجاز هذه المهمة، ومع تأكيدي على أهمية توفر الإرادة لدى جميع الأطراف إلا أنني أؤكد على الأهمية الخاصة والاستثنائية لإرادة فخامة رئيس الجمهورية كونه يمتلك كل أدوات الفعل والتأثير السياسي المؤثرة سلباً أو إيجاباً على برنامج إنجاز وإكمال بناء النظام الديمقراطي اليمني كما انه من المهم أن تتزامن وتتوافق الإرادة الوطنية للإصلاح مع الشراكة الدولية.
- آن الغاية من برنامج الإصلاح السياسي المستهدف تتمثل في استكمال عملية التحول الديمقراطي في اليمن من خلال التدخل الاستثنائي للإرادة الوطنية الجامعة بغرض إكساب المشروع الديمقراطي في اليمن عوامل البقاء والنمو الذاتي.
- أن الملامح لأساسية لبرنامج الإصلاح السياسي الواردة أدناه مازالت في صيغتها الأولية وهي ليست اكثر من إطار عام ولا تتضمن شيئاً عن المحتوى الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والإداري للإصلاح باعتبار هذه القضايا من مواضيع التعدد والتنوع البرامجي لمختلف أطراف المنظومة السياسية.
- إن التنفيذ الصادق والجاد لهذه الإصلاحات في السلطات الثلاث؛ التنفيذية والتشريعية والقضائية سوف يوفر الحد الأدنى المقبول لأهم أسس النظام السياسي الديمقراطي والمتمثل في الفصل والتوازن بين السلطات وتفعيل أدائها لمهامها.
. وسوف أبدأ بعرض لملامح الإصلاح في السلطة التنفيذية:
ابدأ برئاسة الجمهورية والتي تمثل أعلى الهرم في السلطة التنفيذية وتمتلك كل الصلاحيات والنفوذ غير المحدود، آن صلاحيات ونفوذ رئاسة الجمهورية لا تقتصر على الصلاحيات الممنوحة لها دستوريا، بل إنها تتمتع بما هو أهم واعمق من ذلك، إنها تتمتع بالصلاحيات والنفوذ المكتسب من التراث السياسي والثقافي والاجتماعي المتراكم على مر العصور، هذا التراكم المتركز في شق الصلاحيات والنفوذ فقط والخالي من المسؤولية والمحاسبة. واهم النواقص فيها يتمثل في عدم التحديد الواضح والدقيق للعلاقة بين رئاسة الجمهورية والحكومة، وإذا كانت المشاكل غير واضحة في الوقت الحالي كون كل من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء من حزب واحد، إلا آن طبيعة النظام الديمقراطي سوف يفضي إلى حالة يكون فيها رئيس الجمهورية من حزب ورئيس الحكومة من حزب أخر، حينها سوف يتسبب النقص الحالي في التحديد الدقيق والواضح للعلاقة بين رئاسة الجمهورية والحكومة بمشاكل خطيرة، وقبل مناقشة هذه العلاقة لابد أولاً من الوفاق الوطني لاختيار افضل النظم الرئاسية وأكثرها تناسباً مع واقعنا، وهنا أود الإشارة إلى آن الأنظمة الرئاسية الديمقراطية المعروفة في العالم هي: النظام الرئاسي الأمريكي والنظام البرلماني، والنظام الفرنسي المركب والذي يمكن القول آن نظامنا الحالي اكثر شبهاً به، والنظام الفرنسي بحكم طبيعته المركبة بحاجة إلى مستوى عالٍ من الوعي السياسي كما هو حاصل حالياً في فرنسا إلا أنني اعتقد أننا في اليمن بحاجة إلى نظام اقل تعقيداً واكثر بساطة، وان النظام البرلماني هو الأكثر تناسباً مع احتياجاتنا وواقعنا السياسي والاجتماعي. ومهما تكن طبيعة النظام الرئاسي الذي تم التوافق حوله فلابد من توفر الشروط والعوامل الأساسية اللازمة لجعل عملية انتخاب رئيس الجمهورية تنافسية وحرة ونزيهة بصورة مقبولة وفقاً للمعايير الدولية المعتمدة في هذا المجال.
أما المستوى الثاني من السلطة التنفيذية المتمثل بالحكومة فأنا اعتقد آن أهم النواقص فيها تتمثل في عدم وجود نص دستوري واضح وصريح يعطي الحق للحزب أو الأحزاب صاحبة الأغلبية في مجلس النواب في تشكيل الحكومة وهو ما يجب استكماله بنص دستوري واضح وصريح.
أما السلطة المحلية وباعتبارها تمثل المستوى الثالث للسلطة التنفيذية فهي تفتقد للصلاحيات القانونية التي تمنحها صلاحيات تنفيذية كافية لتنفيذ مهامها كما آن تكوينها غير ديمقراطي، فرؤساء السلطات التنفيذية المحلية، مدراء المديريات ومحافظو المحافظات غير منتخبين ومعينين مباشرة من قبل رئيس الجمهورية ولا يجوز آن يكون من حق المواطن اليمني اليوم انتخاب رئيس الجمهورية ولا يحق له انتخاب مدير المديرية أو محافظ المحافظة. لابد من استكمال النقص في الصلاحيات التنفيذية ومنح المواطنين حق انتخاب حكامهم المباشرين.
بالإضافة إلى النواقص السابق ذكرها، تعاني السلطة التنفيذية في مجموعها من نقص خطير ومعيق يتمثل في عدم توفر الحماية الدستورية والقانونية للمستوى الأدنى من تأثير ونفوذ المستوى الأعلى، فلابد من حماية سلطة المديرية من تأثير ونفوذ سلطة المحافظة ولابد من حماية سلطة المحافظة من تأثير ونفوذ سلطة الحكومة المركزية ولابد من حماية الحكومة من تأثير ونفوذ سلطة رئاسة الجمهورية
أما السلطة التشريعية فان الوضع الحالي يشبه نظام الغرفتين، إلا أن المشهد غير واضح المعالم، فإذا كانت الغرفة الأولى ممثلة بمجلس النواب تكاد أن تكون مكتملة التكوين ومحددة المعالم من حيث المهام والاختصاصات، إلا إن النظام الانتخابي الحالي والممارسات التنفيذية أثناء عملية الانتخابات يحدان من فرص التواجد المتوازن والعادل لأطراف المنظومة السياسية في المجلس ويضعفان من فاعلية واستقلالية نواب الحزب الحاكم أمام السلطة التنفيذية.
أما الغرفة الثانية المتمثلة بمجلس الشورى، غير واضحة المعالم وغير مكتملة التكوين، فهي غير واضحة الأهداف والغاية والمهام كما أن تكوينها غير ديمقراطي كون أعضاءها غير منتخبين، ومعينين مباشرة من قبل رئيس الجمهورية، الأمر الذي يتطلب النقاش والوفاق حول طبيعتها وتكوينها.
السلطة القضائية.. من حيث التكوين نحن بحاجة ماسة لقضاء دستوري مكتمل النصوص فاعل الأداء ومتجاوز للوضع الحالي للدائرة الدستورية في المحكمة العليا.
أما من حيث الفعالية والاستقلالية، فلا يمكننا الحديث عن استقلال القضاء وهو أهم مبدأ دستوري في الأنظمة الديمقراطية، لا يمكننا الحديث عن ذلك في ظل الوضع الحالي للهيئات القضائية العليا. فمجلس القضاء الأعلى حالياً يرأسه الأخ رئيس الجمهورية وهو راس السلطة التنفيذية بالإضافة إلى أن بقية أعضاء المجلس جميعهم معينون، بحكم مناصبهم القضائية من قبل رئيس الجمهورية، مثل رئيس المحكمة العليا والنائب العام. كما أن المحكمة العليا معينة بالكامل. إن الأمر يتطلب بالضرورة إعادة النظر في تشكيل مجلس القضاء الأعلى وكل الهيئات القضائية السيادية بصورة تؤكد وتضمن استقلاليتهم وحصانتهم كشرط أساسي ومبدأي لإمكانية توفر مبدأ استقلال القضاء.
كما أن إغلاق باب العمل في مجال القضاء أمام المرأة اليمنية، ليس فقط مخالفة صريحة للنص الدستوري الذي يساوي في الحقوق والواجبات بين الرجال والنساء، بل انه يسبب تشوهاً وقصوراً في النظام اليمني. إن فتح أبواب العمل في مجال القضاء أمام المرأة اليمنية يتطلب منحها حقاً متساوياً مع الرجال في الالتحاق بمعهد القضاء العالي باعتبار إن خريجي هذا المعهد هم فقط المؤهلون للعمل في القضاء اليمني.
بعد هذا العرض السريع والموجز لملامح برنامج الإصلاح السياسي المستهدف في مجال سلطات الدولة الثلاث، التنفيذية، التشريعية، والقضائية، لابد من الإشارة إلى ثلاث قضايا مركزية في مجال الإصلاح السياسي، على النحو التالي:
. قضية المرأة:
يحتفظ اليمنيون في ضميرهم الجمعي ذكرى وتقديراً عالياً للمرأة اليمنية ممثلة بالملكة بلقيس ملكة سبأ، وبالملكة أروى التي حكمت اليمن في التاريخ الإسلامي الوسيط. إلا أن الوضع الحالي للمرأة اليوم لم يعد كذلك فقد اكتسحتنا الثقافة المحافظة المحيطة بنا، واصبح حال المرأة اليمنية اليوم متدنياً كثيراً عما كان عليه حالها في العصور القديمة والوسطى.
إن الأمر يتطلب إرادة وطنية جسورة لتجاوز وضع المرأة الحالي، بدءً من اعتماد نص دستوري يجرم ويمنع التمييز ضد المرأة إلى التزام وطني يمنح المرأة حصصاً مناسبة ومتزايدة في كل الهيئات المشكلة بالتعيين ويمنحها حصة مناسبة في الهيئات المنتخبة من خلال اعتماد نظام انتخابي يساعد في تحقيق هذا الهدف.
. النظام الانتخابي:
لا يمكننا انجاز إصلاح سياسي حقيقي في ظل النظام الانتخابي الحالي المبني على أساس الدائرة الفردية. ومع تسليمنا بحداثة فهمنا جميعاً للنظم الانتخابية الحديثة إلا أن كثيرا من المجتمعات ذات الديمقراطيات الناشئة قد طورت أنظمة انتخابية مناسبة لأوضاعها وان كثيرا من المؤسسات الدولية المتخصصة في هذا المجال لديها الاستعداد والمقدرة على مساعدتنا في تطوير نظام انتخابي يتناسب مع واقعنا وطموحاتنا.
إن نظاماً مزدوجاً يجمع بين نظام القائمة النسبية ونظام الدائرة الفردية يمكن أن يكون أكثر مناسبة لطموحاتنا، حيث يمكن للاحزاب الاستفادة من نظام القائمة النسبية لدعم ترشيح المرأة والقيادات السياسية والمتخصصين. كما أن نظام الدائرة الفردية سيحافظ على حق المناطق النائية في إيصال ممثليها إلى المجالس المنتخبة. كما أن الوضع الحالي للانتخابات الرئاسية الذي يجعل من اليمن دائرة انتخابية واحدة، ليس فقط من اجل احتساب النتيجة كما هو متوقع، بل ايضاً للتصويت. هذا الوضع غير الطبيعي، يجعل من التصويت بدون سجل انتخابي لرئاسة الجمهورية أمراً مرفوضاً ومعيباً.
وفي كل الأحوال فإننا بحاجة إلى الاستفادة من الخبرات الدولية المتخصصة في هذا المجال، وبما يجعل من الانتخابات بكل مستوياتها؛ المحلية والبرلمانية، والرئاسية تنافسية وعادلة، ويجعلها حرة ونزيهة بدرجة مقبولة بحسب المعايير الدولية، ويجعل من نتائجها تعبيراً عن إرادة الناخبين وطموحاتهم، وان تمثل آلية فاعلة لتحقيق مبدأ التداول السلمي للسلطة.
. القوات المسلحة والأمن:
تحظى القوات المسلحة والأمن في اليمن بتقدير اجتماعي عالٍ، وقد اكتسبت موقعاً متميزاً خلال العقود الماضية بطبيعة نظام الشرعية الثورية الذي كان سائداً خلال تلك العقود. إلا أنها اليوم وفي ظل النظام السياسي الديمقراطي المبني على مبدئي التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة بحاجة إلى إعادة تموضع في إطار المنظومة السياسية السيادية بما يتوافق مع شروط ومعطيات النظام السياسي الحالي، وهو الأمر الذي يتطلب حواراً سياسياً من اجل توافق وطني على دور وموقع القوات المسلحة في النظام السياسي الحالي. وبما يضمن عدم تدخلها في القضايا السياسية وفي مجالات التنافس بين الأحزاب، ويخضعها لسلطة الحكومة المدنية المباشرة.
ختاماً اكرر التأكيد على أن الأمل في إكمال هذه النواقص وانجاز بناء النظام الديمقراطي اليمني يعتمد بالأساس على التزامن والتوافق بين الإرادة الوطنية والشراكة الدولية.
* الرئيس التنفيذي - منتدى التنمية السياسية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.