تشهد الحياة السياسية أجواء ساخنة وأحداثاً ملتهبة تسبق استحقاقات دستورية هامة.. وتبرز المعارضة كرقم صعب وهام في عملية التحول الديمقراطي الذي تسد السلطة كل الطرق المؤدية إليه. وهنا، نلتقي بالأستاذ محمد مسعد الرداعي، الأمين العام المساعد للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري، ونطرح على طاولته عديد تساؤلات تشغل الشارع السياسي. وفي هذا الحوار يرى الرداعي أن واقع الحياة السياسية محفوف بالخطر في ظل تآكل شرعية السلطة. ويقول إن المشترك سيعلن موقفه من لجنة الانتخابات، ولن يكون شاهد زور، وأن الرئيس ليس بحاجة الى مبايعة للرئاسة، وهو من أعلن عدم ترشحه، ورفض ترشيح حزبه الذي خذله في إنجاز برنامجه الانتخابي. قضايا عديدة ساخنة ناقشناها مع الرداعي في الحوار التالي: - حاوره: أشرف الريفي * فشل الحوار بين المشترك والحزب الحاكم صار قضية الساحة السياسية اليوم.. الى ماذا ترجعون فشل هذا الحوار؟ - فشل الحوار لايحتاج الى أسباب، في غياب جوهر الديمقراطية، وغياب سيادة القانون، وهيمنة المؤسسات السلطوية على العمل السياسي، وغياب الممارسة الديمقراطية الحقيقية، والمشاركة السياسية الفاعلة، والانتخابات الحرة النزيهة الممكنة للقوى الشعبية من الوصول الى مراكز اتخاذ القرار، وتسلط القوى المنتفعة الرافضة لسيادة القانون ودولة المؤسسات. وإن كان هناك من سبب لفشل الحوار فهو غياب الديمقراطية، إضافة الى تحول الانتخابات الى شكلية لاتكرس مبدأ التداول. * ألا ترى أن مدعاة الحوار ما هي إلا ملهاة من السلطة لشغل أحزاب المشترك؟ - الأصل في معالجة أوضاعنا وتحقيق التحول الديمقراطي هو الحوار الجاد والمسؤول الذي يتجاوز المصالح الخاصة ليغلب المصالحة الوطنية العليا، وليتجاوز ما وصلت إليه الأوضاع داخلياً من تدهور اقتصادي ومعيشي واجتماعي، وخارجياً من ضغوط وابتزاز. والمعارضة لم تجد عقلاء في السلطة يبدون الحرص والخوف على الوطن، وإعلاء مصلحته على المصالح الخاصة، وتجنيبه المخاطر والضغوط، ولا ترى في ما حدث من ملهاة لها. * أحزاب اللقاء المشترك خطت خطوة متقدمة على مستوى العمل الميداني من خلال اللقاء الأول لقيادات فروع المشترك، كيف تنظر الى آلية عمل المشترك؟ وهل يسير في الطريق الصحيح؟ - أولاً لم يكن هذا اللقاء هو الخطوة المتقدمة، فالخطوة الأولى لأحزاب المشترك هي إعادة الاعتبار لجوهر العمل السياسي، وترسيخ الديمقراطية الداخلية، وما أفرزته من تغيير وتجديد للقيادات في مؤتمراتها، وما خرجت به من قرارات وتوصيات كانت خلاصة مناقشتها للوضع الداخلي، وترجمتها في مطالبتها بالإصلاح السياسي، وتحقيق التحول الديمقراطي الحقيقي، ورفضها إفساد العمل السياسي، وتفريغه من مضمون جوهره، وتقليص الهامش الديمقراطي، وكذلك الإجماع السياسي والوطني الشامل الذي أجمعت عليه، وأصبح برنامجها المستقبلي في نضالها بين الجماهير. وما اللقاء الأول لقيادات فروع المشترك إلا تأكيد للممارسة الديمقراطية، وتأكيد لحقوق الأعضاء ومشاركتهم في إدارة شؤونهم، وهو التجذير للممارسة الديمقراطية، وممارسة الأعضاء لحقوقهم، والطريق لجوهر الديمقراطية التعددية، وتحقيق التحول الديمقراطي. * كيف تقرؤون واقع الحياة السياسية اليوم قبيل الاستحقاق الديمقراطي الذي تخوضه اليمن بعد شهور، والمتمثل بالانتخابات المحلية والرئاسية؟ - واقع الحياة السياسية محفوف بالمخاطر في ظل تآكل شرعية السلطة، وغياب سلطة القانون ودولة المؤسسات، واحتكار السلطة بيد قلة متنفذة، أهدرت الثروة، وبددت بالمال العام، فسادها يتحكم في الوطن، ويجره الى كارثة من خلال سياسات اقتصادية وإصلاحات أعباؤها على حساب السواد الأعظم. كما أن الانتخابات غير نزيهة، وغير معبرة عن إرادة الناخبين، ولا تمكن من عملية التداول في ظل اتساع لدائرة الفقر، وقضاء لاتُحترم أحكامه، وغياب استقلاليته، ومال عام مستباح ومنهوب، والحريات والحقوق مغيبة، ويزيد الأوضاع سوءاً. وهذا الواقع لا معالجة له إلا بتحول ديمقراطي حقيقي، يحقق ديمقراطية حقيقية من خلال انتخابات حرة ونزيهة، وهذا يتطلب إرادة سياسية، وتكاتف كل أطراف المنظومة السياسية. وكان التنظيم سباقاً الى تقديم مبادرة للإصلاح السياسي والوطني الشامل، وكلل بمبادرة أحزاب المشترك، التي هي برنامجه للمستقبل المنشود. * باعتبارك رئيس اللجنة الفنية في التنظيم، المعنية بالإشراف والإعداد للانتخابات القادمة، الى أي مدى وصل إعدادكم؟ وكيف تقيمون مستوى التنسيق والعمل بين أحزاب المشترك؟ - استعدادات التنظيم للعملية الانتخابية مبكرة، باعتبارها الطريق لتداول السلطة، والتي من خلالها يترجم برنامجه السياسي وأهدافه التي تهدف الى تحقيق الحياة الحرة والمستقرة والآمنة للمواطن والوطن. وبالعودة والتقييم للانتخابات السابقة، والتي أثبتت نتائجها أنها انتخابات مقيدة ومفرغة من جوهرها، حيث أنها لم تحقق مقاصدها في وصول قوى الشعب لمراكز اتخاذ القرار، بسبب هيمنة السلطة، واستخدام سلطة النفوذ والمال والوظيفة العامة في التأثير على نتائجها من قبل الفاسدين، ولتجعل من الانتخابات تجديداً لشرعيتها دون إحداث أي تحول ديمقراطي، وهو ما دفع بأحزاب اللقاء المشترك حالياً للتقدم برؤيتها لتحقيق انتخابات حرة ونزيهة، وتأتي في مقدمتها إصلاح الإدارة الانتخابية (اللجنة العليا للانتخابات) التي أكدت عدم حياديتها، وتبعيتها للسلطة، وتأكد ذلك في حوار المشترك مع الحزب الحاكم، والذي وصل الى طريق مسدود، بسبب تمسك الحزب الحاكم باللجنة العليا التي أغلبية أعضائها ينتمون له. كما تواصل اللجنة المزيد من مخالفاتها للقانون بتشكيلها لجان المراجعة للسجل، والذي تتوالى الاختلالات والتجاوزات فيه لما يتم قيده من أسماء مكررة وصغار سن من طلاب وطالبات الإعدادية. والأحزاب في المشترك، وفي إطار التنسيق، ترصد هذه المخالفات والتجاوزات، وسوف تعلن موقفها من هذه الانتخابات التي لايراد منها المشاركة إلا أن تكون شاهد زور ومانحاً للمشروعية. فسجل انتخابي مختل، وإدارة الانتخابية غير محايدة إن لم تكن خصماً لأحزاب المشترك، بما أطلقته من تخوين واتهام لمطالبتها بإصلاح أدائها، والتزامها بالقانون، وهذه لاتخلق مناخاً مشجعاً للمشاركة. * يتردد في الشارع أن المشترك سينهي تكتيكه بإعطاء البيعة للرئيس.. ما تعليقك على هذا الطرح؟ وهل تدارستم موضوع مرشحكم للرئاسة؟ - رغم أني لم أسمع في الشارع هذا الحديث، لأن الشارع قد أحبط، وتملكه اليأس، ولا يرى جدوى من مشاركته في انتخابات مزورة وغير معبرة عن إرادته، كون ا لانتخابات صارت مكرسة لتثبيت. قوى الهيمنة والفساد. وأحزاب المشترك قد أعلنت موقفها في ما تضمنه برنامجها للإصلاح السياسي والوطني الشامل، الذي جاء تعبيراً عن مطالب قواعدها، وهو خلاصة لنتائج مؤتمرات هيئاتها القاعدية، ولم يعد هناك من مجال أو وقت للتكتيك أو الصفقات. وهدف المشترك هو إبعاد قوى الفساد وخلق الأزمات. ولعل المرحلة الماضية قد كشفت عن حقيقة قوى المصالح والفساد التي مارست الإساءة والتشويه لمبادرة المشترك للإصلاح السياسي والوطني الشامل، التي صورتها بأنها استهداف للرئيس، مع أن مبادرة الإصلاح هي استهداف وتقليص لقوى الفساد التي أساءت للقيم ولأهداف إرساء الديمقراطية الحقة. وفي ما يخص مرشح الرئاسة، فإن الحديث عنه سابق لأوانه في التدارس، ولازالت هناك فترة أربعة أشهر. وهو متروك لقرار قواعد أحزاب المشترك وأنصارها. والرئيس علي عبدالله لايحتاج للمبايعة للرئاسة، فقد أعلن عدم الترشح، ورفض ترشيح حزبه، لأنه خذله في إنجاز ما جاء في برنامجه الانتخابي، وفي اجتثاث الفساد. * ألا ترى أن اليمن مازالت غير مؤهلة للتداول السلمي للسلطة؟ - هذا حديث تمارسه القوى المهيمنة والمتسلطة والناهبة للثروة والمال العام، قوى الفساد التي ترى في الديمقراطية زوال هيمنتها وفسادها ونهبها للثروة. والسؤال لمن يقول بأن اليمن غير مؤهلة للتداول السلمي، فهل كانت مؤهلة للإصلاحات الاقتصادية وجرعات الموت والإفقار، واتساع حجم البطالة؟ وهل تعميم سياسة إفساد القيم، وضرب الوحدة الوطنية، وتنمية النزعات المناطقية والتشطيرية، وسياسة شراء الذمم وشخصنة الوظيفة العامة، مقبولة؟ وكيف نقبل بحرية الاقصاد وحرية السوق بما لها من مساوئ، في ظل غياب سيادة سلطة القانون ودولة المؤسسات، ولا نقبل بالتداول السلمي للسلطة وكسر احتكارها؟! * شاع مؤخراً قضية التعديلات الدستورية الخاصة بمجلس الشورى، وصاحبها حديث عن إمكانية تعديلات لتقليص عمر المتقدم للترشح للرئاسة.. ما موقفكم من ذلك؟ - قضية مطلب التعديلات الدستورية أصبحت ضرورية في كثير من مواد الدستور، وقد ورد ذلك في مبادرة الإصلاح السياسي والوطني الشامل للمشترك، فهناك مواد متعلقة بفصل السلطات وبالحقوق والحريات، وبالتحديد للنظام (رئاسي برلماني)، وبالوظيفة العامة، وبصلاحيات مجلس النواب (رقابية وتشريعية). وهي تعديلات تخدم العملية الديمقراطية، ولا خلاف عليها. ولكن ما قدم مؤخراً من مجلس الشورى، هو التفاف على الهامش الديمقراطي، ولمزيد من تضييق هذا الهامش، والتفاف على حقوق المواطن، وحقه في الاختيار لممثليه في البرلمان. والمواطن لم يعد جاهلاً بما يدور حوله. فالمشكلة تكمن في السلطة التي لم تعِ أن العالم أصبح قرية، وأن ما يحدث في العالم من متغيرات ليست بعيدة عن المواطن، وأن سياسة التجهيل والتضليل التي يمارسها الإعلام المحلي، واستغفال المواطن، إنما يسبب إبعاد المواطن عن متابعته، ويفقده الثقة فيه، لكنه لن يغير من معرفته بالحقيقة. ومع أن التعديل المقدم من مجلس الشورى قد سُحب، لكن يظل ورقة سترفعها السلطة كلما سنحت لها الظروف في تمرير مثل هذه القيود. والتنظيم ضد أية تعديلات تستهدف الحقوق الديمقراطية والتقليص لها. * أطلقتم قبل شهور وثيقة الإصلاح السياسي والوطني الشامل.. هل من خطوات لتعميمها في أوساط الشعب؟ - كما سبق أن أوضحت، فإن هذه الوثيقة (مبادرة الإصلاح السياسي) كانت خلاصة لمناقشات ومطالب قواعد وأنصار أحزاب اللقاء المشترك، بل إنها جمعت مطالب كل أبناء الشعب وقواه الحية الرافضة للفساد وقوى الاستبداد والنهب للثروة والمال العام. وهي مطلب كل الشرفاء والحريصين على الوطن ووحدته، والتواقين الى الديمقراطية الحقيقية، وإلى سيادة سلطة القانون وحقوق المواطنة المتساوية. هناك خطوات قد بدأ المشترك بإنزالها الى أوساط الشعب. وما اللقاء الأول مع قيادات الفروع إلا خطوة من خطوات تنفيذ البرنامج التنفيذي لهذه المبادرة، والتي تعتبر برنامجاً للإنقاذ الوطني. والمعارضة قيادة متقدمة للجماهير ودورها في تأصيل مضمون وجوهر العمل السياسي، وهو حق دستوري لها، فالشعب مصدر السلطات. * في الآونة الأخيرة تعرض المشترك والتنظيم لمهاجمة بعض صحف الحاكم ومطابخه الأمنية، ما تعليقك على ذلك..؟ - لعل الأوضاع السيئة التي تمر بها البلاد جمعت فرقاء الأمس وأطراف المنظومة السياسية من أجل المصلحة الوطنية. وإذا كان هناك من أغاظه هذا التقدم في العمل السياسي الموحد، والتفاف كل فرقاء الأمس حول مصلحة الوطن وقضاياه الاساسية.. فذلك شأنه، وليدركوا أن مواقفنا ورؤانا ستظل منحازة للوطن وقضاياه. وماداموا فزعين فنحن نسير في الطريق الصائب، ونقول لهم البيت الشعري القائل: اذا أتتك مذمتي من جاهل... فتلك الشهادة بأني كامل. والتنظيم بتاريخه الناصع ومواقفه وتضحياته من أجل الوطن والمواطن ووحدته، لم يعرف الصفقات، ولا يهمه تقييم الآخرين، فقواعده وجماهيره هي من تقيمه. ولعل مصداقيته ظهرت في مؤتمره العام العاشر الذي أفرز مخرجات تلبي متطلبات المرحلة، ووحدة الوطن وأمنه، استجابة لمطالب قواعده.