وصلتني بعض الرسائل من إخوة أعزاء يطلبون مني أهم المواقف والمحطات التاريخية للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري عبر مسيرته الطويلة المشرقة. وإنني إذ أشكرهم على رسائلهم التي خصوني بها، معتزاً بثقتهم وإعجابهم بصحيفة "الوحدوي"، ودورها الرائد، وحرصهم على اقتنائها قبل غيرها ومتابعتها أولاً بأول، وعبارات الثناء لأسرتها، ونحن نبادلهم الحب بالحب والوفاء بوفاء، آملين أن نكون عند حسن ظن الجميع.. سوف أحاول تلبية طلبهم قدر الإمكان، خاصة ونحن نعيش ذكرى تحقيق الوحدة وميلاد الجمهورية اليمنية، كذلك قدوم الذكرى ال23 لحركة 31يونيو التصحيحية، التي ستحل علينا بعد أيام قليلة، كما أرجو من دائرة التثقيف توضيح ما يجب في حالة الغموض أو غيره، كونها الجهة المختصة بالتنظيم، وعذراً عن أي تقصير قد يحدث. تاريخ التنظيم تاريخ حافل بالعطاء، يحتم على الجميع، قيادة وقواعد ومناصرين، استلهامه واستيعابه بكل ملاحمه النضالية، وممارسته وعياً وثقافة تاريخاً وتراثاً تجربةً وعبرة لكل المناضلين، حيث أن العمل النضالي الوطني للتنظيم قد انتقل نقلة كبيرة، وبدأ يأخذ أبعاداً جديدة وعميقة وواسعة تختلف عما كان عليه في ماضي التشطير وقبل 22مايو 0991م. وإن هذه الأبعاد الجذرية التي بدأ يتسم بها النضال الوطني، ويتعامل معها، هي: أولاً: الوحدة اليمنية، وحدة الأرض والإنسان التي فتحت أمامه الطريق، ووسعت مجالات نشاطه وميدان حركته، ومنحته الفرصة ليستوعب الساحة كلها، ويحتضن المجتمع كله، واكتمل له شكله ودوره الطبيعي الذي كان يبدو قاصراً أو مشوهاً في الماضي. ثانياً: الديمقراطية والتعددية السياسية التي رفعت الحواجز من أمام النضال الوطني، وحلت عنه القيود التي كبلته طويلاً، وشكلت منطلقه الجديد وضماناته الأساسية التي نص عليها وأكدها وكفل مشروعيتها دستور الوحدة اليمنية. ثالثاً: علنية الحركة وممارسة النشاط السياسي التي نقطف بعض ثمارها اليوم بعقد الدورات الانتخابية والمؤتمرات العامة للتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري. إن نضال التنظيم الذي قاد منذ الأيام الأولى لتأسيسه نضالاً باسلاً وشجاعاً عبَّر بصدق وقوة وإيمان، عن موقعه في الشعب، ومكانته من هموم وقضايا الشعب ومصالحه بعمق ووضوح، فنظرة سريعة على طريق معتركه النضالي وتاريخ مسيرته الكفاحية، يمكن أن ندرك من خلالها: 1- ظهور بوادره وملامحه الأولى وتشكل توجه ناصري عام بحاجة للتطور والتبلور تنظيمياً، ويمثله بعد ذلك عدد من الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة 62سبتمبر 2691م، ومبادئها الستة، ووضوح العلاقة والصلة بينها وبين ثورة 32يوليو الرائدة بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر. ومن هؤلاء الضباط الأحرار الشهيد علي عبدالمغني، المشير عبدالله السلال، والعميد محمد الأهنومي. 2- في 52ديسمبر 5691م، كان هاجس التفكير قد تطور وتبلور لدى مجموعة من الإخوة المناضلين المؤمنين بالوحدة الوطنية والوحدة العربية، وأسفر ذلك عن تأسيس التنظيم الوحدوي القومي العربي الناصري »الطليعة العربية« من خلال تشكيل المجموعات الأولى من خلاياه وحلقاته، وكان التنظيم آنذاك جزءاً منها. وهكذا جاء التنظيم القومي الناصري منذ تكوينه وتأسيسه وحدوياً واحداً، مثلما كان التنظيم رداً عملياً على التشطير للقطر اليمني وتجزئته (الوطن القومي العربي). 3- تأسيس التنظيم الشعبي للقوى الثورية في أكتوبر 6691م، في إطار جبهة التحرير، على إثر خلاف حصل بين الناصريين والجبهة القومية. وكانت الرسالة المنوطة بهذا التنظيم، الكفاح المسلح ضد الوجود العسكري للمستعمر البريطاني، ومن أبرز قياداته الشهيد عبدالله المجعلي. وكان التنظيم الشعبي للقوى الثورية من خلال معظم قياداته وتشكيلاته، ضمن التنظيم القومي في إطاره، وجزءاً لايتجزأ منه. 4- خلال البدايات الأولى لتشكيل التنظيم، استطاع الناصريون انتزاع زمام المبادرة بتشكيل الواجهة القيادية الأمامية للقطاع الطلابي منذ منتصف الستينيات، وخاضوا معترك الصراع الفكري السياسي الطلابي بدراية واقتدار وحكمة. ووصلت قوة التأثير الناصري داخل صفوف القطاع الطلابي الى الدرجة التي مكنت التنظيم الناصري من تحديد مواقفه السياسية تجاه أنظمة الحكم التشطيرية التي قامت وتوالت على الوطن اليمني، وذلك من خلال أقوى هيئة قيادية عرفتها وشهدتها الحركة الطلابية اليمنية، تمثلت وتجسدت برابطة القاهرة آنذاك. كما استطاع التنظيم أن يتواجد في كافة قطاعات المجتمع الأخرى بفاعلية واقتدار. 5- إن التنظيم القومي الناصري استطاع أن يحقق توسعاً وانتشاراً كبيرين في سنوات قليلة، بفضل التأييد الجماهيري والحب الشعبي للثورة العربية وقائدها الخالد جمال عبدالناصر، والمواقف والصمود والتمدن التي عرف بها جمال عبدالناصر، واشتهرت بها ثورته، وهي تقود جبهة النضال المسلحة لطرد القوى الاستعمارية من الوطن العربي، ومحاربة الرجعية العربية والإقليمية، ودعم حركات التحرر الوطني في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. 6- إن التنظيم القومي الناصري شهد وعاصر محنة الثورة العربية، واشتداد الهجمة الشرسة عليها من قبل الامبريالية وأدواتها في المنطقة العربية، قبل وبعد رحيل قائدها ومفكرها جمال عبدالناصر. وفي هذا الوسط الساخن والمعترك الملتهب الذي فرض على الأمة العربية وثورتها الناصرية، وجد التنظيم نفسه، وقدر أن يشق طريقه، وأن يستمر ويواصل نضاله وجهاده، وكانت اليمن تمثل أحد مواقع القوة للثورة العربية الناصرية، ولذلك لم يثنها مخططات ومؤامرات ضرب وتصفية الثورة العربية الناصرية، وكان لابد للتنظيم أن يعيش ويشهد هذا كله، وأن يعاني آلامه ومرارته ابتداءً من مؤامرة الانفراد بالاستقلال والاستحواذ على السلطة في الشطر الجنوبي سابقاً، والانغلاق، وحركة 5نوفمبر 7691م، في الشطر الشمالي سابقاً، التي أدت الى إفراغ الثورة من محتواها، وفتح الباب واسعاً أمام الثورة المضادة. ومن أشهر التراجعات، أحداث صنعاء العسكرية في أغسطس 8691م، والتي انتهت بتصفية القوى التي حققت انتصار السبعين، كذلك اتفاق جدة بين الملكيين والجمهوريين، الذي بموجبه عاد الملكيون الى البلاد. وأمام هذه الأحداث التي مرت بها الثورة اليمنية، كان شعبنا اليمني نتيجة لذلك يعيش حالة من الغليان، وموجات من السخط والغضب العارم، استطاع التنظيم استلهام معاناة الشعب وعذابه وآلامه وتطلعاته، لذا كان موقفه الشجاع ليس بياناً انفعالياً، وإنما بقيادة حركة تغيير مسلحة قام بها عام 9691م، عرفت بحركة الجبري. وتلك الحركة لم يكتب لها النجاح، ودفع التنظيم ثمناً باهظاً من قوته، وتعرض كوادره للاعتقال والترحيل. استمر وتواصل نضال الناصريين من مواقف العزة والكرامة والحرية، فمن موقفهم بصنعاء 9691م، ينتقل الموقف والحدث الى عدن، ففي 11/01/3791م، أقدم النظام في عدن على إلقاء القبض على مجموعة بارزة من قيادات التنظيم، والحكم على عدد واسع من قياداته وكوادره بالإعدام بدون جرم أو سبب ارتكبوه، وإنما لكونهم ناصريين ويحملون الفكر القومي العربي التقدمي المعاصر. وكان في مقدمة الشهداء أحمد العبد سعد، علي الكسادي، العريفي، وغيرهم. ويقود الشهيد إبراهيم محمد الحمدي حركة ثورية جديدة في 31يونيو 4791م، ضد الفساد وعملية التهاون والسقوط بالثورة السبتمبرية، وتصحيحاً لخطها. وقد حالفها الحظ، وكتب لها النصر والنجاح. وبسرعة فائقة ومذهلة يتحقق اللقاء والالتحام الفكري والسياسي والعقائدي بين التنظيم بقيادة الشهيد عيسى محمد سيف، وحركة 31يونيو بقيادة الشهيد إبراهيم محمد الحمدي، ليشكلا معاً الموقف والحدث والخندق النضالي الواحد. وتحقق العديد من المنجزات تمثلت بقيام الدولة العصرية الحديثة والمؤسسة على المشاركة الشعبية، والمثبتة على قاعدة مجتمع سليم وعادل يكفل الحرية، ويصون الحقوق، ويحفظ العزة والكرامة للوطن ولكل أبناء الشعب. ولم تكن منجزات حركة 31يونيو التصحيحية دعاية وترويجاً إعلامياً، وإنما منجزات ملموسة على الواقع، وفي ملامح الرضا وابتسامات السعادة ونظرات الأمل والثقة بالمستقبل عند كل مواطن. إن قيادة حركة 31يونيو 4791م التصحيحية، تمكنت بأسلوب فذ، من إدارة الصراع وتوجيه الأحداث لصالح الجماهير الشعبية الواسعة، وحققت المفاعلة الوطنية الواعية بين القيادة والجماهير، واكتسبت ولاء الجميع داخل الوطن وخارجه، ووسعت مساحة الوحدة اليمنية والقيم الديمقراطية، وتجاوزت النظرات المناطقية الطائفية الضيقة، وناضلت منذ أول يوم للحركة مع جموع أبناء الشعب من أجل بناء المجتمع الجديد الذي يقوم على أساس الحرية والكفاية والعدل والوحدة والصدق والتعبير عن آمال وطموحات ومعاناة الجماهير. إن طموحات قيادة 31يونيو 4791م ومنجزاتها الكبيرة والسريعة حفزت قوى الظلام والتآمر المرتبطة بالاستعمار والرجعية، للإسراع في الإجهاز على التجربة وقيادتها التاريخية، عندما تمكنت في 11أكتوبر 7791م، من اغتيال القائد الشهيد إبراهيم محمد الحمدي، رئيس مجلس القيادة وعضو القيادة التنفيذية للتنظيم المناضل، ومجموعة من الشهداء الوطنيين. وشكلت هذه المؤامرة اغتيالاً للأمل الذي تعلق به شعبنا وسط العذاب الطويل، واغتيالاً للأمن والاستقرار. ولقد ساد البلاد بعد اغتيال الشهيد الحمدي حالة من الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار السياسي، وتوسع نفوذ الهيمنة وتدخلات الأجنبي، وتصاعد ممارسة الاضطهاد والعنف ضد القوى الوطنية، كانت له ردود فعل مدوية قادت البلاد الى منعطف جديد من المحن والأزمات. ذلك الوضع المؤسف الذي وصل الوطن إليه، كان مقدمة لوثبة حركة 51أكتوبر 8791م، التي قام بها التنظيم بقيادة الشهيد عيسى محمد سيف، ولم يكتب لها النجاح.