هل اليمن على شفا حرب أهلية لن تخرج منها قريباً، أم أنها ستنجح بحوار وطنى فى التوصل إلى توافق يضمن سلامة الدولة وحقوق المواطنين، وهل تحولت اليمن إلى ساحة من ساحات الصراع بين قوى إقليمية، تحرك القوى السياسية فى الداخل.. عن هذه الأسئلة كان هذا الحوار مع رئيس لجنة الانضباط بمؤتمر الحوار الوطنى والقاضى بالمحكمة العليا اليمنية، يحيى الماورى، الذى أبدى تخوفه من وصول اليمن إلى مصير العراق، وسوريا، وقال إن الساحة اليمنية مهيأة للأسف، لأن تصل إلى سيناريو العراقوسوريا، بعدما عبثت الأصابع الإقليمية والدولية فيها، ولعبت بعض القوى السياسية فى الداخل على مصالحها الضيقة وغيبت المصلحة الوطنية، وكشف الماورى أن الصراع فى اليمن أساساً صراع على السلطة يكسوه السياسيون بكساء مذهبى طائفى من أجل الوصول إلى كرسى الحكم، وطالب «الماورى» مصر بأن تعود لتحتل مكانتها الكبيرة، محذراً من أن الدول العربية انهارت بمجرد ضعف مصر، آملاً فى أن تعيد الإجراءات المصرية الأخيرة الدولة الكبرى لمكانتها. كيف ترى الأحداث التى مرت باليمن خلال الأسبوعين الماضيين؟ - سأتكلم بصفتى مشاركاً فى الحوار الوطنى ولست بصفتى القضائية، ما يجرى فى اليمن، ومصر والكثير من أقطار الوطن العربى يكاد يكون نابعاً من مصدر واحد، هذا وكأنه مخطط من جهات دولية تستهدف تفتيت الوطن العربى. ما يجرى نوع من الفوضى الخلاقة التى تحدثت عنها وزيرة خارجية أمريكا السابقة، كونداليزا رايس عام 2005، الرؤية أصبحت غير واضحة، أصبحنا نخرج من أزمة لندخل فى الأخرى، الوطن العربى أصبح يفتقد إلى المظلة القومية التى تحمى وتشكل سياجاً يحمى الوطن العربى من هذه الفوضى التى يمكن أن نقع فيها، عندما سقطت الركيزة الأساسية فى الوطن العربى وهى مصر بدأت الدول تسقط واحدة تلو الأخرى وبدأت الدماء تنزف. بماذا تقصد أن مصر سقطت، ومتى حدث ذلك من وجهة نظرك؟ - أعتقد بداية من توقيع مصر على اتفاقية كامب ديفيد وبدأ التشرذم العربى بعدها، كانت تلك بداية تغييب الرؤية العربية الواحدة وأصبحت كل دولة تشعر بأنها وحدها بدون مظلة وحماية الدولة الكبرى مصر. الآن، ما يجرى هو نتيجة طبيعية لهذه الوضعية حيث لا توجد رؤية قومية لأى دولة عربية وبدون أن تستجمع كل دولة قواها وتكون قادرة على اتخاذها لقرارها وبدون أن تكون مصر قوية، وفى المقدمة وهى المركز الذى يجمع العرب على رؤية واحدة لا يمكن أن تستعيد الأمة عافيتها ولن تحل أية مشكلة وعندما تغيب وحدة القرار تغيب، وحدة الأمة، وقوتها وفعاليتها، وتصبح فى مهب الريح وعرضة لأى مخططات تستهدفها، نحن الآن نأمل ونراهن على استعادة مصر لقدرتها وقوتها وريادتها بعد سلسلة الإجراءات الأخيرة التى اُتخذت. فمصر اتخذت إجراءات إعادة الأمل أنها عائدة لمركزها القومى العربى والدولى، والدول العربية لن تتجمع إلا إذا جمعتها مصر فى بوتقة واحدة لتصبح قوة فى معادلة القوى الإقليمية من إسرائيل إلى تركيا إلى إيران لكل القوى الإقليمية التى فاقتنا قوة وتأثيراً. هذا ما يتعلق بالشأن القومى العربى، فماذا عن الشأن اليمنى الداخلى؟ - هو صورة مأساوية مما يجرى فى الوطن العربى كله خاصة فى سوريا، والعراق ونأمل ألا نصل إلى هذا المصير، خاصة بعد توقيع اتفاق السلم والمشاركة الوطنية، إذا ما صدقت كل القوى السياسية وأخلصت فى تنفيذه. أنت متخوف إذن أن تصل اليمن إلى الوضع السورى أو العراقى؟ - نعم، أخشى ذلك وللأسف الساحة اليمنية مهيأة، لأن هناك مخططات دولية تريد هذا، فلا توجد فى اليمن مذهبية ولا طائفية، فالمذهبان الأساسيان الزيدى، والشافعى كانا متعايشين منذ 1200 سنة، وطول عمرنا نصلى فى نفس المسجد وخطبتنا واحدة. متى بدأت تقلق من الصراعات المذهبية؟ - بدأت أخاف عندما بدأ كل طرف يعبئ، ويصنف الناس على أساس مذهبى، وطائفى مع بداية انتشار التصنيفات الطائفية فى الوطن العربى كله، ولكن فى اليمن للحقيقة كانت تلك التصنيفات أبطأ، وكانت تلك النظرة أقل انتشاراً شعبياً، وما يجرى الآن هو صراع سياسى يحاولون أن يغلفوه بمظاهر دينية وهم أبعد الناس عن الدين، هم يستخدمون الدين كجسر للوصول للسلطة. كيف تقيم ما حدث اليمن، هل هى ثورة أم انقلاب أم تمرد؟ - ما حدث هو خليط من هذه الأشياء، أولاً هناك قطاع من الشعب استفزته الإجراءات الاقتصادية، ولم يقبل الجرعة التى لم نحتملها كلنا حتى أصحاب الدخول العالية، ولذا لا يمكن أن تخلص ما حدث من الغضب والثورة على تلك الجرعة، حينما تنظر للأمر هناك من يقول إنه انقلاب، وهو فعلاً انقلاب على السلطة القائمة، وذلك أن الحكومة كانت فى أضعف مراحلها، كانت حكومة لم تسطع أن تصنع قراراً واحداً يرضى الناس، وتستعيد هيبة الدولة وتفرض سيادة القانون، وحتى رئيس الجمهورية لم يتمكن من تغيير هذه الحكومة الفاشلة، لأن القوى السياسية المشاركة فيها لم تمكنه من هذا وتمسكت بالحكومة الضعيفة التى لم تستطع أن تفعل شيئاً أمام هذا الكم من المشكلات، ومن هذه الناحية هو فعلا كان هناك شكل من أشكال الانقلاب، وقد وجد استجابة شعبية، ليس لأن الناس تؤمن بفكر الحوثيين ولكن لأن الشعب مل ويئس من انتظار تحسن الأوضاع فى ظل انهيار أمنى، واقتصادى، وسياسى، هناك أيضاًً الصراع المذهبى داخل التيار الإسلامى بجناحيه، الشيعى والسنى، الشيعى، بخلفيته الصفوية، والسنى، بخلفيته النجدية وإيران تقف فى هذا الطرف، والسعودية تقف فى ذاك الطرف، والدولتان تتحملان المسئولية، والآن إما أن تصلا لتوافق وصفقة سياسية بين المجتمع وهذه القوى السياسية فى إطار عملية سياسية تشمل المقايضة، حيث يقتسمان السلطة وتكون هناك شراكة حقيقية بين المعارضة، والسلطة ليطمئن هذا الشعب، ليس هناك قبول الآن لا للشرعية الدستورية أو غيرها، نحن الآن فى شرعية سياسية والقوى الدولية هى التى أعطت هذه الشرعية السياسية. الرئيس قال: لم أبع صنعاء، وتعرضت لضغوط وكانت هناك مؤامرة دولية كبرى على اليمن تنفذها أصابع خارجية؟ - الرئيس فى موقع رأس الدولة ويملك المعلومات والرؤى، وأنا أعبر عما أراه وأتابعه فى الشارع وعلى الأرض، أقول إن القوى السياسية التى حكمت خلال 50 سنة فى الوطن العربى كلها فشلت أن تصل للتداول السلمى للسلطة، وتدعيم أواصر الديمقراطية، وما يجرى بين القوى السياسية اليمنية هو صراع على السلطة، الحوثى يعمل على الوصول للسلطة والجناح الآخر من التيار الإسلامى يعمل بطريقته هو الآخر ليصل إلى السلطة والمشكلة أنه عندما تفقد تلك القوى السيطرة على العملية السياسة تتحول إلى أعمال العنف. حصرت القوى الدولية التى تلعب فى المسرح اليمنى فى إيران، والسعودية، فهل هناك قوى أخرى؟ - هناك قوى أخرى، لكن إيران والسعودية، هما اللاعبان على الأرض، وهناك أيضاً قوى إقليمية تتشارك معهما مثل تركيا وإسرائيل. كيف تلعب إسرائيل فى المسرح اليمنى؟ - إسرائيل تلعب فى اليمن وفى كل الوطن العربى وإذا اعتقدت أن إسرائيل ستترك أى قطر عربى دون أن تعبث فيه فإننا إما نكون أغبياء أو أننا نتغابى. هناك تخوفات من أن تكون هناك موجات أخرى من العنف، وتتحرك القوى المهزومة لتعود للحكم مرة أخرى بقوة السلاح؟ -طبعاً، أنا أشارك أصحاب تلك الرؤى تخوفاتهم، والقلق وهذا شعور عام يسود النخبة السياسية، والقاعدة الشعبية، لكنى أرى أن هناك فرصة لتجنب تلك المخاطر، إذا تصرف الحوثيون بحكنة سياسية، وأدركوا أن احتكار السلطة والانفراد بها أمر لم يعد مقبولاً، وأن هناك قوى لن تقبل بانفرادهم بالسلطة، ويمكن أن تستخدم القوة ضدهم، وأعتقد أنه على الحوثيين التخلى عن العنف الآن، ويكتفوا بما حصلوا عليه من انتصارات ومكاسب سياسية خاصة بعدما أصبحوا شريكاً حقيقيا فى السياسة والحكم بعد سنوات من التهميش والإقصاء. كنت أحد قادة الحوار الوطنى فهل فشل؟ - بالعكس أقول إن الحوار الوطنى هو أول عمل سياسى ناجح فى الوطن العربى واليمن، استطاع أن يصل إلى الحد الأدنى من التوافق السياسى وليس كل ما تطلبه تدركه، وهو يمثل الحد الأدنى من القواسم المشتركة، والحلول، والمعالجات السياسية لشكل الدولة اليمنية ومستقبلها السياسى والاقتصادى، ربما لن تكون كل مخرجاته جاهزة للتنفيذ فى المدى القصير، لكنها ستأخذ وقتاً ومجهوداً، وهى وثيقة توافقية لأول مرة، وكنا فى كل مرة ينتهى ويفضى أى حوار إلى الحرب. هل دخول الحوثيين إلى صنعاء بقوة السلاح لا يعد حرباً ولا يخل بنتائج الحوار؟ - يخل ويعيق نتائج الحوار، لكنى أقول إن الحوثى التقط ظروفاً سياسية معينة واستغلها وتصرف بهذا الشكل ولم يجد أحداً أمامه، القوى السياسية كلها متفرقة ومتفككة، ونتائج ومخرجات الحوار الوطنى لم تجد من يدافع عنها من يجب أن يدافع عنها؟ - القوى السياسية التى وقّعت عليها مسئولة عن حمايتها. الحوثيون، أحد الأطراف التى وقعت على وثيقة الحوار؟ - نعم، وكان يجب ألا تنقلب أى قوة سياسية على نتائج مخرجات الحوار، الشعب لا ينسى، وسيعتقد أن الحوار كان خدعة سياسية من قبل السياسيين، ليعد كل طرف نفسه لمرحلة جديدة من الصراع، وتبدو أنها كانت عملية خدعة سياسية من القوى السياسية تستغل فترة مدة الحوار، ليعد نفسه ويتسلح ويجرى اتصالاته بالقوى الخارجية وبالتحالفات الداخلية الخارجية، لينقض على السلطة. هل يعد اتفاق السلم والشراكة بديلاً عن اتفاق الحوار الوطنى أو مكملاً له؟ - لا أعتبره مكملاً له إذا صدق الجميع فى تنفيذه والتزموا به، وللأسف حتى الآن جانب المشاهد السلبية هو المسيطر على نتائج الحوار، لأن نتائج الحوار بحاجة إلى جانب أمنى وإمكانيات اقتصادية.