يندر أن نجد بلاداً في العالم العربي حكمتها امرأتان مثل اليمن فإحدى هاتين الملكتين هي الملكة بلقيس التي أوتيت حكماً عظيماً وبلاداً سخية بخيراتها. وقد ذكرت بلقيس في القرآن الكريم وتزوجها النبي سليمان. ومع ذلك لا نجد أي أثر لهاتين الملكتين على وضع نساء اليمن. وبعبارة أخرى فقد أصبح حكمهما جزءاً من التاريخ يتفاخر به ولكنه لم يترك أية تراكمات أو تأثيرات على البنية السياسية أو الاجتماعية بما في ذلك تأثيراتها على النساء في اليمن. فالنساء هناك يطحنهن الفقر والجهل والتمييز الذي تمارسه عليهن عدة جهات حكومية وحزبية وقبلية. هذه الحقيقة أكدتها مجدداً التقارير والنقاشات التي جرت في أروقة مبنى الأممالمتحدة في نيويورك لدى مناقشة التقارير المتعلقة بإنفاذ اتفاقية ''السيداو'' أمام اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة. الحكومة اليمنية قدمت تقريرها الرسمي السادس في حين أن جمعيات المجتمع المدني قدمت تقريرين فقط. وكعادة التقارير الرسمية التي تصطبغ دائماً باللون الوردي الذي يجلب الفرح وخدر الأعصاب، فقد أسهب التقرير في تعداد التشريعات والسياسات والإستراتيجيات. وأورد العديد من التشريعات دون أن يشير إلى أوجه التمييز ضد المرأة التي تحتويها تلك القوانين. أما الإستراتيجيات فقد تنوعت من الإستراتيجية الوطنية للمرأة العاملة إلى إستراتيجية النوع الاجتماعي، مروراً بتنمية المرأة صحياً واستراتيجيات وطنية عامة للتخفيف من عبء الفقر، وإستراتيجية للتعليم وسياسات سكانية. كما أشار التقرير إلى المشاركة السياسية الضعيفة للمرأة ولكنه لم يذكر أن الحكومة قد تبنت أي سياسة لتحسين هذا الوضع، ولم يعترف بنظام الكوتا بل أشار إليه بشكل سلبي للغاية وكأنه يخص الحركة النسائية المطالبة به واكتفى بذكر أن نظام الحصص سيظل مطلباً استراتيجياً تسعى الحركة النسائية للوصول إليه (طبعاً دون معين من الحكومة). وبقراءة سريعة للتقرير يمكن استنتاج مدى عسف قانون الأحوال الشخصية المطبق في اليمن. فهو يزخر بالمواد لغير صالح المرأة كعدم تحديد سن الزواج والقبول بزواج الصغيرة دون تحديد سن معينة. ولم يتناول التقرير مسألة العنف الموجه ضد النساء، في حين تناول موضوع الإتجار بالنساء من الناحية التشريعية وعدد النصوص القانونية التي تجرم وتعاقب ذلك، في حين لم يورد أية معلومات عن حجم المشكلة وتعامل الجهات الحكومية المسؤولة معها والإجراءات المتخذة للقضاء عليها. جاء تقرير المنظمات غير الحكومية كالعادة أكثر صراحة وجرأة من التقرير الحكومي ووضع أصبعه على مواطن التمييز ضد المرأة. وبالرغم من شكوى معدو التقرير من الصعوبات التي واجهوها في الحصول على المعلومات، إلا أن التقرير استند إلى عدة دراسات وإحصائيات في إبراز التمييز الذي تعاني منه نساء اليمن في مجالات عدة مثل ارتفاع نسبة الأمية بين النساء، والصورة النظمية التمييزية ضد المرأة في المناهج الدراسية، وضعف المشاركة النسائية في الأنشطة الرياضية، والحال كذلك في المشاركة السياسية، وعدم وجود قانون يجرم العنف حيث تتعرض النساء لكافة أنواع العنف في الأسرة والشارع وأماكن العمل وغيرها، بالإضافة إلى ظهور نوع جديد من العنف يمكن أن نطلق عليه العنف الإعلامي والذي يتمثل في تشويه سمعة الناشطات وتكفيرهن أحياناً الأمر الذي أدى إلى إحجام الكثير من الكفاءات النسائية عن المشاركة في الحياة العامة حفاظاً على سمعتهن من التشويه في مجتمع تغلب عليه السمة القبائلية المتزمتة. ويشير التقرير إلى فئة الأخدام وهي فئة اجتماعية هامشية فقيرة ومنبوذة يمارس أعضاؤها أعمالاً متواضعة كتنظيف الشوارع. وبحسب التقرير تتعرض النساء الأخدام لأشد أنواع التمييز الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي. أبرز التقرير النصوص التمييزية في القوانين اليمنية التي تتعارض مع اتفاقية (السيداو) واتفاقية حقوق الطفل مثل قانون العقوبات وقانون الأحوال الشخصية وقانون الجنسية. كما تناول كذلك مشكلة استغلال الأطفال في الدعارة والتسول وانتقد الجهود الرسمية الخجولة للقضاء على هذه الظاهرة. كما انتقد كذلك عدم الالتزام بتطبيق بنود القوانين وتغليب العرف والتقاليد على القوانين، فمثلاً تحرم المرأة من الميراث في بعض المناطق الريفية، ولا تقبل شهادة المرأة لاستخراج بطاقة شخصية، ولا يسمح لها باستخراج هذه البطاقة أو جواز السفر إلا بموافقة وليها. ومن الملاحظ أيضاً أن المواريث الثقافية والقبلية تحول دون لجوء المرأة إلى أقسام الشرطة أو القضاء للمطالبة بإنصافها. لم ينسَ تقرير الظل اليمني الإشارة إلى تعرض بعض الناشطات اللواتي أشار إليهن بالاسم إلى الاعتقال التعسفي إذ يتم القبض عليهن من منازلهن أو مكاتبهن أو من الشارع. كما لم ينسَ كذلك الإشارة إلى معاناة النساء في السجن فإلى جانب انعدام وسائل الرعاية والصحة في السجون. تتبرأ الكثير من الأسر من بناتهن السجينات لأنهن حسب العرف القبلي والاجتماعي جلبن العار لأسرهن. ويشير التقرير إلى عدم وجود شرطيات أو سجانات في غالبية أماكن احتجاز النساء الأمر الذي يعرض خصوصية السجينات إلى الانتهاك. خلاصة القول أن تقرير الظل اليمني تقرير رصين وعلمي إلى حد بعيد، وهو جدير بالقراءة والاستفادة منه في إعداد التقارير البديلة أو تقارير الظل، كما إنه يشكل نقلة نوعية مقارنة بتقرير الظل الأول الذي قدم للجنة (السيداو) في العام .2002 - باحثة مستقلة وناشطة حقوقية نقلا عن الوقت البحرينية