كالعادة تتحفنا السلطة باسطوانة هجومية ضد جشع التجار لكن يقفز تساؤل مهم من الأفواه الفارغة مفاد ها أين الدور الرقابي للحكومة التي تلوم التجار عادة بطريقة مخجلة؟. ويدرك العارفون إبداعات السلطة أن السلطة القائمة هي سلطة التجار، وأن الهجوم الحكومي هو نقد ذاتي مؤدب لإيهام الناس أن وزراءنا ومسؤولينا المبجولون لا تربطهم علاقة بالتجارة ولا بالشركات الاستثمارية والمناقصات غير القانونية. سعر الماء المعدني وصل ستون ريالاً، وزاد ثمانون ريالاً فوق سعر الطبق البيض، وارتفاع غير مبرر لأسعار الألبان وبعض المواد الغذائية دون أي فعل لأي ارتفاع عالمي ستهرب السلطة للإتكاء عليه لتبرير سياستها الساحقة للشعب. الإحباط والشعور بالهزيمة بفعل أزمة الجوع والتجويع المتعمد يجب ألا يستمر، وأن ينتفض الجميع من خلال أساليب الرفض الجماهيري لهذه السياسات الإفقارية، لأن استمرار هذا الشعور سيغتال أي محاولة تغيير في الاستحقاقات الانتخابية القادمة (لو شاركت المعارضة مثلاً) هذا ما يجب التنبيه له لأن تطبيع المواطن على الجوع والفقر والانتهاك وكأنه أمر معتاد عليه يطيح باقوى دوافع التغيير. اليوم الجوع ضيف إجباري في أغلب منازل اليمنيين، والقمع والتسلط سياسة رسمية لمواجهة صيحات الجوعى والمغبونين، وهناك من يتحدث عن ديمقراطية وانتخابات حرة ونزيهة إنها مهزلة سخيفة لأننا ندرك ألا حرية لجائع ولا كرمة لخائف. وآفتا الجوع والخوف سكنتا معظم مواطنين البلد بفعل سياسة التسلط والظلم ولا أمل في التغيير إلا عند التخلص من الخوف وإحياء الحرية وقيم المواجهة للأساليب الإفقارية وهو ما يجب أن تدركه القوى السياسية الحية في هذا البلد. هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار ياتي مطلع شهر شعبان، وبالتاكيد فان ارتفاعات قادمة ستأتي كما هو معتاد مع قدوم الشهر الكريم رمضان. هذا العبث في قوت المواطن وأمنه الاقتصادي والمعيشي يوحي وكأنه لا دولة ولا حكومة تدافع عن حقوق مواطنيها وتسعى لإحلال السلم الاقتصادي والاستقرار المعيشي لملايين المواطنين. لا زال الحاكم يدير الوطن مستنداً على قاعدة جوع كلبك يتبعك دون الإدراك أن الزمن تغير وعفا على هذه القاعدة ما يحتم عليه اليوم الإيمان بأن قاعدة أشبع وأمن شعبك يحميك من محكمة لاهاي والتدخلات الخارجية، العصر تغيير وايجاد شعب راقي له نظام وقانون حتماً ستتحول إلى سياج منيع حول الأنظمة. يجب أن ننتقل من سياسة الأزمات إلى سياسة الإنجازات، من دعم الفساد إلى محاربته والقضاء عليه. في كل بلدان العالم تأتي الأنظمة لخدمة الشعوب ورفعة الأوطان، وفي بلادنا لإدارة الأزمات والحروب ودعم الانقسامات وإضعاف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وتفريخ الأحزاب. وهذا التوجه يسقط شرعية النظام حتى لو أتى عبر صناديق الاقتراع، ما المانع أمام الرئيس علي عبدالله صالح بعد تربعه ثلاث عقود على السلطة من إيجاد دولة نظام وقانون بعيداً عن إدارة المخابرات؟ ما المانع من إيلاء لقمة عيش المواطن ومسألة تعليمه وتوعيته الأولوية والاهتمام؟ لابد أن يعي النظام أن الاهتمام بالإنسان وآدميته وحقوقه هي مدخل الاصلاح لحماية اليمن والسير بها نحو الرقي والازدهار، وبدون ذلك فإن هاوية سحيقة تنتظرنا بفعل تفضيل الحفاظ على السلطة بدلاً من الحفاظ على اليمن الواحد والقوي.