إن من يعيش رهينة الماضي وظروفه القاسية أو ستصحب معه مشاعر المظلومية التاريخية لا يصلح بحال من الأحوال أن يكون شاهد على أمسه أو حاضره . لأنه من شروط الشاهد أن يكون عدلاُ أمينا عارفاً بحقيقة ما يشهد به وعليه . غير مغفل ولاخصيم . هذا أولا : وأما ثانياًُ : فإن استياء البعض مما كتبت في تناوله سابقة عن بعد الناصر رداً على قناة الجزيرة . فإن من حق هؤلاء ان يستاءوا لكن ليس من حقهم ان يجعلوا ما كتبته موجباً للتفسيق والتكفير . لان الحكم بهما على احد من المسلمين ضرب من منازعة الله في الإهيته وربوبيته . وأما ثالثاً : فإن ماقلته في ذات المقال حول إيران فليس فيه مايدل على تأثري بالتشيع أو إيماني بولاية الفقيه . مع انه ماكتبته حول إيران لا يتجاوز حدود المواقف المعلنة المساندة للمقاومة ضد الكيان الصهيوني . فأنا أنما أتحدث عن مواقف خاصة . ولم أتحدث عن قضايا عقائدية . وتلك المواقف الداعمة للمقاومة إنما هي مواقف محسوبة لإيران لأعليها .خصوصا وإنها جاءت في وقتها وظروفها المناسبة . فمما لا يخفى على احد أن الحصار الذي فرضه الكيان الصهيوني قد لقي تقديراُ واستجابة عالمية وعربية . وإيران هي الطرف الوحيد التي رفضت الحصار ودعت العرب المسلمين إلى كسره . وارى أن هذا الموقف منها يستحق الشكر والثناء . وهو ما أعلنه الشعب العربي والإسلامي بلا استثناء ولا تحفظ بل ومن كثير من الأنظمة العربية والإسلامية . وكان يجب على القادة العرب الاتكاء على هذه المواقف الإيرانية النبيلة . والعمل على تطويرها . والانطلاق من خلالها إلى بناء علاقات متوازية ندية . محكومة بمبدأ الحياد الايجابي . والعمل على تأكيده وفرضه لها وعليها . كون الشأن الداخلي للدول يمثل خطاًُ احمر . أما بالنسبة للمقاومة اللبنانية فإن دعمها سياسياُ والتحاور معها هو الطريق الضامن لبقاء آلة المقاومة مصوبة ضد الكيان الصهيوني . وفي ذات الوقت تطوير قدرات الجيش اللبناني وتزوديه بكل ما يكون به اقدر على الردع وحماية أرضة واسترجاع ما بقى منها تحت الاحتلال والكف عن ترويج تلك المقولة القائلة : بأن قوة لبنان في ضعفه . فإنما هي مقولة خاطئة كاذبة . كما ان الموقف التي اتخذته بعض الأنظمة من حرب تموز ألفين وستة . كان موقفاً مخزياً بامتياز . حيث وضعت نفسها في موضع لا تحسد عليه ويبدو انه يمثل خطاً ثابتاُ لها بدلالة موقفها من الحرب الذي شنه الكيان بعد ذلك على أبناء غزة . فكان مثلها فيه , كمن حكي باطلاً وامتطى صارما : وقالت أصبت فقولوا : نعم . أما بالنسبة لما أشرت إليه في معرض الدفاع عن عبد الناصر ردا على قناة الجزيرة فإنما ذلك تعبير عن قناعاتي الخاصة التي استقرت لدى من خلال إعادة القراءة والتحليل لك المعطيات والأحداث والوقائع والفعاليات التي اتسم بها عهد عبد الناصر وهي قراءة لها كما هي في زمانها وظروفها بعيداً بعيدا عن العواطف المؤثرات الشخصية أو الحزبية . والتي كانت قاهرة غالبة على الكثير من أمثالي حينذاك والبعض منهم لا يزال رهيناً لها إلى يومنا هذا ولعل من هؤلاء هو احمد منصور مقدم برنامج : شهود على العصر : واعتقد أن من شهد تلك الفترة الذهبية من حياة العرب وامتد به العمر إلى الوقت الحاضر . وكان معنيا اليوم بمعرفة الحقيقية . سوف لن يستبقي مما علق في ذهنه من دكن حاجب للعقول مزيف للحقائق فها هي مصر اليوم قد تراجعت عن مسارها الريادي والقيادي . وتراجعت إلى الخلف عقودا . ولم تعد اليوم معنية إلا بحراسة معبد رفح . وتكريس سيادتها عليه . واعتبار أحكام اغلاقة دليلاً على ممارستها لسيادتها واستقلالها . وشاهداً على محوريتها في المنطقة . وعندما اعبر بهذا عن مصر لا اقصد ابداً شعب عبد الناصر وجماهيرها الغاضبة ونخبها الحية السائرة على خط عبد الناصر وإنما اقصد بها النظام الحاكم فقط . كل هذه المستجدات والمعطيات قد حتمت إعادة القراءة من جديد لعهد عبد الناصر ذلك الزعيم العملاق الذي كان مالكاً لمشروع حضاري يحقق للأمة كلها النهوض والارتقاء ويجعل من هذه الأمة كتلة .واحدة متماسكة متضامنة في شتى مجالات الحياة الامنية والعسكرية والاقتصادية والسياسية . كان ذلك هو دأبه وخياره الوحيد منذ توليه الحكم وحتى اخر لحظة من حياته . إننا نعيش اليوم ظروفاً وأحداثا التبست فيها الرؤى وتداخلت الحقائق بالأوهام والهدى بالظلام والفساد بالصلاح والانتصار بالانهزام والرجعي بالتقدمي . والعدو بالصديق والحليف . والجار الذي يمكن أن يكون محايداً . ولا يريد إلا أن يكون كذالك . صار لدى هؤلاء المنكسرين هو العدو. إن امتنا اليوم تواجه المخاطر والأعاصير التي تهددها في وجودها واستقلالها دولة دوله وبلداً بلداً فمن الصومال إلى العراق ومن سوريا إلى لبنان ومن موريتانيا إلى السودان فالمحكمة الجزائية مع ما يجرمه الكيان الإسرائيلي من قتل وتجريف وجدار وحصار وتهويد للقدس وخلخلة مستمرة لبنيان الأقصى . والجامعة العربية ممثلة بأمينها العام ليس له من موقف أو رأي إلا ماهو مرسوم له من قبل محور الاعتدال العربي . فابتزاز حقوقنا العربية على أيدي الكيان الصهيوني وحلفائه من الغرب يشبه العملية الجراحية الكبيرة . والمحور المعتدل العربي يشبه السكاكين والأشرطة والمقصات . وأمين عام الجامعة كالمخدر بالنسبة لصاحب العملية . وكم هو مخجل ومحزن أن تتعمد بعض القنوات العربية اليوم استدعاء بعض المشاهد المنتقاه بعناية فائقة عن حرب سبعة وستين ليس لها من هدف إلا إشاعة ثقافية اليأس والاستسلام وقبول الانهزام في الشعب العربي . بغيه تطبيعه على قابلية الرضا بالأمر الواقع . وعدم التفكير على تغييره لصالح الأمة . فرفض الظلم والعدوان ورفض الغزو والاحتلال واغتصاب الحقوق وتدنيس المقدسات إنما هو ضرب من المستحيل وكان مجرد التفكير في تغيير هذا الواقع إنما هو مغامرات غير محسوبة في رأي هؤلاء المنهزمين وهم يجعلون من نكسة سبعه وستين قاعدة لتثبيت هذه الثقافة الضبابية الزائفة . وتصوير تلك النكسة وكأنها عنوان ثابت لعبد الناصر وعهده وفي المقابل يمررون المبادرة ويقدمون التنازلات بغرض تصفية القضية الفلسطينية لصالح الكيان الإسرائيلي وعالمنا العربي والإسلامي يعلم تماما كيف وقعت النكسة . ويعلم الظروف التي أحاطت بها وأيضا من القادة العرب اليوم يدعوا إلى دعم المقاومة الفلسطينية . ومن منهم يقف إلى جانبها ومن منهم يحمل مشروع عبد الناصر الرامي إلى تحقيق الوحدة العربية الشاملة والى عبد الناصر بأن الحكم ليس إرثا وان العلم ليس إرثا وان الغني والفقير ليس إرثا وأيضا من هؤلاء حقق النماء والرخاء . واهتم بالعلم وسعى إلى نشره وحصن شعبه من التدخلات الأجنبية والقواعد العسكرية الأجنبية . إن مياهنا وأجواءنا وأراضينا مخترقة . وأخيرا من هؤلاء القادة يملك الشجاعة الأدبية على إعلان رفضه المطلق لأي تدخل أجنبي في قراره الوطني . هذه التساؤلات ستكون موضوعاً لتناوله لاحقه .