تعيش اليمن حالة من حالات عدم الاستقرار السياسي، والتي لم تقتصر تبعاتها على اليمن ولكنها امتدت إلى المناطق المجاورة لها. وهو الأمر الذي يهدد الأمن القومي لمنطقة شبة الجزيرة العربية. فتواجه اليمن تمردًا حوثيًّا في الشمال، وحركة انفصالية في الجنوب وانتشارًا واسعًا لعناصر القاعدة داخل المجتمع اليمنى. ولاشك في إن الولاياتالمتحدة تخشى كثيرًا من سقوط الدولة في اليمن نظرًا لما لذلك من عواقب وخيمة على أمن واستقرار منطقة شبة الجزيرة العربية ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدةالأمريكية، بالإضرار بطرق التجارة وخاصة ناقلات النفط. ومع تزايد تكلفة الحربين التي تخوضها الولاياتالمتحدة في أفغانستان والعراق وعدم إبداء واشنطن رغبة قوية في تكريس مزيد من الموارد والاهتمام لمواجهة تحديات أخرى. أصدر مركز الأمن الأمريكي الجديد Center for a New American Security المهتم بإصدار تقارير وأبحاث تدعم المصالح والقيم الأمريكية في العشرين من نوفمبر من العام الحالي مقالة تحت عنوان: " على حافة الهاوية: عدم الاستقرار اليمني وتهديد المصالح الأمريكية On the Knife's Edge: Yemen's Instability and the Threat to American Interests" للباحثين اندرو اكسوم Andrew M. Exum وريتشارد فونتين Richard Fontaine. تخلص المقالة إلى أن الوضع المتدهور في اليمن وانعكاساته على المصالح الأمريكية هو الذي يدفع الولاياتالمتحدة لإعطاء مزيد من الاهتمام لما يحدث في اليمن. وليس معنى ذلك أن يتخذ هذا الاهتمام شكل عمليات عسكرية واسعة النطاق مثلما حدث في أفغانستان والعراق، ولكن أن تتبع استراتيجية شاملة تزاوج فيها بين عدة عناصر منها: دعم مكافحة الإرهاب، المساعدات التنموية، الضغوط الدبلوماسية، والمضي قدمًا على مسار المصالحة . اليمن اليوم ألقى الباحثان الضوء على أوضاع المجتمع اليمني من خلال عرض مجموعة من الأرقام والحقائق التي تبين مدى المعاناة التي يعاني منها الشعب اليمني، والتي تمثل أيضًا بيئة مناسبة لتواجد الميليشيات الإسلامية المسلحة. حيث يرى الباحثان أنه في العقود القادمة سيعاني اليمن على ثلاثة أصعدة، أولها: الصعيد الاقتصادي، فالحكومة اليمنية تعتمد في إيراداتها على الضرائب والإنتاج النفطي. وبالنسبة للإنتاج النفطي فقد انخفض إنتاج اليمن النفطي من 460.000 برميل يوميًا في عام 2002 إلى ما بين 300.000 إلى 350.000 برميل في عام 2007 وانخفض في عام 2007 فقط بنسبة 12% ، ويتنبأ المحللون بأن إنتاجها النفطي سيصل إلى صفر بحلول عام 2017. ومع ذلك فإن الحكومة لا تخطط لمرحلة ما بعد النفط في المستقبل. أما ثانيها: الصعيد السكاني، فلا يصدق أن 45% من الشعب اليمني تحت سن 15 سنة، وكذلك معدل البطالة يبلغ 40% ومن المتوقع أن يتضاعف بحلول عام 2035، ناهيك على أن الشعب اليمني هو الأفقر في منطقة شبة الجزيرة العربية. وآخرها: الصعيد البيئي، وهنا يشير الباحثان إلى أنه ليس من الغريب أن هذا التعداد السكاني يستنزف الموارد المائية اليمنية والتي يهدر 90% منها أصلا في مشاريع زراعية غير مجدية. وبالتالي هذا الوضع حتمًا سيؤدى إلى كارثة بيئية. تهديد المصالح الأمريكية تطرق الباحثان في مقالتهما وبشكل منطقي إلى انعكاسات هذا الوضع المتردي على مصالح الولاياتالمتحدة في المنطقة. وعبرا عن هذا التهديد في نقطتين، هما: النقطة الأولى تتمثل في تحول اليمن إلى ملاذ آمن للجماعات الإرهابية العابرة للحدود وهو ما تحاربه الولاياتالمتحدة في باكستانوأفغانستان. وبالتالي من المحتمل أن تتحول اليمن لجبهة ثالثة تحارب الولاياتالمتحدة الإرهابيين من خلالها. النقطة الثانية تتمثل في حرص الولاياتالمتحدة على عدم انتقال حالة عدم الاستقرار إلى المناطق المجاورة وتحديدًا المملكة العربية السعودية أبرز حلفائها في المنطقة والتي تخوض حربًا الآن ضد الحوثيين في الشمال. وللولايات المتحدة مصالح قومية واضحة في المناطق الغنية بالنفط في شبة الجزيرة العربية وبالتالي من المنطقي والطبيعي بأنها لن تسمح بتهديد استقرار شبة الجزيرة العربية. الدور الأمريكي في استقرار اليمن تطرق الباحثان لأفضل السيناريوهات التي يمكن من خلالها زيادة الاستقرار الداخلي في اليمن والحيلولة دون سقوط الدولة وتحولها كملجأ وملاذ آمن للجماعات الإرهابية المتطرفة. وهنا أشارا إلى أن الولاياتالمتحدة يجب أن تطور منهجًا لمعالجة هذا الوضع المتدهور في اليمن. ينصح الباحثان المسئولين الأمريكيين بعدم النظر لليمن على أنها مشكلة متعلقة بمكافحة الإرهاب، ولكن لابد من توطيد علاقة دائمة ومتعددة المجالات مع اليمن تشمل التنمية الاقتصادية، ومساعدة الحكومة على تحسين أدائها والسعي نحو تحقيق الاستقرار الداخلي. وبالتالي توسيع نطاق التركيز يقصد به الانتقال من النظرة الأمنية الضيقة إلى النظرة الشاملة متعددة الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ويؤكدان على أهمية إشراك المجتمع الدولي. فيشير الباحثان إلى أن هناك عديدًَا من اللاعبين الدوليين مثل الاتحاد الأوروبي، ومجلس التعاون الخليجي، والأردن، واليابان،الذين يلعبون أدوارًا رئيسة على الساحة اليمنية.