دشنت لجنة الاقتصاد والخدمات في اللجنة التحضيرية للحوار الوطني أمس الاثنين برنامج فعالياتها الاقتصادية بعقد ندوتها الأولى التي أقيمت تحت شعار (( تحديات مستقبل اليمن الاقتصادي )) في ضوء رؤية الإنقاذ الوطني . وفي الندوة التي حضرها عدد من أمناء الأحزاب السياسية وأعضاء اللجنة التحضيرية للحوار الوطني والأكاديميين والاقتصاديين , ألقى د/ ناصر العولقي رئيس لجنة الاقتصاد والخدمات كلمة أكد فيها عزم لجنة الاقتصاد عقد ندوات وفعاليات خلال الفترة القادمة في أمانة العاصمة صنعاء وفي المدن الرئيسية بهدف بلورة النقاشات الأكاديمية والعلمية المتعلقة بالاقتصاد اليمني حاضره ومستقبله ، وتوفير بيئة مناسبة لحوار مفتوح وموضوعي لإثراء الجانب الاقتصادي في وثيقة مشروع رؤية الإنقاذ الوطني . واعتبر د/ العولقي أن الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعانيها اليمن حاليا ما هي إلا إحدى مظاهر الازمة السياسية مؤكدا أن ما تعانيه اليمن منذ السنوات الماضية وتحديداً منذ عام 1994م ما هو إلا نتيجة للسياسات الإجرائية الخاطئة و المتراكمة وتصاعد معدلات التضخم وتدهور سعر العملة المحلية أمام العملات الأخرى ونمو معدل البطالة والفقر وتزايد العجز في الميزانية وفي ميزان المدفوعات . وعلى الرغم من تحقق بعض الجوانب الايجابية في تنفيذ برنامج الإصلاح الذي أعلنته الحكومة اليمنية عام 94م إلا أن هذا البرنامج حسب العولقي سرعان ما خرج عن مساره الصحيح .
وقال أن الأحداث والمتغيرات برهنت بأن الحكومات المتعاقبة فشلت فشلا ذريعا في تحقيق الأهداف المنشودة المتمثلة بتطوير الاقتصاد وتحسين مستوى المعيشة لكافة أفراد المجتمع اليمني مؤكدا انه لم ينجم عن الجرع الحكومية المتوالية سوى المزيد من الجوع وحالات الفقر والبطالة الأمر الذي جعل اليمن تحت رحمة ووصاية المنظمات الأجنبية وباتت المؤتمرات واللقاءات التي تعقد في عواصم الدول الخارجية والإقليمية كلها تصب لمناقشة الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتردية وأصبحت نظرة المجتمع الدولي لليمن على أنها دولة هشة وفاشلة . وأضاف رئيس لجنة الاقتصاد والخدمات في تحضيرية الحوار: أن المؤشرات الاقتصادية السلبية التي عانتها اليمن في الماضي لا تزال على ما هي عليه بل إن بعض هذه المؤشرات قد ازداد سوءا ذلك أن المواطن العادي اليوم بات أكثر فقرا وبؤسا مما كان عليه في بداية التسعينات من القرن الماضي . وارجع د/ العولقي بسبب السياسيات و الإجراءات الخاطئة للحكومات المتعاقبة و التي نجم عنها كذلك تفشي الفساد المالي والإداري في كل مناحي الحياة وأصبحت الثروة ومصادرها في أيدي فئة قليلة جدا وصار للأسف الشديد الهدف الرئيسي للثورة اليمنية المتمثل برفع مستوى الشعب اقتصاديا وتنمويا وسياسيا وثقافيا بعيد المنال . وقال أن التمركز الشديد للسلطة الذي حدث خلال 20 سنة الماضية شكل خطرا كبيرا على النسيج الاقتصادي. و ارجع د/ العولقي سبب هذا التركز الشديد للسلطة والثروة لما وصفها بسياسات الإفقار والتضخم والفساد والتهرب الضريبي وغيرها من الإجراءات الخاطئة للحكومة . وقال انه في عام 2008 م وبناءا على الإحصائيات الرسمية كان الانفاق على المشتقات النفطية كالتالي : البترول 184 مليار ريال , الديزل 503 مليار ريال , والكيروسين 18 مليار ريال , والكهرباء 71 مليار ريال والغاز 9 مليار ريال فكم من هذه المبالغ ذهب إلى جيوب المتنفذين والفاسدين . وأكد د / العولقي أن المخرج الوحيد لليمن من أزماتها السياسية والاقتصادية و الاجتماعية لن يكون إلا عبر الحوار الوطني الشامل الذي يؤدي إلى توافق كافة الأطراف السياسية على حل جميع أزمات اليمن ما لم فان البلاد سائرة نحو مصير مجهول قد يعصف باستقرار اليمن وتطلعاته التنموية .
من جانبه أكد د/ عيدروس نصر النقيب الأمين العام المساعد للجنة التحضيرية للحوار الوطني أن الندوة ركزت على قضية مفصلية للازمة التي تعانيها اليمن والتي تلامس كل جوانب الحياة مشيرا إلى أن هذه القضية قد قامت بتناولها والبحث في أسبابها وجذورها وإيجاد الحلول المناسبة لها رؤية الإنقاذ الوطني . وفيما انتقد النقيب ما وصفه بعدم اكتراث القائمين على إدارة نظام الحكم في البلاد الذين قال أنهم لا يأبهون لما تساق إليه البلاد من كوارث وأكد أن الأزمة الاقتصادية هي جزء من مكون اكبر تتمثل بالأزمة الوطنية القائمة . وقال إن من يقومون بإدارة دفة الحكم في اليمن لا يمتلكون الكفاءة لإخراج البلد من مربع الأزمات إلى وضع الاستقرار ناهيكم عن وضع النمو والازدهار . وفي الوقت الذي يزداد وضع الوطن والمواطن اليمني سوءا من يوم لأخر , قال النقيب (إخوتنا ) في الحزب الحاكم يتغنون بالثوابت الوطنية وكأنها أشياء مقدسة مشيرا إلى أن مثل هذه الشعارات لا تعني شيء بالنسبة لمن يعانون من الفقر والجوع والبطالة والانتهاكات وانعدام الخدمات الضرورية , والاضطرابات الأمنية والشعور بالاغتراب داخل الوطن . واعتبر النقيب أن القضية الاقتصادية مفتاح لإشعال الحريق, وقال ان المواطن العادي يبحث عما يأكل وربما لن تعني له الشعارات الديمقراطية شيء , متسائلا : ما الذي تعني الثورة والوحدة لمواطن لا يجد كبسولة الدواء ا وان ابنه لا يمكن إكمال الشهادة الثانوية . وكانت الندوة ناقشت أربعة محاور رئيسية : المحور الأول تناول الحوار والوفاق الوطني كمدخل لحل الأزمة الاقتصادية , وفيه ناقش الدكتور ياسين سعيد نعمان الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني علاقة الإنتاج السلعي والتبادل باعتبارهما الأساس الذي يبني عليهما اقتصاد المجتمعات . وقال انه عندما يجري الحديث عن علاقات الإنتاج باعتبارها العلاقات التي تنظم في إطارها حياة المجتمعات بشرائحه المختلفة يمكن الحديث عن أنماط متعددة من هذه العلاقة التي كانت بطبيعتها انعكاسا لطبيعة النظام السياسي والاجتماعي السائد . وأضاف : هناك علاقة إنتاج تجسد استغلال جزء من المجتمع لخدمة مركز النفوذ السياسي والاقتصادي مؤكدا على أن مركز النفوذ يجمع بيده أدوات النفوذ التي تجعل عملية التطور الاقتصادي مملوكة بشروط استمرار هذا النفوذ الأمر الذي يجعله يدور في حلقة مفرغة تنتهي في نهاية المطاف إلى تفريغ الاقتصاد من عوامل وشروط نموه الحقيقي وتبديد مكونات التراكم فيه . وقال ان هذا النظام غالبا ما يصنف بالنظام الاستبدادي الذي تصادر فيه الإرادة الشعبية وتغيب فيه الديمقراطية التعددية والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة . وأكد أمين عام الاشتراكي على أن الاقتصاد لا ينمو إلا في بيئة تتميز بالحرية والمبادرة والمشاركة السياسية الحقيقة للشعوب في بناء أنظمتها السياسية واختيار حكامها . وفيما اعتبر د / ياسين النظام السياسي هو المسئول الأول عن التخلف الاقتصادي قال أن اليمن واحدة من الدول التي كان فيها الاقتصاد ضحية للنظام السياسي القائم . أما المحور الثاني المتعلق ب(البيئة التجارية والاستثمارية التي تواجه الاقتصادي اليمني ) فقد ناقش الخبير الاقتصادي عبدالسلام الأثوري الوضع الاقتصادي الراهن وعجز الحكومة عن معالجة ابسط القضايا المتعلقة في هذا الجانب . واعتبر الاثوري قضية سعر صرف العملة واحدة من القضايا الحقيقة الغائبة للمشكلة الاقتصادية. من جهته قال الخبير الاقتصادي علي الوافي إن أهم سمات الوضع الاقتصادي الراهن يتمثل في محدودية النمو الاقتصادي حيث لم يتجاوز خلال الفترة الماضية 4% سنويا إلى جانب المالية العامة للدولة والفساد المستشري في مفاصل الدولة علاوة على ضعف البنية التحتية وضعف مستوى الخدمات إلى جانب ضعف القدرات التمويلية للاقتصاد اليمني وأوضاع القطاع وضعف الشراكة الاقتصادية بينه وبين مجلس التعاون الخليجي. وسرد الوافي جملة من الحلول التي يجب على الحكومة أن تقوم بها لتدارك الوضع، منها تلافي تدهور الأوضاع في البلاد من خلال إعادة هيكلة الموازنة العامة للدولة وتخصيص الموارد على أساس الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية ومراجعة السياسات والاتفاقيات التي تنظم عمل وزارة النفط إضافة إلى مراجعة القوانين الضريبية وبما يحقق العدالة الضريبية ورفع كفاءة التحصيل وتحريم اشتغال المسئولين بالتجارة ووضع الكفاءات في مواقع رسمية.
واستعرض الدكتور صلاح المقطري أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء تحديات الألفية الإنمائية ومؤشرات إحراز التقدم والصعوبات التي تواجها اليمن للوصول إلى تحقيق أهداف الألفية الثمانية التي تتفرع منها ثمانية عشر غاية يسعى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة تنفيذها بحلول عام 2015م. وكانت الندوة حظيت بمداخلات ونقاشات عدد من الحاضرين ركزت في مجملها على أهمية عقد مثل هذه الندوات النوعية والتي ستخلق وعيا لدى الناس بأهمية التحرك السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.