رفع البنك المركزي تقرير عن صعوبة الوضع المالي للبلد إلى رئيس مجلس الوزراء يؤكد فيه مخاطر الوضع الاقتصادي على عكس ما تقدمه الحكومة في تقاريرها. "الوسط" تنشر نص التقرير الذي حصلت على نسخة منه. دولة الأخ الدكتور/ علي محمد مجور المحترم .. رئيس مجلس الوزراء.. رئيس المجلس الاقتصادي الأعلى .. بعد التحية في ضوء توجيهاتكم بإعداد تقرير عن التطورات الأخيرة في أسعار الصرف والتي ستناقش في اجتماع المجلس الأعلى يوم السبت الموافق 4 يوليو 2009م، يسرنا أن نرفع لكم أدناه التقرير المطلوب وعلى النحو التالي: المعروف أن العلاقة بين الريال والدولار وضع سابق للأزمة المالية الراهنة، وتنبع من قيام بلادنا في إطار تنفيذ برنامج الإصلاح المالي والاقتصادي بقبول معطيات المادة (8) من اتفاقية صندوق النقد الدولي والتي تتضمن انتهاج اليمن لنظام سعر صرف حر قائم على قوى السوق، وتتحدد بموجبه قيمة العملة الوطنية أمام العملات الخارجية. وخلال السنوات الماضية حرص البنك المركزي اليمني على إدارة نظام سعر الصرف في ضوء تلك العلاقة وحرص في نفس الوقت على الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ومنع المضاربة على العملة الوطنية والقيام بالتدخل في سوق الصرف لمنع أية تقلبات غير ناتجة عن عوامل اقتصادية، وكذا القيام برفد السوق بما يحتاجه من العملات الخارجية باعتبار أن البنك المركزي أحد المصادر الرئيسية للعملة الصعبة في الاقتصاد، وقد ظهر ذلك خلال السنوات الماضية والتي شهدت استقرارا واضحا في سوق الصرف نتيجة لانتهاج تلك السياسات، وخاصة خلال العام 2007، وجزء كبير من العام 2008 حيث كان البنك المركزي اليمني يقوم بالتدخل في سوق الصرف الأجنبي من وقت لآخر وكلما اقتضت الحاجة لذلك، وكان حجم التدخل السنوي خلال العامين 2007 و2008 هو 1.3 مليار دولار و 1.1 مليار دولار على التوالي، وهذا لا يتضمن المبالغ التي تم بيعها مباشرة للبنوك والتي كانت في عام 2008م مبلغ 383 مليون دولار. واستمرت سياسة التدخل في سوق الصرف قائمة حتى بروز الأزمة المالية والاقتصادية العالمية والتي عصفت باقتصاديات العالم دون استثناء. ولا شك أن أصعب التعقيدات التي تواجهها بلادنا من آثار الأزمة المالية والاقتصادية العالمية على بلادنا في عام 2009م، وفي الأعوام القادمة تظهر جليا في موقف المالية العامة، وموقف عجز الموازنة، وكذا موقف الموازين الخارجية والتي يتوقع أن تكون غير مواتية، بشكل واضح على الرغم من قرارات الحكومة الأخيرة بتخفيض النفقات العامة في جانبها الجاري. ومن النتائج غير المواتية للأزمة العالمية على بلادنا، الزيادة المتوقعة في عجز الحساب الجاري، وعجز الميزان الكلي في ميزان المدفوعات. وينتج ذلك بشكل أساسي من الانخفاض الكبير والمتوقع في قيمة الصادرات النفطية، ويتوقع أن يكون صافي نتائج العمليات النفطية (تصدير -استيراد) سيؤثر على زيادة العجز في ميزان المدفوعات في عام 2009. وبإضافة كل من الانخفاض المتوقع في تحويلات المغتربين، والانخفاض المتوقع في الاستثمارات الخارجية المباشرة، كل ذلك سينتج عن وصول عجز الميزان الكلي في ميزان المدفوعات إلى رقم قياسي مقارنة بالسنوات السابقة، حيث يتوقع أن يصل إلى حوالي 1.5-2 مليار دولار، وسيتم تمويل ذلك بشكل أساسي من رصيد الاحتياطيات الخارجية للبنك المركزي. وخلال الفترة الحرجة التي تزامنت مع تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية العالمية حرص البنك المركزي اليمني على تغطية كل طلبات البنوك لشراء الدولار الأمريكي وذلك من خلال نافذة مبيعات مفتوحة لمنع ظهور أية تعقيدات في السيولة المصرفية أو سوق الصرف الأجنبي، وبلغت مبيعات البنك المركزي المباشرة للبنوك من الدولار الأمريكي، خلال الفترة يناير - مايو 2009 مبلغ 691 دولاراً أمريكياً. وتزامنت نفس الفترة مع انخفاض شديد في موارد البنك المركزي من العملات الخارجية نتيجة تدهور أسعار النفط العالمية، حيث كانت قيمة صادرات النفط الخام خلال الفترة يناير -مايو 2009 حوالي مبلغ 483 مليون دولار مقارنة بمبلغ 2.1 مليار دولار في الفترة المقابلة من عام 2008 وبانخفاض مبلغ 1.6 مليار دولار، أي بمعدل انخفاض 77%. ومن خلال التنفيذ الفعلي لتلبية طلبات البنوك لشراء العملة من خلال النافذة المفتوحة، وكذا لتمويل عمليات الحكومة حتى نهاية شهر مايو 2009، تبين انخفاض في الاحتياطيات الخارجية بحوالي 900 مليون دولار، مما يعني في حالة قيام البنك المركزي باتباع سياسة النافذة المفتوحة، وفي أسوأ الحالات (بأخذ النظر إمكانية تحسن الموارد الخارجية مع التحسن المتوقع في أسعار النفط الخام خلال النصف الثاني من العام) ومع قيام البنك المركزي بتلبية كافة طلبات شراء العملة خلال النصف الثاني من العام بما في ذلك موسما الأعياد وكذا تمويل العمليات الحكومية التي لا تتم عبر البنوك التجارية كتحويلات قيمة المشتقات النفطية، يتوقع أن ينتج عن ذلك انخفاض الاحتياطيات خلال النصف الثاني بحوالي 1100-1200 مليون دولار وبذلك يكون الانخفاض المتوقع لكامل العام حوالي 2.1 مليار دولار أمريكي. وبحسب قانون البنك المركزي، أصبح لزاما علينا في البنك المركزي -في ظل تلك التطورات- القيام بالتشاور مع الحكومة حول تلك التطورات واضعين نصب أعيننا: - هدف تحقيق استقرار الأسعار في المدى القصير، من خلال الحفاظ على استقرار صرف العملة الأجنبية في السوق المحلية، وكلنا نعلم أهمية ذلك بالنسبة لمستوى الأسعار، ومعدلات التضخم. - هدف الحفاظ على مستوى آمن من الاحتياطيات الخارجية والتي تكفل الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في الأجل الطويل، وفي نفس الوقت الحفاظ على استقرار الأسعار. وفي ضوء ذلك طلب البنك المركزي اللقاء مع الأخ رئيس الوزراء بحضور كل من نائب رئيس الوزراء وزير التخطيط والتعاون الدولي، ووزير المالية، ووزير الصناعة والتجارة، وعقد اللقاء المطلوب، حيث عرض الأخ المحافظ التطورات السابقة، ورؤية البنك المركزي لها، والبدائل المتاحة أمام البنك المركزي. وقد أقر في خلال الاجتماع وقف سياسة النافذة المفتوحة لتلبية طلبات كل البنوك لشراء الدولار والعودة إلى انتهاج السياسة السابقة بالنسبة لسعر الصرف، والقيام بالتدخل في السوق كلما استدعت الحاجة لذلك، وبما يكفل عدم الدفاع عن سعر صرف محدد وترك ذلك لقوى السوق. وقد قام البنك المركزي على إثر ذلك ببيع الدولار للبنوك عن طريق المزاد في 16 يونيو ولم يتم إشراك شركات الصرافة في هذا المزاد على أساس أن طلباتهم، لمواجهة احتياجات زبائنهم النقدية اليومية سيتم تلبيتها من خلال البنوك وكذا من خلال متحصلات الصرافين اليومية، وقد بلغت قيمة المطلبات المقدمة من البنوك حوالي 174 مليون دولار تراوحت أسعارها بين 22.62-200.45 ريال، وحدد البنك المركزي سعر القطع عند 200.60 ريالاً حيث أن هذا السعر كان يمثل سعر السوق، وبلغت المبالغ التي باعها المركزي عند هذا السعر مبلغ 38 مليون دولار. وبما أن كثيراً من طلبات البنوك لم يتم تلبيتها في البيع السابق، حيث قدمت تلك البنوك أسعارا متدنية عن سعر السوق، انهالت على البنك المركزي طلبات من البنوك لضرورة تلبية التزاماتهم الخارجية، حيث لم تتمكن تلك البنوك من تغطية تلك الالتزامات من خلال السوق. ولهذا قام البنك المركزي ببيع الدولار في مزاد يوم 27 يونيو، وبلغت طلبات البنوك في ذلك المزاد 257 مليون ريال، وتراوحت الأسعار بين 201.65-201 ريال وحدد سعر القطع عند 201.20 ريال وبلغ إجمالي الطلب عند هذا السعر 234 مليون دولار. ونظرا لكون المبلغ كبيراً جدا فقد قررت لجنة التدخل أن تبيع 50% من هذا الطلب أي بيع مبلغ 117 مليون دولار. وبلغ إجمالي ما باعه البنك خلال المزادين 155 مليون دولار، وهذا المبلغ يفوق كثيرا ما باعه البنك المركزي للبنوك في المتوسط الشهري خلال الفترة يناير -مايو 2009م، وقد قابلت البنوك التدخل الأخير بالرضا. إلا أن البنك المركزي فوجئ في اليوم التالي بشكوى البنوك أن الصرافين قاموا برفع سعر الصرف إلى 205 ريالات للدولار وأن هناك هلعاً في السوق من أن سعر الدولار سيرتفع كثيرا، خاصة مع امتناع البنوك التجارية البيع للصرافين أو حتى لزبائنهم، وكذا امتناع الصرافين للبيع لعملائهم، بافتراضهم أن المركزي لن يقوم بالبيع إلا مرة واحدة شهريا وكالعادة، وتخوفا من ارتفاع سعر الصرف للدولار كثيرا تسبب ذلك في الطلب الكبير على الدولار. وبغرض التغلب على مشكلة القلق الموجودة في سوق الصرف، اضطر البنك المركزي إلى التدخل في تاريخ 30 يونيو. وبلغ حجم طلبات المزاد حوالي 260 مليون دولار تراوحت أسعارها بين 204.5-203.5 ريال للدولار. وقد استوعب البنك المركزي كافة الطلبات في المزاد وأعلن عن نتائج ذلك، وأيضا قام بالإعلان أنه سيقوم بالتدخل في اليوم التالي وسيتم إشراك شركات الصرافة في عملية المزاد لتمكينهم من مواجهة طلبات زبائنهم. وعلى إثر هذا الإعلان انخفضت الأسعار مباشرة في السوق إلى 202-203 ريال للدولار. وفي اليوم التالي، وتنفيذا لما أعلن عنه البنك المركزي، تم الإعلان عن قيام البنك المركزي بالبيع وتم استلام طلبات المزاد حيث بلغت 67 مليون دولار تراوحت أسعارها بين 203.15-201 ريال للدولار، وبلغت طلبات الصرافين منها حوالي 19 مليون ريال. وفي ضوء تلك الطلبات والأسعار، حدد سعر القطع على أساس 202 ريال وبلغ إجمالي المبلغ المباع عند ذلك السعر 56 مليون دولار. وبذا يكون إجمالي مبيعات الدولار خلال شهر يونيو حوالي 470 مليون دولار، وهذا بالتأكيد مبلغ كبير لشهر واحد ويمثل طلبات البنوك لعملائها لفترات قادمة. واستطاع البنك المركزي احتواء الضغط الكبير في الطلبات على الدولار واستقرت أسعار الصرف في إطار ذلك وأصبح سعر اليوم في حدود 202.3-203.3 ريالاً للدولار. برجاء الإطلاع والإحاطة. وتقبلوا خالص التحية * محمد عوض بن همام نائب المحافظ