باتت صورة اليمن أكثر قتامة في التقارير الدولية خاصة مع تزايد حالة الانفلات الأمني وتفاقم الاحتقان السياسي وتردي الوضع الاقتصادي وضعف هيبة الدولة ومن ذلك ما تضمنه تقرير صادر عن بيت الحرية الأمريكية وآخر صادر عن معهد الشرق الأوسط في موسكو . التقرير الصادر عن منظمة "فريدوم هاوس الأمريكية" (بيت الحرية) عن تقييم الحقوق السياسية والحريات المدنية 2010م، قال : إن ما تحقق من خطوات إيجابية في اليمن تجاه الديمقراطية قد اختفت نتيجة للعدد الكبير من الأزمات وعدم قدرة الحكومة على التعامل معها ، مؤكدا في السياق ذاته بأن أعمال التمرد والفساد والإخفاقات في الحكم أدت إلى تضاؤل شرعية الدولة اليمنية. وطالب الحكومة بسرعة تبني مقترحات الاتحاد الأوربي بشأن إصلاح النظام الانتخابي، للخروج من دوامة الأزمات التي أصبح من الصعب السيطرة عليها. وأشار إلى أن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في اليمن فاقمت من الاضطراب السياسي الموجود في البلد، مما جعل من آمال التنمية الديمقراطية في البلاد غير جديرة بالثقة. التقرير الذي عنون ب "دول على مفترق طرق" اتهم السلطات اليمنية باستخدام أساليب تعسفية ومُهينة لمواجهة الاضطرابات المدنية، مؤكداً بان اليمن بين أكثر الدول من أصل 32 دولة تقمع الحريات المدنية. وتؤكد "فريدوم هاوس" - التي تتخذ من واشنطن مقراً لها - بأن الحريات الديمقراطية تخضع لضغوطات شديدة في ثمان دول منها 5 عربية وهي (اليمن والسعودية والبحرين والأردن ولبنان). وقالت في تقريرها السنوي 2010"، غالباً ما تغفل دول الشرق الأوسط ومنها اليمن حقوق الأقلية وحقوق المرأة ووجود حكومة مسئولة، فضلاً عن أن بعضاً من هذه الدول تستخدم أساليب مختلفة لقمع الحريات السياسية". وعزت أسباب ذلك إلى عدم وجود انتخابات حرة ونزيهة وغموض في عملية صنع القرار السياسي وانعدام المساءلة على انتهاكات حقوق الإنسان وانتشار التمييز العرقي والديني ، وكل هذه العوامل أدت إلى حالة من الضعف العام في أداء عدد من دول الشرق الأوسط ومنها اليمن وفقاً للتقرير. وأكد بأن المحسوبية وتفشي ظاهرة الفساد في اليمن من العوامل الأساسية التي عززت ثقافة القبيلة في اليمن واستمرار سلطة الفرد لأكثر من 30 عاما. وفيما أكدت "هاوس" بأن الفساد والرشوة في اليمن ما زالا أكثر من ذي قبل، اعتبرت التراجع الحاد في أسعار النفط في العام 2008، إضافة إلى تضاؤل الاحتياطات النفطية، من العوامل التي حفزت المسئولين بشكل أكبر لإثراء أنفسهم سريعا في قطاع يجلب90 بالمائة من صادرات الدولة و70 بالمائة من إيرادات الحكومة. وأكد التقرير الأمريكي بأن المحسوبية أيضا مشكلة خطيرة في اليمن"، حيث أن أقارب النخبة السياسية يتمتعون بمزايا غير عادلة فيما يخص التوظيف"، وهو ما يتجلى بوضوح في القوات المسلحة، حيث يسيطر أقارب وأصدقاء الرئيس على هيكلية القيادة العسكرية، وما يشاهد أيضا في البرلمان، حيث يرث الأبناء والإخوة ما يعتبرونه مقاعد عائلية". وقال "إن الرئيس على عبد الله صالح" قام بالسيطرة على مختلف قوات الأمن بتعيين أفراد أسرته وحلفائه في المناصب العليا. "مشيرا إلى انه لا ينظر إلى القاعدة كخطر على وجوده بالطريقة التي ينظر بها إلى صعدة والدعوات الانفصالية في الجنوب. ويؤكد التقرير بأن هيئة مكافحة الفساد وجهاز الرقابة والمحاسبة لا يمتلكان تأثيراً كافياً على المسئولين الحكوميين، وأن أي إجراءات قانونية متبعة تتعرض للتلاعب، مما ينتج عنها عدد من البراءات والأحكام الخفيفة و"على الرغم من إجراء عدة تحقيقات، لكنه لم يتمخض عنها إدانات كبيرة". ووصفت "بيت الحرية" نظام الضرائب في اليمن ب"الفاسد وغير الفعال ويساء استخدامه". وقالت: "في الأعوام الأخيرة، ضغط البرلمان من أجل شفافية أكبر في الحسابات العامة لعائدات النفط، لكن مثل هذه الدعوات تحولت إلى صراع سياسي داخل البرلمان". وفيما وصفت عملية منح العقود الحكومية في الصناعة النفطية ب"الغامضة"، أكدت المنظمة في تقريرها بأن الاتفاقيات تمنح كمكافئات سياسية لشخصيات مهمة، وهو ما اعتبرته أسوأ أنواع الفساد، حيث يطلب المسئولون الرشاوي والعمولات كشرط مسبق لمنح العقود. وعن الإجراءات الحسابية للمساعدات الخارجية، قال التقرير الأمريكي بأنها ما تزال لا تتلاءم مع أدنى حد من المعايير الدولية. وفيما يتعلق بالحريات المدنية في اليمن، اتهم التقرير الأمريكي الأجهزة الأمنية بممارسة أعمال قتل وإخفاء قسري واعتقالات عشوائية في الأعوام الأخيرة خارج القضاء، من دون أن تتعرض للمساءلة، متهماً في السياق ذاته من وصفهم بعملاء الدولة بسجن مئات من الصحفيين وسياسيي المعارضة والعمال "في وقت يبقى التعذيب قائما والوحشية متفشية" ووجهت "هاوس" انتقادات كبيرة للحكومة اليمنية لفشلها في حماية حقوق الفتيات، والحد من ظاهرة تهريبهن، وإيقاف الإنتهاكات التي تطال الناشطات الحقوقيات من قبل قوات الأمن. مشيرة إلى أن اليمن أصبحت بلداً رئيسياً في تهريب البشر، وعلى وجه الخصوص الأطفال عبر الحدود مع السعودية للقيام بأعمال شاقة. كما اتهم التقرير الإمريكي السلطة التنفيذية في اليمن بممارسة التأثير بشكل كبير على القضاء رغم أن الدستور يكفل استقلاليته. "فالمرشحون للمناصب العليا يتم اختيارهم من قبل الرئيس، إضافة إلى أن وزير العدل ونائبه ما يزالان يحتفظان بدور أساسي في مجلس القضاء الأعلى الذي يعين بقية أعضائه بشكل مباشر أو غير مباشر من قبل الرئيس". وأكد بأن الامتثال للقرارات القضائية في تناقض، وعلى وجه الخصوص عندما لا تكون الأحكام المواتية محببة لقادة قبليين أو سياسيين بارزين، مؤكدا بأن إضعاف الهيئة القضائية يتم عن طريق ميل الرئيس للتحايل على المحاكم بغرض تحقيق مكاسب سياسية أو تعديل أو تحجيم الأحكام وفقا لاتفاقيات خاصة أو شخصية، مؤكدا بأن ترقيات العاملين في القضاء اليمني تعتمد على نظام معقد من المحاباة والمحسوبية أكثر منها إلى الجدارة، وهو شكل مشابه لما يحدث في الخدمة المدنية بشكل عام. معتبرا في السياق ذاته مثل هذه الاتفاقيات الخارجة عن نطاق القانون ومقدرة الرئيس على العفو تستخدم لإضعاف الخصوم. وفيما أكد التقرير بأن كثيراً من القضاة اليمنيين غير مؤهلين، قال بأن علاقات القاضي الاجتماعية والقبلية، والرشاوي تؤثر أحيانا على القرارات، إضافة إلى التعرض للضغوط من شخصيات سياسية أو دينية ذات نفوذ، مشيرا إلى ان القوانين القبلية والعرفية ما زالت تمارس في معظم المناطق الريفية، سواء في القضايا الجنائية أو المدنية. من جهة أخرى رسمت دراسة روسية صدرت حديثًا عن معهد الشرق الأوسط في موسكو، صورة متشائمة لاحتمالات التطورات المقبلة في اليمن، وتوقعت بأن الرئيس علي عبد اللة صالح سيضطر للاستقالة إما نتيجة الانتخابات التي تطالب بها المعارضة، أو لاندلاع الاضطرابات وفق السيناريو القيرغيزي. وقالت الدراسة إن عددًا من الخبراء يرصدون مؤشرات على أن الوضع في اليمن سيتفاقم قريبًا بحدة، بفعل المظاهرات الاحتجاجية لأحزاب المعارضة (المشترك)والتي تشهد بوضوح على أن الحوار بين الحكومة والمعارضة وصل إلى طريق مسدود. وبحسب الدراسة فإن القوى المعارضة للرئيس علي عبد الله صالح تطرح من بين شعارات اخرى ضرورة إدخال تعديلات على القانون الانتخابي وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة ، "وبهذه الحالة فإن الرئيس سيجد نفسه "خارج العملية" من دون اي خيار يتيح له نقل مقاليد الحكم لنجله". وهو الهدف الرئيس للرئيس صالح، الذي لا يقدم بسببه على أي حل وسط. وأعادت الدراسة التي أعدها خبير شؤون اليمن بيوتر ريابوف إلى انه سبق الاحتجاجات الجماهيرية المخطط لها من قبل المشترك التوقيع على اتفاقية انضمام الحوثيين لتحالف " اللقاء المشترك"، معربة عن القناعة بأن هذا القرار لم يكن محض صدفة. فقد كان موقع الحزب الاشتراكي على الانترنت هو الوسيلة الإعلامية الوحيدة في البلاد التي خصصت مكانًا خاصًّا لمواد جماعة الحوثيين. وتقول: "يرتبط بذلك اعتقال عدد من الصحافيين المعارضين ". ولفتت الى أن أحدًا لم يسمع ولم ير من منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان الغربية ردود فعل "غاضبة" بهذا الصدد، وقالت ان السلوك العام "للغربيين" يعكس رغبتهم بعدم ملاحظة "اللحظات المنزلقة" من اجل شد أزر القوى المركزية التي بمقدورها منع البلد من الانزلاق في الفوضى وتقوية مواقع الحركات الإسلامية الراديكالية. وحسب الدراسة فتعد هذه السياسة إجراء اضطرارياً لان الغرب لا يمتلك في الوقت الحاضر القوة للتاثير فعلا على تطور الوضع في اليمن ووفقا لتقديراتها، فإن الحصيلة الطبيعية لموقف "المراقب" هذا، يمكن أن تصبح في نهاية المطاف انهيار كافة البنى الاجتماعية والمؤسسات الاجتماعية في البلد في القريب العاجل. وفيما أشارت الدراسة إلى أن الظروف الحالية قد ترغم الرئيس على الاستقالة أو الهرب إذا ما استغلتها المعارضة المتحالفة مع حركة الحوثيين ، أكدت أن هناك مخاوف في المنطقة وفي حلف الناتو من رحيل صالح عن السلطة. "فليس ثمة ضمانات من أن "اللقاء المشترك" لن "يختنق بالكعكة" التي سيحصل عليها، إذ يجب أن نأخذ في الاعتبار أن جبهة المعارضة ستكون موحدة وغير منقسمة ما دام الرئيس صالح في صنعاء يشغل منصب الرئيس. غير أنه في حال رحيله مضطرًا فستختفي الفكرة المشتركة التي يلتف المعارضون حولها في الوقت الحالي، وستبدأ "عملية فرز حسابات داخلية وتصفيتها". وهذا ما يثير مخاوف الولاياتالمتحدة والدول المجاورة، فليس هناك زعيم كارزمي يتمتع بنفوذ لدى كافة القوى السياسية. وبحسب الدراسة فإن عمل الرئيس علي عبد الله صالح على مدى سنوات طويلة الرامي لتطهير الأفق السياسي قد حقق هدفه وحتّم توجه الوضع نحو فوضى داخلية لفترة طويلة قادمة ، مؤكدة أن تردي الحالة الاقتصادية تعمل على تفاقم هذه النزعات، ولا سيما أنّ المساعدات التي وعدت بها بعض الدول لليمن لنزع فتيل التوتر الاجتماعي ما زالت حبرًا على ورق. وهناك سبب آخر يدفع اللاعبين الرئيسيين لمنع التغيرات في اليمن، تتمل بخطر تكثيف " القاعدة" من نشاطها في شبه الجزيرة العربية، والتي يلعب الرئيس صالح بشدة على ورقتها، على حد تقديرات الدراسة.