باتت السلطة في حالة هيجان حادة إزاء كل موقف أو رأي مناهض لتوجهاتها وهو ما يبدو واضحاً من خلال ردود أفعالها المتشنجة تجاه معارضيها سواء كانوا أحزاباً أو أفراد. الأسبوع الجاري هاجمت صحيفة الثورة الرسمية الرئيس علي ناصر محمد بشدة، ووصفته ب«المتلون كالحرباء» وذلك رداً على تصريحات أدلى بها بشأن الانتخابات النيابية المقبلة قائلاً "إنها محكومة بالتزوير سلفاً". كما اقتحمت قوات الأمن منزل القيادي في الحزب الاشتراكي محمد غالب أحمد لتصدر النيابة الجزائية بحقه أمراً بتمديد بقائه في السجن لسبعة أيام على ذمة تصريحات للمطلوب أمنياً "طماح" أدعى فيها أن المشترك مول الحراك عبر محمد غالب أحمد بعشرة ملايين ريال للقيام بأعمال تخريبية لإفشال خليجي عشرين" وهو ما نفاه "غالب" معيداً اعتقاله الحقيقي إلى تصريحاته الأخيرة بشأن موقف الحزب الاشتراكي من غزو العراق للكويت . وفي لقطة بالصفحة الأخيرة للجريدة الرسمية الصادرة الجمعة المنصرمة قالت "ليس غريباً أن يطل علينا ذلك «المتلون» ليظل يظهر كل يوم بقناع جديد من أقنعة الزيف كما تفعل الحرباء، متدثراً بثوب الفضيلة ومرتدياً قناع الديمقراطية في حين أن الذي اشتهر بوصفه منظر «الراديكالية الشمولية» والذي لم يتعاون مع خصومه ومن خالفه الرأي بغير لغة الدم والموت والغدر". وأضافت "الغريب والعجيب في آن هو أن يتقمص ذلك المصاب بداء الظهور الإعلامي دوراً أكبر منه وأكثر من ثقافته وأكبر مما يحمله في رأسه، متبجحاً بأن الانتخابات النيابية القادمة حتى قبل أن تجرى ستكون مزورة". وأبدت الصحيفة استغرابها مما استنتجه علي ناصر بشأن تزوير الانتخابات سلفاً، قائلة "وﻻ ندري كيف أمكن لمثله الوصول إلى هذا الاستنتاج وهو الذي لم يترك بقعة ضوء في تاريخه إلا ولطخها، بل وكيف لمثله وهو الذي لا يعرف عن الديمقراطية شيئاً أن يخرج بمثل ذلك الاستنتاج". واتهمته بالفشل "في تقديم نفسه للآخرين حتى كسياسي مبتدئ، ولو كان يعلم شيئاً عن الديمقراطية لأدرك تماماً أن الشعب اليمني هو من الوعي والفهم بما يجعله قادراً على حماية حقه الديمقراطي من أية تجاوزات وأنه ليس بحاجة لمن يعلمه كيف يمارس حقه الانتخابي ويحمي إرادته الحرة". ورداً على تأكيد الرئيس علي ناصر بأن الجنوبيين سيقاطعون الانتخابات المقبلة، قالت جريدة الثورة "لو كان ذلك المتبجح يفهم شيئاً في السياسة لاستوعب أن الرهان على بعض القتلة واللصوص وقطاع الطرق في بعض شوارع الحبيلين لإفشال الانتخابات رهان خاسر وهو مثل "عشم إبليس في الجنة". ودعت علي ناصر "وأمثاله ممن يعيشون على هامش التاريخ وخارج الجاهزية الذهنية أن يتعظوا من دروس أفعالهم وتفكيرهم الأهوج، وليس ما جرى في خليجي20 إلا أسطع دليل كان عليهم أن يتعلموا منه". وكان الرئيس الجنوبي الأسبق علي ناصر محمد قد أعرب عن قناعته بأن الجنوب اليمني سيقاطع الانتخابات البرلمانية المقبلة سواءً مضى بها الحزب الحاكم (المؤتمر) وأحزاب المعارضة (المشترك) أم لم يمضوا. وجزم ناصر بأن الانتخابات المرتقبة "محكومة بالتزوير" سلفاً، واعتبر أن الأيام القادمة "ستضع المعارضة اليمنية أمام اختبار هام" خاصة بعد تبنّيهم خيار تحريك الشارع اليمني، ونوّه إلى أهمية دور المجتمع الدولي والإقليمي في معالجة الأزمة اليمنية.. وحول جدّية أحزاب المشترك في مقاطعة الانتخابات البرلمانية المرتقب إجراؤها في إبريل المقبل، قال ناصر في تصريح خاص لوكالة (آكي) الإيطالية للأنباء "أعتقد أن لدى أحزاب اللقاء المشترك تجربة كبيرة مع الحزب الحاكم وخاصة فيما يتعلق بالاستحقاقات الانتخابية والاتفاقات السياسية في هذا الخصوص، وعلى ضوء هذه التجربة يفترض أن يقرروا القرار المناسب الذي نأمل أن يتوافق مع ما يطرحوه من شعارات وبرامج سياسية، لاسيما أنهم في وقت سابق كانوا قد وضعوا اليد على الجرح وقاموا بتشخيص جيد للأزمة اليمنية التي نعتقد بأنها أزمة سياسية بامتياز، وكانوا قد دعوا إلى الحوار الوطني الشامل، وكانت تلك الخطوة في الاتجاه الصحيح، غير أنها تعثرت لأسباب نجهلها" على حد تعبيره.. وأضاف الرئيس ناصر المقيم في دمشق "لقد توصل المشترك ولجنة الحوار الوطني مؤخراً إلى اتفاق مبدئي مع الحوثيين كما علمنا، إلا أنهم لم يتمكنوا من استيعاب الحراك الجنوبي وقياداته حتى الآن". وتابع "من هنا فإننا نعتقد بأن الجنوب سيقاطع الانتخابات سواءً مضى بها الحاكم والمشترك أم لم يمضوا، لأن القضية الجنوبية العادلة لا يمكن حجبها بانتخابات محكومة بالتزوير سلفاً ويُقصد منها التمديد للسلطة التي يعاني منها الجميع" وفق قوله. وكانت الانتخابات مقررة في فبراير 2009 ثم أُجلت بعد أن وافقت الحكومة على تنفيذ إصلاحات انتخابية، لكن المعارضة قالت إن مثل هذه التغييرات لم تتحقق بعد، واتهمت الحزب الحاكم بالانفراد بإعادة تشكيل لجنة الانتخابات، وهددت باللجوء إلى الشارع اليمني في حال إصرار الحزب الحاكم على إجراء الانتخابات دون تعديل وإصلاح النظام الانتخابي.. وحول حجم التأييد الشعبي لأحزاب المشترك ومدى تأثيرها في الشارع اليمني فيما لو دعت إلى احتجاجات عامة على خطة الحزب الحاكم إجراء الانتخابات دون استكمال حوار سياسي بشأن الإصلاحات الانتخابية، قال ناصر "إن لكل هذه الأحزاب قواعد شعبية لا يمكن نكران وجودها، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا عن مدى ارتباط وتواصل هذه القواعد عضوياً وسياسياً وفكرياً بقياداتها، وكيف يتم التواصل معهم وتنمية مداركهم السياسية كما هو معروف في أبجديات العمل الحزبي، وبخاصة أن الأزمات الاقتصادية تعصف بالناس وسياسة التجويع والتركيع المتبعة من قبل السلطة فعلت فعلها السلبي في المجتمع، فضلاً عن الأزمة الأخلاقية التي يتم الترويج لها بعدة أساليب وبصورة تبدو كما لو كانت ممنهجة". وأضاف "توعدت المعارضة مؤخراً بهبة غضب شعبية، وأصرّت بعد عروض الرئيس علي عبد الله صالح الأخيرة على خيار تحريك الشارع، وهذا ما سيضعهم أمام اختبار في الأيام القادمة، وقد تعرّض أمين عام التنظيم الناصري الأستاذ سلطان العتواني بسبب هذه المواقف لاعتداء آثم، كما تعرّض قبل ذلك المناضل نايف القانص للاختطاف والضرب" على حد قوله.. وحول احتمال توجيه دعوات لجهات دولية أو عربية لمراقبة الانتخابات قال "إذا ارتأت أحزاب المعارضة المشاركة في الانتخابات فمن الطبيعي أن تدعو لرقابة دولية وعربية بالرغم من أن التجارب أثبتت أن هذه الرقابة لا تغير شيئاً في المعادلات في ظل الأخطاء الواقعة في أصل العملية الانتخابية، ولذلك كانت المعارضة تطالب بنظام القائمة النسبية وبإجراءات أخرى لتحسين المنافسة الأمر الذي رفضه الحاكم، ونحن كنا في أكثر من مناسبة قد دعونا المجتمع الدولي والإقليمي وخاصة دول الخليج باعتبار اليمن عمقاً استراتيجياً لها أن تسهم بفعالية في معالجة الأزمة اليمنية والضغط على سلطة صنعاء باتجاه الكف عن عسكرة الحياة والإفراج عن كافة المعتقلين ووقف الحروب المتنقلة التي أهلكت الحرث والنسل، واللجوء للحوار الوطني الشامل وغير المشروط وبرعاية عربية يتم الاتفاق على مكانه وزمانه، لأن الانتخابات لا تحل مشكلة وربما تكون سبباً في حدوث مضاعفات محتملة لأنها لا تحاكي جوهر الأزمة بقدر ما تهدف إلى إضفاء مشروعية لسلطة فاقدة لها" وفق وصفه.. وفيما إن كانت هناك مؤشرات لإمكانية استجابة الحزب الحاكم لدعوات المعارضة لإجراء حوار مع القوى الانفصالية الجنوبية التي تشتبك مع الحكومة ومع المتمردين الشماليين الذين تحاول الدولة تثبيت هدنة هشة معهم، قال الرئيس ناصر "من خلال متابعتنا للخطاب الذي ألقاه الرئيس صالح في عدن مؤخراً والذي قدم فيه عروضاً مختلفة للمشترك لحمله على المشاركة في الانتخابات منها حكومة وحدة وطنية قبل وبعد الانتخابات، كما قدم فيها بعض المعلومات التاريخية غير الدقيقة، فضلاً عن الاتهامات التي وصلت حد الشتيمة حتى بحق قيادات جنوبية باتت في ذمة الله، كل هذا لا يعطي مؤشراً على عزم الحاكم على التهدئة والحوار مع مختلف فرقاء الأزمة اليمنية وبخاصة الجنوبيين الذين قام بالتعريض بقياداتهم بصورة مباشرة ومعلنة، فضلاً عن تأكيده الصريح لما جاء في وثائق ويكليكس بأنه يراهن على الفتنة وانقسام الجنوبيين". وأضاف "ومع الأسف فإن بعض المدن في المحافظات الجنوبية تتعرض للحصار والقصف وفي مقدمتها مدينة (الحبيلين) في (ردفان) التي انطلقت منها أول شرارة للثورة ضد الاحتلال البريطاني للجنوب" حسب قوله.. وختم الرئيس علي ناصر محمد تصريحه الذي أغضب السلطة بتوجيه دعوة للجنوبيين " للاصطفاف السياسي والجماهيري لمقاطعة الانتخابات، والعمل الجاد نحو توحيد الموقف السياسي في الداخل قبل الخارج، والتمسك بالنضال السلمي حتى تحقيق الأهداف المرجوة ونيل الحقوق المشروعة" على حد تعبيره. وعلى مستوى الحراك فإن الصراع يتواصل في أوساط قياداته والذي يدور حالياً حول أسماء تمثيل الحراك الجنوبي والتي تعد امتداداً لتعدد كياناته. منذ أشهر ماضية والحراك رهن أزمة داخلية تعصف بكياناته المنقسمة وتكاد تطيح بما رسخه -منذ انطلاقته منتصف 2007- في أذهان الجنوبيين حول ضرورة الانتصار للقضية الجنوبية. لقد انفجرت شرارة الانقسامات من يافع حيث التقى قادة فصائل وأعلنوا تقرير مستقبل الحراك من خلال ثلاثة قرارات، تتضمن توسيع المجلس الأعلى للحراك عبر هيئة تنفيذية من 36 عضواً وجمعية وطنية (برلمان) من 301 عضو إضافة إلى التوقيع على برنامج الحراك السياسي ونظامه الداخلي وميثاق الشرف الوطني. ردود أفعال هذا اللقاء ظلت متواصلة ومعظمها انعكست ضد ما صدر عنه وذهب المعترضون عليه إلى القول إن قراراته صدرت عن جهة لم تعرف بنفسها فضلاً عن كونها انتحلت تسمية "المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب" في الوقت الذي نصبت أشخاصاً بدلاً لرؤساء فروع المجلس في محافظات الجنوب. كما أشعرت آخرين ممن لم تستبدلهم برفع قوائم تتضمن أسماء أعضاء الهيئة التنفيذية والجمعية الوطنية مع أنهم لم يبلغوا بالاجتماع في يافع. المؤيدون لبيان يافع في المحافظات الجنوبية تعرضوا لعقوبات من قبل الكيانات التي ينتمون لها ومن ذلك أن أعلن مجلس الحراك السلمي في محافظة الضالع تعليق عضوية كل من القياديين شلال علي شايع وعبد الله احمد حسن من رئاسة المجلس بالمحافظة رداً على موقفهما المؤيد لبيان يافع. شلال وفي أول رد فعل له لم يقر بالقرار وقال إنه ليس له أساس من الصحة وأنه لا يمثل إلا أصحابه. ورفض شلال الانصياع إلى استمرار العاصفة التي أدت إلى انقسامات عميقة بالمجلس الأعلى للحراك السلمي الجنوبي. وتوسع هذا الانشقاق بين قيادات الحركة الاحتجاجية الشعبية في محافظات الجنوب في أعقاب لقاء يافع الذي عقد يوم 28 نوفمبر الماضي، واتخذ قرارات أقصت قادة آخرين في قلب الحراك نفسه منذ إشهار كيانه قبل أكثر من 4 سنوات. يذكر أن لقاء يافع عقد بتأييد من علي سالم البيض وطارق الفضلي، بينما أقصى قيادات بارزة في الحراك مثل صلاح الشنفرة وآخرين. ويؤجج القرار وموقف شلال على ما يبدو حدة الشتات والانقسام بين قيادات مجلس الحراك الجنوبي. ويشير مراقبون محليون إلى أن خلاف قيادات المجلس الأعلى للحراك السلمي الجنوبي المنادي علنا بعودة الدولة الجنوبية السابقة سيدخل جميع الأطراف في صراع محموم لن يكون في صالح مطالبه. ونقل "المصدر أونلاين" عن مصدر مطلع لقرار مجلس الحراك في الضالع قوله إن خطوة تعليق عضوية شلال وحسن جاءت تنفيذا للقرارات الصادرة عن اجتماع المجلس الخميس الماضي. وصادق الاجتماع الدوري لحراك الضالع المنعقد أواخر الأسبوع الماضي على قرار المجلس تكليف النائب الأول لرئيس المجلس بالمحافظة عبد الله مهدي سعيد رئيسا لمجلس الحراك السلمي لتحرير الجنوب- محافظة الضالع بينما حدد شهر يناير القادم تنظيم المؤتمر الوطني للحراك. وأوضح بيان مجلس الحراك السلمي بمحافظة الضالع "إن الاجتماع وقف أمام مختلف القضايا والتطورات التي يشهدها الجنوب بشكل عام والحراك الجنوبي في ظل المساعي المحمومة والعدوانية التي تقوم بها سلطة صنعاء ضد أبناء شعب الجنوب وقاعدته الجماهيرية من خلال تعرضه لأشد المخاطر والتحديات والعوائق التي تنبثق من كل حدب وصوب ومن مختلف الجوانب والاتجاهات حوله، ومن داخله في هذا الظرف العصيب والخطير, وفي المقدمة منها الموقف الحاسم من الإخوة المنشقين عن مجلس الحراك بالمحافظة".مشيراً إلى استعراض عملية الإعداد والتحضير لعقد المؤتمر الوطني العام للحراك المزمع عقده خلال شهر يناير 2011م والذي سيركز على "لملمة الصف الجنوبي ورأب الصدع".