بات من الواضح أن ثورة الشباب تخوض مواجهة حادة على مسارين الأول لتحقيق هدف الدولة المدنية الحديثة الذي انطلقت من أجله والثاني مواجهة القوى التقليدية المنظمة إليها وباتت تعمل من الداخل لإجهاض روح هذه الثورة. يدرك شباب الثورة أن المبادرات والحوارات لا يمكن أن تلبي حتى ولو جزءاً من مطالبهم ،لذا أغلقوا هذا الباب برفض أي مبادرة بما فيها المبادرة الخليجية الأخيرة التي رحبت بها السلطة والمشترك وأظهرت كما لو أن الأزمة سياسية بين الرئيس والمعارضة فقط وليست ثورة شعب ضد نظام مستبد وهو ما عد تجاوزاً للشباب في الساحات ومحاولة لإجهاض ثورتهم. بعد رفض المعارضة لمبادرة الخليج الثانية وتمسكهم بالمبادرة الأولى وذلك على عكس النظام الذي رفض المبادرة الأولى ورحب بالثانية ، تقدمت دول مجلس التعاون الخليجي بمبادرة ثالثة اعتبرت توفيقية نوعاً ما بين المبادرتين السابقتين وقد قوبلت بطريقة أفضل من التي قوبلت بها المبادرتان السابقتان، فالسلطة التي رحبت بها اشترطت عدم تناقضها مع الدستور في حين المشترك جاء ترحيبه بالمبادرة مقروناً ببعض التحفظات، أما الشباب في ساحات الاعتصامات فقد عبروا صراحة عن رفضها كونها لاتلبي مطلبهم في الرحيل الفوري للنظام. الرؤية الخليجية الأخيرة التي سلمها أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني لرئيس الجمهورية وتكتل اللقاء المشترك أواخر الأسبوع الفائت حملت ذات المبادئ الأساسية الخمسة التي تضمنتها المبادرة الثانية وعشر خطوات تنفيذية تغيرت عما كانت عليه في المبادرة الثانية من حيث النص والعدد. وتتضمن الرؤية تسليم الرئيس علي عبدالله صالح السلطة بعد 30 يوماً من توقيع الاتفاق مع المشترك عبر تقديم استقالته إلى مجلس النواب ويصبح نائب الرئيس هو الرئيس بالإنابة وفقا للدستور على أن يمنح الرئيس ضمانات لعدم محاكمته وملاحقته هو وأفراد أسرته أو مساعديه ورجاله في السلطة . وعلى ما يبدو فقد تخلصت دول مجلس التعاون الخليجي من موضوع كفالتها الضمانات بعدم المحاكمة للنظام الحالي بفرضها كقانون توافق عليه المعارضة ويصادق عليه مجلس النواب. الاتفاق الذي تراه دول الخليج حلاً للأزمة ركز على خمسة مبادئ أساسية تتمثل في أن يؤدي إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره وأن يلبي طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح وأن يتم انتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة تجنب اليمن الانزلاق إلى الفوضى والعنف ضمن توافق وطني ، فضلاً عن أن تلتزم كافة الأطراف بإزالة عناصر التوتر سياسيا وامنيا ووقف كل أشكال الانتقام والمتابعة والملاحقة من خلال ضمانات وتعهدات تعطى لهذا الغرض. وبالنسبة للخطوات التنفيذية لهذا الاتفاق فتقول المبادرة إنه "منذ اليوم الأول للاتفاق يكلف رئيس الجمهورية المعارضة بتشكيل حكومة وفاق وطني بنسبة50٪ لكل طرف على أن تشكل الحكومة خلال مدة لا تزيد عن سبعة أيام من تاريخ التكليف.وهو ما تحفظ عليه المشترك. وتضيف "تبدأ الحكومة المشكلة بتوفير الأجواء المناسبة لتحقيق الوفاق الوطني وإزالة عناصر التوتر سياسيا وامنيا.من خلال رفع الاعتصامات وإيقاف كل مظاهر الاحتجاجات وهو ما لن يكون في قدرة المعارضة فرضه على الشباب المعتصمين في حالة موافقتها على المبادرة . وينص البند الثالث من الاتفاق على أنه "في اليوم التاسع والعشرين من بداية الاتفاق يقر مجلس النواب بما فيهم المعارضة القوانين التي تمنح الحصانة ضد الملاحقة القانونية والقضائية للرئيس ومن عملوا معه خلال فترة حكمه وفي اليوم الثلاثين من بداية الاتفاق وبعد إقرار مجلس النواب بما فيهم المعارضة لقانون الضمانات يقدم الرئيس استقالته إلى مجلس النواب ويصبح نائب الرئيس هو الرئيس الشرعي بالإنابة بعد مصادقة مجلس النواب على استقالة الرئيس. بعدها يدعو الرئيس بالإنابة إلى انتخابات رئاسية في غضون ستين يوما بموجب الدستور. - يشكل الرئيس الجديد ((المنتخب)) لجنة دستورية للإشراف على إعداد دستور جديد. وفي أعقاب اكتمال الدستور الجديد ،يتم عرضه على استفتاء شعبي. - في حالة إجازة الدستور في الاستفتاء يتم وضع جدول زمني لانتخابات برلمانية جديدة بموجب أحكام الدستور الجديد. - في أعقاب الانتخابات يطلب الرئيس من رئيس الحزب الفائز بأكبر عدد من الأصوات تشكيل الحكومة. ويؤكد البند الأخير من مسودة الاتفاق الضمانة الإقليمية والدولية لتنفيذ الاتفاق:" تكون دول مجلس التعاون والولاياتالمتحدة الأميركية والاتحاد الأوربي شهودا على تنفيذ هذا الاتفاق". وبحسب المراقبين فقد جاءت هذه المبادرة توفيقية بين المبادرة الأولى والثانية، وما جاء في الجدول الزمني الذي كان السفير الأمريكي قد توافق عليه مع قيادة المؤتمر ثم انقلب عليه الرئيس السبت قبل الماضي. وفيما جاء ترحيب المشترك بالمبادرة متأخراً، كان القيادي فيه عبدالملك المخلافي قد سبقه بقراءة تحليلية للمبادرة ضمنها عدداً من المآخذ، منها أن "المبادرة لا تتضمن الرحيل الفوري وإنما تتضمن فترة شهر يبقى فيها الرئيس صالح في السلطة وهو الذي يكلف المعارضة بتشكيل الحكومة وسيكون طرفا في تشكيلها بصفته رئيساً للجمهورية وبصفته رئيساً للمؤتمر الشريك في الحكومة ب50٪ ومشرفا على عملها بصفته رئيسا"مشيراً إلى أن المعارضة كانت قد رفضت عرضا كهذا قبل الثورة لأسباب لازالت باقية حتى ولو جاءت هذه الحكومة في إطار اتفاق كامل يتضمن استقالة الرئيس بعد شهر. وقال المخلافي " اشتراط الاتفاق أن تبدأ الحكومة المشكلة فورا بتوفير الأجواء المناسبة لتحقيق الوفاق الوطني وإزالة عناصر التوتر سياسيا وامنيا وهو ما يعني فيما يعنيه ان تتولى الحكومة التي ترأسها المعارضة رفع الاعتصامات وبالإضافة إلى أنه لا يمتلك احد بما فيه المشترك الموافقة علي ذلك وإسقاط حق شرعي فإن ذلك هو مطلب النظام في إنهاء الثورة قبل أن تحقق أي هدف من أهدافها بما في ذلك رحيل الرئيس" متسائلاً عن ما هي الضمانات لتنفيذ رحيل الرئيس خاصة ان الهدف الرئيسي لصالح هو إنهاء الاعتصامات للبقاء في الحكم، فإذا أضفنا الى ذلك ما هو معروف عن النظام من التفاف على كل الاتفاقات والتنصل من كل التزام بعد ان تنتهي الضغوط عليه وينجح في تفريق الصفوف فإننا نكون أمام فخ ينصب للمعارضة لتصطدم بالشارع ولتقوم بإنهاء الثورة لصالح النظام مقابل التزام بعد شهر بالاستقالة ..وبالتأكيد غير مقبول القول إن هذه الخطوة متصلة بقضايا أخرى ولا تشمل الاعتصامات لان عدم وضوح النص سيكون تفسيره لصالح النظام أو أن يتخذ من الخلاف حوله مدخلا لتعطيل بقية بنود الاتفاق وتحميل المعارضة المسؤولية. وبحسب المخلافي فإن" تشكيل الحكومة برئاسة المعارضة ومشاركة المشترك فيها من قبل الرئيس قبل تنحيه كما تطرح المبادرة له مخاطر كثيرة قد تؤدي إلى خلافات يستغلها النظام للوقيعة بين المعارضة وبقية فئات الثورة الشعبية وخاصة الشباب وتصوير المعارضة على عكس موقفها أن هدفها هو المشاركة في الحكومة ". وأضاف "إن التوقع الأكبر هو ان يذهب صالح إلى مجلس النواب الفاقد أصلا للشرعية والذي لن يكون شرعيا بكل المعايير بعد 27ابريل-اليوم الاربعاء- ومطلوب من المعارضة بموجب الاتفاق ان تمنح هذا المجلس الشرعية بالمشاركة في حضور جلساته بعد ان انسحبت منه ..ووفقا للخطوات الثالثة والرابعة من الاتفاق يذهب صالح ليقدم استقالته ويرفض 151 نائبا وهو الحد الأدنى قبول الاستقالة حسب المادة 115 من الدستور فيتمسك صالح بذلك ويقول إن المؤسسة الدستورية الشرعية المنتخبة الممثلة للشعب والأغلبية وبحضور الجميع رفضت الاستقالة وجددت البيعة له وأنه متمسك بذلك وليس من حق الدول الخارجية ان تتدخل لتنقلب على المؤسسات الدستورية وإرادة الشعب". وبالطبع فقد جاء الموقف النهائي للمشترك متسقاً مع المخاوف المثارة حول المبادرة ، حيث رحب بها على أن يتم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية فور تقديم الرئيس استقالته , وتولي نائب الرئيس مهام الرئاسة. من جانبه أعلن المؤتمر الشعبي العام قبوله بالمبادرة الخليجية وتسليم موافقته وبشكل رسمي لأمين عام مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزياني من قبل وزير الخارجية الدكتور ابوبكر القربي . وكان الرئيس صالح أكد الجمعة الفائتة أنه سيتم التعامل الإيجابي مع مضمون المبادرة ولكن وفقاً للدستور ، ما يعني تمسكه ببقائه رئيساً حتى نهاية ولايته الرئاسية في 2013. بل إنه زاد على ذلك -في كلمة أمام قيادات وضباط وطلاب الكليات العسكرية والحربية في صنعاء- تأكيد "تمسكه بالخروج من السلطة عن طريق صناديق الاقتراع". وأضاف"هذه بلدنا لا يجوز لأحد أن يتحدث عن رحيل. نعم نرحل عن السلطة، لكن عبر صندوق الاقتراع وليس عبر الانقلاب، ومن يريد السلطة عليه أن يمتلك شجاعة أدبية ويطالب بانتخابات مبكرة سواء رئاسية أم نيابية، وهذا ما يكفله دستور اليمن، وليس عبر ديمقراطية الفوضى الخلاقة ولا عبر ثقافة الحقد والكراهية". وتابع "أحزاب اللقاء المشترك يريدون القفز على الواقع وتجاوز الديموقراطية والتعددية السياسية وانتهاك الدستور والقانون، رافضين صناديق الاقتراع وخيارات الشعب، وخياراتهم هي الخيارات التخريبية والانقلابية والخروج عن النظام والقانون". ورغم الملايين الذين يخرجون في العاصمة صنعاء وبقية محافظات اليمن للمطالبة برحيل النظام ، إلا أن صالح ما زال يعتبر أن معارضيه "يتآكلون شيئا فشيئا". وهاجم صالح أركان حكمه الذين تخلوا عنه في محنته الأخيرة وانضموا إلى ساحات التغيير، واصفا إياهم ب"الفاسدين والمحتالين". تصريحات المشترك بدت متناقضة حول المبادرة وفي حالة إرباك شديد وهي ذات الحالة التي لوحظت بوضوح أيضاً على السلطة وحزبها الحاكم .فالرئيس علي عبدالله صالح الذي رحب بالمبادرة ظهر في أكثر من مرة رافضاً لها. وفي مقابلة مع البي بي سي أكد صالح أنه لن ينقل السلطة إلى نائبه خلال شهر بمقتضى تلك المبادرة إلا من خلال عملية انتخابية.وقال "لن أنقلها إلا عبر صناديق الاقتراع.. تعال نشكل لجنة عليا للانتخابات واستفتاء وندعي رقابة دولية تشرف على نزاهة الانتخابات .. لكن أي عملية انقلابية مرفوضة تماماً، نحن نتمسك بالشرعية الدستورية ونرفض الفوضى الخلاقة .. نحن لن نقبل العملية الانقلابية سواء في الداخل أو تأييدها من الخارج ". ونظراً لتحفظ اللقاء المشترك على بعض بنود المبادرة الخليجية وتحديداً ما يخص المشاركة في حكومة وحدة وطنية ، فقد وجد فيها المؤتمر فرصة للتعريض بالمعارضة، وقال إن موقف اللقاء المشترك إزاء مبادرة مجلس التعاون الخليجي "يعني نسفها ومحاولة للتحايل عليها بإخضاعها للأمزجة والأهواء السياسية وهو ما يعد رفضاً لها ويكشف حقيقة اللقاء المشترك الذي يريد أن تستمر الأزمة بعد أن تعمد إيصالها إلى طريق مسدود ".مؤكداً بأن محاولة التسويف والمماطلة أمر غير مقبول كون المبادرة غير خاضعة للنقاش أو الانتقاء. أما الشباب المعتصمون في الساحات فقد جددوا رفضهم لأي مبادرة لا تتضمن الرحيل الفوري للنظام. ويرفض كثير من شباب الثورة المبادرة الخليجية لأنها تمنح صالح حصانة، كما أنها تمهله شهراً كاملاً لتسليم السلطة، حيث يطالبون بالتنحي الفوري لصالح ومحاكمته وأقربائه الذين يمسكون بزمام الأجهزة الأمنية والعسكرية. ودعت اللجنة التنظيمية لشباب الثورة المعتصمين في جميع الميادين والساحات إلى عدم الالتفات لأي مبادرة أو تسوية سياسية تهدف إلى إطالة عمر النظام، مؤكدة أن "ما يدور الآن من حديث عن مبادرات أمر لا يعنينا على الإطلاق" وقال بيان صادر عن اللجنة التنظيمية للثورة: "إننا لا نعول على أي وساطات أو تدخل خارجي وإنما نعول على صمود الشباب في الساحات و استمرار المسيرات والاحتجاجات حتى تحقيق هدف الثورة بإسقاط النظام". الموقف الأمريكي جاء مرحباً بالقبول المبدئي بالمبادرة وحثت الولاياتالمتحدة مساء السبت الفائت الرئيس علي عبد الله صالح على البدء فورا بإجراءات انتقال السلطة بصورة سلمية ، وذلك بعد إعلان الحزب الحاكم قبوله بمبادرة مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة في البلاد والتي تنص على رحيل صالح. وقال المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر: "أعرب الرئيس صالح عن نيته إجراء انتقال سلمي للسلطة. وينبغي تحديد توقيت وشكل هذه العملية عن طريق الحوار ومباشرتها على الفور". لكن الرئيس علي عبدالله صالح رد على هذه الدعوة الأمريكية بطريقته المعتادة في إثارة مخاوف واشنطن من تنظيم القاعدة وذلك باتهامه المعتصمين في ساحة التغيير وقوات الجيش المنشقة عن نظامه بإيواء عناصر تنظيم القاعدة، محذراً الغرب من دعم هذه المظاهرات أو التساهل مع توغل القاعدة في أوساطها على حد زعمه. وقال "الآن في حي الجامعة خليط من الناصريين، على الاشتراكيين، على الإخوان المسلمين، على تنظيم القاعدة، على الحوثيين. وأضاف "الآن تنظيم القاعدة والجهاديين موجودين في المعسكرات التي خرجت عن الشرعية وهذه المسألة خطيرة جداً" يقصد الفرقة الأولى مدرع والألوية التابعة لها. ويشير اللقاء المشترك في بيانات متعددة إلى أن صالح "يستخدم فزاعات الحرب الأهلية والقاعدة والحراك الجنوبي والحوثيين لترويع دول المنطقة وإخافتهم من حرب أهلية قادمة، في حين أن الثورة المطالبة برحيلة مر عليها 3 أشهر ولم يحدث أي حرب كما يردد في خطاباته". وشهدت عدد من المحافظات اليمنية الجمعة الفائتة -بعد يوم من وصول أمين عام مجلس التعاون الخليجي- مظاهرات حاشدة نفذها مئات الآلاف من المعتصمين, للمطالبة بتنحي الرئيس علي عبدالله صالح عن السلطة وللتعبير عن رفضها للمبادرات الخليجية. وشهدت ساحات التغيير وميادين الحرية في 15محافظة تدفق ما يقارب الثلاثة ملايين لأداء صلاة ما سمي بجمعة الفرصة الأخيرة، وتم رفع لافتات كتب عليها لا مفاوضات ولا حوار. وأكد المتظاهرون في بيانهم أن الشعب اليمني لا يمكن أن يقبل بأي تسوية أو التفاف على ثورته، وأن هذه الثورة في أهدافها ومطالبها واضحةٌ وليست بحاجة إلى تفسيرات أو حوارات وهي أن يرحل النظام بمفسديه ومجرميه حسب البيان. وفي العاصمة صنعاء نقل شباب التغيير مكان صلاة الجمعة إلى شارع الستين ، في خطوة وصفت بالتصعيدية. واحتشد أكثر من مليون في شارع الستين الذي اكتظ بهم من كافة الاتجاهات ، وضم الحشد مختلف سكان مديريات أمانة العاصمة . وتتواصل الاحتجاجات المطالبة برحيل النظام بالتزامن مع عصيان مدني نجح بنسبة كبيرة في عدنولحج وتعز وبشكل محدود في محافظات أخرى ، استجابة لدعوة شباب ثورة التغيير. يأتي ذلك في خطوة تصعيدية لثورة الشباب السلمية المستمرة منذ ما يقارب الثلاثة الأشهر، الذين دعوا لعصيان مدني ليومي السبت والأربعاء من كل أسبوع ولفترة تستمر من الثامنة صباحاّ وحتى الثانية عشرة ظهراً. الرئيس علي عبدالله صالح الذي كثف من خطاباته يبدو فيها متناقضاً ومربكاً، حيث يجدد في بداية كل خطاب الدعوة لأحزاب المشترك للحوار وينهيه بشن هجوم حاد عليها كما يحرض الشباب المعتصمون في الساحات على المعارضة وفي نفس الوقت يطلب منها في مبادراته انهاء التوتر ومظاهر الاحتجاج.وفي خطابه الأخير الذي رحب فيه بالمبادرة الخليجية عاد الرئيس وقال "سنواجه التحدي بتحدي, ونحن حريصون كل الحرص على عدم إراقة الدماء وسنواجههم بكل الوسائل". وبالرغم من الحديث عن ضرورة التهدئة للخروج بالبلد من الظرف الراهن تواصل السلطة والحزب الحاكم من جهة والمعارضة من جهة ثانية تصعيد خطابيها الإعلاميين ويزيد على ذلك المؤتمر بتحميل المعارضة مسؤولية كل الأحداث الجارية بما فيها جرائم القتل والتقطع التي يعد الحد منها من مسؤوليات حكومته. فالمؤتمر وقبل أن تحقق الأجهزة الأمنية في أعمال الاعتداءات التي تعرضت لها النقاط الأمنية خلال بضعة الأيام الماضية وأسفرت عن سقوط أكثر من 40 جندياً بين قتل وجريح سارع إلى اتهام اللقاء المشترك بالوقوف وراءها. وقالت السلطة إن10 جنود قتلوا وأصيب أكثر من 19 آخرين في كمينين غادرين الأول نفذته عناصر القاعدة والثاني عناصر اللقاء المشترك في محافظة مأرب ،فيما قتل ثلاثة جنود في اعتداء غادر من مليشيات الإصلاح والمشترك المسلحة على نقطة أمنية بحجة و 6 جنود في اعتداء مسلحين خارجين على القانون في لحج وجندي في أبين على أيدي عناصر القاعدة . واعتبر مسؤول مؤتمري "هذه الجرائم الإرهابية انعكاسا للتنسيق والتحالف بين عناصر تنظيم القاعدة وأحزاب اللقاء المشترك والعناصر الخارجة على القانون"محملاً أحزاب اللقاء المشترك مسئوليتها . وبالنظر إلى هذا التصعيد فإنه يؤكد مدى رغبة النظام الحالي في الدفع بالأوضاع نحو الانفجار . وبالرغم من حملة التفكيك التي يحاول النظام إحداثها في أوساط المعتصمين بساحات التغيير والحرية ، لا يزال التجمع اليمني للإصلاح يوفر له وسائل التمكين عبر استمرار قواعده في السيطرة على المنصة ولجان النظام والأمن وإلغاء الآخر وهي تناقضات يجيد النظام اللعب عليها ، فحادثة الاعتداء على الناشطات التي مر عليها قرابة الأسبوعين لم يتخذ المشترك -وتحديداً الإصلاح- أي إجراء لمنع تكرارها، حتى أنه لم يكلف نفسه إصدار بيان اعتذار إلا متأخراً وبشكل عمومي وهو ما دفع عضو المجلس الأعلى للمشترك الدكتور محمد عبدالملك المتوكل لتعليق حضوره اجتماعات اللجنة التحضيرية للحوار الوطني والمجلس الأعلى للمشترك ، وقال في رسالة وجهها لرئيس اللجنة وللرئيس الدوري للمشترك" إنني كأحد المدافعين عن حقوق الإنسان اطلب منكم اتخاذ موقف نحو الجناة والاعتذار العلني في الساحة للأخوات يقدمه رئيس لجنة الحوار والرئيس الدوري للمشترك مع التأكيد أن ذلك لن يتكرر في المستقبل. وأنا كقيادي يقف على رأس منظمة لحقوق الإنسان وأستاذ لمادة حقوق الإنسان بالجامعة أجد أني غير قادر على حضور اجتماعات اللجنة واللقاء المشترك مالم يتم اتخاذ إجراء حاسم جازم وإلا فقدنا جميعا مصداقية ما نسعى إليه من حرية وديمقراطية واحترام لحقوق الإنسان وبذلك نفقد احترامنا للذات". ووصف المتوكل ما حدث للناشطات من قبل اللجنة الأمنية في ساحة التغيير وأفراد من حرس الفرقة بالسلوك الأرعن وقال إنه متكرر بأشكال مختلفة والمدافع عنه من بعض من كلفوا من المشترك وأنه لم يعد ظاهرة منفصلة عن ثقافة مسيطرة سوف تجر نفسها على مستقبل العمل الوطني وتجعل المخاوف من حكم طالبان محل اعتبار وتصديق سواء على المستوى المحلي أو المستوى الدولي. وبحسب المتوكل فقد كان يتوقع موقفاً حازماً للمشترك مما جرى ،لكنه تفاجأ بمسودة بيان للمشترك "لم يجرؤ أن يحدد فيه الجهة الجانية وألقى المسئولية على بعض المشاركين في الساحة في تعميم مخل كما لم يطالب بالتحقيق والعقاب لمن ارتكبوا هذا الانتهاك الخطير ". وبحسب المعلومات فقد أعاق الإصلاح إصدار بيان باسم المشترك متضمناً موقفاً حازماً من واقعة الاعتداء على الناشطات ، ليصدر البيان بعد ثلاثة أيام من الحادثة وبمضمون غير مرضٍ. وعلى ما يبدو فإن ذلك كان وراء نشر رئيس المجلس الأعلى للمشترك الدكتور ياسين سعيد نعمان مقالة في صحيفة الثوري تحت عنوان "عفواً يا أروى.. لكن كل الاحترام" خصصه للاعتذار للناشطات المعتدى عليهن وقال فيه" لا بد أن يكون ما حدث مجرد احتضار لثقافة راحلة مع رحيل هذا النظام". مؤكداً أن "على الذين يخرجون طلباً للحرية لابد أن يتسلحوا بثقافة الحرية قبل أن يقرروا الالتحاق بطوابير المناضلين من أجلها"، وتابع متسائلاً "ما الذي سيقوله أي ممن هم على قيد الحياة - لمن ضحوا بحياتهم من أجل الحرية- لتبرير ما يمارسونه من قمع للحرية أيا كان الغطاء أو التبرير الذي أقنعه بالإقدام على مثل هذا القمع الذي لا يجدي معه التبرير وإنما الاعتذار فقط وعلى النحو الذي ينقله من معتد على حرية الآخر إلى شريك حقيقي في حماية هذه الحرية". كان على حزب الإصلاح أن يستفيد مما حدث في مراجعة أسلوب حضوره المنفر بساحات الاعتصامات ، لكن ما لوحظ عكس ذلك، فلا زال أسلوب الاستحواذ والسيطرة والإقصاء هو المتصاعد.