ثنائية هالاند تُسحق ليفربول وتضع سيتي على عرش الدوري الإنجليزي!    شاهد:الحوثيون يرقصون على أنقاض دمت: جريمةٌ لا تُغتفر    ليست السعودية ولا الإمارات.. عيدروس الزبيدي يدعو هذه الدولة للتدخل وإنقاذ عدن    عدن تنتفض ضد انقطاع الكهرباء... وموتى الحر يزدادون    "امتحانات تحت سيف الحرمان": أهالي المخا يطالبون بتوفير الكهرباء لطلابهم    "جريمة إلكترونية تهزّ صنعاء:"الحوثيون يسرقون هوية صحفي يمني بمساعدة شركة اتصالات!"    "الحوثيون يزرعون الجوع في اليمن: اتهامات من الوية العمالقة "    صراع على الحياة: النائب احمد حاشد يواجه الحوثيين في معركة من أجل الحرية    البريمييرليغ: السيتي يستعيد الصدارة من ارسنال    زلزال كروي: مبابي يعتزم الانتقال للدوري السعودي!    الوكيل مفتاح يتفقد نقطة الفلج ويؤكد أن كل الطرق من جانب مارب مفتوحة    الارياني: استنساخ مليشيا الحوثي "الصرخة الخمينية" يؤكد تبعيتها الكاملة لإيران    الرئيس الزُبيدي يثمن الموقف البريطاني الأمريكي من القرصنة الحوثية    مانشستر يونايتد الإنجليزي يعلن رحيل لاعبه الفرنسي رافاييل فاران    ارتفاع طفيف لمعدل البطالة في بريطانيا خلال الربع الأول من العام الجاري    رئيس انتقالي لحج "الحالمي" يعزي في وفاة الشخصية الوطنية والقيادية محسن هائل السلامي    أمين عام الإصلاح يبحث مع سفير الصين جهود إحلال السلام ودعم الحكومة    كريستيانو رونالدو يسعى لتمديد عقده مع النصر السعودي    في الذكرى ال 76 للنكبة.. اتحاد نضال العمال الفلسطيني يجدد دعوته للوحدة الوطنية وانهاء الانقسام مميز    المنامة تحتضن قمة عربية    وفاة امرأة وطفلها غرقًا في أحد البرك المائية في تعز    الذهب يرتفع قبل بيانات التضخم الأمريكية    سنتكوم تعلن تدمير طائرتين مسيرتين وصاروخ مضاد للسفن فوق البحر الأحمر مميز    بريطانيا تؤكد دخول مئات السفن إلى موانئ الحوثيين دون تفتيش أممي خلال الأشهر الماضية مميز    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الولايات المتحدة: هناك أدلة كثيرة على أن إيران توفر أسلحة متقدمة للمليشيات الحوثية    مجازر دموية لا تتوقف وحصيلة شهداء قطاع غزة تتجاوز ال35 ألفا    اليمن تسعى للاكتفاء الذاتي من الألبان    طعن مواطن حتى الموت على أيدي مدمن مخدرات جنوب غربي اليمن.. وأسرة الجاني تتخذ إجراء عاجل بشأنه    بن عيدان يمنع تدمير أنبوب نفط شبوة وخصخصة قطاع s4 النفطي    وصمة عار في جبين كل مسئول.. اخراج المرضى من أسرتهم إلى ساحات مستشفى الصداقة    بيان عاجل لإدارة أمن عدن بشأن الاحتجاجات الغاضبة والمدرعات تطارد المحتجين (فيديو)    برشلونة يرقص على أنغام سوسيداد ويستعيد وصافة الليغا!    أسرارٌ خفية وراء آية الكرسي قبل النوم تُذهلك!    لاعب منتخب الشباب السابق الدبعي يؤكد تكريم نجوم الرياضة وأجب وأستحقاق وليس هبه !    ليفربول يسقط في فخ التعادل امام استون فيلا    إنجاز يمني تاريخي لطفلة يمنية    استعدادات حوثية للاستيلاء على 4 مليار دولار من ودائع المواطنين في البنوك بصنعاء    ما معنى الانفصال:    جريمة قتل تهز عدن: قوات الأمن تحاصر منزل المتهم    سيف العدالة يرتفع: قصاص القاتل يزلزل حضرموت    مقتل عنصر حوثي بمواجهات مع مواطنين في إب    البوم    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    فريق مركز الملك سلمان للإغاثة يتفقد سير العمل في بناء 50 وحدة سكنية بمديرية المسيلة    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع ''صنعاء القديمة''    احذر.. هذه التغيرات في قدميك تدل على مشاكل بالكبد    هل تعاني من الهم والكرب؟ إليك مفتاح الفرج في صلاةٍ مُهملة بالليل!    اشتراكي المضاربة يعقد اجتماعه الدوري    وزير المياه والبيئة يزور محمية خور عميرة بمحافظة لحج مميز    أفضل دعاء يغفر الذنوب ولو كانت كالجبال.. ردده الآن يقضى حوائجك ويرزقك    بالفيديو...باحث : حليب الإبل يوجد به إنسولين ولا يرفع السكر ويغني عن الأطعمة الأخرى لمدة شهرين!    هل استخدام الجوال يُضعف النظر؟.. استشاري سعودي يجيب    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    هناك في العرب هشام بن عمرو !    قارورة البيرة اولاً    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة نقدية تحليلية لكتاب .." يحيى المتوكل .. حضور في قلب التاريخ "(2-3)
نشر في الوسط يوم 21 - 07 - 2009

كتب/ قادري أحمد حيدر وما يحسب لثورة 26 سبتمبر 1962 بعيد قيامها هو ان قيادتها لم تتخذ موقفا تصفوياً دمويا من القوى القديمة باستثناء الموقف من العائلة الحاكمة ( بيت الإمامة ) ، ولم تتعد ذلك سوى أسماء قليلة من الأعوان ، اتخذ بحقهم إجراءات دموية أو محاكمات صورية قاسية ، كما تمت عمليات إعدام خارج سلطة القانون أو دون معرفة القيادة الجمهورية ، ومع ذلك فهي لم تشكل ظاهرة عامة بما يمكن اعتبارها جرائم حرب ، وحين أقول إنها عمليات قتل وإعدامات محدودة ، ومعلومة ، قياسا إلى الواقع اليمني المتخلف ، وحجم العنف والقهر ، وتاريخ الاستبداد الكامن في قلب المجتمع ، الذي كان من الممكن تصور ردات فعل أوسع واخطر وأبشع مما جرى ، خاصة وأن الذاكرة التاريخية للمعارضة السياسية التقليدية الاحرار والقبلية ما تزال تتذكر وقائع الاعدامات والمشانق التي نصبت لقيادات ورموز انقلاب 48 ، 1955م وهي ذاكرة مشحونة بالتوتر وعنف اعدامات الامامة لاحرار 1948م وانقلاب 1955م ، وعودة الذكريات القديمة لعبت دوراً كبيراً في احتمالات انتكاسة الثورة ، خاصة بعد ان شاع خبر هروب الامام البدر والتجاؤه الى القبائل الشمالية في حجة ، وهروب آخرين ، وهي اسباب ودوافع وقفت وراء تلك الاعدامات ، والتي قطعاً كان بعضها غير مبرر ، وتمت تحت وطأة الشعور بالخوف من انتكاسة الثورة ، وتأريخ ذاكرة مشحونة بالقتل والاعدامات التي استمرت لسنوات طويلة منصوبة للاحرار قبل الثورة ، وفي تقديري ان رد الاعتبار لبعض الاسماء والرموز التي جرى إعدامها وتصفيتها تحت هوجائية العنف الثوري المصاحب للثورة واندفاعاتها غير العقلانية امر " ضروري ، بل واجب اخلاقي وسياسي وطني وقانوني لارجاع الحق الى نصابه ، وهي عموماً أخطاء وممارسات صاحبت ورافقت العديد من الثورات والانقلابات ، وحول هذه المسألة يقدم الاستاذ الفقيد يحيى المتوكل تصوراً ، وتقييماً موضوعياً نقدياً وتأريخياً جميلاً هو بمثابة توصيف موضوعي نقدي تاريخي لما جرى حيث يقول : " إن هروب الامام البدر وتحركه في المناطق الشمالية وعودة الذكريات القديمة والتخوف من محاولات إجهاض الثورة ، كانت كلها اسباباً ومبررات وقفت وراء تلك الاعدامات ، التي كان بعضها غير مبرر وتم في عجلةٍ ودون محاكمات ، ومثل ذلك جرى في كثير من الثورات ، ولابد من مراجعة وتقييم جميع الإعدامات التي حدثت ، وردً الاعتبار لاولئك الذين اعدموا " ص 67 ، وهي في تقديري من الأمور التي هي بحاجة إلى بحث وتقص ، وإعادة قراءة لما جرى من تصفيات أو إعدامات ، وإعادة الاعتبار والاعتذار لمن ذهبوا ضحية هوجاء الثورة ولحظات عنفها الدموية الأولى ، وكذا لقيادات الثورة والحصار الذين دافعوا عن الثورة وتمت تصفياتهم، أو إقصاؤهم ، وسجنهم ، وتشريدهم ، وهو حقهم على الثورة والبلاد ، ونظامها الجمهوري . وأجد من المناسب والمفيد قبل الحديث عن رؤية وتصور الفقيد يحيى المتوكل عن انقلاب 5 نوفمبر 1967 واتفاق جدة 1970 ان أوضح حقيقة سياسية ووطنية وتاريخية تمر عليها العديد من الكتابات والأبحاث دون الوقوف أمامها جديا ودون تفحص معناه الوطني والاجتماعي والسياسي والتاريخي ، والمتمثل في قضية الحرب على ثورة 26 سبتمبر 1962 وحقيقة القوى المعادية للثورة ونظامها الجمهوري والتي اشتركت في الحرب ضد ثورة سبتمبر لاسقاط نظامها الجمهوري ، أو على الأقل إفراغه من مضمونه الاجتماعي والوطني . إن طبيعة ومضمون هذه الحرب أوسع وأعمق واخطر مما تحاول بعض الكتابات المحلية والأجنبية تصوره وتقديمه وكأنها حرب أهلية وكفى !! ، حرب ثورة مضادة داخلية ، حرب بين الجمهوريين والملكيين اليمنيين . وفي تقديري ان مثل ذلك التصوير والتقديم ينطوي على تبسيط مخل لحقيقة الصراع ومضمون الحرب السياسية والعسكرية التي اشتركت فيها أطراف عديدة داخلية وخارجية . ان الحرب على ثورة 26 سبتمبر 62 غير منفصلة عن المشاريع السياسية الاستراتيجية لدول استعمارية كبرى ، حرب تتصل بالصراع الإقليمي والدولي ، حرب وان كانت قمة جبل النار الظاهرة فيه هي السعودية فإنما هي تمارس ذلك الدور بالإنابة عن مصالح استعمارية كبرى، ولها كنظام عائلي ملكي مصلحة مباشرة في هذه الحرب على ثورة 26 سبتمبر ، والوثائق الاستعمارية حول الحرب على ثورة سبتمبر 62 تؤكد ان الطرف الأكبر الداعم والمستفيد من هذه الحرب واستمرارها طيلة هذه السنوات إنما هي بريطانيا ، القوة الاستعمارية الثانية في العالم، ومعها ألمانيا ، إلى جانب دعم غربي متعدد الأشكال ، ودعم إقليمي شارك بصورة أو بأخرى في هذه الحرب دعما وتمويلاً ، ماديا ولوجيستياً ، ممثلا في إيران ، تركيا ، وغيرها إلى جانب فيالق المرتزقة العالميين تحت قيادة بوب دينار ، سمايلي الجنرال " كوندي " صاحب خطة الجنادل ، في حصار صنعاء . وكانت السعودية ، بدرجة أساسية هي الحامل السياسي والعسكري والمالي لهذه الحرب ومعها الأردن إضافة إلى إسرائيل ، والتي تؤكد الوثائق الغربية والأمريكية ، بل والإسرائيلية نفسها اشتراكها في الحرب من خلال سلاح الطيران ضد ثورة 26 سبتمبر 62 واضعف حلقة حقيقية في سلسلة القوى التي حاربت ثورة سبتمبر هي القوى الملكية اليمنية ، ووضع القوى الملكية المشيخية القبلية في آخر سلسلة القوى التي حاربت ثورة 26 سبتمبر ليس انتقاصا من دورها ، ولا تقليلا من خطورته في الواقع ، ولا تجاهلا لأهميته الحربية باعتبارها وقود بشرية وحربية مضادة داخلية ، وإنما لان هذه القوى لا تملك من أمر قرار الحرب والسلم شيئا ، وهي ليست أكثر من أداة محلية محدودة الفاعلية ، وعديمة التأثير والدور دون الدعم السياسي والمالي والعسكري الاستعماري والسعودي ، وهي في الغالب قبائل امتهنت الاتجار بالقتال والحرب مع من يدفع أكثر ، وقضية الخيار الجمهوري والنظام الجمهوري آخر ما كانت تفكر به ، إذا ما وقع في مقابل الذهب ، والسلاح ، هي حقيقة أداة في لعبة سياسية دولية وإقليمية اكبر منها ، وهنا يتجلى الطابع السياسي والاجتماعي ، والوطني / القومي ، في الحرب على ثورة 26 سبتمبر 62 . ان حجم العدوان وعنفه وقوته ، وتعدد مصادره المحلية ، السعودية ، الإقليمية المحلي (الملكي الداخلي) والرجعي العربي ( السعودي ، الأردني ) والإقليمي ( الإيراني ، والدولي البريطاني ) والدعم الغربي السياسي واللوجيستي ، إضافة إلى مجاميع المرتزقة الدوليين ، فضلا عن الدور العسكري الإسرائيلي ، ان كل ذلك يجعلنا نقول ان ثورة 26 سبتمبر قد جمعت في حربها الدفاعية عن نفسها بين طابع الحرب الأهلية ، وطابع الحرب الوطنية ، القومية في مواجهة عدوان استعماري كبير كانت السعودية هي الإطار التكتيكي في هذه الحرب ، وبريطانيا والقوى الإقليمية الداخلة في المشروع السياسي في الحرب على ثورة سبتمبر هي الإطار الاستراتيجي البعيد ، وللتوضيح أكثر لهذه المسألة فإنه من المفيد الإشارة هنا إلى أن الدعم المصري والدور المصري في حرب اليمن جاء نتيجة مباشرة للعدوان على الثورة من أول يوم لإعلانها . وهناك عبارة أو فقرة موجزة ومكثفة في الكتاب الحواري للفقيد يحيى المتوكل تحاول ان تلخص أو توجز جزءا أو بعضا مما أوردناه وان جاء السياق حاملا في مضمونه نصف الحقيقة السياسية التاريخية ، ومغفلا جانبه الآخر ، وهو البعد الاستعماري الدولي في الحرب على ثورة 26 سبتمبر ، حيث يقول : " .. لما قامت الثورة وتعرضت منذ اليوم الأول للتآمر الخارجي ، فقد حتم ذلك مع عوامل أخرى مجيء المصريين إلى اليمن ( ... ) ، ولاشك أن الهدف الرئيس من التدخل المصري هو الدفاع عن الثورة وحمايتها التي باتت مهددة بالتدخل الخارجي ، فبعد هروب الإمام البدر وتحرك أعوانه ومناصريه في أنحاء مختلفة من البلاد ودخول أسلحة وأموال عبر الحدود اليمنية السعودية ، ثبت للجميع أننا لا نواجه بيت حميد الدين ، بل نواجه تدخلاً من دولة مجاورة موقفها معاد لكل تغيير في اليمن ، لهذا كان من الطبيعي ان يهب الجميع لطلب النجدة من مصر ( ... ) ، لكن الامور كما يقول المتوكل في جبهات القتال تسارعت لتحول الوجود المصري الرمزي إلى وجود عسكري ، وتتحول المسألة من مجرد دعم إلى مشاركة في القرار ( ... ) ثم تشعب الصراع في اليمن إلى صراع بين الجمهورية العربية اليمنية ، وبين مصر والسعودية )) ص 68 . وفي الواقع انه حتى السعودية لم يكن بإمكانها ان تتجرأ أو تقدم على الدخول في هذه الحرب والاشتراك فيها ، لولا الرغبة والإرادة السياسية الاستعمارية البريطانية والغربية التي كانت تقف خلف تلك الحرب ، والتي وضعت ثورة 26 سبتمبر ضمن المشروع السياسي الاستراتيجي لها في المنطقة والعالم ، ومن هنا فان السعودية كدولة تابعة وملحقة بالمشروع الاستعماري والامبريالي ، ليست أكثر من أداة ، تقاطعت مصالحها الداخلية ، مع المصالح الاستعمارية الكبرى في المنطقة ، وفي ذلك يكمن التفسير السياسي التاريخي للطابع الوطني والقومي للحرب على ثورة 26 سبتمبر 62. ، وقد أشار محقا الأستاذ الفقيد يحيى المتوكل ان التدخل العدواني السعودي على ثورة سبتمبر بدأ من أول يوم لقيامها ، وان اكتفى بحصر البعد الخارجي في التدخل في السعودية ، دون الدور الاستعماري البريطاني ، والغربي والإقليمي ، والإسرائيلي ، الذين كانوا جميعا أطرافا أصيلة في الحرب على ثورة 26 سبتمبر . وفي تقديري ان محاولتنا التأكيد على هذه الحقيقة السياسية والوطنية والتاريخية كان ضروريا ، بل وفي غابة الأهمية ، لأنه بدون تلك الخلفية السياسية تبقى وتظل القراءة ناقصة وغير مكتملة لانقلاب 5 نوفمبر 1967 ، واتفاق جدة مارس 1970 ، وأثرهما على مستقبل ثورة سبتمبر ومضمون النظام الجمهوري بعد ذلك على المستوى السياسي والاجتماعي والوطني . انقلاب 5 نوفمبر 1967 واتفاق جدة 1970 وجهان لعملية سياسية وتاريخية واحدة ان العلاقة بين انقلاب 5 نوفمبر 1967 ، واتفاق جدة مارس 1970 ، علاقة شرطية ، هي علاقة السبب بالنتيجة ، العلة بالمعلول ، كل منهما يقود الى الآخر ، ويفسره ، ويكمله ، كلاهما عنوان لموضوع سياسي تاريخي واحد ، ولذلك هما وجهان لعملية سياسية اجتماعية تاريخية واحدة ، فالقوى السياسية الاجتماعية التي انتجت وتحكمت بانقلاب 5 نوفمبر ، هي القوى المشيخية القبلية ، والقوى العسكرية المتحالفة سياسيا معها ، إلى جانب بقايا الرموز السياسية الاجتماعية التقليدية ( الأحرار ) ، إضافة إلى الفئات الكمبرادورية والطفيلية ، ولم تضف إليهم بعد اتفاق جدة مع السعودية بعد تصفية الطابع الوطني للجيش والأمن سوى بعضهم الناقص ، أو رديفهم الملكي المشيخي القبلي ، الذي اصطف مع الصف الآخر المعادي للثورة والجمهورية ، وبذلك يكونون قد استكملوا صورتهم السياسية الاجتماعية التاريخية النهائية ، أو هويتهم السياسية الاجتماعية التاريخية ، التي ظلوا يبحثون عنها في زواريب السياسة والتاريخ ، والمؤتمرات القبلية طيلة سبع سنوات كاملة ، وبذلك استكملوا شرعية وراثتهم للإمامة ، التي كانوا ينتظرون صكا رسميا وشرعيا بها من المملكة السعودية ، والملكيين العائدين ، بعد ان ظلوا يقاتلون سياسيا ، وعسكريا من اجل انجاز هذا المشروع طيلة سنوات 1963 67 1970 ، بدءا من مؤتمرات عمران ( سبتمبر 1963 ) إلى خمر ( مايو 1965 ) ، إلى الطائف ( مايو 1965 ) ، إلى مؤتمر الجند في تعز ، وسبأ ( مارس 1967 ) ، وغيرها من المؤتمرات السياسية القبلية المعارضة للخيار العسكري الراديكالي الجمهوري ، وضدا للطابع الوطني للجيش الحديث ومؤسساته القتالية الجديدة ، ورفضا لمعنى وجود الدولة المركزية الحديثة ، وهو ما كانت القوى المشيخية القبلية على وجه التحديد تقف ضده ، وفي مواجهته ، تحولت معها أخطاء البيروقراطية العسكرية المخابراتية المصرية إلى ذريعة ، وشعار ليس فقط لرفض الدور المصري العسكري في اليمن بل وتحويله في خطابهم السياسي إلى استعمار ، على ان الهدف البعيد الكامن والرابض في عقولهم هو الوقوف ضد بناء جيش وطني حديث ، واستكمال ذلك ببناء دولة مركزية عادلة ، تقوم على فكرة المواطنة ، وهو ما يفسر ان جميع المؤتمرات السياسية القبلية ، كان أهم أهدافها وبنودها هو بناء جيش شعبي قبلي ( مؤتمر عمران ، خمر ، الطائف ، سبأ ، وغيرها ) والى تشكيل مجلس شورى أعلى شعبي قبلي يتولى تشكيل الحكومة والإشراف عليها وصياغة الدستور . وساعدهم موضوعان أو أمران ، على
تمرير شعاراتهم ومواقفهم المزعومة تلك باسم السلام ، وإيقاف الحرب بين اليمنيين ، الأول موضوعي : حالة ازدواجية السلطة التي تشكلت خلال سنوات الثورة والحرب ( 63 1967 ) ، والثاني ذاتي متمثل في واقع ضعف البنية السياسية الذاتية اليمنية في مقابل هيمنة الذات السياسية المصرية بحكم تفوقها وتقدمها السياسي والعلمي والثقافي والتاريخي على الحالة الذاتية السياسية اليمنية الضعيفة في القيادة الجمهورية بشقيها ( الجمهوري الثوري ، والجمهوري الإصلاحي المعتدل والقبلي ) ، إضافة إلى أخطاء البيروقراطية العسكرية المصرية ، عملوا خلالها على توظيف شعار ( الذاتية اليمنية ) الذي رفعوه ضمنا ، ضدا لاتساع قاعدة مشاركة الجناح الثوري في السلطة والدولة ، المقصود التيار القومي واليساري والشعبوي في القيادات الجمهورية والذي جرى إزاحتهم تدريجيا وببطء من قمة السلطة بدءاً من مجلس قيادة الثورة ، إلى تقليص تمثليهم في مجالس الرئاسة المتعاقبة ، فبعد ان أصبح شعار " الذاتية اليمنية " عمليا موجها ضد السلال والدور العسكري المصري في اليمن ، والتنظيمات القومية واليسارية ، والأخيرة تم محاربتها من الجميع ، ( مخابرات مصرية ، وقوى مشيخية ، والقوى السياسية التقليدية ) ، والوصول بالبلاد إلى اتفاق جده مارس 1970 مع السعودية ، عبر قاطرتها السياسية انقلاب 5 نوفمبر ، أكد رموز جمهورية نوفمبر القبلية ، ( جمهوريين ، وملكيين ) قضاة ، مشايخ ، وسادة ، وفئات كمبرادورية وطفليية ، وعسكريين ممن هربوا من معارك الدفاع عن الثورة ، وحصار السبعين يوما إلى خارج اليمن ، أكدوا أنهم استعادوا صورة هوية الدولة الإسلامية اليمنية ، الغائبة ، وروحية وسجية ( الذاتية اليمنية ) المصادرة ، وأكدوا أكثر من هو المثل الأعلى الأخلاقي التاريخي ، بالنسبة لهم على انه الملك فيصل وليس الرئيس عبدالناصر ، ومن ان مثالهم السياسي التاريخي الأعلى ، هو النموذج السعودي الذي أصبح في يومها وصيا سياسيا ، على الحالة السياسية اليمنية ويبدو انه اليوم سيكون وصيا على كل اليمن الموحد وتأكيدا لهذا المعنى أجد نفسي مضطرا لإيراد بعض الفقرات الموجزة والمعبرة والواصفة للحالة التي اشرنا إليها من الكتاب الحواري للأستاذ الفقيد يحيى المتوكل حول جملة من المحطات السياسية التاريخية التي تصب في نفس الهدف والمعنى الذي نبحث فيه وحوله . في سؤال الفقيد يحيى المتوكل عن أحداث أغسطس 1968 يقول بالنص والحرف: " لاشك انه في أحداث أغسطس 1968 انتهت عملية التوازن داخل القوات المسلحة ، وفي الدولة نفسها ، وهو التوازن الذي كان يقوم على أساس يسار ويمين ، وأصبح التوجه المحافظ هو المسيطر أكثر من أي وقت مضى ، وبذلك انتهى الصراع داخل الجيش " ص 100 ، وهي الخطوة التي تم فيها تصفية القوى السياسية الاجتماعية القومية واليسارية ، والوطنية الديمقراطية ، لان الجناح السياسي اليمني المحافظ الذي أشار إليه الفقيد يحيى المتوكل لا يقبل بمشاركة الآخر ، ولا يعترف بحقه في الوجود ، ناهيك عن شراكته في السلطة والدولة ، وهو ما تحقق لهم ، ولأنه بدون هذه التصفية السياسية والدموية لحالة التوازن الوطني في الجيش وفي السلطة والدولة ، لم يكن بإمكانهم الذهاب إلى اتفاق جدة مارس 1970 . ولذلك كان من الضروري استكمال انقلاب نوفمبر بتصفيات سياسية وجسدية لرموز حقيقية كانت القوى الأصيلة في الدفاع عن الثورة ، وفك الحصار عن صنعاء ( فبراير 1968) . وفي سؤال الفقيد يحيى المتوكل عن : " الم يكن الصراع طائفيا كما يتردد ؟ يجيب المتوكل فيقول " .. لم يكن صراعا أيديولوجيا كما يرى المتوكل أو صراعا طائفيا ، بقدر ما كان صراعا سياسيا يمثله اتجاه اليسار ، والذي كان يعد العدة لتسلم النظام وتحقيق الوحدة تحت راية الجبهة القومية ، فيما كان يميل الطرف الآخر إلى ضرورة ان تقوم الدولة أولا وتواصل مسيرتها باتجاه المصالحة الوطنية ، والمصالحة مع الخارج ، أي مع الجيران ( السعودية ) ثم العمل من اجل تحقيق الوحدة ، ولذا فقد كان يقاوم بقوة كل محاولات الهيمنة على النظام من قبل القوى المؤيدة للجبهة القومية واليسارية بوجه عام ) ص 98 . والذي نستنتجه أو يمكن استخلاصه من الإجابة السابقة هو التالي : 1 إن أحداث أو صراع أغسطس 1968 لم يكن ( أيديولوجيا أو صراعا طائفيا (... ) بقدر ما كان صراعا سياسيا يمثله اتجاه اليسار .. )) ، وهي إجابة وان كانت صحيحة وصادقة بصورة عامة ، إلا أنها جزئيا غير دقيقة ، فقد كان الصراع أيديولوجيا ، وفكريا ، وسياسيا في نهاية المطاف ، صراع بين مشروعين سياسيين مختلفين لتوجه البلاد ، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ووطنيا ، وان لم يتبلور بصورة نظرية وسياسية واضحة . والصراع وان كان سياسيا في مضمونه العام ، كما أشار محقا الأستاذ الفقيد يحيى المتوكل ، فان تعقيداته في الواقع ماثلة في ان القاعدة الاجتماعية الشعبية في غالبيتها التي دافعت عن الثورة كانت من مناطق جنوب الشمال ، وشافعية المذهب ، وبالنتيجة فان معظم القيادات العسكرية التي تمت تصفيتها من المواقع العسكرية والأمنية والمدنية المختلفة ، كانت محسوبة مناطقيا ومذهبيا على تلك المناطق ، ومن هنا كان اتخاذ التصفيات والصراع طابعا سياسيا وطائفيا معا ، انه حكم السياسة والجغرافيا ، لا صلة له بالتاريخ . 2 الاستنتاج الثاني من الفقرة ذاتها هو ان اليسار كان يعد العدة لتسلم النظام وتحقيق الوحدة تحت راية الجبهة القومية ، أي أن حلم الوحدة في إطارها اليساري كان يراود الجماعات اليسارية في الشمال ، كما يرى المتوكل ، وهو تقديره الخاص فقد يكون صائبا ، أو تقديرا متوهما حكمته وقائع الصراع بين الطرفين ، المهم ان الوحدة كانت هدفا استراتيجيا لقوى اليسار . 3 الاستنتاج الثالث : كما يرى الفقيد يحيى المتوكل ان الصراع يتمثل في ( ان الطرف الآخر كان يميل إلى ضرورة ان تقوم الدولة أولا ، وتواصل مسيرتها باتجاه المصالحة الوطنية ، والمصالحة مع الخارج ( السعودية ) ، ثم العمل من اجل تحقيق الوحدة ) ، أي أولا المصالحة مع السعودية ، وبعدها الوحدة ، وكان الطرف الآخر يريد ، ان يستقوي بالمصالحة مع الملكيين ، والتسوية السياسية مع السعودية على الطرف الآخر ( الجمهوري في الداخل )، وهو حقيقة ما أكدته وقائع وحقائق التطور السياسي خلال تلك المرحلة أو هو ما اشرنا إليه في مقدمة القراءة لهذه الفقرة . وحول إجابة الأستاذ الفقيد يحيى المتوكل ، ماذا كان موقف الإرياني من الصراع قبل أحداث أغسطس 1968 وخلالها ؟ يقول : " فوض الرئيس الإرياني الفريق العمري القائد العام بإدارة الأزمة ووقف الاقتتال بحسب صلاحيته " ، والجميع يعلم ان الفريق حسن العمري كان طرفا أساسيا في الصراع ؛ فكيف يكون هو الخصم والحكم في صراع أداره بطريقته ولصالح الجماعة السياسية الاجتماعية التي يمثلها ، والتي يقف القاضي الإرياني في قلبها ، والتي كان القاضي الإرياني نفسه يقف خصما لأحدهما ، وسندا عمليا وسياسيا للطرف الآخر وكان التفويض للعمري هو إشارة سياسية عملية بالانقضاض على القوى الحديثة في القوات المسلحة والامن . ومضايقتهم وتقليص وجودهم في مؤسسات الدولة المختلفة وهو ما تم عملياً لهم . ومن أكثر إجاباته صدقا وصراحة عما آلت إليه المصالحة يقول الفقيد يحيى المتوكل : " أقول صراحة ان الآمال التي كنا نعلقها على عهد ما بعد المصالحة في انتقال اليمن إلى مرحلة التطور والبناء والنمو ، تلاشت إلى حد ما ( ... ) لأن النظام نفسه كان يعتريه الركود والجمود ، ولم تثمر هذه المصالحة ما كان يتوقعه الناس لا على صعيد التنمية ولا على صعيد الحياة المعيشية للناس (... ) فقد كانت هذه المرحلة مخيبة لآمال المواطنين الذين كانوا ينتظرون إنجاز مشاريع تنموية تنتشلهم من الأوضاع الصعبة التي كانوا يعيشونها " ص 117 ، إننا أمام مرحلة صعبة مخيبة للآمال ، لا مساعدات سعودية تحقق التنمية التي أملوا بها ، ولا رجاء في استقرار تحقق ، وكأن الوعود السعودية لما يسمونه المصالحة تسربت من بين أيديهم وأقدامهم وتحولت إلى سراب ، ولم يتبق سوى صراع مراكز القوى الحقيقية وليس الاسمية ، على ما تبقى من السلطة ، بعد إزاحة القوى الحديثة ، بعد ان دخلت السعودية طرفا أصيلا وشريكا في السلطة ، وفي اتخاذ القرار السياسي في اليمن ، بل وفي تحديد اسم رئيس الوزراء ، والوزراء ، ووصل تدخلهم السافر والفظ حد مطالبة مسؤول المخابرات ، ومستشار الملك فيصل كمال ادهم ، في رسالة رسمية يوجهها باسمه ومن مكتبه إلى رئيس جمهورية نوفمبر يطالبه صراحة إقصاء الأستاذ محسن العيني ، وتعيين خلفٍ له القاضي عبدالله الحجري ، ويبدأ طلبه بالقول : 1 ضرورة اقصاء محسن العيني ( ... ) وتعيين خلفٍ له الأخ عبدالله الحجري . 2 الاستمرار في دعم عبدالقوي مكاوي ، وعبدالله الأصنج ، وشيخان الحبشي ومجموعاتهم ، ضرورة لكم ولنا نحتاجها في المستقبل . 3 إعادة الأخ الفريق حسن العمري من القاهرة إلى اليمن والرسالة مؤرخة ، بتاريخ 3/2/1972. ويبدأ رسالته بخطاب الرئيس الإرياني بالقول : " الأخ القاضي عبدالرحمن الإرياني ، رئيس مجلس رئاسة اليمن حفظه الله " دون ذكر لصفة النظام الجمهوري والجمهورية ، هكذا يتكلم مسؤول مخابرات سعودي ، وأحد مستشاري الملك فيصل مع رئيس الجمهورية العربية اليمنية بعد المصالحة ، والتسوية السياسية الإذعانية ،حقا لقد وجد اليمنيون انفسهم امام اتفاق اذعان واستسلام ، وتبعية للسعودية . لذلك لم يتبق أمام مراكز قوى سلطة المصالحة سوى الصراع على تنفيذ المطالب والأوامر ( السعودية ) بعد ان أصبحت السعودية طرفا مقررا ونافذا في الشأن السياسي اليمني، تشكل معها لوبي مشيخي قبلي ، عسكري ، مرتبط بالدعم والأوامر السعودية ومنفذين لمشيئتها ، ومصالحها السياسية الإستراتيجية ، في قلب السلطة اليمنية ، ولذا وجد الأستاذان الجليلان محسن العيني ، ويحيى المتوكل خارج لعبة سلطة التبعية المذلة والمهينة ، بل وغير مرغوب فيهما . ولم تتوقف صراعات مراكز القوى التقليدية والعسكرية على ما تبقى من السلطة بعد إزاحتهم للقوى السياسية والاجتماعية الحديثة ، ووجدت نفسها في دوامة صراعات جديدة ، وجد الثلاثي المدني ( الإرياني ، ومحسن العيني ، ويحيى المتوكل ) أنفسهم خارج قلب السلطة النابض والمؤثر بعد ان استنفدوا أدوارهم السياسية في خدمة القوى السياسية والاجتماعية التقليدية ( نوفمبر والمصالحة ) ولا معنى جدي وحقيقي لاستمرار بقائهم في السلطة ، هو ليس أكثر من احتياج ديكوري ليس إلا ، لزوم الشكل السياسي الخارجي للحكم والسلطة . " لزوم ما لا يلزم " وفقاً لاسم شاعر المعرة . وبصدقه وموضوعيته المعتادين يعترف الفقيد يحيى المتوكل قائلا : " لم أكن أشكل مركزا قويا يهدد أو يضايق أحداً ، وكانت علاقتي بالقاضي الإرياني ، ومحسن العيني ممتازة) ، وهو في ذلك يعبر عن قمة الصدق والموضوعية في تحليله لعلاقاته بين مراكز القوى ، والتي كانت وبقيت مع اضعف حلقات سلسلة السلطة ، القاضي الفقيه الارياني ، ومحسن العيني ، اللذين لم يتبق له معهما سوى علاقة ممتازة بهما ، وليس مع القوى المتنفذة وأصحاب القرار الفعليين المرتبطين بمركز القرار في المملكة العربية السعودية . لذلك من الطبيعي ان يطالب مسؤول المخابرات السعودي ، ومستشار الملك فيصل بضرورة إقصاء محسن العيني باعتباره رمزاً للجمهورية ، وصورة من صور المثقف المدني غيرالمقبولة سعودياً ، وتعيين عبدالله الحجري خلفاً له . ومع ان الأستاذ الفقيد يحيى المتوكل لم يعلن مباشرة وصراحة انه تم إبعاده واستبعاده من مركز السلطة إلى القاهرة سفيرا ، إلا انه ضمنا وفي السياق ذاته يقول : " لم يعد لي مكان في التركيبة السياسية بعد المصالحة " ، وقرر الرئيس الإرياني ، بناء على اقتراح العيني ، تعييني سفيرا في مصر وليبيا العام 1971 " ص 118 ، وقبلها صراحة يقدم الفقيد يحيى المتوكل إجابة سياسية هي في تقديري عبارة عن وثيقة سياسية تاريخية حيث يقول : " .. كانت هناك صراعات سياسية داخل السلطة بين مراكز قوى قبلية ، وسياسية ، وعسكرية دفعت الرئيس الإرياني إلى الرحيل إلى سوريا ( .. ) وحين عاد إلى صنعاء تفاءل الناس خيرا ، لكن الصراعات استمرت وازدادت ضراوة خاصة بعد توغل النفوذ السياسي للجيران في المؤسسة العسكرية ( القبلية ) ص 117 ، وفي فقرة أخرى يقول الفقيد
المتوكل : " كان الصراع يمثل تيارات سياسية وقبلية وعسكرية مختلفة ، بالإضافة إلى ان السعودية كانت عاملا مؤثرا في تطور هذا الصراع ، فقد كان الملحق العسكري السعودي يتمتع بنفوذ كبيرة في أجهزة الجيش ، وبرغم ان الرئيس الإرياني والكلام للمتوكل لم يكن راضيا عن هذا النفوذ ، إلا ان تشكيلة الحكم كانت طليقة وحرة في تصرفاتها ، وليست منصاعة لإرادة الرئيس ) ص 118 ، فهو حقيقة ضمن معادلة ثلاثية السلطة : القاضي الفقيه ، وشيخ القبيلة ، والعكفي القديم / الجديد ، لم يكن سوى اضعف حلقات هذه السلطة ، ولم يكن له في الواقع سوى دور ديكوري ، كرنفالي ليس إلا، وبقي دوره محصورا في نطاق دور القاضي الفقيه الذي لم يتم له يوما ممارسة دوره كرئيس الدولة ، أو الجمهورية ، ذلك ان الحاكم الفعلي والحقيقي هو: كمال أدهم ، وفي أحسن الأحوال الأمير سلطان بن عبدالعزيز ، حتى لا أقول الملحق العسكري السعودي . تلكم هي حقيقة سلطة جمهورية نوفمبر التي أوصلتنا إلى ما يسمونه زورا المصالحة . اتفاقية جدة مارس 1970 اتفاق أم اتفاقية ؟ ، معاهدة أم صلح ؟ ، مصالحة وطنية أم تسوية سياسية ؟ ، إن كثرة الأسماء والمسميات والصفات والمفاهيم والتعريفات ، لأية قضية أو ظاهرة إنما يفقدها معناها الحقيقي ، ويبعدها عن مدلولها المباشر الواضح الصريح ، ويعكس في الواقع حالة غموض وتشوش حول هذه القضية أو تلك الظاهرة ، إن هذه الكثرة من الأسماء والمسميات والصفات والتعريفات ، والمفاهيم ، والكلمات حول قضية أو مسألة المصالحة ، أو اتفاق جدة ، أو اتفاقية جدة ، أو المعاهدة ، أو التسوية السياسية مع السعودية ، جميعها تسميات أو صفات لقضية أو مسألة واحدة هي العلاقة مع السعودية ، وهي من اخطر القضايا والمسائل في التاريخ السياسي اليمني المعاصر برمته ، وعلى أهمية وخطورة وحساسية ما مثلته هذه القضية أو المسألة في مجرى التاريخ السياسي اليمني المعاصر ، وما تزال حتى اللحظة آثاره السياسية السالبة قائمة ومستمرة، إلا أننا لا نجد لها ، اي الاتفاقية او المصالحة او التسوية وثيقة رسمية منشورة ، لا في الوثائق الرسمية للدولة ، ولا في الصحافة الرسمية السيارة الصادرة في ذلك الحين ، أي أننا لم نقرأ شيئاً مكتوبا رسميا حولها ، وتم التوقيع والمصادقة عليه من قيادة الدولتين أو الحكومتين ، وهما الطرفان المعنيان بالاتفاق ، أو الاتفاقية أو المصالحة الوطنية !! ، وهل هي مصالحة وطنية مع الداخل ، أم تسوية سياسية مع الخارج ، السعودية ؟ وهنا المفارقة ، حيث نجد أنفسنا أمام اتفاق ، أو مصالحة أو تسوية سياسية غيرت وجه التاريخ السياسي اليمني المعاصر كله ، وما تزال مفعولاتها تؤدي دورها وتستكمل ما تبقى ، ولا نجد لها أثرا مكتوبا ، باعتبارها وثيقة رسمية حكومية دولية ، غيرت صورة اليمن ونقلته من تاريخ إلى تاريخ آخر مغاير لما أرادته وحلمت به القيادة الجمهورية الأولى والآلاف من الشهداء الذين قضوا على مذبح الدفاع عن الثورة والجمهورية ، وفي ذلك تكمن جميع الأثافي ، وكل التاريخ الآثم في جناية السياسة على التاريخ جناية نوفمبر 67م على ثورة 26 سبتمبر 62م . لا يمكننا حقيقة فهم مجرى التاريخ السياسي اليمني المعاصر خلال الأربعة العقود المنصرمة ، دون فهم وإدراك حقيقة ما يسميه البعض اتفاق جدة ، أو اتفاقية جدة ، مع ان الفارق بين الاتفاق ، والاتفاقية نوعي وخطير سياسيا ، وقانونيا ، وهل نحن أمام مصالحة وطنية حقيقية كما يقول البعض أم أننا أمام تسوية سياسية ظالمة وناقصة ، مع السعودية .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.