قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عاجل: الحوثيون يعلنون قصف سفينة نفط بريطانية في البحر الأحمر وإسقاط طائرة أمريكية    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر    أجواء ما قبل اتفاق الرياض تخيم على علاقة الشرعية اليمنية بالانتقالي الجنوبي    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية تحليلية نقدية للأزمة السياسية والوطنية الراهنة(1)
نشر في الوسط يوم 14 - 07 - 2010

كتب/ قادري أحمد حيدر الرؤية مرتبطة غالباً بالمستقبل. وهي عملية ابداعية للأمام، سواءً على مستوى إنتاج الفكرة، أو على مستوى الواقع، «الممارسة»، في التوجه لتقديم خطاب حول الواقع في تحولاته..، ولا يعني ذلك ان الرؤية عديمة الصلة بالحاضر، فهي تنطلق من مفرداته ومكوناته، وعلائقه، وصيغ تفاعلاته، لاستشراف المستقبل. إن القول إن الرؤية مرتبطة بالمستقبل لا يُفهم منه بالضرورة أن صلتها فقيرة أو معدومة بالتاريخ، فالتاريخ هو مخزن الذاكرة المعرفية والاجتماعية، ومنه نستخلص القيم الأخلاقية ، والقانونية ، التي تساهم في تصويب بؤرة تفكيرنا نحو المعنى المستقبلي في صيرورته، وفي تعبيره عن نفسه على أحسن وجه. وأجمل القراءات الموضوعية العلمية النقدية للواقع هي التي تأتي مشفوعة بالتبصر في التاريخ، ومحمولة على الركائز المادية الواقعية الملموسة، في جدلية ثلاثية خلاقة: الماضي، الحاضر، المستقبل. فالمستقبل، والتاريخ ليسا ضدين متعارضين، بل هما وجهان لعملية موضوعية، معرفية، فكرية، سياسية، تاريخية واحدة. ولا ندعي ان ما تقدمه هذه القراءة، أو الرؤية / المشروع، تحمل وتعكس هذه الدلالات والمعاني الكبرى للرؤية المستقبلية في قراءة واقعنا، ولكنها خطوة تتحرك وتصب في الاتجاه العام لتفكيك مفردات الواقع المأزوم والمعقد والشائك، التي انتجها الحكم القائم وما يزال مصراً على الاستمرار في انتاجها بفرضه قوانين التطور الداخلي للمجتمع وللسياسة بالقوة والحرب. والرؤية بهذا المعنى جهد متواضع، ومحاولة صادقة تسترشد المنهج العلمي النقدي التحليلي في التفكير، وفي الرؤية للواقع والأشياء من حولنا، وهي رؤية اجتهادية تتحرك وتصب في اتجاه تعميق مسار خطوات المبادرات العديدة السابقة التي تقدمت بها أطراف المعادلة السياسية المعارضة ، منذ بُعَيْد حرب 1994م ، وهي كذلك لا تخرج عن السياق العام للقراءة النقدية السياسية التحليلية التاريخية التي تقدم بها اللقاء التشاوري الوطني، وجميعها مبادرات ومشاريع رؤى يؤكد جوهرها العام على أهمية حضور المشروع السياسي الوطني الديمقراطي التعددي، الذي يستوعب ويستغرق في نطاقه المعنى العميق والشامل للضرورة السياسية والوطنية والتاريخية لبناء الدولة الوطنية المدنية المؤسسية الديمقراطية الحديثة، دولة الحق والقانون، دولة لكل مواطنيها، ترتكز على سلطة القانون، وعلى الشراكة والمشاركة في السلطة والثروة، والتنمية الاقتصادية الاجتماعية (الانتاجية) على قاعدة العدالة الاجتماعية، وفق تسوية سياسية تاريخية، وعقد اجتماعي جديدين للوحدة، وللبناء الوطني كله للبلد. إنها رؤية أو قراءة تستشعر خطورة وحساسية المرحلة، وما تحمله من مصاعب وتعقيدات، وكذا ما تنبىء به من انفجارات، بل وكوارث أصبحت أو غدت مثار حديث يومي في الأخبار المحلية، تتناقلها التقارير الدولية، والأبحاث الاستراتيجية المتنوعة والمختلفة المتصلة بالحالة اليمنية في تجلياتها المأساوية الراهنة، من توصيفها بالدولة الغائبة، إلى الدولة العاجزة، إلى الدولة الفاشلة، حتى الدولة المنهارة أو التي في طريقها إلى الانهيار، ولا يخفي الخطاب الرسمي ذاته الإعلان في العديد من خطاباته عن إمكان تحول الحرب من نافذة إلى نافذة، إلى تخويفنا بالصوملة، والعرقنة. إن الرؤية التي بين أيديكم ليست بجديدة في عناصرها، ومفرداتها، والمكونات العامة المشكلة لها. فقد احتوت البرامج السياسية للعديد من الأحزاب ، التأكيد على العديد منها بصورة إجمالية. وأكدت مبادرات ومشاريع الحزب الاشتراكي ، العديدة على تفاصيلها في أكثر من مشروع ومبادرة للإصلاح السياسي والوطني والدستوري، طيلة نيف وعقد من الزمن. ومشروع الرؤية للانقاذ الوطني التي تقدم بها اللقاء التشاوري الوطني هي خطوة كبيرة في هذا الاتجاه، ولن تتوقف مبادرات ومواقف المحبين لوطنهم في الداخل والخارج، في التأكيد على خطورة المرحلة. ورؤيتنا هذه هي إصرار على إيصال ما يفكر فيه الناس إلى شعبنا وقواه الاجتماعية والسياسية، وإلى كل المجتمع السياسي. إننا على قناعة أنه فيما لو توفرت الإرادة السياسية، والرغبة فإن القدرة على التنفيذ وتحويل ما احتوته جميع المبادرات إلى واقع، هو أمر في يد النظام وفي قدرته. المهم أن تمتلك الطبقة السياسية المهيمنة على مصائر البلاد كلها الجرأة الوطنية على تقديم تنازلات لصالح المجتمع والوطن كله، بدلاً عن تلك التنازلات المجانية التي تقدم للخارج، وهي جرأة وطنية محمودة في التنازل لأصحاب الحق الأصليين عن بعض المصالح الصغيرة الخاصة، التي تراكمت لديها بصورة غير شرعية، وغير قانونية، لصالح إعادة البناء الوطني كله بصورة تعيد العافية إلى النسيج الاجتماعي الوطني كله. والخطوة الأولى والحاسمة في هذا الاتجاه هي: الاعتراف بالآخر، والقبول به، وتجاوز ثقافة الإقصاء، والإلغاء للآخر، والاعتراف به كما هو وبجميع حقوقه، والإقرار بأن الوطن، والدولة، حقيقتان كليتان، ليس لأحد منا احتكارهما، أو إدعاء ملكيتهما، أو إعادة إنتاج ملكيتهما وكأنهما أشياء خاصة به. إن الممارسة الإقصائية للآخر، وغياب ثقافة الاعتراف بالآخر، والقبول به، هي المقدمة السياسية والعملية لسيادة ثقافة وضع القوة فوق الحق، وتغليب الحرب على السلم، والسلام. وهي الأساس لهيمنة ثقافة العنف، والتطرف، والإكراه، والكراهية، وعدم التسامح، ومن ثم تحولها في واقع الممارسة السياسية السلطوية إلى ضم وإلحاق، كما هو جار في الجنوب على وجه التحديد والخصوص. وهنا تحديداً يكمن جذر المشكلة الحقيقي، الجذر المعرفي، والفكري والسياسي، الذي يتخلق ويتكوم ويتراكم في صور الممارسات القهرية، والإلغائية للآخر، وما أكثرها في الحقائق والوقائع الجارية اليوم..، ومن ضمنها عدم النظر إلى ما يقدمه الآخر، الشريك في الوطن، من مبادرات، ومشاريع رؤى إنقاذية للوطن من الأزمة السياسية البنيوية والوطنية الشاملة، إلا بأنها عمالة، وخيانة، ومزايدات. ذلك أن الدخول في بحث جدي لهذه المبادرات والمشاريع، وبقدر عالٍ من المسؤولية، والاحترام للذات الوطنية قد يفضيان لا محالة إلى التأكيد على أن الحزب الحاكم، والنظام برمته، قد أوصلا البلاد إلى حالة من الأزمة السياسية البنيوية والوطنية الشاملة، وليس أدل على ذلك من تحول القضية الجنوبية إلى ظاهرة سياسية وطنية عمت جميع مديريات، ومناطق، ومحافظات الجنوب، وتركت آثارها الإيجابية على كل الوطن، وكذا في صورة حرب صعدة، في دوراتها الست، والتي يجري تحولها تدريجياً إلى حالة اقليمية ودولية، في صورة الحرب العسكرية الشاملة التي لم تتوقف إلا تكتيكياً، وكذا في صورة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية القاسية التي تعيشها جميع فئات وشرائح وطبقات المجتمع، وصولاً إلى حالة تعثر العملية السياسية الديمقراطية، ومحاولة النظام الاجهاز على ما تبقى من هامش ديمقراطي يذكرنا بالوحدة السلمية التي كانت يوم 22 مايو 1990م، وجميعها سياسات وممارسات تسير بنا جميعاً صوب تعميق الأزمة السياسية البنيوية والوطنية الشاملة في صورة جعلها كارثة محققة على الأرض. إننا أمام خطاب وممارسة تريدان ايصالنا إلى أن نقبل بأن نرثي أنفسنا والوطن معاً، وكأننا موتى أو في عدادهم، ولكننا سنبقى مصرين على أن نحمل أحلامنا بحدقات عيوننا إلى المستقبل، وليس بإمكان أحد أن يثنينا عن أن نأخذ رؤانا معنا إلى حيث يجب أن تكون، وأن تصل، ولن تتوقف محاولاتنا ودأبنا على مقاومة المشاريع الفتنوية، السياسية والعصبوية والجهوية، والمذهبية، وجميع المشاريع الصغيرة، سواء النازلة من سقف صحن الحاكم، والمفروضة على واقعنا بقوة السلطة، أو تلك الآتية من خارجها وبدعم مباشر أو غير مباشر من السياسات الرسمية القائمة. إن الرؤية النقدية، التي بين أيديكم، هي مساهمة ذاتية ، فردية ، سياسية وطنية نقدية، في تحليل مضمون الأزمة السياسية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية في أهم مفاصلها الجوهرية، وهي مشروع رؤية لإدراك واقع وحقيقة الأزمة الراهنة، والمداخل السياسية، والعملية، للخروج من الأزمة السياسية الوطنية الشاملة التي تكاد تعصف بكل الوطن، سلطةً، ومجتمعاً. 1 - في طبيعة الحكم العصبوي، الفردي، المركزي: إن المتابع للتاريخ السياسي الاجتماعي الاقتصادي للدولة التقليدية، بما فيها دويلات ملوك الطوائف، والسلطنات، والإمامة، سيجد أنها جميعاً اتسمت بالخصائص والصفات الثلاث الآنفة، كما هي حاضرة اليوم وماثلة في طبيعة الحكم القائم، والمتمثلة في الثلاثية الجدلية التالية: العصبية، الفردية، المركزية. وهي في العموم خصائص وصفات للدولة القديمة والتقليدية في تعبيراتها وتجلياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التاريخية. وهي غالباً ما تسم جميع الدول في التاريخ القديم، وفي التاريخ الوسيط على وجه الخصوص، وهي دول قامت وتأسست تاريخياً على قاعدة الفردية، والتسلط، وحكم العصبية على مستوى السلطة، ونظام الحكم، وعلى الجبائية، والخراجية، والريعية، على الصعيد الاقتصادي، دول ذات طبيعة اقتصاد طبيعي؛ وتجاري، زراعي ما قبل رأسمالي شبه اقطاعي، اعتمدت تاريخياً أشكالاً متنوعة من الاقتصاد ومن أنماط الإنتاج ما قبل الرأسمالية، المجسدة طبيعة الدويلات القديمة: المشيخات، السلطنات، والإمارات الإمامية المختلفة. إن طبيعة نظام الحكم الفردي والتسلطي، والعصبوي كان لها الدور التاريخي الأكبر في عرقلة نمو ونشوء الرأسمالية التجارية والزراعية والصناعية في المدينة والريف، وساهمت بدور كبير في تعويق نشوء وتشكل البرجوازية التجارية كقوة اجتماعية واقتصادية جديدة، والحالة اليمنية الإمامية مثال بارز على ذلك التعويق لنشوء الرأسمالية، وعدم تشكل الطبقة البرجوازية. فالجمود التاريخي لعلاقات الإنتاج، وقوى الانتاج لحقب تاريخية طويلة وهيمنة علاقات الانتاج ما قبل الرأسمالية وشبه الاقطاعية القبلية العسكرية، والعزلة التاريخية الشديدة عن العالم (عزلة حضارية) إلى جانب التشتت الاجتماعي والثقافي والسيكولوجي للسكان في بنية المجتمع الإمامي. إن كل ذلك قد ساهم في تكريس وترسيخ العزلة الداخلية، وجعل المجتمع الداخلي مغلقاً على بعضه البعض، وغير منفتحٍ على الخارج (العالم)، وعلى تأثيرات السوق الرأسمالية العالمية، ويمكن القول هنا أن هيمنة البنية الاجتماعية التقليدية في طابعها القبلي العسكري، وفي غطائها الديني المذهبي السلالي لقرون طويلة، ووقوع مركز القرار السياسي، المتمثل في العاصمة صنعاء في أسار جيوش من الحزام القبلي العسكري المحيط بالعاصمة صنعاء، إحاطة السوار بالمعصم. إن كل ذلك ترك آثاره السلبية على مستقبل تطور النظام السياسي، وعلى إمكانية إحداث تطور في البنية الاقتصادية والانتاجية، كما ترك كذلك آثاره السلبية المدمرة على ثورة 26 سبتمبر 1962م، بعيد قيامها مباشرة، وخصوصاً على إمكانية قيام الدولة الوطنية، التي ووجهت بحرب داخلية، ملكية، قبلية، واستعمارية امتدت لثمان سنوات، دون توقف، وهو أحد الأبعاد السياسية التاريخية لغياب الدولة الوطنية المؤسسية الحديثة حتى اللحظة. لقد بقيت الإمامة طيلة القرون السالفة، وخاصة خلال العقود الأخيرة منها، أنموذجاً لاستمرار الدولة التقليدية في شروط عصر مغاير، وعلى القاعدة التقليدية التاريخية في صيغة وحدة الإمامة، بالبنية المشيخية القبلية المسلحة، وهي الصيغة السياسية الاجتماعية الثقافية أو العقد السياسي الاجتماعي التاريخي غير المكتوب، الذي حكم وحدة الإمامة بالقبيلة المسلحة، حيث وجدت الإمامة الزيدية الهادوية منذ أواخر القرن الثالث الهجري في البنية المشيخية القبلية المسلحة رداءها الحربي العسكري، الحامي لإمامتها، ووجدت القبيلة المسلحة في الإمامة غطاءها الديني الايديولوجي، وكأن الإمامة استوفت بالقبيلة المسلحة جيشها، ووجدت القبيلة في الإمامة غطاءها أو بعدها الإيماني الديني الغائب عن حياتها، ولا غضاضة في ذلك تاريخياً، كونها تجسيداً موضوعياً وذاتياً لواقع سياسي اجتماعي فكري تاريخي. إن الجذر الموضوعي، والسياسي والاجتماعي المفسر والدافع لقيام الثورة اليمنية عموماً، وخصوصاً لقيام وتفجير ثورة 26 سبتمبر 1962م إنما هو للقضاء على وحدة هذه الصيغة السياسية التاريخية التي حكمت العلاقة بين الإمامة، والقبيلة المسلحة، كشكل وصيغة لنظام الحكم ولإدارة المجتمع، وهي
صيغة تقليدية فرضت نفسها تاريخياً كطبيعة خاصة للحكم، وكشكل لإدارتها للمجتمع والبلاد، ووصلت تاريخياً إلى طريق مسدود، ولم تعد تلبي الحاجة الموضوعية والسياسية والوطنية للتقدم الاجتماعي في عصرنا، وتحولت إلى أداة كابحة ومعيقة لنشوء وقيام الدولة الوطنية، وعقبة حقيقية أمام بناء دولة المؤسسات، وسلطة القانون. والجميع يعلم حجم التحديات الاجتماعية والوطنية، والمصاعب العملية، والسياسية والاقتصادية، التي واجهتها ثورة 26 سبتمبر 1962م، والمواجهات العسكرية التي لم تتوقف يوماً واحداً، والتي حولت اقتصاد الثورة والجمهورية إلى اقتصاد حرب، وهي في مجموعها مصاعب وإشكالات كان من الصعب تجاوزها، وقفت في وجه ثورة 26 سبتمبر 1962م، وطيلة ثمان سنوات 1962-1970م. وكان أحد الأهداف الاستراتيجية لتلكم الحرب، وذلك الحصار الشامل، هو إفراغ ثورة 26 سبتمبر 1962م، من مضمونها الاجتماعي والسياسي والوطني والديمقراطي، وكذا ضرب فكرة وقضية بناء وقيام الدولة الوطنية، دولة لكل مواطنيها. إن أحد أهم أهداف الثورتين اليمنيتين سبتمبر، واكتوبر. إنما كان في الجوهر يستهدف التجاوز الثوري والسياسي النقدي لصيغة الحكم العصبوي، الفردي، المركزي، والحكم الاستعماري، الانجلوسلاطيني، وقيام الدولة الوطنية اليمنية الواحدة، وجاءت الوحدة السلمية الديمقراطية في 22 مايو 1990م، بعد زمن طويل من التجزئة والتشطير لتطرح فكرة قيام الدولة الوطنية الديمقراطية التعددية الواحدة، على قاعدة الشراكة الوطنية للسلطة والثروة بين طرفي المعادلة السياسية الوطنية لدولة الوحدة، الشمال، والجنوب، بعيداً عن عقلية الحروب، أو الضم والإلحاق، أحدهما للآخر، وهي الصيغة السياسية العسكرية التقليدية التي أثبتت فشلها طيلة حكم التشطير، كما تؤكد اليوم فشلها بعد حرب 1994م. وهي الحرب التي كان معداً لها مسبقاً، وتمت وكأنها عملية اجتياح للجنوب أولاً، ثم اجتثاث لدولة الجنوب ومؤسساتها ومقوماتها المادية والسياسية والمعنوية ثانياً، وتحويل اقتصاد وممتلكات الدولة العامة إلى ملكية خاصة وفيد للقادة العسكريين المنتصرين في الحرب، والنافذين السياسيين والموالين لهم ثالثاً، وتحويل السكان إلى ملحقين ورعايا، وما تبقى من بعض النخبة السياسية الممالئة للحكم تم استلحاقهم في بعض الوظائف والمواقع الإدارية والسياسية، على قاعدة منظومة الولاء الشخصي والتبعية، وليس على قاعدة الشراكة والمشاركة الوطنية في السلطة والثروة، وكأننا أمام عملية إعادة إنتاج لصيغة الحكم التشطيري في أسوأ تجلياته السياسية والواقعية، أو نقل وتطبيق لمفهوم الأصل، والفرع، وعودة الجزء إلى الكل، من إطارها المفهومي النظري المجرد، إلى حقيقة يجري تنفيذها في الواقع، وعلى مستوى السلطة والمجتمع. وهو ما تحول إلى واقع سياسي، عيني مادي ملموس بعد استكمال وضع حرب الفيد على السلطة والثروة اوزارها، وبذلك تم إفراغ الثورتين اليمنيتين، سبتمبر وأكتوبر، من أهدافهما السياسية والاجتماعية، والوطنية، وأعاد انتاج مفهوم الوحدة ومضمونها السلمي، الديمقراطي، التعددي، القائم على الشراكة الوطنية بين الشمال، والجنوب، إلى حكم عصبوي فردي، مركزي، أعاد اليمن كله - بشطريه - عملياً إلى ما قبل الثورة، والاستعمار، بعد ان قضى بالحرب على الوحدة السلمية الديمقراطية، وفرض على الجميع العودة إلى العيش ضمن صيغة دولة تقليدية لا صلة لها بالحياة والعصر، في صورة تكريس حكم عصبوي، فردي، مركزي، هيمن عن طريق القوة والشوكة والقبلية والحرب على السلطة والثروة، ملغياً روح الشراكة الوطنية بين طرفي دولة الوحدة، بل ومدمراً، بالحرب وبالسياسة ، باعتبارها الوجه الآخر للحرب، التراث السياسي، والمادي، والثقافي، والمؤسسي، للدولة الوطنية الاستقلالية في الجنوب، وموروث السلطة والدولة الذي كان قائماً في صورة دولة الشمال السابقة، مستعيداً روح سلطة الدولة التقليد ية الوسيطة. حقاً اننا اليوم نعود القهقرى بالتاريخ السياسي والاجتماعي وننتكس بالدولة عن صورتها الوطنية، والشعبية كدولة في خدمة المجتمع ولمصلحته، ونتراجع عن القيم السياسية المدنية، والمعاني الوطنية الكبرى التي حملها وعبر عنها المشروع السياسي الوطني الديمقراطي منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وحتى إعلان وحدة 22 مايو 1990م. اننا نميل في رؤيتنا هذه إلى توصيف وتعيين حالة دولة السلطة، أو «السلطنة» القائمة في أنها حكم عصبوي، فردي، مركزي، استناداً على قراءة سياسية واقعية تاريخية، أي أن توصيفنا للحكم القائم بهذا المفهوم، وبتلكم الصفات لم يأت اعتباطاً أوحكماً سياسياً مرسلاً، بل هو حصيلة قراءة موضوعية تاريخية متأنية، ومتابعة استقرائية واقعية نظرية وسياسية وعلمية، كل الشواهد اليوم تؤكدها، حيث نجد العصبية هي الإطار المركزي العام للحكم، وهي مستقاة من مخزون ذاكرة معرفية ثقافية، سياسية تاريخية، وحصيلة خبرة وتجربة حكم إمامية لم يجر القطع معها معرفياً وسياسياً وثقافياً ومؤسسياً. صحيح أن ثورة 26 سبتمبر 1962 قضت على حكم السلالة الزيدية الهادوية (البطنين)، ولكنها لم تتمكن من إزالة روح الحكم العصبوي الفئوي، الطائفي في عمقه الداخلي، وهو ما يفسر استمرار ثقافة العصبية كرؤية ومنظور للحكم في طبيعة الحكم القائم اليوم، وليست الفردية، سوى حصيلة تراكمية سياسية، ثقافية، تاريخية، لحكم العصبية، في صورة الإمامة، والإمام، أعاد انتاجها الحكم الفردي القائم في أسوأ صورها التسلطية الاحتكارية للسلطة، والثروة، وهو ما يمنع واقعياً وسياسياً تحول التعددية إلى ثقافة تعترف بالآخر وتقر بحق المختلف، وهو كذلك ما يمنع امكانية تحول التعددية إلى ديمقراطية وإلى تداول سلمي للسلطة، والمركزية، هنا هي مركزية جباية، وليست حماية، مركزية إدارة الاستبداد، والتحكم بمصالح العباد، وضبط ايقاع المجتمع، وخياراته على ايقاع مصالح الحكم العصبوي، الفردي. فالمركزية نتاج الأنظمة التسلطية التي احتكرت السلطة، ومعها نهبت الثروة، والغت الحيز الاجتماعي العام، وهيمنت على المجال السياسي. وغالباً ما تكون الظاهرة الرعوية، والبطريركية (الأبوية) واحدة من سمات ووظائف الحكم العصبوي، الفردي، وهي مركزية جباية، وتنافيذ، وضرائب، وهي في الوقت ذاته لا مركزية، هي أقرب إلى الفوضى في إدارة المجتمع، والحفاظ على حقوق الناس ومصالحهم المعرضة للنهب والإعتداء من قبل رموز مراكز القرار في الحكم العصبوي، الفردي القائم، هو الوجه السياسي التاريخي المستمر للدولة الوسيطة، ولكن في شروط عصر مغاير لها جذرياً، في صورة الإمامة، أو السلطنة، أو الإمارة، والمشيخة، أو الجمهورية القبلية، أو الوحدة منزوعة الدسم الوطني، والمركزية هي الشكل السياسي والتنظيمي والإداري والاجتماعي الذي يدير الحكم العصبوي، الفردي، من خلالها السلطة والمجتمع. ان العصبية، والفردية، والمركزية، هي المفردات، الأدوات أو الآليات، التي تشكل جوهر وصورة نظام الحكم القائم وماهيته، بعد ان التهمت هذه الصفات والتعيينات والتحديدات الماهية الموضوعية والسياسية التاريخية للدولة الوطنية المدنية المؤسسية الحديثة، وأعاقت طيلة ثلاثة عقود إمكانية ظهور نموها وتطورها، من خلال فرض قوانين التطور الداخلي للمجتمع والسياسة وفقاً لمنطق القوة والحرب، وهو ما نشهده في صورة ما يجري اليوم.. حيث تغولت دولة السلطة، أو السلطنة، لتصادر في جبها أو معطفها المعنى المؤسسي، والمدني، للدولة الوطنية الحديثة، أو مشروع دولة المواطنة المنشودة، فقد التهمت الصفة، الموصوف، كما يقول أحد المفكرين، حيث نفى الحكم العصبوي الفردي المركزي، الدولة الوطنية والمؤسسية وحل بديلاً عنها، ومن صفات الدولة التقليدية الوسيطة تاريخياً وفي جميع مستوياتها صفات: العصبية، والفردية، والمركزية. ومن هنا الشخصنة الطاغية في معظم القراءات السياسية، والسوسيولوجية، أو التي تفرض نفسها بقوة على معظم القراءات والدراسات السياسية والسوسيو/ثقافية/اقتصادية، وخاصة في الكتابات الصحافية السيارة، وهو ما يفسر واقع تعثر، بل وتراجع العملية السياسية الديمقراطية في صورة انتخابات دورية أو حكم محلي مفرغ من مضمونه الديمقراطي، مهمتهما إعادة ذات البنية والنظام، ولا فرق هنا ان يسمي الحكم نفسه بالجمهوري، أو دولة الديمقراطية الناشئة، أو الدولة القومية والوطنية، أو الإسلامية، أو الاشتراكية، فالأصل واحد، هو احتكار العصبية، والفردية، للسلطة والثروة باسم من المسميات السابقة (الاشتراكية أو القومية، أو الإسلام، أو الوحدة)، لقد التهمت الصفة العصبية والفردية في غلافهما أو غطائهما الوحدوي، ماهية الطبيعة الوطنية والمدنية والمؤسسية، للدولة الحديثة..، التهمت دولة الشراكة الوطنية للجنوب، ودمرت في هذا السياق المعنى العميق لقضية وفكرة المواطنة، والتعددية التي تحولت عملياً إلى أداة أو آلية لإعادة انتاج حكم العصبية، والفردية، التسلطية الفئوية"العائلية"، في إطار نظام مركزي متخلف لا صلة له بالوحدة، ولا بالجمهورية ، ولا بالديمقراطية، ولا يقود في واقع الممارسة إلى تحقيق التداول السلمي للسلطة، وهي واحدة من أعمق وأخطر إشكاليات تطور الدولة، والمجتمع في اليمن المعاصر.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.