كتب/ د.محمد ناجي الدعيس لقد مر الوقت وغالبية قادة الدولة لا يسمعون إلا ما يحبون أن يسمعوه وليس ما يجب أن يسمعوه، وكان ذلك وما زال، قد لا يهم لأنهم يرون في ذلك مصلحتهم، وكتب كثر من الكتاب علَّ أحدهم يقرأ أو يفهم ويعمل رحمة به أولاً المسؤول لما حُمّل من أمانة المسؤولية أمام الله عزّ وجل، وثانياً تكون رحمتهم بمن ولوا عليهم من أبناء هذا الشعب الذي وصفهم رسول البرِيّة بأنهم أرقُّ قلوبٍ وألينُ أفئدة.. وليس لي علمٌ بأن ما كُتِب عن معاناة الأغلبية وأنينها على صفحات السلطة الرابعة من قِبل النخب اليمنية ومثقفيها، فهل كان يسمح لها أن تنفذ من خلال أبواب الرئيس المختلفة لتقع بين يديه؟ أم أن مصلحة البعض كانت توحي للرئيس أن الوضع على خير ما يرام؟ لأن الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي اكتشف متأخراً حينما طلب تقريراً عن عائلة الشهيد محمد البوعزيزي فرفع التقرير بأن العائلة ثرية ومرفهة، وحينما قابل والدة الشهيد وسألها وجد الأسرة معدمة وتشكوا ضنك العيش ورأس مالها ثلاث دجاج فقط، حينها ظهر في خطابه الأخير على شاشة التلفاز وهو يقول أنا فهمتكم..! أي أنه فهم جمال خطاب بطانته وتقاريرهم المضللة وسوء واقع المواطنين وضنكهم.. فهم متأخراً أن بطانته والقائمين على قضاء حاجات المواطنين لا يقولون له إلا ما يحب أن يسمع وليس ما يجب أن يسمعه عن أحوال الناس بصفته رئيساً لكل أبناء الشعب.. وكما هو الحال في تونس هو في مصر وليبيا، فكان أول من تخلّا عنهم هم المقرّبون والمستفيدون أثناء فترة حكمهم.. ولأن وضعنا كما يقال في اليمن يختلف - نسبياً - عن تونس ومصر وليبيا فقد قلت عبر مقالاتٍ عدّة في صحيفة 26 سبتمبر للدولة وللأخ الرئيس ما يجب أن يقال لهم وليس ما يحبوا أن يقال حتى إن ضاق بعض المسؤولين ذرعاً من تلك المقالات، وقد سألني ذات مرّة الأخ رئيس مجلس الوزراء الدكتور / علي مجور عن صدق أحد المقالات وسلّمته الأدلة على صدق ما جاء في المقال ولم يزد الوضع في ذلك الشأن إلا أكثر بؤساً..!! فأهم ما يجب أن يقال هنا ألخّصه كمواطن ليس إلا بالآتي: بعد قيام الجمهورية اليمنية وتحديداً بعد أول انتخابات نيابية في 27 ابريل 1893م، وأثناء الفترة الانتقالية ظهر الغُبن السياسي من قِبل الحزب الاشتراكي شريك إعادة تحقيق الوحدة والذي تفاقم أمره حتى أسفر عن حرب صيف 1994م.. دافع عن الوطن إلى جانب القوات المسلحة كل الشرفاء من الشعب بما فيهم الأحزاب، ودخل في تشكيل الحكومة إلى جوار حزب المؤتمر الشعبي العام حزب الإصلاح لشراكته في الحرب كمدافع عن الوحدة إضافة إلى حصوله المرتبة الثانية في مقاعد مجلس النواب آنذاك حيث حاز المؤتمر على (123) مقعداً، والإصلاح على (63) مقعداً ثم الحزب الاشتراكي اليمني بحصوله (48) مقعداً.. ومع الأسف زاد الواقع المجتمعي أكثر معاناة.. زيادة تفاقم الغبن السياسي نظراً لدخول أعضاء في الحكومة من أبناء المحافظات الجنوبية ليسوا من شركاء إعادة تحقيق الوحدة أي لم يكونوا محسوبين على الحزب الاشتراكي بقيادة علي سالم البيض وإنما محسوبون على الحزب الاشتراكي بقيادة علي ناصر محمد والذي أقصاهم الأول في حرب 1986م، وهو بداية نشوء الغبن السياسي وكان للحزب الاشتراكي تحفظاً عليهم قُبيل إعلان قيام الجمهورية اليمنية. برغم صدور توجيهات الرئيس بمعالجة أوضاع أبناء المحافظات الجنوبية بكل أطيافهم المهنية إلا أن الغبن السياسي لدى البعض جعل من التسويف حلاً للمشكلة فزاد ذلك من تفاقم المعاناة حتى ضاق ذوي الحقوق ذرعاً فخرجوا منادين بحقوقهم.. فتمت المعالجة بعد أن فقدت قيمتها بما يقارب مائة مليار ريال، وتأخر المعالجة كلف خزينة الدولة أضعاف المبلغ، ناهيك عن الآثار النفسية والمادية التي لحقت بذوي الشأن طيلة الفترة.. فلماذا نمسخ الحلول الجميلة حتى وإن كانت لذوي رَحِمنا؟ كثيرٌ من البسطاء يقولون إن الرئيس / علي عبدالله صالح كزعيم دولة تغيرت إدارته لشؤون الدولة بمنحى سلبي بعد 1994م، عن ما كانت عليه قبل 1994م، فإلى ماذا يُعزى ذلك؟ هل لأنه أوكل مهمة إدارة شؤون الدولة إلى أشخاصٍ ليسوا على قدرٍ من المسؤولية؟ وماذا تعني توجيهاته المتكررة لمسؤولي الدولة باضطلاعهم بمهامهم وتحسين أوضاع المواطنين دون جدوى؟ وحينما وفّق الأخ الرئيس في اختيار المغفور له بإذن الله الدكتور / فرج بن غانم بتكليفه لتشكيل الحكومة بعد انتخابات 1996م، النيابية كان بداية الطريق للنهوض بالبناء التنموي للوطن .. فلماذا اضطر الرجل لتقديم استقالته ولم تترك له حرية البناء الوطني ومحاسبته؟ هل لأن الفساد كان ولا زال أقوى من بناء وطن؟! أخي الرئيس أرجو أن لا ينضوي عليك القول إن المتظاهرين والمعتصمين من البسطاء في غالب محافظات الجمهورية حرّكتهم الأحزاب أو مؤامراتٍ خارجية، وإن افترضنا ذلك جدلاً.. فمن أعطى الفرصة لأولئك بتوظيف البسطاء للخروج إلى الشارع؟ وبرغم أنني أستبعد ذلك كما قلت إلا أنني أقول لكم ومن قلبٍ وفكرٍ محب لهذا الوطن وكل أبنائه باختلاف أطيافهم وأعمارهم وأجناسهم ومناطقهم..الخ، أقول لكم بأن المحرّك الرئيس لهم بالإضافة إلى ما ذكرت هو ممارسة الظلم وتفاقم الفساد الذي امتدّت أذرعه إلى كل مفاصل نُظم الدولة وزواياها حتى أصبح جيل المستقبل منزوع الثقة من هويته وانتمائه في أن يحقق له قادة الدولة تعليماً نوعياً أو وظيفة يقتات منها لبضعة أيام فقط، أو مأوى يحفظه من التشرد والاغتراب أو أمان صحي يقيه من أوبئة الدهر..الخ،.. أخي الرئيس قد لا تعلم مدى ما يعانيه البسطاء -ونحن منهم- من ذُلٍّ وهوان وغربة فكرية وهم يترددون على الأبواب الخارجية للوزارات والمصالح لا يسمح لهم بالدخول باحثين عن فرصة وظيفية أو قضاء معاملة من معاملاتهم ومنهم من قدم من مناطق بعيدة.. أبواب غالبية مسؤولينا موصدة أمام المواطنين وطريق الوصول إليهم شاق بكل ما تعنيه الكلمة.. وليس لهم بعد الله سواكم وصعبٌ الوصول إليكم، أو من أوكلت إليهم المهمة ولكنهم في عالم غير عالم البسطاء وشؤونهم.. أخي الرئيس ليس سهلاً أن تكون الأرض للبسطاء فراشاً والسماء لهم لحافاً، ولكن ما يكون أكثر مرارة من العلقم والأقسى من ذلك والأمر هو أن يستفيد بعض قادة الأحزاب ومنهم حزبك في التطرف والتطاول عليهم الذي وصل إلى الأذى الجسدي والقتل، وهو ما لا يرضيك.. وقد سمعته أذناك ورأته عيناك.. ما أرجوه منكم أخي الرئيس النزول إلى أبنائكم من البسطاء لسماع أنينهم، ومن ثم البدء بتغييرات جذرية بدءاً بقيادات مؤتمرية وفي نظم الدولة المختلفة التي تملكت المناصب وأفسدت منذ زمن ولم تثبت في التعاطي الإيجابي وإيجاد حلول من مواقعهم مع ما يحدث، وأن لا تركن في حل الأزمة إلى أحدٍ كان أحد الأسهم في تفاقمها، كالحوار مثلاً تسير خطاه عند تبنيكم رعايته وعند ما توكلون المهمة إلى آخرين تتعقد خطاه وينسد طريقه .. أهو خوف من فقد مصالحهم ومناصبهم إذا اتفق الشركاء؟ كما أرجو من قادة النظم الاجتماعية اليمنية الشرفاء بكل أطيافهم ومناطقهم الوقوف صفاً واحداً وإطلاق ملكاتهم الذهنية الشبكية باستبصارٍ وحكمة وطنية وقادة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني بوقوفهم إلى جانب الأخ الرئيس محتكمين إلى العقل الحقيقي لتلك العدالة المجتمعية التي يطالب بسلاحها الجميع، والاتعاظ بما جرى ويجري في دولٍ شقيقة خسرت أوطانهم ما يفوق وصفه خيرة أبنائها ومواردها المادية. ألا يكفينا ما خسرناه عبر التاريخ اليمني القديم والحديث ونحن نمارس معادلة وطنية خاطئة أحد طرفيها منتصر والآخر خاسر أو مهزوم، متناسين انتصار وطن للجميع؟ وعليه يجب حتمية تغيير تلك المعادلة الخاطئة وعلى وجه السرعة ليكون كلا طرفيها متزناً، ولن يكون ذلك إلا بتغيير مفاهيم وسلوكيات جميع الشركاء، بحيث يكون طرفا المعادلة الوطنية منتصراً لأن ممثلي طرفيها هما مكونات الوطن جميعاً وليس الأممالمتحدة أو أي أطراف من خارج السيادة الوطنية.. فهل يستطيع الشركاء فعل ذلك؟ ذلك أهم ما يجب قوله في الوقت الحالي للأخ الرئيس، أتمنى أن يقع بين يديه وتحت ناظره فهو ثاقب البصر والبصيرة للتنبه إلى أشياء كثر قد أفتقدها كمواطن.. وفق الله الجميع وأنار على طريق الخير خطاهم لما فيه خير الوطن وشعبه.. اللهم إني بلغت .. اللهم فاشهد