كتب/المحرر السياسي بين من يعتبرها ذكرى نصر جديرة بالاحتفاء وبين من يعدها جرحاً غائراً التذكير به أحد أشد متكئات الوجع يأتي 7 يوليو هذا العام مضرجا بالدماء وكأنما هو استحضار واقعي لأيام خلت من 94م كان القتل أحد أهم الغايات المقدسة للإخوة الأعداء. والحقيقة التي لا يمكن لي عنقها هي أن الحرب مهما كانت دوافعها هي ذكرى سيئة يتوجب مداواة جراحاتها لا اعتبارها عيداً سنوياً يحتفل به، باعتبار أن قتلى الطرفين هم أبناء بلد واحد وهم قبل ذلك وبعده ضحايا صناع السياسات والحسابات الخاطئة. في اليمن -شماله وجنوبه- توجد قضايا تزداد تعقيدا التفكير العاقل لحلها أجدى ألف مرة من إرهاق الفكر بالتخطيط لإقامة فعاليات مناكفة لإثبات الحضور وتكريس مبدأ القوة، لأن الأمر يتخطى محاولة كسر الإرادات إلى ما هو أعمق من ذلك بعد أن أصبح الانفصال يمثل حلما فرديا لكثير من أبناء الجنوب من الذين نالهم تعسف أو أصابهم ضيم أو حتى فقدوا مصالحهم بغض النظر عن كونها شرعية أم لا. الدعوة للانفصال صارت ورقة لتصفية الحسابات والثأر من النظام السياسي القائم حتى وإن أدى الأمر إلى خراب مالطا. كل خصوم النظام وجدوا من يحارب بدلا عنهم، سواء كانوا أحزاب سياسية أو مشائخ ونافذين فقدوا مصالحهم أو حتى دولاً تحققت الوحدة رغما عن إرادتها. اتفق الجميع على الغاية رغم عدم مشروعية الوسيلة، حتى أولئك الذين كانوا أكثر المقاتلين شراسة في ما كان يسمى بالجهاد للدفاع عن الوحدة باعتبارها مقصداً دينياً أكثر منه مشروعاً دنيوياً. ساهمت السياسات المختلفة للسلطة في التعامل مع قضايا الجنوب للوصول إلى هكذا حال وبالذات مع تراخي الأحزاب في تبنيها ضمن مشاريعها السياسية إلا من باب إسقاط الواجب في غمرة انشغالها بالحوارات السياسية لتحقيق مكاسب لها علاقة بالانتخابات لا بالضغط لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية. هل يمكن أن يلام مظلوم إذا ما فقد صوابه جراء افتقاده الأمل بتحقيق عدل يعيد إليه حقه وينتصر لمظلمته؟! والكارثة أن هناك داخل السلطة ومن المحسوبين عليها من يتنكر لوجود انتهاكات للحقوق، استهانة بآلام الناس وتنكرا لوقائع لا يمكن إخفاؤها أو التقليل منها. تخطئ السلطة حين تعتقد أن الوحدة مجرد مسيرات مساندة مهما بلغ حجمها مثلما تخطئ حين تعتقد أن الاعتقالات وقمع المسيرات المضادة وحدها فيه حماية لها، إذ بدون المعالجات الحقيقية والتي من أولاها حكم محلي كامل الصلاحيات ستظل المشكلة تكبر وتكبر حتى تصبح عصية على الحل وبالذات في ظل غياب المشاريع الوطنية البديلة. وهنا ما زال الوقت مواتيا لأن يعيد النظام حساباته بناء على دراسة متأنية للواقع الذي أفرز كل هذه الأزمات، بعيدا عن إعادة التحالفات التكتيكية القديمة التي كان تفككها جزءاً من المشكلة اليوم لأنها كانت مبنية على حسابات الربح والخسارة التي لها علاقة بالسلطة وليس بالوطن الذي يدفع ثمن هذه التحالفات. مواطنو هذا البلد يعيشون اليوم حالة من التوجس وعدم اليقين، ليس إزاء النظام السياسي فقط وإنما حيال المعارضين والمثقفين والعلماء والصحفيين وكل من له علاقة بالشأن العام، بسبب أن كل هؤلاء خذلوهم ولم يتمكنوا من إنتاج بديل صالح يمكن الالتفاف حوله والنضال من أجل تحقيقه. وهو ما سيؤدي إلى تشكل جماعات المصالح والعصابات وعودة الاحتماء بالقبيلة والعشيرة والتطرف الديني وهذا وضع يمكن عده خيارا متاحا في حالة ظل كل على تمترسه داخل السلطة والمعارضة وكذا القوى الطامحة للحكم التي لا تخفي جموحها وإن على أشلاء الوطن بكامله.