استطلاع/ رشيد الحداد رغم تعدد المسميات في الهيكل العام للدولة إلا أن لكل مصلحة أو هيئة مؤسسة حكومية أهدافاً عامة تسعى إلى تنفيذها من خلال المهام والاختصاصات المناطة بها، وفي ظل تعدد المصالح العامة الحكومية كمصلحة للضرائب وأخرى للجمارك وثالثة لخفر السواحل ورابعة للجوازات وخامسة للأحوال المدنية، إلا أن مصلحة شئون القبائل إحدى المصالح التي تفتقر لمقومات الوجود الموضوعية فوجودها الحالي بلا مهام ولا اختصاصات ولا استقلالية ولا أهداف تستدعي إعادة النظر بالحذف والإلغاء كونها مصلحة فقدت شرعية المصلحة العامة، فهي ريعية ليست بمعنى الريع وتنظيمية بلا نظم، لها 21 فرعا في عموم المحافظات وآلاف الموظفين وآلاف المستفيدين من ريعها المالي الذي يأتي من الموازنة بالمليارات مهما كان موقف الإيرادات العامة للدولة فإنها باب من أبواب النفقات التي لا تغلق ولا يدخله سوى اللوردات.. إلى مصلحة اللوردات؟! بدأت الخطوات الأولى للإصلاحات الإدارية في اليمن بالتعاون مع البنك الدولي أواخر تسعينيات القرن الماضي وبناء على دراسة الوضع الراهن والذي شكل الخطوة الأولى في تحديد المشاكل الأساسية التي أدت إلى عجز الجهاز الإداري للدولة في القيام بوظائفه الأساسية، حيث كان أهم تلك المشاكل تضخم الهياكل التنظيمية والوظيفية لأجهزة الدولة بأجهزة ومصالح حكومية وحدد برنامج إصلاح وتحديث الإدارة العامة إعادة صياغة مهام الأجهزة الحكومية وإلغاء بعض الأجهزة والمصالح غير الضرورية وتحويل موظفيها إلى الخدمة المدنية وأما الإحالة إلى أحد الأجلين إلى التقاعد أو تدريب وتأهيل الموظفين المحالين وإعادة توزيعهم إلى مصالح أخرى ومن المصالح التي كان يجب أن تلغى مصلحة شئون القبائل من الهيكل الذي أثقل كاهل الموازنة العامة، ليس لكونها مكوناً حكومياً وحيداً يهتم بشئون النظام التقليدي بل لسقوط أساس وجودها فلا هي مصلحة خدمية لها ضروراتها ولا هي مصلحة تنموية تهتم بشئون تنمية المجتمع القبلي المغلوب على أمره الذي يشكل البنية التحتية للنظام الاجتماعي ومن هذا الأساس ارتبط وجودها برؤيا ضيقة النطاق فهي بحد ذاتها مصلحة ريعية ليس لها موطئ قدم من وظائف الإدارة، لا تخطيط ولا تنظيم ولا تنسيق ولا رقابة وبقاؤها لما يزيد عن 12 عاما من عمر الإصلاحات يدل على عدم الجدية في إجراء إصلاحات إدارية حقيقية التي تدور في حلقة مفرغة من المضمون. تجاهل الإمام واهتمام الثورة رغم علاقة النظام الإمامي التحالفية مع غالبية القبائل على مدى فترة حكم بيت حميد الدين الممتدة من 1918-1962م والتي كانت إحدى عوامل استقرار وسيطرة دولة الإمامة التي كانت تفتقر لجيش نظامي قوي وجهاز إداري حديث بل إن جهاز النظام الإمامي البدائي تمثل بمكاتب تنفيذية موروثة عن نظام الولاية العثماني المستمد من النظم التركية الإدارية لم تتعد 13 مكتبا يدار بأساليب بدائية إلا أن علاقته الوطيدة بمعظم القبائل مثلت مصدراً لفرض سيادة الدولة على كافة الأراضي الواقعة في نطاقها ومع أن الإمام يحيى لم يستحدث ومن بعده أحمد مكتبا خاصا يهتم بشئون القبائل التي كانت مصدر قوة للحكم، إلا أن النظام الجمهوري الذي أطاح بحكم بيت حميد الدين في صبيحة ال26 من سبتمبر 1962م بقيادة كوكبة من الضباط الأحرار استحدث وزارة خاصة تهتم بشئون القبائل في ثالث حكومة من حكومات الثورة في العام 1963م. وزارة الدولة لشئون القبائل ارتبط استحداث وزارة شئون القبائل بظروف تاريخية تمثلت بانقسام القبائل بين مؤيد لثورة 26 سبتمبر ورافض، حيث ساندت العديد من القبائل القوى الملكية حتى عام 67م فكان أساس الإنشاء أمنياً وهدفها مؤقت انتهى بانتصار القوى الجمهورية واندحار القوى الملكية عام 67م وكانت حينها وزارة شئون القبائل من الوزارات الأساسية والمقربة من صانع القرار يشغل مهامها وزير الدولة لشئون القبائل ونائب لرئيس الوزراء، شغل حقيبتها الوزارية عدد من الشخصيات منهم الشيخ/ محمد علي عثمان بتاريخ 25/4/63م وبموجب القرار الجمهوري رقم 3 لعام 63م وكذلك العميد/ محمد حسن الرعيني في الحكومة التاسعة وظل وزيرا لها بالإضافة إلى منصب نائب رئيس الجمهورية حتى تاريخ اغتياله 27/10/1966م وأعقبه في المنصب أحد المصريين والذي كان يسمى بالمحربي، خلال تواجدنا في مقر مصلحة شئون القبائل علمنا بأنها ظلت محل خلاف كوزارة أو كمصلحة، ففي عهد رائد تحديث الدولة اليمنية الشهيد/ إبراهيم الحمدي ألغيت الوزارة باعتبارها معوقاً كابحاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحولت إلى إدارة خاصة تحت مسمى الإدارة المحلية تقدم الاستشارة ومن ثم أعيدت كمصلحة شئون القبائل في الثمانينات تتبع وزارة الداخلية، إلا أنها لم تكن تمثل القبيلة أو تهتم بشئونها الخدمية والتنموية. مصلحة اللوردات قامت دولة الوحدة على قاعدة إدارية متضخمة، حيث تم دمج جهازين إداريين في جهاز واحد إلا أن الجهاز الإداري للشطر الجنوبي سابقا لم يكن فيه موطئ قدم لمصلحة أو جهاز يعنى بشئون القبيلة التي ذابت في الجنوب بقوة دولة النظام والقانون وهو ما وضع أكثر من علامة استفهام حول ضرورة وجود مصلحة شئون القبائل ضمن هيكل تنظيمي ووظيفي لدولة الوحدة متضخم يعاني من ازدواجية القرار وازدواجية المهام والاختصاصات ورغم بروز أكثر من مشكلة وإثارة عدة مشاكل تتعلق بجدوى بعض الاجهزة إلا أن الحديث عن مصلحة شئون المجاملة- كما يحلو للبعض وصفها- لم يتجاوز حدود المناكفات فبعد قيام الوحدة المباركة اتسع نطاق العبء الإداري والمالي لمصلحة شئون القبائل التي أصبحت لها مكاتب في عموم المحافظات يديرها عدد من الموظفين برئاسة رئيس مجلس قبلي في كل محافظة بدرجة مدير عام خاص بشئون القبائل.. ف21 مكتباً وآلاف الموظفين لا يوجد منهم أحد وليس لهم أي مهام أو اختصاص يقومون بها سوى تسجيل المزيد من اللوردات الجدد بفضل تفعيل إعادة إنتاج القبيلة بصورة ليست أقل سوءا من سلبياتها لا إيجابياتها. لا مصلحة ولا رعاية الوضع الإداري في مصلحة شئون القبائل يجسد بدائية الإدارة فرئيس مصلحة وعدد من الوكلاء والوكلاء المساعدين ومدراء العموم وعشرات الموظفين ومناصب أخرى حاضرة في الكشوفات المالية وغائبة في الواقع هي كل هيكل المصلحة الواقعة في حي الصافية بجانب مقر الحزب الاشتراكي والتي تعمل بلائحة ولا يوجد لها قانون، تتبع وزارة الداخلية شكليا ولا تتمتع بالاستقلالية تنفذ أوامر رئاسة الجمهورية وليس لها قرار، حال تواجدنا فيها انتابنا شعور بأن الزمن قد توقف في تلك المصلحة منذ زمن وأن عجلة التحديث الإداري قد اختلف مسارها وأن روح الإدارة العامة للدولة قد ذهبت بعيدا عما يجب، كل شيء فيها مخالف لمسماها، فلا هي إحدى مؤسسات وزارة الداخلية ولا مكتب رعاية اجتماعية، فكشوفات المستفيدين من ريعها يتجاوزون الآلاف، تمنح صكوك المشيخة لمن يحمل المال ولمن يحمل صكوك الغفران من مشائخ آخرين، خلال تواجدنا أمام المصلحة حاولنا معرفة الشروط المطلوبة للحصول على صفة شيخ فأبدى أكثر من فرد استعداده لاستخراج بطاقة شيخ بعدة ساعات فقط ولكن بالمقابل 20 ألف ريال. الدبا/ نعمل بتوجيهات شخصية المشيخة فيها مقامات، فشيخ للقرية وشيخ عزلة وشيخ ضمان وشيخ قبيلة وشيخ بلا قبيلة ولكل شيخ حظ باعتماد من 300 إلى 500 حالة إعاشة معتمدة وشيخ يتم اعتماده من شيخ ضمان وآخر يحصل على توقيع المحافظ، طرق التزكية والرضا والحصول على صفة شيخ مع اعتماد مرافقين كانت محور لقائنا بالشيخ/ مجاهد علي ناصر الدبا مدير عام مصلحة شئون القبائل والذي أفاد بأن المصلحة تعمل بتوجيهات شخصية، حيث يتم اعتماد المخصصات المالية بعيدا عن اختصاص المصلحة وحول صرف ملايين الريالات شهريا لمشائخ اعتبرها الدبا أنها مرتبات إعاشة أما كيفية اعتماد المشيخ فأشار إلى أن هناك لائحة تعمل بموجبها المصلحة ونظام الاعتماد حسب ما هو متعارف عليه والذي يشترط على كل من يطلب صفة شيخ أن يأتي بتوقيعات 100 إلى 200 مواطن كقاعدة انتخابية، منهم عقال.. ويتم اعتمادها في محكمة المديرية ومن ثم مدير المديرية وكذلك الموافقة عليها من فرع شئون القبائل في المحافظة ويشترط أن يوقع عليها كل من شيخ العزلة والمحافظ وحول عدد المشائخ الذين يتقاضون مرتبات شهرية من المصلحة أفاد بأن لا حصر لهم ويعلم بالمبلغ الإجمالي الذي يصرف مدير عام الحسابات والذي رفض الحديث حول ما يقارب المليار ريال حسب ما أفاد آخر ولكن ما علمنا أن المرتبات الضخمة التي تتجاوز الملايين لا تتبع المصلحة بل تتبع جهة عليا وما يتقاضاه المشيخ من الدرجة الثالثة تسمى ضماناً اجتماعياً. مشائخ الإصلاح والمؤتمر عبده ناجي عاطف مندوب مشائخ إصلاح تعز لدى مصلحة شئون القبائل أفاد بأن المخصصات المالية التي حصل عليها مشائخ إصلاح تعز لا تزيد عن 450 ألف ريال وفي كل محافظة يستلم مشائخ الإصلاح مبالغ كبيرة خصصت من رئاسة الجمهورية ويتقاضونها عبر المصلحة إلا أنه فرق بين ما يتقاضاه شيخ يتبع التجمع اليمني للإصلاح وآخر يتبع المؤتمر الشعبي العام، مشيرا إلى أن الأول يتقاضى مبلغاً زهيداً في حين يتقاضى شيخ المؤتمر ما يزيد عن مليون ريال ولكل شيخ مئات الحالات. مشائخ أبو 50 ريال كثيرا ما يتردد أن ما يتقاضاه بعض المشائخ من ريع مالي من شئون القبائل هو مبلغ زهيد بل لا يتعدى الريالات أو المئات، ففي المصلحة قيل لنا إن هناك مشائخ أبو 25 ريالاً وآخرين أبو 50 وأبو 75 و200-250-500 وصولا إلى 60 ألف ريال و200 ألف ريال ولكن حقيقة تلك المخصصات المالية دليل آخر على توقف الزمن في مصلحة لم تصلح شأن المجتمع القبلي ولم تحد من مشائخ الإقطاع الذين استقطعوا أرزاق آلاف الأسر بقوة العنجهية السائدة في ظل غياب الدولة بحثا عن مال لتعزيز مراكز قواهم أو أولئك الذين يفرضون اتاوات تحت مسمى عقوبات حالما يختلف بعض المواطنين بموجب مبدأ الجزاءات الإقطاعي أو من يحجون إلى الرياض ويعتمرون في دبي ويسبحون في قطر ويستغفرون في أبو ظبي فحال سؤالنا عن دونية تلك المخصصات أكد مدير عام المصلحة أن ال25 ريالاً كانت "فرانصي بعد قيام الثورة أو بالريال الجمهوري وأن من يستلم ألفاً كان لها قيمة في الستينيات ومن يتقاضى ألفين كان ذلك في الثمانينات وجميعها بأوامر، أي غير خاضعة لقوانين الدولة ولا لاستراتيجياتها الخاصة بالأجور، الجدير بالإشارة أن أحد الموظفين من العيار المتوسط والذي لم يتسن لنا معرفة اسمه ومنصبه استشاط غضبا عندما علم بهويتنا الصحفية فاعتبر ذلك إساءة متعمدة لمصلحة اقترن وجودها بقيام الثورة وتخدم الشئون القبلية التي تعمل على تأمين الطريق والأجانب حسب قوله، مشيرا إلى أن موازنة المصلحة لا تساوي مخصصات إحدى لعب وزارة الرياضة أو صناديقها، فهي حسب قوله تصل خدماتها إلى أنحاء الجمهورية ما عدا صنعاء وعدن إلا أن دفاعه المستميت عن مخلوق حكومي مشوه فنده من يحمل صفة شيخ منذ 9 سنوات محسن علي محسن الذي أفاد بأنه يتابع راتبه من المصلحة منذ تلك الفترة ولم يجد سوى وعود كاذبة فيقولون له سيعتمد في شهر واحد من كل عام ومن ثم يأكلونه. الفضلي: يكيلون بمكيالين "يكيلون بمكيالين مشائخ المحافظات مع الوحدة وهذيله ضدها".. هكذا بدأ حديث الشيخ/ ناصر أحمد علي الموهر الفضلي رئيس المجلس القبلي في محافظة أبين الذي حصل على ترشيح بمنصب وكيل محافظة أبين منذ 6 أشهر مقابل تعيينه بمنصب شئون القبائل في المحافظة الذي كان يشغله الشيخ طارق الفضلي منذ تسعينيات القرن الماضي.. يقول الموهر الفضلي كنا نستلم فلوساً وقطعها طارق الذي صلح له علي صالح -يقصد الرئيس- جسر.. ويتابع قائلا: منذ 6 أشهر ولم أتسلم أي ريال إلى الآن مفروض تغلق المصلحة نحن مشائخ حقيقيين لسنا مصطنعين ولسنا جحافل حتى يعاملوننا بأسلوب المافيا. اليهري/ يطالب بالمساواة الشيخ/ وحيد محسن حسن الذرحاني شيخ ضمان مديرية يهر يافع محافظة لحج أفاد بأن دولة الوحدة أعادت إنتاج القبيلة في الجنوب والشيخ في الجنوب لم يتقبله المجتمع على مدى 20 عاما من عمر الوحدة ولكنه يرى في القبيلة ضرورة في ظل غياب الدولة، كونها أقرب إلى المجتمع المدني ولا زال لها دور كبير في الجنوب ولكن هذا الدور لم يفعل نظرا لعدم توفر الإمكانيات والامتيازات التي يحصل عليها مشائخ الشمال والتي تمكنهم من حل مشاكل الناس.. وأضاف: هناك شعور بغياب المساواة في الامتيازات التي تمنح لمشائخ باسم الجنوب وآخرين باسم الشمال وتمنى على الدولة أن تمنح مشائخ الجنوب ما يمكنهم من حل العديد من المشاكل القبيلة أو غيرها. الريع يذهب للكبار فقط أحد المشائخ المنتفعين أفاد بان أهمية المصلحة تنسيقي وأداة ربط الدولة بالقبيلة وتحديد العلاقة بين الأجهزة الحكومية والقبائل ودور القبيلة في حفظ الأمن والاستقرار بالإضافة إلى اعتماد المشيخة وفق الشروط، وفي نفس الوقت أشار إلى أن مشائخ الضمان الكبار يزكون سماء وهمية من أجل الحصول على إعاشة لهم بعد اعتمادها من جهات عليا، فلكل شيخ مشائخ من ورق والبعض منهم لا تصلهم أي مساعدات، وما علمناه أن غالبية المشائخ الذين يحظون بنصيب الأسد من الريع الحكومي هم قلة منهم من يشغلون مناصب تحت عدة مسميات أما الأغلبية فما يحصلون عليه لا يساوي تكاليف السفر إلى العاصمة أو إلى فروع الهيئة في المحافظات مما دفع بعضهم إلى استلام فتات الإعاشة بعد 12 شهراً وليس 30 يوما. قروش بيضاء قبل عام اتخذت الحكومة آلية التقشف من النفقات العامة للحد من تداعيات الأزمة المالية العالمية إلا أن تلك الآلية استثنت مصلحة شئون القبائل وبناء على ذلك نسأل: هل أصبح الريع الحكومي الذي يقدم عبر المصلحة خطاً لا يمكن تجاوزه أم أن الأموال التي تنفق لشراء الولاءات تندرج في سياق القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود؟.. طبعا يوم الاقتراع.