كتب/ د. مصطفى يحي بهران الطبولوجيا هي أحد الفروع المعاصرة لعلم الرياضيات، وتدرس الصفات الفراغية للأجسام التي تخضع لعملية تغيّر تشويهي مستمر مثلما يحدث لقطعة من المطاط عندما تُشَد إلى أي درجة ممكنة دون أن تنقطع، ويحدث هذا التغيّر التشويهي لمنظومة الجسم في الفراغ، والفراغ في الفيزياء الحديثة هو المكان والزمان. هذا التغيّر التشويهي يمكن مثلاً أن يحول شكل فنجان إلى شكل قطعة دائرية مخرومة. يستعار مصطلح "طبولوجيا" من الرياضيات ليستخدم في مواضيع كثيرة، فعلى سبيل المثال نجد أن الطبولوجيا المادية لشبكة حاسوبية تعني مجموعة الاسلاك والحواسيب والطابعات وكل ما له علاقة بذلك في إطار الشبكة، وهذه المجموعة المركبة في الشبكة يمكن أن تخضع لتغييرات هيكلية في أي وقت. بناءً على ما سلف أود استعارة هذا المصطلح لأقدم للقارئ الطبولوجيا السياسية، وهو مفهوم يُعنى بعمليات التحورات التشويهية التي تحدث للمجموع التركيبي للموجودات في أي ساحة سياسية، والموجودات هذه هي: الزعماء والقيادات والكوادر السياسية والأحزاب والمنظمات السياسية والبرامج والشعارات السياسية والعلاقات والارتباطات بين هذه كلها، وبصفة عامة نجد أن لهذا التعريف فائدة كبيرة في فهم الاوضاع السياسية لأي بلد بما في ذلك اليمن، وعليه فإن الطبولوجيا السياسية اليمنية هي جملة من عمليات التغيّر المسخي السياسي المعقدة وغير المعقدة. مثال على ذلك نجده في ظاهرة يمنية سياسية غريبة تتلخص في أن عددا لا يستهان به من أعضاء البرلمان عن المؤتمر الشعبي العام (الحزب الحاكم) يرتبطون بالمعارضة وعلى الأخص بما يسمى باللقاء التشاوري إلى درجة أننا نجدهم داخل البرلمان أشد معارضة للحكومة من المعارضة نفسها، والأحرى بهؤلاء الاستقالة من الحزب الحاكم والانضمام إلى المعارضة حتى تكون لهم مصداقية سياسية ولا تفسر مواقفهم بأنها ذات طابع مصلحي بغرض ابتزاز السلطة، إن هذه المجموعة تمثل تحوراً طبولوجياً لجزء من المؤتمر الشعبي العام نحو اللقاء التشاوري، ومثال آخر للطبولوجيا السياسية اليمنية نجده في الأزمة الراهنة التي يعاني منها اللقاء التشاوري، تلك التي عبر عنها أعضاء شديدو المصداقية أمثال الاستاذ عبد الباري طاهر والسيدة توكل كرمان وآخرين عندما استقالوا من اللقاء التشاوري متهمين قيادته بأنها تدير أعمال اللقاء وكأنه ملكية خاصة للأمانة العامة، وهم بذلك يبينون أن اللقاء التشاوري قد أصبح مماثلاً لما هم ضده، أي أن اللقاء التشاوري عملياً يفقد شرعيته كمعارض، وهم في ذلك على حق، لأن المعارضة عندما تصبح إلى هذه الدرجة غير ديمقراطية ولا هم لها إلا الوصول إلى السلطة فإنها تفقد شرعية معارضتها لأي إجراءات غير ديمقراطية من قبل الحكومة. لابد أنهم يتساءلون هل بدأت أحزاب اللقاء المشترك (خاصة تلك التي لها شرعية برلمانية) تتخلى عن شرعيتها كمعارضة، مستسلمةً لسيطرة الفرد أو المال أو الاثنين معاً داخل اللقاء التشاوري، فإذا كان ذلك صحيحاً فهو مثال طبولوجي بامتياز لأنه يكافئ تغيّراً تشويهياً مستمراً لجسم حتى يصبح خلاف ذاته. إن هذه الحالة العجيبة تمثل بالفعل طبولوجيا سياسية يمنية في أوضح تجلياتها وربما تفسر "العك" السياسي الذي نعيشه اليوم وخاصة فيما يتعلق بعرقلة الحوار المنتظر. [email protected]