التركيبة الخاطئة للرئاسي    وادي حضرموت على نار هادئة.. قريبا انفجاره    أين أنت يا أردوغان..؟؟    مع المعبقي وبن بريك.. عظم الله اجرك يا وطن    حكومة بن بريك غير شرعية لمخالفة تكليفها المادة 130 من الدستور    العدوان الأمريكي يشن 18 غارة على محافظات مأرب وصعدة والحديدة    اعتبرني مرتزق    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    المعهد الثقافي الفرنسي في القاهرة حاضنة للإبداع    رسائل حملتها استقالة ابن مبارك من رئاسة الحكومة    نقابة الصحفيين اليمنيين تطلق تقرير حول وضع الحريات الصحفية وتكشف حجم انتهاكات السلطات خلال 10 سنوات    3 عمليات خلال ساعات.. لا مكان آمن للصهاينة    - اعلامية يمنية تكشف عن قصة رجل تزوج باختين خلال شهرين ولم يطلق احدهما    - حكومة صنعاء تحذير من شراء الأراضي بمناطق معينة وإجراءات صارمة بحق المخالفين! اقرا ماهي المناطق ؟    شاب يمني يدخل موسوعة غينيس للمرة الرابعة ويواصل تحطيم الأرقام القياسية في فن التوازن    بدعم كويتي وتنفيذ "التواصل للتنمية الإنسانية".. تدشين توزيع 100 حراثة يدوية لصغار المزارعين في سقطرى    قرار جمهوري بتعيين سالم بن بريك رئيساً لمجلس الوزراء خلفا لبن مبارك    غرفة تجارة أمانة العاصمة تُنشئ قطاعا للإعلان والتسويق    "ألغام غرفة الأخبار".. كتاب إعلامي "مثير" للصحفي آلجي حسين    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    مقاومة الحوثي انتصار للحق و الحرية    عدوان أمريكي يستهدف محافظتي مأرب والحديدة    اجتماع برئاسة الرباعي يناقش الإجراءات التنفيذية لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية    وزير الخارجية يلتقي رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر    تدشين التنسيق والقبول بكليات المجتمع والمعاهد الفنية والتقنية الحكومية والأهلية للعام الجامعي 1447ه    وفاة عضو مجلس الشورى عبد الله المجاهد    أزمة اقتصادية بمناطق المرتزقة.. والمطاعم بحضرموت تبدأ البيع بالريال السعودي    الطيران الصهيوني يستبيح كامل سوريا    قرار بحظر صادرات النفط الخام الأمريكي    أزمة جديدة تواجه ريال مدريد في ضم أرنولد وليفربول يضع شرطين لانتقاله مبكرا    مصر.. اكتشافات أثرية في سيناء تظهر أسرار حصون الشرق العسكرية    اليمن حاضرة في معرض مسقط للكتاب والبروفيسور الترب يؤكد: هيبة السلاح الأمريكي أصبحت من الماضي    إنتر ميلان يعلن طبيعة إصابة مارتينيز قبل موقعة برشلونة    منتخب الحديدة (ب) يتوج بلقب بطولة الجمهورية للكرة الطائرة الشاطئية لمنتخبات المحافظات    الحقيقة لا غير    القاعدة الأساسية للأكل الصحي    أسوأ الأطعمة لوجبة الفطور    سيراليون تسجل أكثر من ألف حالة إصابة بجدري القردة    - رئيسةأطباء بلاحدود الفرنسية تصل صنعاء وتلتقي بوزيري الخارجية والصحة واتفاق على ازالة العوائق لها!،    الفرعون الصهيوأمريكي والفيتو على القرآن    الجنوب يُنهش حتى العظم.. وعدن تلفظ أنفاسها الأخيرة    اسعار الذهب في صنعاء وعدن السبت 3 مايو/آيار2025    مانشستر سيتي يقترب من حسم التأهل لدوري أبطال أوروبا    إصلاح الحديدة ينعى قائد المقاومة التهامية الشيخ الحجري ويشيد بأدواره الوطنية    عدوان مستمر على غزة والاحتلال بنشر عصابات لسرقة ما تبقى من طعام لتعميق المجاعة    اللجنة السعودية المنظمة لكأس آسيا 2027 تجتمع بحضور سلمان بن إبراهيم    خلال 90 دقيقة.. بين الأهلي وتحقيق "الحلم الآسيوي" عقبة كاواساكي الياباني    الهلال السعودي يقيل جيسوس ويكلف محمد الشلهوب مدرباً للفريق    احباط محاولة تهريب 2 كيلو حشيش وكمية من الشبو في عتق    سنتكوم تنشر تسجيلات من على متن فينسون وترومان للتزود بالامدادات والاقلاع لقصف مناطق في اليمن    الفريق السامعي يكشف حجم الاضرار التي تعرض لها ميناء رأس عيسى بعد تجدد القصف الامريكي ويدين استمرار الاستهداف    وزير سابق: قرار إلغاء تدريس الانجليزية في صنعاء شطري ويعمق الانفصال بين طلبة الوطن الواحد    الكوليرا تدق ناقوس الخطر في عدن ومحافظات مجاورة    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو استراتيجية متكاملة لتطوير ميناء عدن كمنطقة حرة
نشر في الوسط يوم 29 - 12 - 2012

لقد احتفى الناس باستعادة إدارة ميناء عدن وطالبوا بنشر وثائق تأجيره وإلغائها، وكان ذلك محمولا على آمال وتطلعات باستعادة دوره الوطني ومكانته الدولية وتطويره كقاطرة للنهوض بالاقتصاد الوطني وتحسين المستوى المعيشي للشعب .
والحكومة لا شك تدرك ذلك، وهي ليست بحاجة لضياع مزيد من الوقت للبحث فيما عليها أن تفعله لتحقيق تلك الغايات، يكفيها فقط أن تراجع وتحدث الدراسات والمخططات الموجودة بحوزة إدارة الميناء.
فقبل عشرين عاماً أعددنا مخططاً عاماً لتطوير الميناء (Masher plan) بناء على دراسة مؤشرات تنامي حركة التجارة والملاحة الدولية ومدى وحجم احتياجها لميناء عدن كمحطة وسيطة لعمليات ترانزيت الحاويات، وبنتيجة ذلك فقد تضمن المخطط العام الحاجة لبناء أرصفة للأغراض المتنوعة على طول المساحة الممتدة من جولة كالتكس المنصورة على يسار الطريق إلى رصيف النفط في عدن الصغرى وتخطيط إنجاز ذلك خلال فترة زمنية تصل إلى خمسة وعشرين عاما ليتصاعد أثناءها نصيب الميناء إلى ما بين 18 و20 مليون حاوية في العام الواحد.
ثم شرعنا على الفور بإجراء اتصالات استطلاعية بالشركات الاستثمارية المتخصصة ومؤسسات التمويل الدولية التي أبدت استعدادها بكل ثقة ودون تحفظ، ولو أنه قد جرى العمل بذلك المخطط - لكانت أعمال بناء الأرصفة قد شارفت على منطقة البريقة، وانتشرت حولها واحدة من أكبر المناطق الحرة في العام لتغدو معها عدن مركزاًَ ملاحيا وتجاريا دوليا فريدا، ولكان وجه عدن والجنوب واليمن قد تغير وأصبحت تلاحق تطور البلدان الخليجية المجاورة، ويكفي أن نتذكر بأن تطور ميناء عدن في الماضي قد شكل قاطرة لتوسيع أحياء مدينة عدن عدة مرات ونشأ معه قطاع الأعمال والنشاط التجاري والعقاري في الجنوب وكل المدن اليمنية ومنه إلى مختلف بلدان الجزيرة،وأصبح ثاني أكبر ميناء في العالم بعد ميناء نيويورك ازدحاماً بالحركة.
وبينما كنا نعمل لتحقيق تلك التطلعات كانت هناك مخططات من نوع آخر يجري الإعداد لها وتنفيذها على أرض الواقع لدفع البلاد نحو أزمة عميقة وحرب شاملة استهدفت إلغاء شراكة الجنوب وكل مقومات بناء دولة يمنية جديدة موحدة ومزدهرة، وجرى العودة لمواصلة مسيرة الألف عام من السيطرة الفئوية القائمة على العصبية المذهبية والقبلية والثقافة التقليدية المناهضة في جوهرها لكل عمليات التقدم الاقتصادي والاجتماعي ومعها توقفت كل عمليات تطوير ميناء عدن وجرى رفض الشركات العالمية التي تقاطرت للاستثمار فيه وذهب بعضها إلى بناء ميناء بديل بصلالة بدولة عمان الشقيقة، والذي أصبح اليوم يتناول حوالى 5 ملايين حاوية في العام، وتم تحويل ميناء عدن إلى اقطاعيات للمصالح الخاصة وجلب إدارات أجنبية وهمية لإدارته وتقاسم موارده وتعطيله وتم الاستيلاء على أراضية وبناء المشاريع السكنية عليها تحت يافطة المنطقة الحرة وبتسهيلات لا مثيل لها، وفي الأساس لا توجد أية منطقة ميناء حرة في العالم يبنى عليها مشاريع سكنية على الإطلاق، كما أن أراضي الميناء تلك المحددة في قانونه الأساسي والتي شملها المخطط العام مخصصة للأرصفة والمخازن والمصانع التحويلية والتجميعية وليس شيئاً آخر .
لقد تحدثت إلى الأخ العزيز الدكتور/ واعد باذيب -وزير النقل- وآخرين من كوادر الوزارة والميناء حول أهمية الاستفادة من المخططات والدراسات الموجودة لدى إدارة ميناء عدن وتحديثها والبناء عليها، وأدعوهم لأن لا ينشغلوا في البحث عن إدارة خارجية للميناء فلديه من الكوادر الوطنية من يستطيعون إدارته بأقصى الطاقات وتبقى الحاجة للإدارة الخارجية حصراً على تلك الشركات المؤهلة لجلب خطوط نقل كبيرة والمساهمة باستثمارات استراتيجية لتطوير الميناء وفقا للمخطط العام تماما مثلما عمل أشقاؤنا في ميناء صلالة بعمان رغم أنهم جاءوا بعدنا وكذا ما تفعله مناطق الموانئ الحرة الأخرى في العالم، واليوم أضع أمامهم وفي البداية أمام رئيس الدولة والحكومة رؤية متكاملة وتتضمن استراتيجية شاملة لتطوير الميناء للمساعدة في الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، فالفرص أمام استعادة دور الميناء ومكانته الوطنية والدولية لن تبقى مفتوحة إلى الأبد أمام تطور الموانئ المجاورة رغم أنها لا تحوز على مزايا منافسة، وقد وجهت هذه الرؤية لمؤتمر المانحين الذي انعقد في لندن في العام 2006م، بعد يأس من مناشداتنا للقيادة والحكومة حينها، وأملاً في أن نرى المانحين أصدقاء وشركاء، لهذه البلاد فعلاً، وهي تتضمن لمحة عامة وخلفية تاريخية ونظرة في الأوضاع الراهنة واتجاهات المستقبل وآليات وخيارات تطوير الميناء ، وقد قدمها منتدى التنمية السياسية في صنعاء ومؤسسة فريد رش الألمانية كوثيقة رئيسية في ندوة مخصصة لبحث نتائج مؤتمر المانحين التي عقدت في صنعاء في نهاية نوفمبر 2006م وحضرها عدد من الوزراء وقيادات المعارضة والكوادر الاقتصادية وقد جاءت على النحو التالي:
رسالة عدن إلى مؤتمر المانحين بلندن
10/11/2006م
ليغدو تطوير ميناء عدن مشروعاً لإزهار اليمن وللتكامل الأقليمي والشراكة الدولية
عدن على طريق هونج كونج
مدخل:
جاء الوقت المناسب الذي أصبح فيه الحديث عن ميناء عدن أكثر الحاحاً، بعد أن جرت مياه كثيرة تحت الجسر، فهناك مواقف حكومية مشجعة، بل ومدهشة حين تصبح حيز التطبيق، وهناك انتخابات جرت ووعود قطعت، وعلى الأبواب يقف مؤتمر لندن للمانحين والذي يعلق عليه الكثير من الآمال، ويسمح بالمشاركة في إبداء الرأي خارج دائرة تلك المشاريع الصغيرة والعروض المحددة، والتي ألقى الجدل الواسع بشأنها ظلالاً من الشك حول سلامتها وجدواها، فيما بدا أن شروط إعدادها وما شملته لبناء بضعة أرصفة وحجم تداول الحاويات اليسير لا يشكل سوى 10% من الطاقة الاستيعابية لإمكانيات تطوير الميناء تقريباً وفق المخطط العام والدراسة الاقتصادية التي أجراها الميناء، ومؤشرات تنامي حركة النقل والملاحة الدولية، وما يعنيه ذلك من تعطيل دوره في إنهاض الاقتصاد الوطني للبلاد وحل مشاكلها، واستعادة دورها التاريخي ومكانتها الدولية الذي وصل معها ميناء عدن إلى المرتبة الثانية بين موانئ العام في زمن مضى.
ولكن اختلال معادلات المصالح المشتركة أدت إلى تجميده وتعطيل دوره، وخاصة مع حركة الاستقطابات لزمن الحرب الباردة وظروف عدم الاستقرار المرتبطة بها، إلا أن بداية الإصلاحات وقيام الوحدة فتحت الطريق لاستعادة تلك المكانة، إذا ما جرى تطوير رؤية استراتيجية واعتماد الآليات الكفؤة لإدارتها وحين نوجه هذه الرسالة إلى فخامة الرئيس ومؤتمر لندن للمانحين، فلأن الأمال تبقى معلقة عليهم لاتخاذ القرارات وتحديد الاتجاهات والخيارات المناسبة بشأنها، ليغدو ميناء عدن مشروعاً أساسياً لبناء الاقتصاد الوطني وتحقيق التكامل الأقليمي والشراكة الدولية،وهي المواضيع التي نعتقد أنها تشكل أجندة المؤتمر الرئيسية ولدعم تلك التوجهات فإن المجتمع الأهلي سيكون مدعواً لأن يكون شريكا فعالاً فيها، وفي السياق نفسه فإنه يبدو ممكناً أن يرعى منتدى الأيام تشكيل (لجنة المساعدة الأهلية لدعم تطوير ميناء عدن)، وليكن النشاط الإعلامي والثقافي الحلقة الأولى في تلك المساعدة من خلال الترويج لإمكانات ومؤشرات النطاقات الواسعة لتطوير الميناء، وأثره الإيجابي على حل مشاكل البلاد وتنميتها الشاملة، ودور عمليات التطور في تحقيق الاستقرار السياسي، وايجابيات مجالات التكامل الاقليمي والشراكة الدولية معها، في مواجهة نزعات الثقافة التقليدية المناهضة للتطور وإبراز حقائق، أن التخلف يشكل البيئة الخصبة للصراعات حول السلطة وفي المجتمع ، والتطرف والإرهاب.
وفي هذا الاتجاه نقدم هذه المساهمة، وعرض المسألة في إطارها التاريخي وحالتها الراهنة وآفاقها المستقبلية ، مشمولة بالاستخلاصات والاقتراحات المكملة لها.
لمحة تاريخية:
منذ آلاف السنين أدرك الآباء والأجداد أهمية الموقع الجغرافي للبلاد، وجعلوها معبراً آمنا للتجارة والملاحة الدولية، واستثمروا ذلك لدعم بناء دول قوية وحضارات عريقة ووطن سعيد، على قيم الشورى والمشاركة والاتحاد، والانفتاح في العلاقات مع الشعوب وعلى ثقافاتها المختلفة.
ولتأمين حركة القوافل عبر الجزيرة العربية، انتشروا معها لتشكيل النسيج الاجتماعي الواحد فيها، والذي بقي التنقل داخلها بمثل حركة رمالها وهوائها، ليشاركوا معاً في بناء وجهها الجديد، وأبعد منها ليصبحوا مكوناً رئيسياً للتجمعات السكانية العربية وشعوبها، ويقيمون العلاقات مع البلدان الأجنبية في محيطها، وكل ذلك سيظل إلهام اليمنيين نحو التكامل والاندماج الأقليمي والشراكة الدولية، وتنامي إدراكهم بكونها دعائم أمنهم وازدهارهم.
وعندما كانت تلك المعادلات تتعرض للاختلال لسبب أو لآخر، كانت البلاد تتعرض هي الأخرى للتفكك والضعف وتشكل إغراءً للضغوط والتأثير والتدخل من قبل الدول الكبرى القريبة والبعيدة، سواء أكان ذلك في زمن الامبراطوريات الحبشية والفارسية وحتى التركية ، أو في زمن التوسعات الاستعمارية الأوروبية ومع تعاظم القوى الاقتصادية والعسكرية مما أدى ذلك إلى انقطاع اليمن عن تاريخها العريق، وتكريس قيم الثقافة التقليدية والمناهضة للتطور ومشاعر النزعات الانعزالية التي تحمل في طياتها هواجس الارتياب والحذر في العلاقات مع الخارج وتعطيل دور ومكانة اليمن بين الأمم.
ومع ذلك ظلت اليمن تحتفظ بحيوية موقعها وسط حركة خطوط الملاحة الدولية وجاذبية تسابق القوى العظمى للفوز بها واستثمار موقعها، ففي زمن الاحتلال البريطاني تنامت مكانة ميناء عدن ليصبح ثاني أكبر ميناء في العالم ازدحاماً بالحركة بعد ميناء نيويورك في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ولكنه توقف عن هذا الدور مع اختلال المعادلة في العلاقة بين الخارج واليمن وهذه المرة عندما لم تدرك حكومة المملكة المتحدة في الوقت المناسب، - وهي التي تحتل شطره الجنوبي - تطلعات الشعب إلى الاستقلال والتقدم، لتجد نفسها أمام ثورة شعبية تتواصل وتحملها على الرحيل، دون أن يكون لديها سياسة بناءة لاحتواء تداعيات تلك التحولات، والتعامل بإيجابية مع توجهات الحكومة الجديدة للابقاء على علاقات طيبة، وبدلا من ذلك تركتها تغرق في أزماتها الاقتصادية والسياسية، حتى أصبح اتجاهها نحو اليسار والشرق خياراً لا بديل عنه، ورغم ما أعلنته حكومة الاستقلال من سياسة لإقامة منطقة حرة حول ميناء عدن - كان رئيس وزرائها يقول إنها ستستوعب كل العمالة المحلية، إضافة إلى استيراد عمالة ماهرة من الخارج - وكذا عدم إقدام سلطات اليسار لاحقا بتأميم منشآت تموين السفن بالوقود في منطقة كالتكس على أرصفة الميناء لمحاولة إبقائه في خدمة الملاحة الدولية، إلا أن حركة الصراعات وعدم الاستقرار والاستقطاب في زمن الحرب الباردة حال دون ذلك وتجمد ميناء عدن.
نظرة في الأوضاع الراهنة:
ومع تراجع تلك الظروف، وبداية الإصلاحات في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وبدءاً من العام 1986م شرعت الحكومة بتأهيل الميناء وأنجزت خمسة أرصفة بنصف كلفتها وبأعماق أكثر مما كان مخطط له، وإعداد المخطط العام للميناء، الذي تضمن إقامة شبكة الأرصفة على امتداد الشريط الساحلي بدءاً من جولة كالتكس بحي المنصورة حتى ميناء النفط بعدن الصغرى، وذلك في إطار زمني يمتد إلى خمسة وعشرين عاماً والذي عبرت الكثير من الشركات العالمية عن الاستعداد للاستثمار فيه، كما دعيت شركات تموين السفن بالوقود للعودة وتحديث منشآتها واستقدام أساطيل السفن التابعة لها لإنعاش الحركة الملاحية للميناء، وهي المساعي التي لم تكتمل بسبب تداخل الصلاحيات، وربما تعارض المصالح أيضاً، ومع قيام دولة الوحدة أجريت دراسة للمنطقة الحرة وإنشاء رصيفين على الجهة الشمالية، وتعاقبت شركات عملاقة لتنفيذها والتوسع بعدها، وجلب الخطوط الملاحية التابعة لها، إلا أنها لم تحصل على فرصة القيام بذلك وبدلاً عنها فازت شركة (يمن فست) بالمشروع وتعاقبت إدارات مختلفة لتشغيلها، إلا أنها ظلت تراوح في مكانها أو تتراجع عن أقل من ثلاثمائة ألف حاوية سنوياً، بينما توجهت بعض تلك الشركات الكبيرة التي رفضت عندنا في اليمن، لتبني أرصفة حاويات أخرى في صلالة بعمان بكلفة أقل وسعة أكبر، حتى أصبحت تقترب من تداول ثلاثة ملايين حاوية سنوياً الآن، وبعدها أعلن عن عروض جديدة نجحت فيها شركات نسبت إلى إمارتي دبي والكويت الشقيقتين، ولكن يبدو أن غياب رؤية استراتيجية لتطوير الميناء والشروط المجسدة لها أفضت إلى تضمين تلك العروض مكونات ذلك المشروع الصغير وما تضمنته من بناء بضعة أرصفة بطاقة تداول بين 3.5 إلى 5 ملايين حاوية سنويا يجري الوصول إليها بالتدريج خلال ثلاثين عاماً، وهي لا تساوي في الواقع سوى 10% تقريبا من الطاقة الاستيعابية لأمكانات تطويره وفقا للمخطط العام للميناء Master plan وللدراسة الاقتصادية الذي أجرته حديثاً شركة استشارية مصرية، وتشير إلى إمكانات الوصول لمعدل أكثر من عشرين مليون حاوية في العام تقريبا خلال فترة الثلاثين عاماً تلك، وإلى خمسين مليون حاوية مع حلول العام 2050م، وهي بالتأكيد مؤشرات واقعية، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن مخطط ميناء جبل علي يشير إلى رفع طاقته التشغيلية خلال تلك الفترة من 6.5 مليون حاوية سنويا هي عليه الآن إلى 55 مليون حاوية سنوياً، وإذا ما أضفنا إلى ذلك ما قاله سعادة سفير الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن، هذا العام بأن أمام ميناء عدن فرص لأن يتطور عشر مرات أكثر مما هو عليه الآن ميناء جبل علي وما قاله وفد بريطاني زائر لعدن قبل بضعة أشهر، إنه سيبقى الأفضل بين موانئ المنطقة في كل الظروف والأوقات، وهما اللذان ينتميان إلى الدولتين اللتين تديران ثلث اقتصاد العالم تقريباً، ويعرفان الكثير عن مؤشرات تنامي حركة النقل والملاحة والتبادل التجاري الدولي، والتي تحتاج إلى ميناء وسيط كميناء عدن الذي سيظل الأكثر اقتصادية لها، لموقعه وسط مختلف الاتجاهات الأقليمية والقارية، ولمزاياه الطبيعية المتفردة، وقربه من خط الملاحة الدولية، والوصول إلى محطاتها النهائية بوقت أسرع وكلفة أقل.
الاتجاه نحو المستقبل.. عدن على طريق هونج كونج:
ولذلك كله يبد جيداً ما فعله الأخ الرئيس حين وجه بإيقاف المناقشات بشأن تلك العروض والمشاريع الصغيرة وعدم الاتفاق حولها، وما أعقبه من تصريحات لدولة رئيس الوزراء بأنه قد تم إعادة النظر بها، وتحديد خيارات كثيرة أخرى لتطوير الميناء على مساحات وآفاق أرحب، وهو ما يسمح لممثلي تلك الدول أن يجددوا ما قالوه عن الإمكانات الهائلة لتوسيع الميناء أثناء انعقاد مؤتمر المانحين بلندن ورؤاهم لتطبيقها من واقع خبرات بلدانهم العريقة.
وبالتأكيد فإن الأمر كله ليس موجهاً ضد عروض شركة دبي ولا الكويت ولا القطاع الخاص اليمني على الإطلاق، والذين يرغب كل اليمنيين رؤيتهم يستثمرون بكل ثقلهم في اليمن، ولكنها دعوة لأن يحدثوا عروضهم على قاعدة شروط جديدة تسمح لهم بكسب موقع مناسب في إطار منافسة عالمية لمشروع أكبر يستوعب مؤشرات ومعطيات تنامي حركة النقل والملاحة البحرية ويحقق في الوقت نفسه التكامل الإقليمي والشراكة الدولية، ومن الممكن جدا لأن تقود شركة دبي العالمية تحالفاً استثمارياً للموانئ الخليجية لتأمين ذلك الهدف، والتي يبدو أنه من الأفضل لها من الناحية الاقتصادية الاستثمار بميناء عدن لاستيعاب الزيادات المحتملة في مؤشرات النقل والملاحة البحرية العالمية التي يبدو ميناء عدن الأقرب لها، بدلاً من الاستثمار في موانئها الأبعد عن خطوط الملاحة تلك، فحين يبدأ ميناء عدن الحركة بالتوسع، وهذا سيأتي إن عاجلاً أم أجلاً، سيكون تعامل شركات وموانئ العالم العملاقة معه أكثر اقتصادية لها، مما قد يؤدي إلى كساد محتمل لديها وهي في غنى عنه، وما تحتاجه فقط أن تطور دراساتها لتشمل كل الاحتمالات وأن تلائم سياساتها مع مستقبل التكامل اليمني الخليجي التي تشجعه دولها بهدف تطوير اليمن واستعادته إلى بيئته الإقليمية.
لقد جاء في حديث الأخ رئيس الجمهورية التي وجهها إلى الشعب اليمني أثناء زيارته لجمهورية الصين الشعبية الأخيرة، بأنه سيعمل ليصبح ميناء عدن مثل ميناء هونج كونج في السنوات المقبلة، وبما يسمح بتحقيق برنامجه الانتخابي لإحداث تنمية اقتصادية واجتماعية ناهضة ومعالجة حالة الفقر والبطالة التي تعاني منها البلاد خلال عامي 7-2008م، كما جاء في البرنامج.
ونأمل أن لا يكون الأخ الرئيس قد أطلق حملة دعائية انتخابية من بعيد، فحسب ولكن اختياره مدينة هونج كونج لتوجيه تلك الرسالة، وهو يطل على مينائها العتيد، والمحاط بسلسلة من الأبراج وناطحات السحاب، وينظر في الأفق المضيء في سماء تلك المدينة الجميلة، قد اقنعه الكثير مما سمع، بأن بناء تلك المدينة المترامية الأطراف، قد تم بفضل تطوير مينائها في الأساس، وأنها بسبب ذلك قد أصبحت إلى جانب ميناء شنغهاي، تلعب دوراً رئيسياً في تحقيق النهضة المتسارعة للوطن الأم بعد أن عادت إليه وأصبحت جزءاً منه، ومن موقع كونها أصبحت مركزاً ملاحياً وتجارياً ومالياً دولياً، تمتد استثماراتها وفروع بنوكها إلى معظم بلدان العالم، تماما مثل ذلك الدور الذي لعبته موانئ ليفربول ونيويورك، وروتردام وسنغافورة، وميناء جبل علي داخل بلدانها وفي الاقتصاد العالمي، وهو الدور الذي يمكن أن يلعبه ميناء عدن فيما لو جرى تطويره على نفس النحو.
وربما يكون قد سمع استعداد تلك الشركات والبنوك للاستثمار في ميناء عدن وهي تشير إلى ما تملكه من معلومات عن مؤشرات تنامي الاقتصاديات والمبادلات التجارية الدوليةِ، وحاجتها المتزايدة لميناء عدن وإمكانيات تطويره ليصبح مثل ميناء هونج كونج فعلا كما جاء في مقابلته التلفزيونية الشهيرة تلك، التي جرى بثها من هناك.
وربما كان ذلك هو نفس الموقف الذي عبرت عنه الشركات الأمريكية والأوروبية التي تدافعت إلى اليمن على مدار السنوات الماضية، ولو بصيغة أخرى، وكلها ظلت وما زالت تبحث لها عن موقع في ميناء عدن.
كل تلك الحقائق ينبغي أن تكون جديرة بأن يتناولها مؤتمر لندن للمانحين، وهو يبحث في مشاريع التنمية الاقتصادية والتكامل اليمني الخليجي والشراكة الدولية، وهي التي نعتقد أنها تشكل الأجندة الرئيسية للمؤتمر.
ومن عدن نتمنى على المؤتمر أن يخرج بالقرارات والنتائج التي يمكن أن تتضمن الاتجاهات والخيارات التالية:
أولاً: اعتبار تطوير ميناء عدن والمنطقة الحرة المرتبطة فيه، قطاعاً ورافداً أساسياً لإحداث التنمية الشاملة في اليمن، واعتماد المخصصات الكافية في إطار الخطة الخمسية حتى العام 2010م والخطة الألفية حتى العام 2015م، إلى جانب الشركات الخاصة وبما يحقق عائدات أكبر للدولة والاعتماد على إدارة متخصصة عالمية.
ثانياً: تشكيل لجنة مختصة للإشراف على مشروع الميناء وتكليفها باختيار شركة استشارية كفؤة لتحديث المخطط العام على شروط العمل (Term of refrence) الشاملة لتطويره وتوسيعه باستيعاب كامل للمخططات والدراسات الاقتصادية السابقة التي أجراها، وتحديثها بمؤشرات تنامي الاقتصاديات والمبادلات التجارية الإقليمية والقارية، وحركة النقل والملاحة البحرية الدولية، واقتصادية استخداماتها لميناء عدن.
ثالثاً: أن يسند إلى اللجنة دراسة الخيارات التالية للاستثمار في الميناء:
1. تشكيل تحالف استثماري دولي (كونسر تيوم) يقوم في إطار شركة استثمارية مساهمة، تشارك فيها الدولة اليمنية وقطاع الأعمال والمواطنين اليمنيين وصندوق المانحين والشركات والبنوك العالمية ذات الصلة.
2. تقسيم امتدادات الميناء على مربعات وإعلان مناقصة عالمية شفافة، على قاعدة المخطط العام، والدراسة الاقتصادية للميناء، والتي يجري تحديثها.
3. إعلان مناقصة عالمية تنافسية على قاعدة المخطط العام والدراسة الاقتصادية المحدثة .
4. أن تقوم الحكومة اليمنية بدعوة شركة دبي العالمية والشركات الملاحية لبلدان الجزيرة العربية، وعلى الأخص تلك التي تخطط لتوسيع موانيها لاستيعاب النشاط الفائض المتنامي الأقرب لميناء عدن، وإمكانية إدماجها في شروط العمل والمخطط العام لميناء عدن يهدف مشاركتها في تحالف استثماري أو لمنافسة العالمية وبما يضمن تحقيق أفضل قدر ممكن من التكامل بين اتجاهات تطور ميناء عدن الشاملة والموانئ الخليجية وبما يؤدي إلى كسر الاحتكار لأي طرف، وتبديد الثروات في المضاربات بمشاريع متقاربة على حساب البعض، وتأمين اقتصاديات الاستثمار، والسير معا نحو التكامل المنشود لدول المنطقة واقتصادها.
صالح عبدالله مثنى
وزير النقل الأسبق
عدن 10 نوفمبر 2006م


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.