بقلم السفير/ اللواء أحمد صالح حاجب - الفقيد الصحفي والمناضل الراحل (صالح الدحان) الذي انتقل الى جوار ربه قبل أيام هو أكبر وأعظم من أن يؤبن، وذكرياتي معه أوسع من أن تحصر بهذه العجالة، وهو الأديب والصحفي من الطراز العالي ومن الرعيل الوحدوي اليمني الأول بمعية زملاء له في ربوع اليمن باتحاد الأدباء والكتّاب اليمنيين، كان الدحان القدوة فيه ومعه آخرون من الكتّاب والمناضلين أخص بالذكر منهم: عمر الجاوي - محمد سعيد جرادي - عبدالله حمران - عبدالرحمن عبدالله - والإعلامي الكبير محمد ناصر. - عرفت الفقيد صالح الدحان عام 1951م من القرن الماضي وكنا حينها في سن الطفولة لا نتجاوز 12 عاماً، التقينا في الصف الأول من المدرسة المتوسطة في كريتر - الرزمت - وكانت هي المدرسة الوحيدة في مستعمرة عدن. كنا نأتي اليها من الشيخ عثمان والتواهي والمعلا الى جانب أبناء كريتر، وكان الفقيد من ابناء التواهي، كان المنهج التعليمي حينها صباحياً ومسائياً، وكانت توفر لنا الدولة المواصلات ووسائل التعليم ووجبة الغداء بالمدرسة وتنتهي الدراسة بالعصر. وكان في المدرسة أساتذة أكفاء عظام أمثال آل لقمان وآل عبده غانم وآخرين، وفي الصف الثاني والثالث قبلنا يأتون من نفس المناطق منهم عيال العرجي والمسرج بساط الريح وعيال عبده غانم من كريتر.. في عام 1945 م أنهينا الاعدادية وانتقلنا الى الثانوية في كلية عدن (البيومي لاحقا) الواقعة في مدينة دار سعد. وكان هناك مجاميع كبيرة منهم من استمروا بالدراسة ومنهم من انقطعوا ومن زملائنا من عيال الشيخ عثمان محمد سعيد العبسي وعبدالله عثمان وسيف عبدالملك وياسين القرشي وآخرون وكان من سوء حظي إنني لم أنهِ الثانوية فاضطرتني الظروف العائلية أن انضم للقوات المسلحة بدرجة كاتب ولكن ساعدتنا الظروف لاحقا، وحصلت على الثانوية العامة المستوى العادي (جي سي أي) أثناء الخدمة في القوات المسلحة وتمر الايام وتمكن البعض من الدراسة في الخارج وتمكنت من إكمال دراستي العسكرية والعلمية في بريطانيا بين عامي 62 و 63 م. - الفقيد دحان شق طريقه بقوة وأصبح علماً بارزاً في الصحافة والإعلام وشارك في الكتابة والمناقشة والسخرية والجدل في كافة الصحف اليومية التي كانت تصدر في مستعمرة عدن، ويعتبر رمزاً من رموز الصحافة والأدب والثقافة وكان موهوباً حتى أنه تعاقد مع وكالة أنباء الصين (شين خوا) التي كان يعمل فيها نخبة من الإعلاميين العرب من اليمن ومصر ولبنان وسوريا وإلى جانبه الاخ علي فارع الذي كان له دور كبير في نشر أخبارالمارد الجديد القادم من الشرق جمهورية الصين الشعبية بكل قوتها الثقافية والعسكرية والاقتصادية. وتدور الايام إلى عام 1972م، وجدت نفسي في اللجنة العسكرية لتوحيد شطري اليمن التي انبثقت من لقاء طرابلس بين الرئيسين سالمين والأرياني وكان من زملائي أحمد سالم عبيد، أطال الله عمره، والمرحوم اللواء أحمد صالح عبده ضالعي والمرحوم هادي أحمد ناصر. وكان عمر الجاوي والمرحوم صالح الدحان من مرافقي اللجان المدنية والعسكرية نظرا لإمكاناتهم الكبيرة في الثقافة والعلوم، حتى أنني مازلت اتذكر النقاشات والجدل وكثيرا ما كانت ساخرة، وكان الابداع والثقافة والعلوم والشعر للمرحوم صالح الدحان هي التي تهدئ الروع والنفوس من قبل القيادات السياسية بحق وحقيقة وكان الدحان نجم اللقاءات التي تدور. وتأتيني الفرصة لأكون سفيرا في الصين عام 77 م وكان صالح الدحان خير من دلني وأرشدني وعرفني بطريقة التعامل مع الصينيين كونه شعباً حضارياً وأصيلاً وقديماً ولأنه أي - الدحان - يعرفهم عن قرب، والتقيت به مرة بعد عودته من الصين قال لي: (شوف هذه الصين الذي كنت فيها، الشعب يبني منذ ثمانينيات القرن الماضي أي - القرن التاسع عشر - وسيكون لهم شأناً عظيماً وكبيراً، وصدقت تنبؤاته وحدسه الكبيرين (يرحمه الله)، وأصبحت فعلا اليوم الصين أكبر الدول شأنا بكافة المجالات (الاقتصادي - الصناعي - الزراعي ناهيك عن الثقافي). - انقطعنا عن اللقاءات لفترة طويلة افتقدنا التنكيت والمزاح والدعابة (الدحانية)، حتى كان ذلك في عام 2006م، بعد قيام الوحدة عرف الفقيد بما يدور من تسريح للعسكريين والمدنيين والدبلوماسيين وانا أحدهم، قلت له: كيف تشوف الامور يا صالح؟ قال: يابن حاجب راح الجاوي وراح حمران وكيف تعتقد أن تتم وحدة فيها الشيوخ والقبائل وأبناء القبائل لن تقبل وترضى أن يدخل اليمن الى التقدم والازدهار وكانت نبوءته الثانية صحيحة وأصبحنا للأسف وكأننا نحرث في بحر.!! رحمك الله يا صالح وأسكنك فسيح جناته ورحم الله رعيلك الاول، لكنني لن أفقد الأمل رغم صعوبة المرحلة ووعورة طول الطريق وصعوبته، مع الإيمان بالله أن لكل زمان دولته ورجاله ولا يعرف الإنسان ما يخبئ له القدر. ولولا الشيخوخة والنسيان اللذان أفقداني الكثير من المواقف المهمة والعظيمة للمناضلين والاصدقاء الذين يستحقون الذكر لكنت قلبت مزيدا من أوراق سفر (الذكريات)، ولكنت غصت عميقاً ببحرها العميق. - خاتمة من ديوان العرب: (ذهب الذين أحبهم × وبقيت مثل السيف فردا)