تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    حضرموت هي الجنوب والجنوب حضرموت    الزنداني يلتقي بمؤسس تنظيم الاخوان حسن البنا في القاهرة وعمره 7 سنوات    حقائق سياسية إستراتيجية على الجنوبيين أن يدركوها    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    الضربة القاضية في الديربي.. نهاية حلم ليفربول والبريميرليغ    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    اليمن: حرب أم حوار؟ " البيض" يضع خيارًا ثالثًا على الطاولة!    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    عبد المجيد الزنداني.. حضور مبكر في ميادين التعليم    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    شبوة تتوحد: حلف أبناء القبائل يشرع برامج 2024    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    البحسني يثير الجدل بعد حديثه عن "القائد الحقيقي" لتحرير ساحل حضرموت: هذا ما شاهدته بعيني!    وفاة نجل محافظ لحج: حشود غفيرة تشيع جثمان شائع التركي    إصابة مدني بانفجار لغم حوثي في ميدي غربي حجة    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    البرق بتريم يحجز بطاقة العبور للمربع بعد فوزه على الاتفاق بالحوطة في البطولة الرمضانية لكرة السلة بحضرموت    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    رئيس رابطة الليغا يفتح الباب للتوسع العالمي    يوكوهاما يصل لنهائي دوري أبطال آسيا    وزارة الداخلية تعلن الإطاحة بعشرات المتهمين بقضايا جنائية خلال يوم واحد    تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق الأطفال خلال 21 شهرا والمليشيات تتصدر القائمة    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص رؤية الحراك الجنوبي حول القضية الجنوبية
نشر في الوسط يوم 25 - 05 - 2013

استمع فريق عمل القضية الجنوبية في جلسته أمس برئاسة رئيس الفريق محمد علي أحمد إلى آخر رؤى المكونات السياسية حول محتوى القضية الجنوبية والمقدمة من الحراك الجنوبي وتناولت الرؤية المحتوى السياسي للقضية الجنوبية والمحتوى القانوني والمحتوى الثقافي والاجتماعي، فضلاً عن تدمير البنية المؤسسية والبشرية للجنوب، ونهب ثروات ومقدرات الجنوب إلى جانب المتقاعدين الأمنيين والعسكريين وفيما يلي نص الروية :
المدخل:
بينت جذور القضية الجنوبية بجلاء أن مشروع الوحدة اليمنية لم يعني في فكر السلطة في الجمهورية العربية اليمنية غير مشروع للتوسع ونهب الثروة وضم الفرع للأصل، هذا المفهوم للوحدة وواقع النهب والظلم والإلحاق لم يتغير منذ 1990م وحتى الآن.
عملت السلطة الخفية (الائتلاف القبلي والعسكري وعلماء السلطة في الجمهورية اليمنية منذ اليوم الأول للوحدة على قتل ولادة حلم الوحدة اليمنية الذي تغنى به الجنوب منذ الاستقلال ليكتشف بعد 1990م وتحديداً بعد حرب عام 1994م أن مفهوم الجنوب للوحدة كان مختلفاً تماماً، كانت تعني له الشراكة والقوة ومستوى أفضل لمواطنيه والخطوة الأولى لتحقيق حلم الوحدة العربية، بينما لم تكن الوحدة في ذهنية سلطة الجمهورية العربية اليمنية تتجاوز الأطماع في المزيد من الأراضي والثروة والسلطة.
قدم الجنوب للوحدة طواعية كل ما يملك، الدولة، الأراضي، والثروات، وبنية أساسية، وقاعدة مادية ضخمة، ومقابل ذلك لم ينل الجنوب سوى المهانة والذل والظلم طيلة 23 عاماً جعلته يرفض مشروع الوحدة ويدرك حجم الوهم والخداع الذي عاش فيه، ولينتفض في 2007 بحراكه الشعبي السلمي الجنوبي في ثورة جديدة لاستعادة هويته ودولته المنهوبة.
إن المعاناة اليومية لشعب الجنوب طيلة 23 عاماً، هذا الشعب الذي سادت فيه قيم مختلفة سياسية، قانونية، ثقافية واجتماعية شكلت عبر قرون من الزمن قيام دولة المؤسسات والنظام والقانون فيه إدرك بوضوح طبيعة السلطة الحقيقية الحاكمة في صنعاء، هذه السلطة الخفية التي تكونت من تحالف مصالح قبلية وعسكرية وعلماء سلطة على مر عقود من الزمن، هذه السلطة التي جثمت على أنفاس أبناء الجمهورية العربية اليمنية منذ ما قبل اندلاع ثورة 1962م والانقلابات على الرؤساء واغتيالهم، حيث سيطرت هذه القوى على مفاصل الدولة وحرفت مسارها وبسطت نفوذها بالكامل على مقدرات وقرارات الشعب اليمني.
حرب عام 1994م كانت الإعلان الرسمي لانتهاء الوحدة الطوعية، وأظهرت الحرب السلطة الخفية بتحالفاتها ودفاعها المستميت ليس للوحدة بل لمصالحها التوسعية، شهدت الحرب تسخيراً وتعبئة دينية وقبلية من قبل (السلطة الخفية) تحت شعار المحافظة على الوحدة اليمنية، بينما الحقيقة لم تكن سوى بهدف نهب مراكز النفوذ لثروات الجنوب حتى وقتنا الحاضر.
إن النزاع المسلح الذي حدث في عام 2011م بين علي عبدالله صالح وآل الأحمر لم تكم بسبب موالاتهم للثورة بل لرفض آل الأحمر توجه علي صالح في توريثه لابنه والانحراف عن الاتفاق الذي أبرم عند تنصيبه رئيساً أن تكون المرجعية للائتلاف الثلاثي كانت حرباً للحفاظ على السلطة وتثبيت مرجعية مراكز القوى القبلية على حساب مرجعية أسرة على صالح.
قاوم شعب الجنوب الاستعمار البريطاني وناضل لحريته ورفضه للذل والتبعية، تعود على الحرية والمواطنة المتساوية والدولة المدنية على عكس الشعب اليمني الذي تعود العيش في ثقافة القبيلة وسلطتها ورضخ لها لقرون عديدة كمسلمة من المسلمات، وفي المقابل لم ولن يقبل شعب الجنوب العيش في ظل نظام قبلي عسكري ينهب مقدرات الشعوب، قرر شعب الجنوب النضال لاستعادة حريته وكرامته وثرواته ودولته المدنية.
هذه إرادة شعب الجنوب:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر
المحتوى للقضية الجنوبية:
يأتي محتوى القضية الجنوبية كنتيجة موضوعية لتلك الأسباب والدوافع التاريخية والسياسية، الاقتصادية والثقافية، والتي كانت أساساً وجذوراً لمحتوى القضية الجنوبية بأبعادها المختلفة، ولا يمكن الفصل بين الجذور ومحتوى القضية الجنوبية؛ فجذور القضية هي جزء من محتواها وهي الأسباب التاريخية الحقيقية المشكلة لمحتوى القضية بأبعادها المختلفة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية وغيرها.
إن شعب الجنوب اتسم بمدنية تأسست كمنظومة متكاملة عاشتها مدينة عدن كمستعمرة بريطانية شهدت خلال أوائل عشرينيات القرن الماضي النهوض الثقافي والاجتماعي والسياسي والنقابي والتعليمى كما نشأت بينها وبين السلطنات والإمارات والميشخات التي بلغ عددها آنذاك 23 سلطنة وإمارة ومشيخة، علاقات جعلت من الجنوب تجمعات سكانية منسجمة فيما بينها تميزت بالاحترام المتبادل والتعايش والتعاون الثنائي حيث لم تكن هذه الكيانات تخضع لهيمنة أو سلطة دولة أخرى.
ومع إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م تم الاتفاق على أن تمر دولة الوحدة بمراحل انتقالية بين طرفي الوحدة وهما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية التي قامت بين النظامين المختلفين سادت في كل منهما قيم سياسية قانونية، ثقافية واجتماعية مختلفة شكلت عبر قرون من الزمن قيام دولة المؤسسات والنظام والقانون في الجنوب، بينما اتسمت دولة الشمال بمنظومة قيم تستند في مجملها إلى القوة العائلية والقبيلة والنفوذ الاجتماعي حيث فشلت مراكز القوى في المرحلة الانتقالية في ترويض شعب الجنوب وفرض نظام الجمهورية العربية اليمنية عليه وشهدت المرحلة رفضاً كاملاً من شعب الجنوب الانصهار في ثقافة الشمال، وأمام هذا الواقع لم تجد مراكز القوى أمامها سوى الحسم العسكري لإخضاع الجنوب لها فكان إعلان الحرب في 27 ابريل 1994 فرضت السلطة الخفية في صنعاء بعد عام 1994 نموذجها على الوحدة وعممت نظام الجمهورية العربية اليمنية كله نظام اللادولة، نظام القبيلة والعسكر وعلماء السلطة، نظام تمركز السلطة والثروات بأيدي القوى المتنفذة في صنعاء، ولإدراك هذه المراكز لعمق مدنية شعب الجنوب عملت على اتباع سياسات ممنهجة لمحو هوية وثقافة ومدنية شعب الجنوب، خلق الثأرات والنزاعات القبلية، القضاء على المؤسسات العسكرية والأمنية، لقد طالت الحرب وبعدها كل شيء في الجنوب وما ألفه واعتاد وتعلق به من تاريخ ورمزيات ومن حضور حقيقي للدولة والنظام والقانون عملت هذه المراكز المنتصرة بعد حرب 1994م على إلغاء الجنوب شعباً وهوية ودولة باتباع السياسات التالية:
1 - طمس هوية وثقافة الجنوب.
2 - تدمير البنية المؤسسية والبشرية للجنوب.
3 - القتل والإقصاء للكوادر الجنوبية.
4 - نهب ثروات ومقدرات الجنوب.
المحتوى السياسي للقضية الجنوبية:
تبدأ وقائع الخلفيات السياسية للقضية الجنوبية منذ العام 1989م وهو الذي سيقودنا إلى معرفة الحقائق عنها بشكل سليم حيث نستعرض خلفيتها التاريخية من خلال خمس مراحل رئيسة وهي:
المرحلة الأولى : من 30 نوفمبر 1989م - 22 مايو1990م من فرائد الاتفاقيات الوحدوية التي كانت توقع بين دولتي شطري اليمن، إنها كانت عادة تتم بعد حروب بين الطرفين وعلى سبيل المثال اتفاقيتا القاهرة عام 1972م واتفاقية الكويت 1979م وفي عام 1988 كانت العلاقات بين الطرفين على أشدها توتراً بسبب الخلافات حول الثروات النفطية في وادي جنة الواقع بين محافظتي شبوة ومأرب فتم التوقيع على اتفاقية التنقيب المشترك وعلى إثر ذلك قام الرئيس علي عبدالله صالح بزيارة رسمية إلى عدن في 30 نوفمبر 1989م بغرض حضور احتفالات شعب الجنوب بعيد الاستقلال وفجأة يتم الاتفاق بينه وبين علي سالم البيض الأمين العام للجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني في نفق (جولدمور بمدينة عدن على مشروع وثيقة مشتركة أطلق عليها (إعلان عدن) بشأن الوحدة اليمنية، فقوبلت هذه الوثيقة بمعارضة شديدة من قبل قيادات في الجنوب والشمال، فعلى صعيد الجنوب اعتبر أعضاء المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني أن تلك الوثيقة غير مدروسة وتعبر عن قرار فردي؛ لأن الوحدة بقدر ما كانت مطلباً شعبياً ورسمياً في الجنوب فهي كانت بحاجة إلى خطوات متأنية وفترة زمنية لا تقل عن عشر سنوات كمرحلة انتقالية، فعقدت قيادة الجنوب عدة اجتماعات طلب فيها علي سالم البيض من قيادة الجنوب عدم وضعه في موقف محرج بإجباره على عدم التوقيع على الاتفاقية واعداً أنه بعد التوقيع عليها لن ينفذ منها شيء، ولكنه بعد ذلك ذهب نحو الوحدة بشكل منفرد مستغلاً حماس الجماهير للوحدة فأجبرت معظم القيادات على السير معه في نفس الطريق.
أما على صعيد الشمال فإن الاتفاقية أيضاً قوبلت بمعارضة شديدة ولاسيما من قبل المشايخ وبعض علماء الدين تحت مبرر أنه لا يمكن التوحد مع كفار وملحدين وأن الجنوب فقير والشمال غني؛ لما يمتلكه من ثروة نفطية في مأرب، غير ان علي عبدالله صالح كان يعلم أن الجنوب قد استخرج النفط وبكميات أكثر، فسار أيضاً نحو الوحدة منفرداً مستغلاً التأييد الشعبي للوحدة، وهذا ما أجبر كثيراً من القيادات الشمالية على عدم معارضته والسير معه.
تم تشكيل لجان الوحدة في مختلف الجوانب والمجالات وتكررت الزيارات واللقاءات بين القيادات وعلى مختلف المستويات فعرض الطرف الشمالي عدة مشاريع للوحدة منها الكونفدرالية والفيدرالية، لكن علي سالم البيض أصر على الوحدة الاندماجية حتى إن الرئيس صالح كان متحفظاً على التوقيع على الوحدة الاندماجية خشية من المعارضة في الشمال، لكن البيض قدم له عرضاً مغرياً فمن يطلع على مذكرات الشيخ سنان أبو لحوم التي يقول فيها: (إن البيض قال له راجع صاحبكم - يقصد الرئيس صالح - أن يوقع على الوحدة فقد ابلغتني اليوم شركة نفطية انه بإمكاني الإعلان بأن إنتاج الجنوب من النفط سوف يصل إلى قرابة نصف مليون برميل يومياً وإذا علم بعض الجنوبيين بهذا الأمر قد يعارضون الوحدة) فتم التوقيع على إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م بين طرفين متساويين هما جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية على أساس الشراكة الأخوية الندية ولكنها في الحقيقة كانت مشروعاً وحدوياً مليئاً بالأخطاء من أبرزها :
1 - تم تجاهل وقائع التاريخ بأن هذين الكيانين لم يكونا موحدين في أي عصر من عصور التاريخ وأن الوحدة أتت بالعاطفة وليس وفقاً للمنطق والعقل، وهناك فوراق كبيرة بين النظامين اقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.. الخ.
2 - تم تجاهل نصوص الاتفاقيات السابقة التي عقدت بين الطرفين بشأن مشروع دولة الوحدة بما فيها نصوص مشروع الدستور الذي أعد في عام 1981م.
3 - قدم الجنوب تنازلات كبيرة منها: العاصمة والعملة ورئاسة الدولة وارض واسعة وشواطىء بحرية وجزر وثروات طبيعية متعددة..إلخ بينما لم يقدم الشمال مقابلها أي شيء يذكر.
المرحلة الثانية: من 22 مايو 1990 - 27أبريل 1994م
1 - تم الاتفاق بين الطرفين على تطبيق أفضلية التجربتين في دولة الوحدة ولكن ما تم تطبيقه هو تجربة الجمهورية العربية اليمنية بكل مساوئها.
2 - أتى الجنوب إلى الوحدة بنوايا طيبة قاصداً بناء دولة مقترنة بالممارسة الديمقراطية بينما مراكز القوى العسكرية والقبلية والدينية في الشمال كانت نواياها مبيتة وغير سلمية، والدليل على ذلك ما جاء في مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر بأنه تم الاتفاق بينه وبين علي عبدالله صالح على ان يقوم بتشكيل حزب سياسي مهمته معارضة ما يتفق عليه صالح مع القيادة الجنوبية فتم إنشاء التجمع اليمني للإصلاح 23/9/1990م كحزب سياسي إسلامي عبر عن معارضته للوحدة من خلال رفضه للاستفتاء على مشروع دستور دولة الوحدة وأخرج مظاهرات قيل عنها إنها مليونية ترفض ذلك الدستور؛ باعتباره دستوراً علمانياً، ولكن فيما بعد قاتل حزب الإصلاح تحت مبدأ حماية هذا الدستور والوحدة عام 1994 فكان الشمال هو الفاعل في السلطة والمعارضة في وقت واحد، ويتحكم بكل مقاليد الأمور بما فيها مال الدولة والإعلام .. الخ.
3 - ارتكب الطرف الجنوبي أخطاء فادحة في عدم دراسته للواقع الاجتماعي والسياسي والقبلي والقائم في الشمال، فاعتقد انه باشتراطه لإقران الوحدة بالديمقراطية سوف يحقق توازناً سياسياً ولكن الطرف الآخر أراد من الديمقراطية إلغاء الشراكة الوطنية بين الجنوب والشمال.
4 - كانت نتائج انتخابات 27 ابريل 1993م بمثابة استفتاء شعبي بأن الوحدة فيها خلل كبير فقد حصد الحزب الاشتراكي اليمني كل المقاعد البرلمانية المخصصة للجنوب ماعدا مقعدين إضافة إلى خمسة عشر مقعداً في الشمال بينما المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح حصدا المقاعد المخصصة للشمال، فاعتبر الشمال نتائج تلك الانتخابات إلغاء لشراكة الجنوب المتساوية مع الشمال من خلال تقسيم السلطة على ثلاثة وليس على اثنين، معتداً بالكثافة السكانية في الشمال وقلتها في الجنوب متجاهلاً لوقائع التاريخ وكبر مساحة الجنوب وثروته.
5 - ما إن بدأت الخلافات بين الطرفين حتى بدأت الاغتيالات للقيادات والكوادر الجنوبية في شوارع صنعاء بحجة أنهم كفرة وملحدون فذهب ضحية تلك الاغتيالات أكثر من 150 جنوبياً كما تمت محاولة اغتيال العديد من قادة الجنوب.
6 - عندما عبر الجنوب عن رفضه للممارسات التي تقوم بها القوى النافذة قبلياً ودينياً في الشمال ضده شنت عليه حرباً تكفيرية وصلت إلى حد التشويه اللاأخلاقي للأسرة الجنوبية ومواصلة اغتيال قياداته وكوادره عن طريق استقدام العناصر الإرهابية التي كانت تقاتل في افغانستان - يمنية وغير يمنية - بهدف قتل الجنوبيين، وقد كشف الكثير منهم فيما بعد معلومات هامة عن تلك الاغتيالات وانها كانت تتم بعلم السلطات الحاكمة، ولهذا كانت هذه السلطات ترفض القبض على المتهمين في الاغتيالات.
7 - مع اشتداد الخلافات بين الطرفين جرت الوساطات العربية وغير العربية فكانت اهمها الوصول إلى التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق برعاية أردنية من قبل كل الأطراف اليمنية الفاعلة في 20 ابريل 1994 ولكن تلك الوثيقة لم يطبق منها شيء وفي مقدمتها إلقاء القبض على المتهمين بالاغتيالات بل بعدها بأسبوع أعلن الرئيس صالح من ميدان السبعين في 27 ابريل 1994م الحرب على الجنوب فاندلع في مساء نفس اليوم أول صدام مسلح بين لواءين مدرعين في منطقة عمران شمال صنعاء.
المرحلة الثالثة : من 27 ابريل 1994 - 7 يوليو 1994م:
1 - بعد قتال عمران مباشرة تمت مهاجمة بقية الوحدات العسكرية والأمنية الجنوبية المتواجدة في محافظات الشمال بهدف جعل الجنوب ساحة المعركة، وهذا ما حصل فقد بدأت مهاجمة الوحدات الجنوبية على مناطق الأطراف وصدرت الفتاوى الدينية التي تبيح قتل الجنوبيين أثناء تلك الحرب؛ باعتبارها حرباً مقدسة فالقوات الجنوبية اطلقت عليها تسمية (قوى الردة والانفصال)، وهذا ما يعني أن المدافعين عن الجنوب هم قوى مرتدة عن الدين الإسلامي ومجرد مجموعة انفصالية يحق قتلهم شرعاً وقانوناً، وجازت الفتاوى استباحة الممتلكات العامة والخاصة وكأن الجنوب دار كفر، واستعانت قيادة صنعاء بكل عناصر الإرهاب للقتال معها.
2 - أثناء الحرب رفض نظام صنعاء الاستجابة للقرارات الدولية، واعتقد نظام صنعاء انه بنجاحاته العسكرية على الأرض سوف يحقق الانتصار المطلق حتى إنه رفض نصيحة حلفائه الأمريكيين وهي نصيحة هامة جداً عندما نصحوه بعدم اقتحام مدينة عدن عسكرياً لأنها تشكل معلماً رمزياً وسياسياً وتاريخياً ووطنياً للجنوب وستكون لذلك الاقتحام عواقب مستقبلية وخيمة وقدموا له عدة نصائح لحل مشكلتها.
3 - استبيحت مدن الجنوب كلها وفي مقدمتها العاصمة عدن ودمرت مقومات الجنوب الاقتصادية والخدمية والثقافية والعسكرية ونهب كل شيء فيه بما في ذلك المتاحف الوطنية والوثائق التاريخية بشكل غير مسبوق في الحروب التي شهدتها البشرية فقد كانت قوافل القبائل تأتي إلى الجنوب بغرض النهب.
4 - في يوم 7 يوليو 1994م أعلنت حكومة صنعاء عن انتصارها في الحرب بدخولها مدينة عدن ووجهت رسالة إلى مجلس الأمن الدولي احتوت على سبع نقاط ومنها ضمان عودة كل الجنوبيين إلى أعمالهم المدنية والعسكرية ودفع التعويضات للمتضررين، ولكن مع الأسف الشديد لم يتم تطبيق نقطة واحدة من تلك النقاط.
المرحلة الرابعة : من 7 يوليو 1994- 7 يوليو 2007م:
1 - بدلاً من أن تقوم حكومة صنعاء بتنفيذ تعهداتها للمجتمع الدولي تم تطبيق سياسة الإقصاء والإبعاد للجنوبيين من وظائف الدولة المدنية والعسكرية وتم تقاسم ممتلكات شعب الجنوب من أراضي وعقارات ومصانع ومزارع.. الخ وأصبحت أرض الجنوب تقسم كهبات للأقرباء والموالين، وكأن الجنوب هبة الله للشمال حتى إن الجنوبيين أصبحوا لا يجدون الأرض لدفن موتاهم!!
2 - ارتكبت أبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان في الجنوب التي من الصعب ذكرها؛ لأنه لا يليق ان يقال إن مسلمين ارتكبوها.
3 - احتقار الإنسان الجنوبي ووصفه بأنه مواطن وافد من الصومال والحبشة والهند وباكستان حتى إن الأخ علي سالم البيض الذي وقع على إعلان دولة الوحدة قيل إنه هندي، وهو تمييز عنصري سافر يجرد الجنوبيين من حقهم في الأرض والتاريخ.
4 - تم إلغاء العمل بجميع الوثائق التي تمت الوحدة بموجبها بما في ذلك دستور دولة الوحدة، تم تعديل معظم مواده ولأكثر من مرة بما يعزز سيطرة الطرف المنتصر.
5 - حرمان الجيل الجديد في الجنوب من الالتحاق بالمعاهد والكليات العسكرية والأمنية حتى وصل الأمر إلى منع التحاقهم كجنود في المؤسسات العسكرية والأمنية وحرمانهم من التوظيف بشكل مطلق في بعض أجهزة الدولة الهامة مثل القضاء والنيابة العامة والنفط والسلك الدبلوماسي والمرافق الإيرادية مثل الضرائب والمالية والجمارك.. الخ وهذا يؤكد مجدداً التعامل العنصري التمييزي من قبل سلطة النظام تجاه الجنوبيين.
6 - حرمان الجنوبيين من البعثات الدراسية في الخارج أو مواصلة دراساتهم للحصول على شهادات عليا.
7 - لم يتم الاكتفاء بحرمان الجنوبيين من العمل في مراكز قيادية في مرافق دولة الوحدة المركزية فقط وإنما حرمانهم من شغل الوظائف العامة على مستوى محافظاتهم ومديرياتهم حيث تم تعيين شماليين حتى في أبسط المناصب القيادية في الجنوب فتصوروا أن يقال انها دولة وحدة وفي كثير من الوزارات والمرافق العامة في صنعاء لا يوجد فيها جنوبي واحد، فأي وحدة يتم الحديث عنها؟!.
حرمان الجنوبيين من حق الحصول على رخص الاستيراد والتصدير والاستثمار وفي أحسن الأحوال يمارسون أعمالاً تجارية بسيطة اتباعاً لسياسة إفقار منهجية مدروسة فأصبح شعب الجنوب ساحة للعمل السياسي من قبل ما تسمى بالجمعيات الخيرية التابعة للحزبين الرئيسين (المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح) والجمعيات الأخرى ذات التوجهات السياسية الدينية.
9 - حرمان الجنوب من انتخاب ممثليه في مجلس النواب والمجالس المحلية؛ فقد أصبح أعضاء هذه المجالس يمثلون الحزبين الرئيسين في الشمال وهما: المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح .
10 - حاولت بعض القيادات الجنوبية تقديم مقترحات ومشاريع سياسية لحل أوضاع الجنوب المأساوية بعد حرب عام 1994م مثل: إزالة آثار هذه الحرب وإصلاح مسار الوحدة والمصالحة الوطنية الشاملة، ولكن رفضت كلها دون وجه حق.
المرحلة الخامسة : من 7 يوليو 2007 - إلى يومنا هذا:
القضايا التي عاشها شعب الجنوب في المراحل السابقة وتم ذكرها آنفاً هناك عشرات من القضايا المأساوية التي عاشها الجنوب لم يتم ذكرها، كانت بمجملها محفزاً لثورة جنوبية سلمية، وعندما قامت مجموعة من العسكريين والأمنيين المحالين إلى التقاعد قسراً بأول مظاهرة سلمية استجابت لها كل محافظات ومديريات الجنوب بتشكيل جمعيات للمتقاعدين العسكريين والأمنيين والمدنيين فقد كان الجنوب كله يئن من القهر والظلم، وتجلى ذلك في أول مظاهرة وطنية جنوبية شاملة جرت وقائعها في ساحة العروض بعدن في يوم 7/7/2007م، ومع ذلك كانت المطالب في البداية حقوقية ومطلبية بسيطة وبدلاً من معالجتها بحلول صادقة جرت مجابهتها بالقمع والعنف من خلال الاعتقالات الواسعة والقتل المفرط، ومع الأسف في ظل صمت مطبق من قبل قوى المجتمع المدني والمثقفين في الشمال، ومع ذلك استطاع الجنوب الحفاظ على سلمية ثورته ولم ينجر إلى دائرة العنف حتى اللحظة.
انطلقت السلطات الحاكمة في صنعاء في بعض معالجاتها للقضية الجنوبية انطلاقاً من تجربتها في معالجة القضايا في الشمال، والتي تتعامل فيها مع المواطن الشمالي تعامل الشيخ مع الرعية من خلال تعيين بعض الشخصيات الجنوبية في مناصب قيادية أو تسوية مرتبات بعض المتقاعدين أو دفع مبالغ مالية وسيارات لشراء الذمم أو تشكيل لجان للتعويض عن المنازل والأراضي، وهي نفس الطريق التي اتبعت مؤخراً بعد الإطاحة بالرئيس صالح فبدلاً من اجبار الشماليين على تسليم ما نهبوه في الجنوب يتم تعويض الجنوبيين من أملاكهم فأي عدل هذا؟ز
إن مثل هذه المعالجات غير مجدية في وضع حلول ناجعة للقضية الجنوبية؛ فالجنوب كدولة وشعب وأرض وهوية دخل في وحدة ندية مع الشمال كدولة وشعب وأرض وهوية وبدون الاعتراف والعمل بهذه الحقيقة المطلقة فإن الحلول تبقى ضرباً من الخيال.
المحتوى القانوني للقضية الجنوبية:
اختلال البناء القانوني والمؤسسي لدولة الوحدة:
بناءً على اتفاق عدن الصادر في 30 نوفمبر 1989م بين قيادتي الدولتين (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية) صدر في الثاني والعشرين من ابريل 1990م اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية موقعاً عليه من الأخوين علي سالم البيض الأمين العام للحزب الاشتراكي اليمني، عن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، والرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية العربية اليمنية، وقد تم التوصل إلى هذا الاتفاق في اجتماع عام شاركت فيه كافة الهيئات القيادية العليا السياسية والحكومية والحزبية وأعضاء هيئتي رئاسة مجلسي الشعب والشورى في الدولتين ويتكون الاتفاق في مجمله من صفحة ونصف الصفحة ويحتوي على مقدمة و11 مادة نصت المادة الأولى منه على أن تقوم بتاريخ 22 مايو 1990م بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وحدة اندماجية كاملة تذوب فيها الشخصية الدولية لكل منهما في شخص دولي واحد يسمى (الجمهورية اليمنية) ويكون للجمهورية اليمنية سلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة وتضمنت بقية المواد أحكاماً حول كيفية تكوين مجلس رئاسة للجمهورية اليمنية ومهامه خلال الفترة الانتقالية وتحديد مدة الفترة الانتقالية بسنتين ونصف وكيفية تكوين مجلس النواب خلال الفترة الانتقالية وتخويله الصلاحيات المنصوص عليها في الدستور عدا انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور ونصت المواد الختامية على نفاذ الاتفاق ونفاذ احكام الدستور بعد المصادقة عليهما من قبل مجلسي الشعب والشورى، واعتبار المصادقة عليهما ملغية لدستوري الدولتين السابقتين.
ومن خلال الاطلاع على اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وعلى دستور دولة الوحدة وتمحيص نصوصهما نصاً نصاً تتبين لنا الأخطاء والنواقص التشريعية فيهما هذا من جهة ومن جهة أخرى تتعارض بعض نصوص اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية مع أحكام دستور دولة الوحدة وانتهاء العمل بالدستور بعد انقضاء الفترة الانتقالية ويتلخص أهمها فيما يلي:
الأخطاء والنواقص في اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية:
- عدم طرح اتفاق قيام وحدة اندماجية كاملة بين الدولتين على الاستفتاء الشعبي العام في كلا الدولتين قبل إعلان قيام الوحدة (بسبب رفض الجانب الشمالي إجراء الاستفتاء) خلافاً لما تم الاتفاق عليه في وثيقة اتفاق عدن الصادرة بين الدولتين في 30 نوفمبر 1989 مما أفقد هذه الوحدة الشرعية الكاملة لقيامها.
- خلو الاتفاق من أية ضمانات عربية أو دولية أو أحكام تضمن نجاح الوحدة وعدم الانحراف بها عن مسارها الصحيح أو الانقلاب عليها وترتب المسئولية القانونية في حالة إخلال أحد الطرفين بالاتفاق وإفشال الوحدة.
- ضعف الصياغة القانونية الفنية لنصوص الاتفاق المكون من صفحة ونصف الصفحة في حين أن اتفاقية الوحدة الألمانية مكونة من أكثر من 750 صفحة وجعله مقصوراً فقط على إعلان قيام الجمهورية اليمنية وتشكيل مجلس رئاسة الجمهورية ومجلس النواب واختصاصاتهما بإيجاز وتشكيل الحكومة واعتباره اتفاقاً منظماً للفترة الانتقالية فقط (المحددة بسنتين ونصف) وليس كوثيقة قانونية أساسية تعتبر كميثاق ومرجعية دائمة لدولة الوحدة.
- عدم اشتمال الاتفاق على جميع الأسس والمقومات اللازمة لبناء دولة الوحدة بسلطاتها الثلاث ومؤسساتها الدستورية وهيئاتها وأنظمتها وأجهزتها المختلفة.
- غياب التحديد لمدة زمنية كافية للفترة الانتقالية التي من شأنها أن تهيئ للانتقال التدريجي من دولتين ذات نظامين سياسيين مختلفين ومتباينين إلى دولة واحدة موحدة وذلك في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية وغيرها وفق خطط علمية وبرامج زمنية مدروسة.
ثانياً: الأخطاء والنواقص التشريعية في إعداد وإقرار دستور دولة الوحدة:
1 - عدم طرح دستور دولة الوحدة للاستفتاء الشعبي العام في الدولتين لإقراره قبل إعلان قيام الجمهورية اليمنية بينما تمت المصادقة عليه من قبل مجلسي الشعب الأعلى والشورى فقط يوم قيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو 1990م وأصبحت احكامه نافذه منذ ذلك اليوم خلافاً لأحكام المادة 4 من الدستور باعتبار الشعب هو مالك السلطة ومصدرها ولذلك أصبح الاستفتاء الشعبي العام على الدستور الذي أجري في 15 - 16 مايو 1991م أي بعد مرور عام على نفاذ الدستور مظهراً شكلياً غير ذي جدوى، وقد قاطع حزب الإصلاح وقواعده وأنصاره الاستفتاء على الدستور تعبيراً منهم على رفض الوحدة.
2 - عدم القيام بمراجعة وتعديل مشروع الدستور قبل المصادقة عليه لأجل انهاء القصور وسد النواقص الموجودة فيه حيث تم اعداده بطريقة مرتجلة بعد حرب بين الدولتين قبل قيام الوحدة بعشر سنوات في ظل أنظمة الحكم الشمولي في دولتي الشمال والجنوب.
وأهم الأحكام التي كان يتوجب تعديلها أو تضمينها في مشروع الدستور هي:
- مبدأ التعددية السياسية والحزبية وحرية تكوين التنظيمات والأحزاب السياسية وممارسة النشاط السياسي.
- حرية النشاط الاقتصادي وحرية التجارة والاستثمار الذي يقوم على أساسه الاقتصاد الوطني.
- وضع نظام انتخابي متوازن يعتمد في تكوين الدوائر الانتخابية للجمهورية إلى جانب العدد السكاني المساحة الجغرافية والثروة الطبيعية ضماناً لعدم هيمنة أحد الشريكين على الآخر.
- انتخاب رؤساء المجالس المحلية والمحافظين ورؤساء هيئات السلطة المحلية في إطار الدوائر الانتخابية للمجالس المحلية في المحافظات.
- استحداث منصب نائب رئيس مجلس الرئاسة للجمهورية في تشكيلة المجلس إلى جانب الرئيس والأعضاء ليتوافق ذلك مع ما نص عليه اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية.
- تأكيد الالتزام بالعمل باتفاق إعلان الوحدة واعتباره ميثاقاً ومرجعية دائمة ومترتبات الخروج عليه، بينما أكد الدستور الالتزام بالمواثيق الدولية والعربية.
ثالثاً: التعارض بين نصوص اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية التي تم بموجبها تشكيل سلطات دولة الوحدة وبين أحكام الدستور:
تم انتخاب مجلس رئاسة الجمهورية اليمنية وأدائه اليمين في اجتماع مشترك لهيئة رئاسة مجلس الشعب الأعلى والمجلس الاستشاري وذلك وفقاً للمادة 2 من اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية خلافاً لأحكام المادتين 83،82 من دستور دولة الوحدة اللتين تنصان على انتخاب مجلس الرئاسة من قبل مجلس النواب بالاقتراع السري، ويعتبر المرشح عضواً في مجلس الرئاسة بحصوله على ثلثي أعضاء المجلس في المرة الأولى وإذا لم يتم فبالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس، بالإضافة إلى ذلك فإنه وفقاً لنص المادة 2 من اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية فقد تم انتخاب مجلس رئاسة الجمهورية لمدة الفترة الانتقالية فقط (المحددة في المادة 3 من ذات الإعلان بسنتين ونصف) وذلك خلافاً لأحكام المادتين 84 ،87 من دستور دولة الوحدة اللتين تنصان على أن المدة الدستورية لمجلس الرئاسة هي خمس سنوات شمسية ابتداءً من تاريخ أداء اليمين أمام مجلس النواب هذا من جهة ومن جهة أخرى فقد تم انتخاب مجلس الرئاسة من خمسة اشخاص انتخبوا من بينهم في أول اجتماع لهم رئيساً لمجلس الرئاسة ونائباً للرئيس وفقاً للمادة 2 من اتفاق إعلان الجمهورية خلافاً لأحكام المادة 84 من الدستور التي تنص على انتخاب مجلس الرئاسة رئيساً له فقط من بين اعضائه دون النص على انتخاب نائب لرئيس مجلس الرئاسة في قوام تشكيل المجلس وهو ما تم استخدامه في مواقف غير معلنة بقصد الابتزاز ضد نائب رئيس مجلس الرئاسة حينها بصورة تعمدت الإهانة والإساءة إلى الرجل الذي وقع اتفاق إعلان الوحدة اليمنية.
تم تكوين مجلس النواب للجمهورية اليمنية من كامل أعضاء مجلس الشورى ومجلس الشعب الأعلى في الدولتين السابقتين بالإضافة إلى 31 عضواً صدر بهم قرار من مجلس الرئاسة وأنيطت بمجلس النواب الصلاحيات المحددة له في الدستور ماعدا انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور وذلك وفقاً للمادة 3 من اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية بالمخالفة لأحكام المادة 41 من الدستور التي نصت على تكوين مجلس النواب من أعضاء ينتخبون بطريقة الاقتراع السري العام الحر المباشر المتساوي ويمارس المجلس كافة الصلاحيات المحددة في الدستور دون استثناء بما في ذلك انتخاب مجلس الرئاسة وتعديل الدستور وفي حالة خلو مقعد أي عضو من أعضاء مجلس النواب بأي سبب كان فقد نصت المادة 3 من إعلان اتفاق الجمهورية بأن يتم ملئه عن طريق التعيين من قبل مجلس الرئاسة خلافاً لأحكام المادة 61 من الدستور التي نصت على انتخاب خلف عن العضو الذي خلا مقعده في مجلس النواب إذا كانت المدة المتبقية للمجلس لا تقل عن سنة.
وقد نصت المواد 10،9،8 من اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية على نفاذ أحكام دستور دولة الوحدة خلال المرحلة الانتقالية فقط اعتباراً من تاريخ المصادقة عليه من قبل كل من مجلسي الشورى والشعب، واعتبار المصادقة عليه ملغية لدستوري الدولتين السابقتين، وذلك خلافاً للمبادئ والقواعد الدستورية التي تقرر نفاذ أحكام الدستور من تاريخ اقراره في استفتاء شعبي عام، كما ان الدستور يوضع لمرحلة تاريخية غير محددة المدة وليس لفترة انتقالية مدتها سنتان ونصف.
وقد انقضت الفترة الانتقالية في 22 ديسمبر 1992م دون أن يعقبها اصدار دستور جديد - حسب اتفاقية الوحدة - لانتهاء فترة العمل بدستور الوحدة أو على أقل تقدير تعديل دستور الوحدة لإنهاء القصور والسلبيات وسد النواقص التشريعية الموجودة فيه التي برزت خلال الفترة الانتقالية كما انقضت الفترة الانتقالية دون ان يتم استكمال توحيد البناء المؤسسي لدولة الوحدة وعلى سبيل المثال لا الحصر المؤسسة العسكرية والأمنية (الجيش والأمن) ومؤسسة الطيران المدني والملاحة البحرية والإنشاءات الصناعية والانتاجية وشركات القطاع العام الخ.
كما ان الانتخابات البرلمانية التي جرت بعد انتهاء الفترة الانتقالية بانتخاب مجلس نواب عام 1993انتخب بدوره مجلس رئاسة للجمهورية تمت في غياب الدستور وبطريقة اخلت بالتوازن في الشراكة القائمة لدولة الوحدة.
إن هذه الأخطاء والنواقض والسلبيات الموجودة في اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية ودستور دولة الوحدة والتعارض فيما بينهما والانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت بعد انتهاء العمل بالدستور لم تكن عفوية بل كان مخططاً لها وتعبر عن نية مبيتة في الانقلاب على الوحدة من طرف (الجمهورية العربية اليمنية) إذ كان لها تأثيرة سلبي بالغ على مسار الوحدة منذ بداية إعلانها مما ساعد على تحويل المشروع الوحدوي من شراكة سلمية متساوية ومتوازنة قامت بالتراضي والاتفاق بين دولتين ونظامين سياسيين مختلفين إلى ضم وإلحاق لإحدى الدولتين بالأخرى والهيمنة الكاملة عليها وعلى كامل مقدرات ومقومات الدولة والشعب والأرض بما فيها من ثروات والسلطة وهو ما توج في 7/7/ 1994م باحتلال جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية بعد إعلان الحرب عليها واجتياحها للقوى المسلحة من قبل الجمهورية العربية اليمنية، ما يعني ذلك صراحة إلغاء اتفاق إعلان الوحدة ودستورها واحلال دستور آخر بديلاً عنه تم الاستفتاء عليه بعد ثلاثة أشهر من احتلال الجنوب وبالتحديد في 1/10/1994م وكان المسمار الأخير في نعش الوحدة (وكان حزب التجمع اليمني للإصلاح في مقدمة الداعين للاستفتاء بنعم على هذا الدستور إذ كان شريكاً في الحرب على الجنوب وفي السلطة التي أعقبتها).
ان كل هذه الأسباب السابق ذكرها كافية لتقويض مشروعية ما جرى الحديث عنه من وحدة قائمة على أسس دستورية وقانونية سليمة، كما أن غياب ما كان ينبغي النص عليه من أحكام تنظيمية شاملة ومتكاملة ولفترة انتقالية كافية وتتضمن معالجات لحالات الخلاف بين طرفي الاتفاق كان هو السبب المنطقي لممارسات الاغتيالات خلال الفترة الانتقالية ضد أبناء الجنوب من كادر مدني وعسكري ممن حملوا أمتعتهم واستجابوا لنداء وحدة اعتقدوا أنها اقيمت على بنيان صلب ومتين، ولكن تبين لهم وفي أقل من أربع سنوات انهم كانوا فريسة شريك لا يتمتع بمصداقية ووفاء بالعهود والعقود وكانت حرب 1994م تتويجاً لحلقات التآمر على الجنوب وشعبه وثرواته وكامل مقدراته ولم تفلح وثيقة العهد والاتفاق التي تم التوقيع عليها بين الشريكين في الأردن الشقيق لإيقاف مخطط الحرب على الجنوب، كما لم تلتزم سلطة الحرب بقراري مجلس الأمن الدولي رقم 924 و931 ولا بقرارات مؤتمر أبها لدول مجلس التعاون الخليجي ومصر وسوريا بإيقاف الحرب على الجنوب بالإضافة إلى عدم وفاء سلطة ما بعد الحرب بالتعهدات التي قطعها رئيس الحكومة د. محمد سعيد العطار للأمم المتحدة بحل الخلافات بالتفاوض والتفاهم مع الجنوب.
إن الحديث عن الممارسات والانتهاكات بكافة اشكالها وانواعها التي تعرض لها الجنوب وشعبه وأرضه وثرواته ومؤسساته وكوادره بعد الحرب واجتياح الجنوب في 1994-7-7م لا يعني بالمطلق أن القضية الجنوبية قضية حقوقية وأنها ليست قضية سياسية والتناول للحقوق لا يعدو أن يكون مؤشراً استدلالياً لطبيعة القضية الجنوبية في محتواها السياسي الصرف فالحقوق التي جرى انتهاكها تحولت إلى ممارسات جماعية ممنهجة ضد فئة محددة هي الجنوب أرضاً وانساناً وهوية..
المحتوى الثقافي الاجتماعي للقضية الجنوبية:
طمس هوية وثقافة الجنوب:
يقول عباس محمود العقاد: إذا أردت ان تدمر أمة فابدأ أولاً بثقافتها، ولما كانت سلطة صنعاء تعرف جيداً أن الجنوب هوية وثقافة وكيان سياسي وقانوني تاريخي وجغرافي ضارب أعماقه في جذور التاريخ عملت السلطة على السعي جاهدة لكل ما من شأنه طمس الهوية الثقافية للجنوب وتاريخه السياسي لمصلحة المنتصر بمفهوم أن الجنوب مجرد فرع للشمال بل تحويل التاريخ السياسي والثقافي الكفاحي الجنوبي إلى فيد صيغ وفقاً لثقافة المنتصر في إطار من التضليل لخلق هوية وطنية جديدة زائفة يكون فيها الولاء للنظام في صنعاء.
يؤكد الباحث أ. قادري أحمد حيدر أن قوى الحرب (حرمت شعب الجنوب من ثروته الوطنية وتجويعه وإفقاره بعد تحويل ثروته الوطنية والاجتماعية والتاريخية إلى غنيمة حرب وفيد للمتنفذين العسكريين والقبليين والجهاديين الإسلامويين وكان أكثرها قسوة ومرارة على العقل والقلب والوجدان تدمير وإهانة تراثه الثقافي والاجتماعي والوطني وتحقير رموزه السياسية والوطنية التاريخية وإزالة معالمه الثقافية والاجتماعية والوطنية والوطنية المجسدة لشخصيتهم ولمعني وجودهم الاجتماعي والوطني في عملية تدمير وتخريب واسعين وبصورة ممنهجة ومنظمة من تدمير للذات الوطنية والاجتماعية الجنوبية لم يعرفها أبناء الجنوب حتى في ظل الاستعمار).
إن القراءة المتأنية لهذه الفقرة تعكس بمصداقية حقائق معاناة الجنوب أرضاً وإنساناً والشواهد كثيرة في المحتوى الثقافي والاجتماعي وبشكل خاص في التهميش المعنوي الذي تبرز مظاهرة من خلال تغيير حوالي 9552 من الأسماء والرموز الجنوبية للشوارع والمدارس والمستشفيات وقناة عدن التلفزيونية وكذلك سحب معظم الكتب والمراجع والمصادر الخاصة بالجنوب وإتلافها بل احراقها بما فيها كتب الاحصاء السنوي والجريدة الرسمية للفترة ما قبل عام 1994 مما يؤكد السياسات الممنهجة لمحو الجنوب وكل ماله صالة بالتاريخ والهوية والمكان والإنسان في الجنوب.
عدن والذي كان يتغزل نظام صنعاء بها ومنحها من الألقاب ما شاء له (العاصمة التجارية والاقتصادية) (ثغر اليمن الباسم) (العاصمة الشتوية) في محاولة لتأجيج العواطف من منطلق (رحلة الشتاء والصيف) فهي المدينة الآمنة المدينة التي ظلت لأكثر من قرن مدينة متطورة مدينة منفتحة عاشت فيها مختلف الأديان والمذاهب والطوائف بسلام ومحبة هويتها عالمية كما كانت هوية حضرموت ذات الحضارة الموغلة في التاريخ لآلاف من السنين، استطاع الأجداد الحضارم نشر الإسلام في شرق وغرب آسيا حيث اسلم على ايديهم أكثر من نصف مليار مسلم في إطار من الوسطية ونبذ العنف والإرهاب الديني ولم يكفروا أحداً.. في الوقت الذي حولت السلطة في الشمال أرض الجنوب إلى مزرعة للتطرف والإرهاب وبث الدعاية المغرضة المسيئة ضد شعب الجنوب ممارسة الإرهاب الديني والفكري وانتشرت في غضون أقل من سنتين بعد حرب 1994 ظواهر اجتماعية سلبية وسيئة تم تعميمها في الجنوب تتركز في:
1 - ظاهرة عدم الاحتكام للنظام والقانون.
2 - الظلم والتعسف الاجتماعي .
3 - ظاهرة ثقافة العيب وظلم المرأة وإلغاء مكتسباتها المحققة استناداً إلى الدستور والقوانين الصادرة في ظل ج.ي. د. ش.
4 - ظاهرة الرشوة والاختلاس للمال العام.
5 - ظاهرة التسول.
6 - ظاهرة حمل السلاح والتعصب القبلي والثأر والتقطع.
7 - ظاهرة تعاطي القات طوال الأسبوع، وتوسع نطاق تناوله وتداوله حتى أصبحت المدن الجنوبية أسواقاً فقدت مظهرها كمدن حضرية.
طمس الهوية:في ظل نشوة الانتصار تم تغيير أسماء الكثير من المدارس وتم تسميتها ب7يوليو، كما تم تغيير النمط المعماري الجنوبي ليحل محله النمط المعماري الشمالي، وبرزت القمريات كرمز من رموز هوية سلطة المنتصر، كما تم تدمير الساحات العامة ونصبها التذكارية وما تحمله من مضامين النضال وتضحيات الجنوبيين كساحة الشهداء بالتواهي - ضريح الجندي المجهول - وكذا نصب ساحة العروض بخور مسكر (حالياً هي ساحة الحرية والاستقلال).
بوابة (سجن عدن) كانت تقف شاهدة على مساحة هي وحدة سكنية جرى تدمير هذه البوابة وتسليم المساحة المتنفذ حولها إلى (محلات خياطة، تنجيد وكوافير...الخ) كما تم نهب العديد من الآثار والوثائق والمستندات من المتاحف الجنوبية وتم نقلها إلى صنعاء، كما جرى تهريب كل مقتنيات المتحف الوطني (قصر السلطان) بل حول متحف الثورة في ردفان إلى (مخبز) وتم تغيير بوابة المتحف العسكري بمدينة كريتر وزيفت فيه العديد من الحقائق التاريخية، كما تعرض قصر السلطان بمحافظة لحج إلى تدمير وتشويه لحق كل ممتلكاته.
طال طمس الهوية بعضاً من المساجد التاريخية في الشيخ عثمان وكريتر يعود البعض منها إلى زمن الخلفاء الراشدين منها مسجد (أبان) حيت تم تدمير وسرقة محتوياته وإعادة بنائه على نمط المساجد الشمالية، ولم يسلم (تلفزيون عدن) وهو الذي يعد من أقدم القنوات الفضائية في الجزيرة، حيث تأسس 1962 وإمعاناً في الاذلال تم تغيير الاسم إلى قناة (اليمانية) تأكيداً لفرض هوية المنتصر وبحسب اعتراف مدير عام قناة عدن فإنه تم نقل أكثر من أربعة آلاف شريط إلى قناة اليمن وتبث اليوم من قنوات خاصة.
كما تم نهب العديد من المخطوطات والقطع الأثرية والعبث بعشرات المواقع التاريخية بالإضافة إلى نهب تاريخ وأرشيف دولة الجنوب والمصادرة لكافة الوثائق التاريخية المختلفة المحفوظة في المكتبات الوطنية والمتاحف ومراكز البحوث والدراسات بالكليات الجامعية إلى جانب السطو على السجل المدني والوثائق البلدية التي تعتبر مرجعاً ومصدراً هاماً من مصادر تاريخ الجنوب والإنسان لم يسع الاستعمار البريطاني إلى تدميره أو تهريبه أو إتلافه.
وتتميز مدينة (عدن) بأنها شهدت أول انتخابات بلدية وتشريعية إبان الاحتلال البريطاني ويقف المجلس التشريعي شاهداً على هذه الحقبة التاريخية شارك في هذه الانتخابات سكان (عدن) بمختلف أجناسهم ودياناتهم واليوم يحيط بهذا المبنى التاريخي العمارات الشاهقة لتطمس هذا المعلم الهام ويحدث كل هذا في ظل تجاوز للتخطيط الحضري لمدينة (عدن) إلى جانب الإهمال المتعمد لصهاريج (عدن) في ظل غياب الدولة سعى بعض الأهالي الاستيلاء على هذه المعالم التاريخية الآثارية وبناء المساكن في باطن هذه الصهاريج والمعبد اليهودي ومعبد الفرس ومعبد الهندوس والاعتداء على الكنائس.
كارثة التعليم وتشويه المناهج: لقد تدهور المستوى التعليمي للسكان في الجنوب، ويلاحظ ذلك من خلال البيانات الرسمية طبقاً لمسح ميزانية الأسرة متعددة الأغراض المنفذ عام 2006م الملحق رقم 2 الجدول رقم 17 (ص 45- 49) توضح بجلاء حجم هذا التدهور الذي شمل كل المستويات التعليمية بدءاً من الروضة حتى الجامعة.
وإذا سلمنا بأن المناهج التعليمية تشكل المحتوى الأساسي لعملية التعليم والتعلم، وأن اي نظام تعليمي تربوي أول ما يولي من اهتمام تكون مناهجه التعليمية مرتكزاته الأساسية، يقف المرء متألماً إذا ما عقد مقارنة بين الأمس واليوم ليقيس من خلالها مستوى الاهتمام بالتعليم في جنوب اليمن قبل التسعين وبعده ويصل بعدها إلى حقيقة صادمة مفادها أن المدنية لم تنتقل من عدن إلى صنعاء بل العكس ما حصل، فالشمال هو من أصاب الجنوب بعدوى القبيلة التي لم ترحم حتى مفاصله التعليمية.
فالتعليم نهضة أمة وسيادة وطن والعجلة الدافعة نحو تطور الشعوب ورفاهها، والنظام السابق نجح بضرب الجنوب في مقتل من خلال استراتيجية التجهيل الممنهجة التي أصابت شباب الجنوب لينتج جيلاً ضعيفاً مقارنة بجيل ما قبل الوحدة أما جيل ما قبل الوحدة فقد حظي بكثير من الامتيازات آنذاك تهتم كثيراً بالطالب مادياً واقتصادياً ينعكس على استقرار الطالب النفسي فتأمين المناهج المجانية والدخل الشهري والمواصلات ومقاعد الدراسة كان كفيلاً بخلق استقرار نفسي يدفع الطالب صوب مزيد من التحصيل العلمي، أما النظام الدراسي وآلية الانتقال من سنة دراسية إلى أخرى فقد كانت محكمة للغاية، ولم يسودها الهرج والمرج كما هو حاصل اليوم، والصف السادس كان مرحلة مهمة ووزارية واللغة الإنجليزية جزء هام من التعليم الابتدائي ومحور هام في تنشئة عقلية الطالب، أما اليوم فهي مجرد كتاب يمنح في الصف السابع لمجرد إسقاط الواجب وفور تخرج الطالب الجنوبي سابقاً لم يكن يحتاج لوساطة قوية أو مبلغ محترم كي يحظى بمنحة دراسة إلى أي دولة أجنبية فتفوقه يكفي ليكفل له ذلك، وكانت الدولة تحترم مسؤولياتها تجاه رعاياها في الخارج بعكس ما يعانيه الطلاب اليوم من الجوع والبرد خارج البلاد.
وحتى وان لم يحظ الطالب بمنحة خارجية فهناك العديد من الكليات الداخلية يمكنه ان يتلقى تعليمه فيها بقوة ويتخرج منها انساناً مؤهلاً ليخدم نفسه ومجتمعه، بالإضافة إلى التعليم الجامعي القوي هناك تأهيل مهني وتدريب فني يهتم بمن لم يكمل تعليمه الأساسي والثانوي بل قد يوفق هؤلاء الطلاب بمنح خارجية في تخصصاتهم المهنية أغلبها كان إلى كوبا واألمانيا الديمقراطية سابقاً.
إذاً فقد عاش الجنوب في ظل نظام تعليمي قوي ومحكم يدعم الطالب ليبني الوطن أما اليوم فنحن نرثي الماضي الجميل لما نشهده من واقع مؤلم حول عدن ومدن الجنوب إلى مدن بيوتها من الجهل وأسوارها من الغش وشبابها يحمل شهادة دون علم، فمجرد التفكير بالتعليم وعقد مقارنة موضوعية بين الحاضر والماضي يجعلنا نصاب بالضغط ويتسبب بأزمة قلبية وليس المطالبة فقط بالانفصال فحسب، لقد كان الجميع يأمل ان تجلب الوحدة الرخاء والقوة إلا أنها منحتنا الجهل والفقر والمرض وأصبح من الصعب ان نتعلم بل أن نعيش وصارت المقارنة بين الأمس واليوم إحدى الاسباب الرئيسة إلى جانب التدخين للإصابة بأمراض القلب والسرطان (انظر الملحق رقم 2).
ان سياسة المنتصر فرضت مفرداتها ومصطلحاتها على الكتاب المدرسي حيث كرست المناهج التعليمية إلغاء وإقصاء الآخر (الجنوب) في الكتاب المدرسي لمرحلة التعليم الأساسي والثانوي في مادتي التاريخ وال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.