لم يكن أحد يريد أن تنزلق مصر إلى ما آلت إليه أمورها الآن من انقسام ومن صراع يجب أن يتوقف فورا لمصلحة مصر والعرب وكل الفرقاء. لقد اتسع الشرخ بين الجماعة وبين قوى ثورة 25 يناير، وخاصة في الستة الأشهر الأخيرة بدءًا بالإعلان الدستوري الذي قال الرئيس السابق محمد مرسي: إنه لم يكن موافقا عليه. قوى الثورة رأت في حكم الإخوان خلال عام تصفية لثورة يناير ولحسابات قديمة مع الشعب نفسه وتنفيذا لمشروع أخونة متعمدة للدولة تمهيدا للاستئثار بالسلطة إلى الأبد. ثورة 30 يونيو سبقتها إرهاصات كان أبرزها احتجاجات الاتحادية والاسكندرية وغيرهما في ديسمبر التي لم تخلُ من عنف ودماء، وتم فيها سحل وقتل وتعذيب مواطنين على الهواء، ولم تتخذ عمدا أي إجراء قضائي لمعاقبة الجناة لأن الضحايا من حزب الشيطان. وككل ثورة ارتفع سقف توقعات الشعب المصري وخاصة الفقراء الذين يشكلون 40% منه، ولم يبر الإخوان بوعودهم ويظهروا انحيازهم لهم اقتداء بالرسول الكريم رسول الفقراء. الإخوان لم يخفضوا سقف التوقعات بسرعة قياسية بل انكشفوا لأن ما يصفونه بالمشروع الإسلامي أو مشروع النهضة ظل مشروعا دعويا ولم يتحول إلى مشاريع تشبع البطون الخاوية وتقلل البطالة وتخفض الجريمة، والنظر إلى مصلحة الشعب قبل مصالح الجماعة والكف عن حديث المنجزات والمكاسب غير الملموسة وليس المطالبة فقط بالصبر والدعاء وإعطاء الأولوية لتديين الحياة السياسة والثقافية. مصر نهضت في عهد عبدالناصر بخططها الخمسية وليس بغيرها، وارتفعت هامتها بمشروعيها الوطني في التنمية والقومي في تحرير المنطقة والعالم الثالث من الاستعمار. كانت تجربة عبدالناصر أنموذجا لها تضيف إليه لمسات ديمقراطية كانت مفقودة في عهده لتبدأ مصر تجربة جديدة رائدة تدفع بشعبها إلى الأمام ومعها كل العرب وتترجم أهداف ثورة 25 يناير: (عيش، حرية، عدالة، كرامة). لم يكن يراد تحقيق كل هذا في عام لأن من المستحيل تحقيقه في عقد من الزمن، ولكن كان المطلوب البدء وفق خطط واضحة ومشاركة تترجم شعارا رفعه الإخوان أنفسهم "مشاركة لا مغالبة". ولم يتصور أحد أن يكون أداء الإخوان المسلمين في الحكم بهذا القدر من الفقر. كان كثيرون يراهنون على أن لدى الإخوان برنامج إنقاذ للاقتصاد المصري يتناسب وتجربة ثمانية عقود ونصف من العمل السياسي والالتحام بالفقراء والتوسع الكمي والكيفي والصمود في مواجهة القمع والإقصاء، وأنهم استوعبوا المتغيرات ومزاج الشعب المصري واستلهموا أولوياته، وقدموا الشأن العام على الشأن الخاص، أي التصرف كرجال دولة وليس رجال دعوة وترك كل ما لم يعد صالحا لعصر مختلف وفق ما يسمونه هم وغيرهم من قوى اليمين الديني "فقه الواقع". من فقه الواقع مشروعية حق الشعب في التغيير حتى ولو كان الرئيس منتخبا. لقد سمعنا منهم ومن غيرهم أنه لم يعد بمقدور أحد أن يخدع الشعب ويضلله وينحرف عن مسار أهداف ثورة 25 يناير، وأن الشعب سيعاود الكرّة، وينزل إلى الميادين.. مطالبا بالتغيير. قال هذا أكثر من قيادي إخواني، ولكن الكل سقط في الامتحان لأن الإخوان كانوا يريدون أن تكون السلطة مباراة صفرية هم الكاسبون الوحيدون فيها. كان مطلوبا منهم فصل الدين عن السياسة وجماعة الدعوة عن حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان والاتحادية عن المقطم حتى لا يلتبس الحق بالباطل ويحتفظ الدين بنقائه وطهارته، ولا تلوثه السياسة. الإخوان قدموا أنموذجًا غير مشجع لشعبهم ولمن راهن على قدرتهم على مواجهة تحديات هائلة وتركة ثقيلة. وظهر للخاص والعام أنهم بدون رؤية في أي مجال عدا التمكين وتعمد إقصاء الآخر فعليا والإيهام بأنه مشارك، ولكن في الهوامش وفي اللا قرار. الرئيس مرسي واجه مصاعب منذ اليوم الأول، ولم يكن أهلا لها بشهادة عدد من الكتاب الإخوان الذين يرون بعينين، وأثبت أن الإخوان لم يعوا أن بناء الدولة المدنية الديمقراطية يتطلب أدوات مختلفة ورؤية أعمق وأكثر ديمقراطية من فكر الجماعة الدعوية. ومنذ البداية لم يدركوا أنهم كانوا ولا يزالون أقلية، وأن نجاح الرئيس السابق مرسي كان بفعل كتلة تصويتية أكبر من كتلتهم صوتت لمنع نجاح شفيق وعودة نظام مبارك. الإخوان أعمتهم السلطة عن إدراك كثير من الحقائق وعلى رأسها حقيقة أن ثورة يناير لم تكن ثورتهم، وأن الضرورات هي التي دفعتهم للاتحاق بها، وأن عصام العريان ظل يراهن خلال أيامها الأولى على الإصلاح من قبل نظام مبارك، وأن شباب الإخوان هم من دفعوا قيادتهم دفعا لتأييد الثورة، والمشاركة فيها بعد انطلاقها. إن الثورة، الصندوق، الوطن، الشعب ، مفردات غريبة على خطاب الإخوان، فالدين لديهم قبل الوطن والمواطن، والبيعة تحل محل الصندوق والتصويت، والسمع والطاعة محل الديمقراطية والنقد والنقاش الحر. انعدام الرؤية والتخبط وافتقار مؤسسة الرئاسة للاستقلالية في العمل عن المقطم أضرهم كثيرًا، وكل ذلك لا يتناسب مع فترة انتقال ثورية. وهذا هو جوهر فصل الدين عن السياسة وإعادة النظر وبشكل جذري في العمل الدعوي الذي يستظهر الدين ويستبطن السياسة والاستبداد والإقصاء والخطاب الطائفي وكراهية الآخر. الخطاب الديني للإخوان، وهم في السلطة لم يتغير فهم ضد الكل وبدون استثناء. ضد المسيحي والليبرالي والعلماني والاشتراكي والقومي العربي والماركسي والمرأة والعدل الاجتماعي. رمزهم الأعلى رسول الله (ص)، ولكنهم ليسوا مع الفقراء الذين انحاز إليهم الرسول الكريم. تبين أنهم حزب للرأسمالية التجارية وليس الصناعية، وأنهم لا يصطفون مع الفقراء وإنما يجيشونهم ويوظفونهم لأهدافهم السياسية. الإخوان استمروا في العيش في عالمهم الخاص حتى بعد أن خرجوا إلى النور وعزلوا أنفسهم عن الشارع المصري ونبضه ومشاكله وتطلعاته، وظلوا يتعاملون معه من خلال المسجد، وليس من خلال آليات وبرامج اقتصادية وسياسات شفافة تخفف من مشكلاته المزمنة. باختصار وبدون تجنٍّ أثبتوا أنهم لم يكونوا في مستوى التحديات. كان يتوقع منهم دراسة تجربة تركيا والاستئناس بها، وليس فقط الاقتصار على الشراكة معها في تجارة الجملة والتجزئة عبر سلاسل تجارية استهلاكية مع بعض مليونيراتهم. أما الآخر بكل مكوناته فظل هو العدو ولم تفلح ريادته في ثورة يناير ضد نظام مبارك في زحزحة قناعاتهم الصخرية قيد أنملة. كتبت كاتبة ناشطة ومحترمة مقالًا في جريدة الوطن اليومية في نوفمبر بعنوان: "كنا إخوان" وصفت فيه التعايش الأسطوري بين شركاء الثورة واحترام اليمين الديني بكل أطيافه للمرأة في ميدان التحرير، ولكن بعد الوثوب إلى السلطة قالت لم نعد إخوانا لأن هؤلاء يرفضون وجودنا في التحرير ويسلطون بلاطجة للتحرش بنا الخ.. السلطة غيرت الإخوان ووسعت فضاء معارضيهم بعد أن كانوا يواجهون معارضة سلطة مبارك وحدها. قوى ثورة يناير وغالبية الشعب لم تقبل سياسة الأخونة خاصة في ظل فقر الإنجازات والأداء الرئاسي الهزيل. ولم تقبل أن تفئت على مصالح الناس باسم أنهم حزب الأغلبية، ولهم مطلق الحرية في انتهاج ما يريدونه من سياسات، ولم يعوا أن في الديمقراطيات حدودا لا تتخطاها، منها الحرص على حياد الوظيفة العامة وعدم تسييسها واستقرارها واستمرارية كفاءة أدائها لارتباطها بمصالح الناس وبقدرة السلطة الجديدة على الأداء، وكمؤشر لنجاحها لأنها تنظر إلى الانتخابات التالية وليس إلى أنفها فقط. وللمقال بقية.. قناة سهيل: نهم بدلًا من رابعة بدلًا من أن تتمترس قناة سهيل في رابعة العدوية وتنكر على الشعب المصري حقه في تغيير سلطة فاشلة نتمنى أن توجه بعض جهدها إلى منطقة نهم مصدر معاناة كل اليمنيين، طلاب في امتحاناتهم الآن، وأمراض يجرون عمليات، وأعمال تتعطل، ودوائر حكومية يصيبها الشلل، ولعنات من كل حدب وصوب، من صعدة إلى عدن إلى حضرموت على الفاعلين الذين لا تقل أعمالهم جرما عن أفعال الإرهابيين لا تعفي القبيلة ومشايخها من المسئولية ناهيكم عن التساؤل عن صمتهم وعن الحكمة في سلبيتهم وعدم تحركهم مع الدولة لقطع دابر هؤلاء المخربين. مطلوب من سهيل أن تدعو المشايخ للتحرك الميداني لمنع قبائلهم من قطع الكهرباء لأن هذا الفعل من فعل عصابات الإجرام، وأضراره على الوطن والمواطن لا تخفى عليهم وعليها. هل تستيقظ سهيل وتهتم بشؤون اليمن بدلا من أن تصب الزيت على النار في الساحة المصرية، وهي ليست مجال عملها، وأن تصبح بوقا للغير وتنحاز ضد حق مشروع للشعب المصري في تغيير حاكمه إذا فشل في أداء واجبه الدستوري والوطني سواء أكان إخوانيا أو غير إخواني؟.