لا يحاول اليهود في أمريكا خلع أحد من الحكام وإنما يكتفون بتشكيل جماعات ضغط (لوبى) في الكونجرس، وفي الصحافة، وفي الإذاعة، وفي التلفزيون؛ ليكون لهم تأثير على الرأي العام، وبالتالي على الحاكم أيٍّ كان هذا الحاكم فهم يحسبون للرأي العام كل حساب.. وكان خطأ الحركات الإسلامية في الماضي أنها حاولت ضرب الحاكم وقلب نظامه فدخلوا السجون بدلًا من أن يدخلوا البرلمان، وقد أخطأوا بذلك مرتين.. أخطأوا فى حق الحاكم وأخطأوا فى حق الإسلام، فالإسلام سلاحه الإقناع وليس الإرهاب. أما الذى يقع فى خانة الإرهاب فهو شيء آخر غير الإسلام.. شيء اسمه الجريمة. هذا ما كان يسمّى سابقًا" بالصراع القومي الإسلامي. والتي كانت السعودية تغذيه بصورة مهولة, بينما كان جمال عبدالناصر آنذاك يحارب في الكونغو واليمن، ويرفع رايات القومية والاشتراكية في كل مكان من المحيط الأطلسي إلى الخليج الفارسي، وكان يهتف مخاطبًا كل مواطن مصري: ارفع رأسك يا أخي. ولكن المواطن المسكين والمخدوع لم يكن ليستطيع أن يرفع رأسه من طفح المجاري ومن كرباج المخابرات، ومن خوف المعتقلات، ومن سيف الرقابة، ومن عيون المباحث، وساد مناخ لا يزدهر فيه إلا كل منافق، وأصبح الشعار هو الطاعة والولاء قبل العلم والكفاءة، وتدهورت القيم، وهبط الإنتاج، وارتفع صوت الغوغاء على كل شيء، وعاش عبدالناصر عشرين عامًا في ضجة إعلامية فارغة ومشاريع دعائية خائبة، ثم أفاق على هزيمة تقصم الظهر، وعلى انهيار اقتصادي، وعلى مائة ألف قتيل تحت رمال سيناء، وعتاد عسكري تحول إلى خردة، وضاع البلد وضاع المواطن". إلا أننا اليوم أمام صراع آخر فتعدد الحركات الإسلامية أيٍّ كان شكلها أو مذهبها, أو مرجعيتها السياسية.. نعم.. إن عنوان مقالي هذا عن الإسلام السياسي ليس إلا لما لمسناه من شراهته للحكم والسلطان، مع أنني سأركز شيئًا ما على الإخوان المسلمين كأنموذج للحركات السنية, وحزب الله وجماعة الحوثي كحركات شيعية, وسينتقدني البعض على توصيف حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن ضمن الحركات الإسلامية, متجاهلين تسويق المذكورين أنفسهم لأنصارهم والمجتمع الإسلامي, بغض النظر عن الشعارات والمنهجية والهدف الذي يلتقي فيه جميع من يسوّق نفسه كحركة إسلامية سياسية؟، وهو الوصول إلى السلطة والسيطرة الجغرافية وفرض المنهجية.. وأعلم يقينًا أن شعوب المنطقة لا ترغب أبدًا في أن يكون الإسلام جسرًا يعبر عليه المغامرون والطامحون والفاسدون، وأعلم كذلك أن الشعوب ترفض مبدأ الطاعة العمياء، وهدفها وغايتها الحرية، التي هي أغلى عندها من رغيف الخبز.. إن الشعوب تريد أن تؤمّن وتمارس حياتها وشؤونها عن قناعة وإيمان، وقد ظهر صراع من نوع آخر اليوم، وهو صراع الإسلام السياسي الذي يُعكّر على الناس هذا النقاء وهذه الحرية الممارسة من خلال ما يسمى بالربيع العربي، لأن المتحدثين باسمه - أقصد الإسلام - يتكلمون نيابة عن الله ورسوله، وهذه هي المعضلة، وبحكم تجربتي الطويلة في العمل الاسلامي أقول هذا، وشاهدي على ذلك التجربة الإيرانية التي أراها أكمل تجربة في مجال حاكمية الإسلام السياسي سواء من حيث البنيه الفقهية والطريقة التنظيمية والقيادة ونظام الحكم وشكله وتراتبيته، هذه التجربة الأكمل في صياغتها يعارضها الشعب الإيراني بنسب متفاوتة، ويُعلن عن ذلك بشكل واضح ويعبّر عنه، وما انتخابات الرئاسة الأخيرة إلاّ شاهد ودليل؛ لأن الشعوب تأكد لها أن الأقوال غير الأفعال، وأن السياسة هي السياسة، وحين تلبس السياسة رداء الدين تمزقه وتظهر عوراته وتحمّله أخطاءها، وشاهدي الثاني هو: الفترة التى حكم بها الإخوان جمهورية مصر العربية، والذي تعامل معها الإخوان كإمارة من إمارات الخلافة الإسلامية، وكان نتيجتها خروج الشعب المصري وتفاوت التأييد لحكم الإخوان كما هو حاصل في إيران.. والغريب أن الجماعات الإسلامية المذكورة ما زالت في صراع مذهبي سياسي جغرافي, سواء في مصر أم سوريا أم لبنان واليمن.. ولكي لا أنفي على نفسي قناعتي بأن الإسلام السياسي هو البديل والحل الوحيد لكل المشاكل العربية بصفة خاصة والعالمية بصفة عامة، بعد الهزيمة النكراء والفشل الاقتصادي العريض الذي وصل إليه العرب بقيادة الساسة التقليديين أيٍّ كان توجههم يساريّاً أم يمينيًّا في وطننا العربي، ومن بعدهم العلمانيون والليبراليون.. من خلال مجموعة من الأحداث لا يتسع المقام هنا للتحدث عنها، كما أتبرأ من كل كلام مغلوط عن الإسلام السياسي من بعض المتكلمين باسمه أو ما يسمون أنفسهم أوصياء عليه.. وعلى كل حال فما ينتجه الإنسان، وما يفهمه من الدين ما هو إلاّ اجتهاد نظري ليس فيه إلزام، ولا يجب أن يُعمم، ولا يجب أن يكون حجة على الغير مع علمنا المسبق باختلاف المجتهدين في المسألة الواحدة، فما بالك وهم مختلفون بالأشياء والقضايا الكبيرة، ومن الحكمة أن نشجّع العاملين في حقل الإسلام السياسي على فك الارتباط مع الصراع القائم بينهم، وفك الارتباط أيضًا مع الدول المموِّلة لهذا الصراع, خاصة بعد كشف سوأة السعودية في مصر. وإيران في سوريا, وتكثيف الجهود لجعل الصراع الديمقراطي هو الصراع الأمثل والطريقة الأقرب إلى وصول الإسلام السياسي لسدة ال