كنت قد أشرت في الجزء الأول من هذا المقال إلى بعض المعلومات والحقائق التاريخية لوضع الخدمة المدنية في النظام الشمولي الحاكم لدولة الجنوب سابقا وتحدثت كذلك عن بعض الحقائق التي وقعت أثناء عملية الدمج بين وزارتي الخدمة المدنية في الشطرين عام 1990م ، وكأي جهد بشري حوى المقال بعض الأخطاء كان للفضلاء دورهم في تنبيهي لها مثل موضوع أن وزير الخدمة المدنية بعد قيام الوحدة في 22مايو1990م هو محمد الخادم الوجيه وليس الأستاذ محمد عبدالله الجايفي الذي كان وزيراً لها في الشمال حتى تاريخ الوحدة وكان نظيره الجنوبي قبل الوحدة هو الأستاذ عثمان عبدالجبار، ونبهني الفضلاء إلى موضوع سعر الدولار في عام 1990م بأنه لم يكن 30 ريالاً بل كان أقل من ذلك بكثير حيث لم يزد عن 10ريالات حتى 1991م أيضاً اقترح عليَّ أحد أعضاء فريق القضية الجنوبية بمؤتمر الحوار أن أركز في هذا الجزء على أرقام الموظفين وأعدادهم حتى تتضح الصورة أكثر، وهو ما أراه مقترحاً مهماً وبالتالي سيتضمن هذا الجزء أرقام الموظفين في دولة الحزب الاشتراكي التي بناها في الجنوب. في البداية أشير إلى أن منظري ما يسمى إعلامياً (القضية الجنوبية) يروجون لأرقام نشرها الدكتورحسين مثنى العاقل في أوراق كتبها عنوانها ((مظاهر النهب وجرائم الإبادة لشعب الجنوب ومكتسباته وثرواته)) وهذه الأوراق سلمها الجنوبيون لكل أجنبي زار اليمن خلال مؤتمر الحوار، وكان أمين عام مؤتمر الحوار أحد أهم المقتنعين بأنها هي الوحي المنزل الذي لا يقبل الطعن فيه وهو نفسه من أخبرني بالدراسة وبأرقامها . لأهمية الرد على الأرقام التي أوردتها تلك الدراسة أعيد نشرها كما نشرها كاتبها الدكتور العاقل بالنص: جدول رقم (1) يوضح حجم القوى العاملة من عمال وموظفين وغيرهم في المرافق الحكومية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية حتى يوم إعلان الوحدة الاندماجية الفاشلة في 22 مايو 1990م. م الصنف العدد 1 عدد القوى العاملة من موظفي القطاع المدني 875,000 عاملا وموظفا 2 عدد أفراد القوات المسلحة (وزارة الدفاع) 82.000 ضابط وصف ضابط وجندي 3 عدد أفراد قوات الأمن العام (وزارة الداخلية) 24,000 ضابط وصف ضابط وجندي 4 عدد أفراد جهاز الأمن (وزارة أمن الدولة 8,200 ضابط وصف وجندي. إجمالي العاملين والموظفين في القطاعين المدني والعسكري 989,200 عامل وموظف. مايعني أن منظري الحراك الجنوبي يؤكدون أن عدد الموظفين الجنوبيين المدنيين في عام الوحدة الاندماجية الفاشلة بحسب وصفهم هو 875000موظف . في حين أن الأرقام الحقيقية، وبحسب كتاب الإحصاء السنوي الصادر في عام الوحدة أيضاً 1990م عن الجهاز المركزي للإحصاء بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والمعنون(كتاب الإحصاء السنوي لعام 1988م العدد السادس) والذي قدم له في صفحته الأولى رئيس الجهاز آنذاك الدكتور محمد محسن المسعودي، جاء فيه في الصفحة 57 جدول رقم 7/2 المعنون ((توزيع المشتغلين والمتعطلين وقوة العمل حسب المحافظات من واقع النتائج الأولية للتعداد السكاني العام 1988م)) الأرقام التاليه: 1- مجموع المشتغلين في المحافظات الست الجنوبية 384094 مشتغلاً. 2- مجموع المتعطلين ممن سبق له العمل 19238عاطلاً. 3- مجموع المتعطلين المستجدين 31444شخصاً. 4- إجمالي المتعطلين 50682شخصاً. 5- إجمالي قوة العمل في المحافظات الست الجنوبية434776شخصاً. وبالتالي فإن خير رد أرد به على من يدعون أن عدد من كانوا موظفين في دولة النظام الجنوبي سنة الوحدة هو 875000 هو كتاب الإحصاء الصادر عن سلطات النظام الحاكم للجنوب وفي عام الوحدة نفسه . وحتى لايقول البعض إن العدد ازداد ((أربعة أضعاف)) خلال سنتين أي من عام 88م إلى عام 90م فإنني أورد أيضاً ما جاء في نفس كتاب الإحصاء حول تفاصيل عدد السكان بحسب آخر إحصاء في عام 1988م والذي أورده كتاب الإحصاء المنشور في 90م في الصفحات 47 إلى 52 وبحسب الفئات العمرية كما يلي: 1- إجمالي عدد سكان المحافظات الجنوبية الست في الداخل والخارج ((2345266)) مواطنا ..جدول 1 /2 . 2- إجمالي عدد الفئة العمرية من 0ا إلى 14عاماً ((970792))طفلاً. 3- إجمالي الفئة العمرية من 15إلى 59عاماً((971062))شخصاً. 4- إجمالي الفئة العمرية أكثر من 60عاماً((165262))شخصاً....جدول 3 / 2 . 5- بالتالي قسم الجدول المنشور في صفحة 51 النسب المئوية للفئات العمرية كما يلي: ((46.1أطفال)) ((46.1بالغين)) ((7.8شيوخ)). وهذا يجعل من المستحيل أن يكون عدد الموظفين الجنوبيين المدنيين وحدهم كما يدعي منظرو النظام الشمولي الحاكم في الجنوب والمسمون حالياً (الحراك الجنوبي) إذ لا يمكن تحقق ذلك الرقم (قرابة المليون) موظف مدني وعسكري إلا في حال كان نصف عدد السكان بالكامل يعملون لدى الدولة رغم أن الاحصاء السكاني جعلهم أقل من ذاك الرقم في حال تم توظيف كل من هو أكثر من 15 سنة وليس من هم أكثر من 18سنة!!!. وسأتجنب الحديث عن بقية أرقام معدلات النمو السكاني التي أوردها كتاب الإحصاء السكاني والتي تجعل من المستحيل أيضاً أن يزداد عدد السكان إلى رقم كبير خلال سنتين، فكيف وكتاب الإحصاء صادر في عام الوحدة وقبل إعلانها بأسابيع!!!. إذن كم هو الرقم الحقيقي للموظفين المدنيين الجنوبيين العاملين والمتقاعدين الذين تم تحميل دولة الوحدة أحادية مورد النفط الشمالي فقط، وهل اكتفي الجنوبيون بما كان لديهم من موظفين أم زادوا عليهم في عام الوحدة؟؟. بحسب المعلومات التي جمعتها من المسئولين المباشرين في الخدمة المدنية الذين كانوا في لجان الدمج الوظيفي في عام 1990م أن العدد أكثر مما كنت قد كتبته في الجزء الأول أي أنه أكثر من 250ألف موظف جنوبي حيث أن العدد وصل إلى 400ألف موظف ومتقاعد وتم إضافة 40 ألف موظف ممن كانوا في الشمال هاربين بسبب أحداث 13يناير وغيرها من مجازر الرفاق منذ67م . مما سبق يتضح جلياً أن الموظفين الجنوبيين بعد أن كانوا 380ألفاً قبل الوحدة بشهور صاروا عند الوحدة 440ألفاً وكل ذلك تأكيداً لما كنت أوردته من معلومات عن توظيف النظام الشمولي الحاكم في الجنوب كل هذه الزيادة بأكثر من أربعة أضعاف عدد الموظفين الشماليين وتحميلها على ميزانية دولة الوحدة أحادية الموارد النفطية. كذلك المعلومة الأكثر دقة التي أوردها هنا هي أن عدد الموظفين الشماليين في القطاعين العام والمختلط الذين كانت تتحملهم ميزانية الدولة الموحدة هم 97ألف موظف ومتقاعد شمالي. في هذا المقام سأورد بعض التفاصيل الجديدة التي لم أذكرها في الجزء الأول كما يلي: 1- قبل قيام الوحدة بأسبوعين فقط تم رفع درجتين وظيفيتين لكل موظفي الجنوب سواءً المدنيين أو العسكريين الذين تم رفع رتبهم رتبتين. 2- أعترض بعض الشماليين في لجان الوحدة على موضوع رفع الدرجتين لكن القرار السياسي الشمالي كان السكوت واعتبار ماتم ((مهراً لأجل الوحدة))كما قال البعض يومها، وأدى ذلك السكوت إلى أن يصير نفس الموظفين الخريجين من دولة واحدة والمتوظفين في تاريخ واحد في الشطرين، الموظف الجنوبي منهما أعلى بدرجتين وظيفيتين عن نظيره الشمالي !!!؟؟. 3- كانت مرتبات الموظفين الشماليين قبل الوحدة ضعف مرتبات الجنوبيين ولتأكيد ذلك أورد كتاب الاحصاء الصادر في الجنوب عام 90م صفحة 128 جدول(6/7) أن أعلى متوسط كان يتقاضاه الموظفون الجنوبيون هو لموظفي وزارة الخارجية مبلغا وقدره((187.6دينار)) وبسبب رفع درجتين وظيفيتين لموظفي الجنوب قبل الوحدة بأسبوعين صارت مرتبات الموظفين الجنوبيين ضعفي مرتبات الموظفين الشماليين، وهذا طبعاً على نفقة الدولة الموحدة الأحادية موارد النفط الشمالي فقط. 4- قبل إعلان الوحدة بأسابيع تم تسوية موضوع 40ألف موظف جنوبي هارب في الشمال منذ الستينات وبالذات منذ ما بعد يناير 86 وتم ضمهم من قبل لجان الوحدة التي رأسها الوزير الجائفي والوزير عثمان. 5- لتقريب مسألة التكدس الوظيفي الذي تحملته دولة الوحدة بسبب توظيف الجنوبيين جزافاً ورفع درجاتهم الوظيفية درجتين أضرب مثلاً بوزارة الخارجية حيث كان عدد الموظفين الشماليين في وزارتهم 200موظف فقط، وعدد الموظفين الجنوبيين 800موظف، وكل الطباخين والسائقين في سفارات الجنوب في الخارج صاروا دبلوماسيين وكل الموظفين العاديين في وزارة الخارجية في الجنوب صاروا دبلوماسيين أيضاً، وكل هذا سكت عنه الشماليون حرصاً على الوحدة ؟؟!!، في حين قام وزير الخارجية الشمالي عبدالكريم الإرياني قبل الوحدة بأسبوع بإعادة 20ضابطاً كانوا يعملون في وزارة الخارجية الشمالية الى وزارة الداخلية لغرض تطهير الخارجية من العسكريين كما قال الإرياني يومها فجاء الجنوبيين بالطباخين والسائقين والفراشين وصاروا كلهم دبلوماسيين . 6- ثبت لوزارة الخدمة المدنية الشمالية أن أول مبتكر لموضوع الازدواج الوظيفي كانوا هم الموظفين الجنوبيين الذين تم دمجهم مع موظفي الشمال حيث ظهر لوزارة الخدمة المدنية بعد الوحدة أن كثيرا من الجنوبيين لديهم أكثر من وظيفة في الدولة، فمثلاً مدير مكتب تربية كان عقيداً في الجيش ومحسوبا على الأمن السياسي أي له 3وظائف يستلم عليها 3مرتبات وقد ثبت أن جهة حكومية واحدة يوجد بها 53موظفاً يعملون بجهات مختلفة حيث توزعت أسماؤهم بين مكتب التربية ومؤسسة الكهرباء ووزارة الزراعة وبنك التسليف الزراعي وبعض المؤسسات العامة وكل ذلك تحملته دولة الوحدة أحادية الموارد. 7- أدى موضوع تحميل دولة الوحدة كل هذا العدد من الموظفين الجنوبيين مرفوعي الدرجات ومزدوجي المهن إلى انهيار العملة الوطنية الشمالية بالذات كون الحكومة التي قادها الجنوبي حيدر العطاس قامت بطباعة المليارات دون غطاء وخلال أسابيع فقط تدور سعر العملة الريال أمام الدولار من 6ريال يوم الوحدة الى 16ريالا ثم وصل في عام 1993م الى 30ريالا!!؟؟. 8- لم يحض الموظفون الشماليون بأي تسويات وظيفية حتى عام 2007م حين تم تشكيل لجان التظلمات التي أعقبت ظهور ما أسمي(لجان المتقاعدين) وبداية ظهور الحراك الجنوبي وحينها فتح باب التظلمات للجميع بعد أن توقفت التسويات الوظيفية للشماليين 17عاماً. 9- كنت في الجزء الأول قد ذكرت أن الجنوبيين قدموا للجان الدمج الوظيفي كشوفات جزافية دون تقديم أوليات الملفات الوظيفية ولتوضيح ذلك أكثر فقد أستغل القائمون على النظام في الجنوب موضوع أحداث13يناير 1986م للقول إن الملفات الوظيفية أحرقت في تلك الأحداث. 10- بحسب وزير الخدمة الجايفي فإن من تولى موضوع الدمج الوظيفي وأعد خطة الدمج للموظفين كان هو الجانب الشمالي بسبب الخبرة التي كان يمتلكها الجانب الشمالي، وأثناء لقاء رئيس وزراء نظام الجنوب آنذاك الدكتور ياسين سعيد نعمان مع وزير الخدمة الشمالي أستغرب أن يستطيع الجانب الشمالي دون الاستعانة بأي خبراء أجانب وضع خطة الدمج ووضع النظم واللوائح وتوحيد الأجور والمرتبات وحلحلة مشاكل التأمين وعدم وجود قطاع خاص في الجنوب وغيرها من المشكلات، وهو ماجعل بعض قيادات نظام الجنوب يردد لنظرائه الشماليين عبارة ((أنتم رجال الحكومة في الشمال.. رجال دولة أما نحن في الجنوب ...فرجال سياسة))....يتبع الجزء الثالث.