= مثلت قضية الموظفين المدنيين من أبناء المحافظات الجنوبية أحد أهم مواضيع التكسب السياسي التي يستخدمها أصحاب مشاريع الرغبة بالعودة لحكم الجنوب، وظل ترداد هذا الموضوع متواتراً يروج له أولئك الساسة لدرجة أقنعت الكثيرين أنه مورس ظلم شديد ضد الجنوبيين في مجال الخدمة المدنية وأنه تم تسريحهم بعد حرب 94 من قبل السلطة الحاكمة سابقاً لليمن والتي يتعامل معها الجنوبيون وكأنها كانت سلطة الشماليين على الجنوبيين وليست سلطة الدولة اليمنية الجديدة انتخبها واختارها وشارك في مفاصلها وقيادتها كثير من أبناء الجنوب. لم يكن لدى الفئة التي ترغب في العودة لحكم الجنوب سوى التمسك بذرائع حقوقية كي تبرر رغبتها حد الهوس بالعودة لحكم الجنوب بعد أن شعرت أن الكيان اليمني الجديد الذي نتج بعد 22مايو1990م أفقدها السلطة الشمولية القمعية التي كانت تسيطر بها على جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وكان موضوع المسرحين المدنيين من وظائفهم من أبناء المحافظات الجنوبية من أخصب المواضيع هو وموضوع العسكريين، ويضاف لهما موضوع نهب أراضي الجنوب ونهب ثروات الجنوب لكي يصبح الواقع بالتالي وجود مظالم رباعية الدفع تمكن الساسة الحاكمين للجنوب سابقاً من العودة للتفرد بالقرار والحكم والسلطة في الجنوب دون أي مشارك وبالذات الأغلبية العددية من أبناء المحافظات الشمالية. يحاول هذا المقال لملمة بعض الأوراق المبعثرة والتذكير على عجالة ببعض حقائق الموظفين المدنيين في يمن مابعد 1990م وفي يمن ما بعد حرب 94م ،ويقسم التفاصيل إلى مراحل زمنية كي يسهل الفهم ، واستهلا لاًيجدر الإشارة إلى أن تناولي لهذا الموضوع يتم كمقالاتي السابقه حيث يرمي بالشبك وكل من يريد أن يصطاد من حقه أن يصطاد وكل من يعارض مافيه من حقه أن يرد ويثبت عكس ما أورده من معلومات استغرق الحصول عليها وقتاً وجهداً ليسا بالهينين، ومن الجيد أن العاملين بالخدمة المدنية في 90أحياء ويمكن سؤالهم وأخذ شهادتهم المؤكدة أو النافية لما سأورده من معلومات . وضع الخدمة المدنية في عام الوحدة 1990م وحتى العام 1993م: دخل الجنوبيون في الوحدة بعد حرب طاحنة خاضوها فيما بينهم البين عام 1986م أدت إلى انقسام غير مسبوق في أوساطهم وبمجرد انتهاء تلك الحرب الأهلية التي قسمت النخبة السياسية الحاكمة لدولة جنوباليمن بدأ الفصيل المسيطر على الجنوب بالتوجه نحو الشقيق الملاصق والجزء الذي يجب أن يتوحد معه بحسب أدبيات الحزب الحاكم للجنوب آنذاك وهو الحزب الاشتراكي اليمني، وكان الجنوب دولة اشتراكية المذهب السياسي ولم يكن يوجد فيه قطاع خاص ولم يكن هناك قانون للعمل لأن القطاع الخاص لا وجود له، وكان النظام الإداري المتبع في الدولة لفيفاً وخليطاً من القانون البريطاني الذي سنه الاستعمار ومن المنظومة الاشتراكية الشمولية وبالتالي كان النظام الإداري غير واضح المعالم بل وسيء للغاية بشهادة الخبراء العرب الذين كانوا ينتقدون النظام الحاكم للجنوب في كافة المؤتمرات التي عقدت في الوطن العربي كمؤتمر العمل في تونس 86م والذي أكد أن نظام العمل الموجود في الشمال نظام متميز في حين لا يوجد نظام عمل في الجنوب الاشتراكي، والنظام الإداري الجنوبي انتقده الجميع حتى الاتحاد السوفيتي ويمكن مراجعة كتاب السفير السوفيتي في الجنوب الذي حكى انتقاد الحلفاء الاشتراكيين لنظام حكام الجنوب في جوانب متعددة منها الجانب الإداري . أثناء مفاوضات الوحدة التي استغرقت سنين عددا منذ الستينات مروراً بالسبعينات والثمانينات وحتى ما بعد تحقيق الوحدة تم تشكيل ما سمي بلجان الوحدة في كل جهة حكومية وفي عام الوحدة كان من بين تلك اللجان لجنة الخدمة المدنية التي صار وزير وزارتها شمالي هو محمد عبدالله الجايفي ونائب الوزير جنوبي هو محمد محسن وكان النقاش الذي أجراه الوزير الشمالي مع نظيره الجنوبي أثناء الإعداد للوحدة في جانب دمج الخدمة المدنية متضمناً تقديم كل طرف في الدولتين كشفاً بعدد الموظفين الجنوبيين في دولته، ويومها سأل وزير الخدمة المدنية الشمالي نظيره الجنوبي عن عدد الموظفين المدنيين في الجنوب فرفض الوزير الجنوبي الإجابة متسائلاً أولاً عن عدد الموظفين الشماليين وبعد أن أجابه الوزير الجائفي قال نظيره الجنوبي إذن (اعتبر أن الموظفين الجنوبيين أربعة أضعاف الشماليين) وكأن المسألة كانت تخمينا وتنجيما ومبالغة دون أي دليل يعضدها!!!. وبالفعل فإن عدد الموظفين -الذي ينبغي التنبه لرقم عددهم جيداً- والذين تم تحميل دولة الوحدة الناشئة مسئوليتهم وصل إلى قرابة 250ألف موظف جنوبي وقرابة 70 ألف موظف شمالي، وهذه المعلومة يمكن لكل من يبحث عن الحقائق أن يحصل عليها من وزارة الخدمة المدنية للتأكد مما أوردته، ويمكن للباحث المنصف التأكد من معلومة (أن الأرقام التي قدمها الجنوبيون قبلت دون أي تدقيق من قبل الشماليين) حيث قدم الجنوبيون كشوفات جاهزة، وتم قبول معلومات القوى العاملة الجنوبية بتفصيلاتها دون التأكد من مدد الخدمة وهل تواريخ الالتحاق حقيقيه وهل تواريخ الميلاد للموظفين حقيقية ليتسنى احتساب الأجلين، وهل الدرجات الوظيفية للموظفين حقيقية؟ وكل ذلك سكت عنه بسبب القرار السياسي من السلطة الرئاسية الأعلى للبلد والتي منعت أي نقاش حول تلك المواضيع. كان هذا العدد المهول من الموظفين الجنوبيين عبئاً على دولة الوحدة في عام 1990م والتي كانت مواردها آنذاك محصورة في قرابة 400 ألف برميل من نفط مأرب فقط لأن نفط الجنوب لم يتم استخراجه إلا في نهاية عام 1993م أي بعد 3سنوات من الوحدة . وفي حين يردد الجنوبيون حالياً أن الوحدة أنقلب عليها بسبب عدم الأخذ بأفضل الأنظمة في الدولتين ويعنون أنظمتهم الشمولية يمتنعون عن الرد على التساؤل الأهم وهو (هل من الأفضل للدول تخفيض عدد الموظفين أم زيادة تحميل الدولة وظائف ومرتبات دون حاجة؟) كما فعل الجنوبيون بدولة الوحدة وحملوها أعداداً إضافية ولم يقللوا العدد كما هو المفترض خصوصاً والوحدة تقلل الاحتياج للموظفين ولا تزيده كما هو بديهي لكل عالم بعلم الموارد البشرية . للتذكير أيضاً كان الحد الأدنى للأجور في الشمال أكثر بكثير من الحد الأدنى في الجنوب ويتذكر الجنوبيون أن سلطتهم الشمولية دفعتهم للتظاهر في الشوارع مرددين شعار(تخفيض الراتب واجب ...واجب علينا واجب)، وللتذكير شهد موضوع النازحين إلى الشمال من حرب 1986 مشكلة كبيرة كون طغمة الجنوب كانت ترفض ضمهم إلى الخدمة الوظيفية وفي الأخير تم ضمهم رغم انقطاعهم سنين عددا. شهد الاختلال الوظيفي في دولة الوحدة الناشئة إشكالية أخرى تحملتها ميزانية الدولة الموحدة المعتمدة عملياً على إمكانات الشمال وحده، وتلك الإشكالية كانت عدم وجود صندوق تأميني لموظفي القطاع الخاص في الجنوب ما قبل دولة الوحدة لأنه لم يكن هناك قطاع خاص في الجنوب أصلاً حتى ينشأ صندوق تأمينات للموظفين فيه،وشهد موضوع التأمينات للقطاع العام في دولة الجنوب والتي كانت تقوم بها مصلحة اسمها (مصلحة الضمان الإجتماعي) شهد مشكلة كارثية سكت عنها الشمال وهي أن مبالغ الضمان الاجتماعي في الجنوب كانت صفراً، أي لم يكن لدى مصلحة الضمان الاجتماعي في الجنوب أية مبالغ في حسابها عند الدخول في الوحدة وسكت القائمون على الأمر في الشمال عن الموضوع بناءً على توجيهات من رئاسة الدولة آنذاك حرصاً على تحقيق الوحدة وهو المبرر الذي تم لأجله السكوت ، بل إن مما زاد الطين بلة وحمل الدولة الموحدة أعباء إضافية هو موضوع العمال الإضافيين الذين طلب الجنوبيون أن يتم التأمين عليهم ضمن مؤسسة القطاع الخاص الشمالية، وكان أولئك العمال غير مؤمن عليهم في الجنوب ومنهم بشكل رئيسي عمال اليومية في ميناء عدن (عمال الدكة) حيث تم تحميل مؤسسة التأمين أعباءهم وتم احتساب مدد التأمين لهم بموجب كشوفات قدمها الجنوبيون ولم يناقشوا ولم يعارضوا عليها بعد أن تم في البداية سؤال مسئولي الجنوبي في لجان التأمين المشتركة أين هي حصة التأمين لأولئك العمال وهل يصح التأمين على عمال اليومية في كل قوانين الدنيا؟ خصوصاً والقواعد التأمينية في القطاع الخاص تتحدث عن 5عمال فأكثر؟!وكل تلك الأسئلة لم يجب عليها الجنوبيون بسبب الأوامر الرئاسية للجان الشمال. فضلاً عن مبالغ التأمين التي تم تحميل خزينة مؤسسة الشمال الخاصة عبئ تحملها تأمينياً، زد على هذا الموضوع مسألة فارق نسبة التأمين في القطاع العام بين القانون الجنوبي للتأمين وبين الفارق في القانون الشمالي حيث كانت النسبة المستقطعة من راتب الموظف الجنوبي أقل من النسبة المستقطعة من الموظف الشمالي (في الشمال النسبة مجتمعة 13%من الراتب) بينما في الجنوب قرابة 10% ما يعني أن دولة الوحدة تحملت مبالغ إضافية لأنه تم مساواة الطرفين فكيف والأمر كما قلنا إن مصلحة الضمان الاجتماعي الجنوبية كانت خزينتها صفر ريال عند الدخول في الوحدة، ويتحمل النظام السابق الحاكم في اليمن المشكلة هذه لأنه كان دائم المراضاة للجنوبيين بحثاً عن الموقف التاريخي والتمجيد له بأنه صانع أهم منجز في تاريخ اليمن الحديث رغم ما كان يسببه السكوت على مثل هكذا حقائق من خسائر تمس خزينة الدولة الشمالية وحدها كونها هي الرافد الأول عبر نفطها للإيرادات العامة للدولة ولفترة التأسيس الثلاث السنوات وسنوات التأسيس هي أصعب مراحل الدول. ازدادت الخسائر التي سببها تحميل دولة الوحدة عدداً هائلاً من الموظفين الجنوبيين تم توظيفهم جزافاً بمجرد الدخول في الوحدة رغم أنهم كانوا أعضاء في مليشيات شعبية في الجنوب وفي أعمال الحزب الشمولي الحاكم للجنوب، ازدادت لتصل بالمشكلة إلى حد النفقات الهائلة فمثلاً كل من تم نقلهم من الجنوبيين إلى دواوين الوزارات في العاصمة صنعاء (بمبرر الدمج الوظيفي) تم تسليمه بدل انتقال وسيارة جديدة وتم أيضاً اعتماد بدل سكن له أيضاً ولم يخصم إلى اليوم بدل السكن من كل الجنوبيين الذين تم نقلهم إلى صنعاء وكان يكتب في الكشوفات الوظيفية عبارة (المنقولين) لتمييز الجنوبيين وظيفياً ولبيان لماذا مرتباتهم وبدلات المرتبات أعلى في حين أن الموظفين الشماليين لابدل سكن لهم حتى اليوم، وهذا كله يجعل من الجنوبيين متميزين في الراتب منذ ما بعد الوحدة بوضوح بسبب البدلات الإضافية. لفهم العبء الهائل الذي تم تحميله لدولة الوحدة أحادية الموارد كان يسلم لمن هو في درجة مدير عام في الجنوب ينقل إلى صنعاء (بدل انتقال لنقل منزله) مبلغ 60ألف ريال يمني أي مايزيد عن 2000دولار أمريكي (الدولار يومها يساوي أقل من 30ريال)ثم تم إضافة بدل السكن الذي كان قدره 3500ريال شهرياً(أكثر من مائة دولار)تضاف إلى المرتب كما تم شراء سيارات جديدة لكل جنوبي بدرجة مدير عام فأعلى، وهذه كلها لعدد مهول من مدراء العموم الجنوبيين ووكلاء الوزارات نسبتهم 4 أضعاف الشماليين . يتذكر الجميع كيف أن رئيس الوزراء الجنوبي حيدر العطاس اقترح بعد ثلاث سنوات من الوحدة تمليك جميع سيارات الدولة لمن هي في عهدتهم وبالتالي صارت السيارات الجديدة الموديل المشتراة للجنوبيين ملكاً لهم في حين تملك الموظفون الشماليون سياراتهم القديمة الموديل لأنه لم يشتر لهم أية سيارات منذ ماقبل الوحدة ، ومع ذلك يدعى البعض أن الجنوبيين ظلموا بسبب الوحدة. في هذا المقام ينبغي التذكير بأن قرارات جمهورية عديدة صدرت منذ90م الى 93م قضت بإعطاء كل من كان له دور نضالي(كما قيل) في الحزب الاشتراكي الحاكم للجنوب وكانت القرارات الجماعية الجزافية تلك والتي تكتظ بها الجريدة الرسمية الصادرة من وزارة الشئون القانونية لمن يريد التأكد، زيادة في التمييز الذي ناله المدنيون الجنوبيون دون الشماليين وكان أشد عيوب تلك القرارات أنها دفعت مدراء إدارات إلى درجة وكيل وزارة بل وموظف عادي بدرجة وكيل وزارة وكل التعزيزات المالية لهذه الدرجات التي نالها الجنوبيون تحملتها دولة الوحدة أحادية مورد النفط لثلاث سنوات الوحدة ، ويشار هنا أيضاً إلى موضوع أن مدراء عموم شئون الموظفين في دواوين الوزارات بعد الوحدة كانوا أغلبية مطلقة من الجنوبيين ولذا اقترحوا مقترحاً سياسياً بامتياز وهو المقترح الذي طبقوه في عام 92م حين طلبوا أن يتم نقل الملفات الوظيفية إلى المحافظات وعدم بقاء الملفات في الديوان العام لوزارة الخدمة المدنية وليس العكس أي نقل الصور الى المحافظات والاحتفاظ بالأصل في الديوان العام وهذا الموضوع كان خلاف القواعد العامة وخلاف أنظمة الجنوب الشمولية المركزية والتي ادعي أن دولة الوحدة لم تعمل بها، ويتذكر الموظفون الشماليون في وزارة الخدمة المدنية آنذاك أن الجنوبيين رفضوا نقل أية ملفات تخص موظفين في فروع الوزارات في المحافظات الجنوبية ربما كخط رجعة في حال قرروا الانفصال ولم يتم رفع أصول ملفات الموظفين في المحافظات الجنوبية ماعدا المنتقلين للعمل في الدواوين العامة ....يتبع يتناول الجزء الثاني ما حدث في مجال الخدمة المدنية منذ مابعد انتخابات 1993م وما بعد حرب 94 وبعدها حين تم العمل بخطة البنك الدولي للإصلاح الاقتصادي، ويناقش الجزء الثاني عدد الموظفين الجنوبيين حالياً في الدولة وهل تم تسريح الجنوبيين بشكل تعسفي كما يردد الحراكيون الجنوبيون.