ما هي السلطة والحكم؟ هل هي"الاستخدام المشروع للعنف" كما بين ذلك عالم الاجتماع ماكس فيبر؟ أم هي جائزة الصراع السياسية كما أوضحها أمير السياسة الايطالي ميكافيلي في القرن الخامس عشر الميلادي؟ أم هي وسيلة تستخدمها القوة الراغبة لتأكيد ذاتها كما يقول الفيلسوف الالماني نيتشه؟ أم هي الجاه والمال والثروة والسيطرة والتضليل على الشعب كما تبينه التجربة السياسية اليمنية على الواقع. إن البناء التنظيمي والإداري والذي أسسه الرئيس السابق(صالح) في الدولة اليمنية ومن ثم في دولة الوحدة كان بناء فئويا وعشائريا وأسريا أراد به إدارة الدولة لخدمة الأسرة والعشيرة أكثر من خدمة بناء الدولة، فالرئيس صالح كان قد أسس حزبا سياسيا شموليا (المؤتمر الشعبي العام) ليلتهم بقية الأحزاب السياسية قبل الوحدة، وبعد الوحدة سمح بتوسع حزب الإصلاح مرحليا أثناء الحاجة إلى تحالفه للانقضاض على الجنوب في شراكته للوحدة، كما أسس قوات عسكرية خاصة وأسس الأمن المركزي، أمن موالي له لالتهام الأمن العام، وشكل الحرس الجمهوري والقوات الخاصة لالتهام بقية القوات المسلحة، وأسس الأمن القومي لالتهام الأمن السياسي وهكذا. وفي الجانب المدني ضمن الولاء الكامل له من قبل كل المعينين على رأس السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، في الوزارات والمؤسسات والمصالح العامة في هيكل الدولة اليمنية حيث الإدارة لهذه السلطات تنطلق من أولوية هذا الولاء، أي ليست إدارات مؤسسية وحدود تخصصية وكفاءات علمية، بل إن الديكتاتورية التي فرضها في سياسته العامة وإدارته للدولة كانت تسحق هوية الأفراد والجماعة وتحولهما إلى أشياء تخدم وجود السلطة السياسية وتلبي متطلباتها. لم يكن علي عبدالله صالح بالمستبد العادل ولكنه كان يمارس التسلط ويدجن المجتمع، فكان شخصية نرجسية يحب التملك والسيطرة، وحتى المعالم الخيرية التي أسس لها مثل جامع الصالح ومؤسسة الصالح كان هدفها بالفعل لكي يحصل على المزيد من المديح والإطراء، أي أن تلك الأعمال كانت من أجل إشباع لحاجات الذات النفسية. الرئيس السابق مثله مثل الرؤساء والزعماء العرب شخصيات اكتسبت خبرات بعضها البعض واستغلت عواطف الجماهير وحماسها وبنت كل خيراتها وكرازميتها وخصوصيتها من زخم الجماهير التي تنشد الحرية والعدل والرفاه، تلك الشخصيات لم تتجنب الحروب والعدوان التي زجت به شعوبها من أجل أن تكسب زيادة في التأييد وبدلا من البحث عن التنمية وإخراج الطاقات والإبداعات البشرية إلى حيز الوجود كانت هذه الزعامات تبحث عن عدو يجمعها مع الشعب ويلفها حول الزعيم بسبب هذا العدو. ما يوجد من انهيار ومن انقسام ومن تمزق ومن مشاكل ومن فقر وبطالة وغيرها في اليمن هي نتاج ومترتبات سلطة وحكم مضى ولازال وانقسم وتوزع في بنية الدولة اليوم يتقاسم الحكم والسيطرة بالمناصفة، أي بالحد الأقصى من عدم التساهل في ممارسة الفساد.. والسلطة والحكم الحالية تسير على أثر ما قد مضى، أي أن السلطة أصبحت تقليدا وغاية وليس فيها إدارة وفن في القيادة وخدمة لمصلحة الشعب، بل إنها مغنم لا مغرم بعيدا عن مصلحة الشعب الذي يذكر اسمه أو يردد في الانتخابات أو من أجل التعصب والاحتراب ضد الخصم. ويخوض كل رجال السلطة في هذه الفترة بل وينشغلون بالمكاسب والمصالح والأطماع وينسون الشعب والبناء والتنمية والدولة، وهكذا، والدولة تتآكل من الداخل ويتم الانتباه الى طلب المدد والعون والمساعدة والخبرات من الخارج مقابل الولاء والتبعية، وتدور الدورة ويزداد تآكل الدولة إلى أن يحدث الانهيار أو قريبا منه والحكام هم الحكام والمشاريع الخيالية هي نفس المشاريع السياسية الخيالية السابقة في مسميات الإصلاح الإداري والمالي ومحاربة الفساد وغيرها، وجميعها تستغل في نفس خط الفساد، والحديث عن التغيير هو زيادة في مجرد استهلاك للحديث نفسه ويضرب الشعب أمنيا واقتصاديا وسياسيا، والتغيير يخضع لأسس التقليد. لقد استرسل الرئيس هادي في الطموح لتقليد سلفه الرئيس السابق، وخلال عامين من الانتخابات لم يحدث التغيير المنشود ومراكز القوى هي المسيطرة، ولم يفعل الرئيس هادي غير أن رفع ولي عهده(ابنه) إلى مرتبة عليا تؤهله لإدارة المال والاستثمارات وتدريبه بعض الشيء في أمور السياسة بما فيها الوساطة، وترتيب بقية أولاده في مهام أخرى، وقرب إليه بعض رجال القبيلة وركن إليهم في بعض المواقع التي كان فيها أقرباء الرئيس السابق يعتمد على مثلهم في حمايته وتأمينه من خطر السقوط، حرفا بحرف وكلمة بكلمة، وسار بعده سير القذة بالقذة، هذه الطريقة أصبحت عنده في حكم العادة وهي في علم النفس ميل الفرد في الاستمرار على إرضاء دوافع معينة بطريقة خاصة دون غيرها لكنه يرتبط أيضا بحكم العادة إلى التقليد وهي في علم النفس الميل إلى تكرار السلوك المألوف والتشبث به ومقاومة السلوك الجديد أو الغريب، فمن أعتاد أن يحصل على الأمر من شخص أعلى منه سيظل ينتظر هذا الأمر ممن يشعر أنه أعلى منه وإن كان هو في أعلى هرم السلطة فيرى أن هناك من هو أعلى منه، فالطرق التي يدير بها الرئيس هادي السياسة هي طرق نفسية أكثر منها سياسية، فهو يتصور أن مجلس الأمن الدولي، والإلحاح على بن عمر لرفع تقريره إلى المجلس هي التي تصنع له الحلول بواسطة القوة الدولية العليا،وتصور أن مجلس الأمن يقرر بديلا عن إرادة الشعوب بما في ذلك تصوره أن مجلس الأمن هو الذي يملأ صناديق الاقتراع نيابة عن بطاقات الناخبين لفرض ما يريده الرئيس هادي من النتائج مثلما كان يديرها الرئيس السابق إلا أن الأخير كان لا يعتمد على مجلس الأمن الدولي بل يعتمد على ديناميكيته ووشائج علاقاته الواسعة والمتعددة مع الوجاهات والرموز والقيادات السياسية والقبلية والجماهيرية، هذه العلاقات التي أرساها وحبكها خلال فترة حكمه الطويل، أما الرئيس هادي فقد أنكفأ عن علاقاته في القبول بالمنصب الأسمي وليس الرسمي حتى أنه يمثل الركن الثاني في المقابل في تمثيله السياسي للجنوب، وهو تمثيل لا يمت إلى إرادة ورغبة الشعب الجنوبي وإنما يمت لإرادة الرئيس السابق الذي اختزل الوحدة بالانتقام لقيادات أحد جناحي صراع 13يناير1986م. بعد انهيار النظام الأسري والعشائري حدث تفكك عضوي في هذه السلطة وأصبح الرئيس هادي هو المؤهل والمناسب في هذه السلطة وأدى ذلك إلى تفكك قبلي واضطراب سياسي ونزوع مذهبي لم يستطع الرئيس هادي من إدارته ولجمه وانتظر الصدفة والقدر ومجلس الأمن الدولي لإدارة اللعبة السياسية. الحالة الوحيدة التي استطاع الرئيس هادي استثمارها مرحليا أو مؤقتا هي تدعيم رجالاته وموقفه الجنوبي في الوحدة بناء على الموقف من أحداث يناير1986م ونسي أن الشعب الجنوبي قد خاض نضاله السلمي من بعد الحرب التي وقف بها ضد الجنوب في 1994م مع حليفه الرئيس السابق ليستثمر الدور المطلوب في بعث الصراع السابق في الجنوب بعد أن استبق الشعب الجنوبي ذلك بعملية التصالح والتسامح وحدد أهدافه النضالية في الموقف من الوحدة، وحاول الرئيس هادي من خلال تصوره وتفكيره بذهنية الماضي أن يؤسس لمرحلة صراع جديدة في الجنوب في عملية تقسيم الأقاليم وعبر اختراع عملية الحوار ومخرجاته التي كان أهمها هذا التقسيم إلى محميات شرقية وغربية بناء على الماضي الاستعماري الذي كان يقسم الجنوب إلى محميات شرقية وغربية. إن إعادة الصراع من جديد وتفكيك الجنوب إلى أكثر من طرف, ماهو إلا تقسيم فرضته مراكز القوى لتدير به الصراع القادم في ضل الدولة الاتحادية. فالعودة إلى الماضي هي نزعة نفسية تمثل رغبة وحنينا للماضي، وهو بالتالي هروب من الحاضر وربما نوع من الارتباك في حلول الاشكالات التي تطغى على قدرة الإنسان بعد أن أصبحت فوق طاقته وأكبر من قدرته على رغبته في الحل. إن التقسيم الإداري والجغرافي للجنوب أكثر مما هو للشمال يعتبر معضلة في حد ذاته أكبر من معضلة الوضع الحالي المتأزم وهو مشروع لاحتقان واحتكاك وخلق مشكلات مجتمعية لا يستفيد منها سوى أصحاب المآرب والأغراض الخاصة من بقاء الاختلاف والتوتر والنزاع الاجتماعي على رأس اهتمامات المغذين لها ليستمر جني المصالح المادية في ظل عدم وجود دولة أو نظام أو قانون يحمي الشعب. لكن هذا في الجنوب يمثل دافعا لإصرار الشعب الجنوبي على استعادة دولته التي ستحميه من كل المآسي والآلام, كما هو الحاضر والذي قد يستمر طويلا في حالة عدم الاستجابة لمطالب وإرادة الشعب الجنوبي نفسه في تحقيق مصيره. والله هو الهادي إلى سواء السبيل. صالح محمد مسعد(أبوأمجد) 15/2/2014م