تعيش مدينة عدن، منذ مطلع الأسبوع الجاري، انفلاتًا أمنيًّا غير مسبوق؛ فبعد سقوط قوات الأمن الخاصة تحت سيطرة اللجان الشعبية، ونهب أسلحتها الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، تصاعدت مظاهر النهب والسلب، واقتحام المنازل والسيطرة عليها في مختلف مديريات المدينة.. وهو ما أثار استياء شديدًا في أوساط أبناء عدن، الذين وجدوا أنفسهم مستهدفين من أناس دخلوا المدينة باسم حمايتها والحفاظ على السكينة الاجتماعية؛ حيث سُجلت العشرات من حالات اقتحام المنازل المهجورة ونهبها والتموضع بداخل البعض منها، ومطالبة مئات الأُسر المنحدرة إلى المحافظاتالشمالية بمغادرة عدن، وكذا اعتقال مواطنين بالهوية، وتزامن تصاعد تلك الأعمال التي أثارت ردود أفعال غاضبة في الشارع العدني مع انشقاق صف اللجان الشعبية.. إلى التفاصيل: تسببت الأحداث الأخيرة، التي شهدتها مدينتا عدنولحج، بنزوح المئات من الأسر الشمالية التي تسكن فيهما؛ جراء تصاعد أعمال العنف وتعرضها لاستهداف مباشر من قبل مسلحين مجهولين يقولون إنهم من اللجان الشعبية المنقسمة بين لجان موالية للرئيس عبدربه منصور هادي، وأخرى موالية للحراك الجنوبي وثورته الشعبية المطالبة بفك الارتباط مع القُطر الشمالي، والعودة إلى ما قبل 22 مايو. ومع تأكيد العشرات من الناشطين الجنوبيين، والقاطنين في مدينة عدن، أن ما تشهده المدينة من أعمال نهب وسلب غير محدود إساءة بالغة لأبناء الجنوب، ومؤشر خطير على انهيار الدولة في عدن، وفشل المسلحين القبليين واللجان الشعبية غير النظامية في تغطية الفراغ الأمني والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة للمواطنين، إلا أن البعض منهم يبرر تلك الأعمال بوقوف جهات من الشمال وراءها، بل وصل الحال بالبعض إلى اتهام جنود أسرى من جنود قوات الأمن الخاصة الذين سلموا أنفسهم لوزير الدفاع، الخميس الماضي، كما ذهب البعض من أولئك الناشطين إلى القول: إن العشرات من أبناء الفئات المهمشة المنتمين لمحافظاتشمالية هم من يقفون وراء أعمال النهب والسلب التي شهدتها المدينة. نزوح الأسر الشمالية في ظل بيئة طاردة لكل من ينتمي للمحافظاتالشمالية في عدن منذ سيطرة المليشيات المسلحة عليها، أكدت مصادر محلية في محافظة عدن أن اللجان الشعبية التابعة للرئيس هادي اقتحمت - خلال الأيام القليلة الماضية - عشرات المنازل التابعة لأبناء المحافظاتالشمالية، وأنذرت الأسر التي تسكن فيها بالرحيل خلال ثلاثة أيام وإخلائها؛ كونها ملكًا لأبناء الجنوب.. وأفادت مصادر مؤكدة بأن عشرات الأسر غادرت عدن خلال اليومين الماضين؛ خوفًا من تعرضها لأي انتهاك جسيم من قبل لجان هادي التي تتردد على تلك المنازل التي يقطنها الشماليون.. محذرة من مغبة التجاهل وعدم المغادرة. إلى ذلك غادرت أسر شمالية مدينة عدن، السبت والأحد.. ونقل موقع "عدن الغد" أن العشرات من الأسر غادرت مدينة عدن، إلا أن الموقع عزا موجة نزوح مئات الأسر التي تنحدر إلى المحافظاتالشمالية ليس إلى الانتهاكات التي تعرضت لها، أو المخاوف من تعرضها لانتهاكات، أو المخاوف من اندلاع حرب في المدينة، بل إلى أن نزوح الأسر الشمالية جاء عقب إعلان الحوثيين التعبئة العامة للحرب على الجنوب. وذكرت صحيفة "عدن الغد" إلى أن ما وصفتهم اليمنيونالشماليون اجتاحوا الجنوب منتصف تسعينيات القرن الماضي.. إلا أن المصدر أشار إلى أن التجار وأصحاب المحلات ما يزالون في عدن، ولن يتركوا محلاتهم التجارية والخدمية ويغادرون. ووفق المصادر أن المئات من أبناء المحافظاتالشمالية يعتزمون نقل أسرهم إلى الشمال بعد تصاعد أعمال اقتحام المنازل وإلقاء التهديدات. وأشارت المصادر إلى أن مسلحين تابعين للجان الشعبية نفذوا حملة مداهمات واسعة النطاق، خلال اليومين الماضيين، تحت مبرر البحث عن عناصر حوثية، ووفق المصادر فإن الطلاب الدارسين في جامعة عدن، الذين ينتمون للمحافظاتالشمالية لم يسلموا من اقتحام اللجان الشعبية لسكنهم، مطلع الأسبوع الجاري. وجاء ذلك عقب إعلان اللجان الشعبية في عدن بأنها ستقوم بواجبها في حماية عدن والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي والسكينة العامة لكافة ساكني مدينة عدن، بما فيهم المواطنين الشماليين. اقتحام منازل وأراضٍ منذ الخميس الماضي، وعقب نهب مقر قوات الأمن الخاصة بعدن، والذي لم يتوقف عند نهب السلاح والعتاد، بل وصل إلى نهب أجهزة وأدوية المستشفى الصغير الذي يوجد داخل قوات الأمن الخاصة، وصولاً إلى نهب بطانيات الجنود وأدوات المطبخ الخاص بقوات الأمن الخاصة، والبطانيات الخاصة بالجنود، ومن ثمة المروحيات المعلقة في عنابر الجنود. عقب ذلك تعرضت عدد من المنازل للاقتحام في كريتر والصولبان والعريش والبريقة ومناطق أخرى في عدن.. وأفادت المصادر أن عشرات البيوت تعرضت للنهب والسلب من قبل مسلحين، وأن عددًا من المنازل، وخصوصًا التي تعود ملكيتها لأبناء المحافظاتالشمالية، نُهبت، وتم التمركز بداخلها، وأخرى لا تزال في طور التشطيب النهائي. وكانت مدينة الصالح السكنية لذوي الدخل المحدود في عدن، وهي إحدى المدن الاستثمارية الممولة من قبل الأوقاف، و"كاك بنك" والتأمينات والبريد، قد تعرضت للاقتحام والنهب من قبل مسلحي اللجان الشعبية، مطلع الأسبوع الجاري. وتعرض ميناء عدن لعملية نهب مساء السبت، ووفق مصادر عاملة في ميناء عدن "أن مسلحين مجهولين حاولوا اقتحام الميناء، مما دفع بأمن الميناء إلى الاستعانة بعمليات اللجان بغية الاستنجاد بها، غير أن مسلحي اللجان قدموا إلى الميناء وباشروا بكسر خزينة أمن الميناء ونهب 6 صناديق ذخيرة دوشكا. إلى ذلك أوقفت الشرطة في مدينة عدن - الأحد - أعمال البسط العشوائي على الأراضي الخاصة في مديرية البريقة، وقام مدير أمن المنطقة عثمان عرب، ورئيس لجنة الخدمات بالمجلس المحلي بالمديرية محمد نايف، بالنزول الميداني إلى الموقع، وإيقاف أعمال البسط العشوائي. وأشار عثمان إلى أن عددًا من المواطنين قاموا - خلال الفترة الماضية - بالبسط على أراضي المنطقة الحرة الواقعة بالقرب من فندق القصر بمديرية البريقة، مستغلين الأوضاع الاستثنائية التي تعيشها البلاد.. وأكد عرب أن قيادة المنطقة الحرة لن تتهاون في تصديها لمثل تلك الأعمال، سيما منها البسط غير القانوني على أراضي المنطقة. من جانبها أصدرت اللجان الشعبية في عدن - السبت الماضي - تحذيرًا للجماعات والأفراد، وكل من تسول له نفسه المشاركة في عمليات الفوضى والبسط العشوائي على الأراضي التابعة للدولة، وخصوصًا المنطقة الحرة في عدن، والتي تعتبر ملكًا للشعب، وﻻيحق لأحد حجزها أو بيعها، أو البسط عليها، ومن يتم القبض عليه فيها أو يقاوم اللجان الشعبية فلا دية لدمه. ويأتي تحذير اللجان الشعبية في عدن من أعمال النهب في حين أنها أول من شرعت بعمليات النهب، والتي بدأته بالنهب والسيطرة على منزل الشيخ عبدالله الأحمر "الرئيس البيض سابقًا"، ومنزل محافظ صعدة السابق فارس مناع، بالإضافة إلى محاولتها السيطرة على مدينة الهمداني. يافع تُحرّم النهب على أبنائها قبيلة يافع وجهت نداء إلى جميع أبناء يافع المتواجدين في عدن وكافة مناطق الجنوب، طالبتهم بالابتعاد عن كل ما من شأنه أن يسيء ليافع أو لأبنائها.. وأكدت القبيلة أنها لن تسمح لأي يافعي بأن يسيء لسمعة يافع من أجل أرضية أو شقة أو سيارة أو شنطة رصاص، وأن من اعتدى على الحقوق العامة أو الخاصة فإن قضيته لنفسه، بل إن يافع بجميع أبنائها ستقف ضده حتى يرجع إلى جادة الصواب.. ومن تعرض لاعتداء أو ظلم من أية جهة كانت فإننا لن نسمح بحدوث ذلك ما دام فينا من يدب فيه الدم، وسنقدم رؤوسنا قبل رأسه؛ حتى نقتص له ممن اعتدى عليه. أبناء عدن يبحثون عن الأمن في ظل تصاعد أعمال النهب والسلب للممتلكات الخاصة في عدن طالب عدد من الناشطين والصحافيين السلطات المحلية بسرعة التدخل لإيقاف الفوضى، إلا أنهم مدركون لقدرات تلك السلطات التي لا تستطيع السيطرة أو توجيه اللجان الشعبية التي خرجت عن سيطرة سلطات عدن، بما فيها السلطات الرئاسية وليس السلطات المحلية فحسب، وطالبوا عقال الحارات والعقلاء في مديريات عدن بتشكيل لجان محلية في كل حي من شباب الحارات لحماية الممتلكات الخاصة، وعدم السماح باقتحام أو نهب المنازل والممتلكات. إلا أن البعض منهم دعوا رجال الدين في عدن وفي محافظات الجنوب لإصدار فتوى دينية شاملة كاملة تحرّم وتجرّم أعمال السلب أو النهب أو البسط على الأراضي أو الاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، وتحريم انتهاك حرمات الناس وأملاكها. وكتب الصحفي فتحي بن زرق - رئيس تحرير صحيفة "عدن الغد"، في صفحته على "الفيس بوك": نحن بحاجة إلى فتوى دينية تجيز وتحث على التصدي لكل أعمال السلب والنهب والتقطع والإضرار بالأموال العامة والخاصة، ساعدوني في ذلك لكي يقوم علماؤنا الأفاضل بدورهم. البعض من أبناء عدن أبدى استغرابه من الفوضى التي تشهدها مدينة عدن، وقال: من معركة واحدة وخاطفة تبعتها فوضى ونهب وسرقة وانتشار للعصابات في عدن.. فما بالكم لو بدأت الحرب الحقيقية، وهل ستقوم القبائل بنهب وسرقة وتدمير وحرق الأعداء مثل ما حصل في العام 67 ضد اليهود المقيمين في عدن، وسرقة ممتلكاتهم، والاستيلاء على منازلهم، وأشار إلى أن تلك الأعمال أساءت لسمعة أبناء الجنوب، وشوهت سمعة عدن الحضارية. انشقاق اللجان إلى موالاة وممانعة وكشف ناشطون في الحراك الجنوبي عن وجود انشقاق في أوساط اللجان الشعبية في عدن التي أكدوا انقسامها خلال الأيام الأخيرة إلى لجان موالية للرئيس عبدربه منصور هادي، وأخرى - وهي الأغلبية - تابعة، تُطلق على نفسها اسم اللجان الشعبية الجنوبية الموالية للحراك الجنوبي ولثورة شعب الجنوب، وأفادت المصادر بأن اللجان التي كان يقودها عبداللطيف السيد تعمل تحت إشراف اللواء ناصر منصور هادي - رئيس جهاز الأمن السياسي في لحجوعدنوأبين، شقيق الرئيس هادي، وهي اللجان التي تم استدعاؤها في يناير الماضي من قبل سلطات عدن، وتمكينها من التموضع في أماكن حساسة، وحظت بدعم مالي كبير، حتى برزت خلافات حول الإشراف عليها - الأسبوع قبل الماضي.. بينما اللجان الشعبية الجنوبية التي ترفع علم الانفصال، والتي كان قائدها غير معلن، وهو علي الصمدي، والذي ينحدر إلى مديرية لودر بمحافظة أبين، وقتل في مواجهات الخميس، والذي سبق أن أعلن انضمام اللجان للثورة الجنوبية، وتأييد مطالبها. وعلى الرغم من عدم مشاركة عبداللطيف السيد - القائد الفعلي للجان الشعبية الجنوبية - في اشتباكات الخميس؛ كونه متواجدًا في أبين - وفق المصادر، إلا أن اللجان الشعبية التي كانت موالية لهادي اختفت من شوارع عدن - السبت الماضي. ووفق ما أكده عصام الجبلي - المسؤول الإعلامي للجان الشعبية - فإن اللجان أصدرت بيانًا أشارت فيه إلى قرار اللجان العودة فورًا إلى أبين؛ للحفاظ على أمنها واستقرارها، ومنع دخول أي عناصر تخريبية إليها، وأبدت اللجان بعودتها قلقها من تكرار تسليم عدن، كما سلمت لحج للقاعدة، واستنكرت عمليات سلب المنشآت العسكرية والمدنية التي تقوم بها مجاميع مسلحة دخلت بتصاريح من القيادة. وعزت أعمال النهب والسلب، واتخاذها قرار العودة إلى أبين بسبب تأخر اللجنة الأمنية بعدن في إسناد أية مهام أمنية للجان الشعبية في المحافظة.. وأكد البيان الصادر عن قيادة اللجان الشعبية - أبين، ظهور مكثف لمجاميع مسلحة لا تعلم اللجان انتماءها، تعمل على زعزعة الأمن في عدن. يُشار إلى أن الرئيس هادي أعفى أحمد الميسري من الإشراف على ملف اللجان الشعبية الجنوبية، ووفق مصادر متطابقة فإن هادي سلم الملف للواء الأحمدي.. موضحًا أنه لم يتم معرفة موقف اللجان الشعبية الجنوبية من هذا القرار الذي كان مفاجئًا. اللجان الشعبية الانفصالية بينما ظلت اللجان الموالية، التي أعلنت ولاءها لثورة الجنوبيين، وتعمل على أساس تحرير عدن من الاحتلال، أفادت المصادر أنها لا تزال في عدن بعد تمكنها من السيطرة على أسلحة كبيرة، أمس الأول.. وقالت المصادر: إن اللجان الشعبية الموالية للجنوب، وليس لهادي، لم تمنح الأسلحة الكافية خلال الأسابيع الماضية، وكان هناك نهج لتهميشها، إلا أن تجارًا جنوبيين داعمين لمطلب الانفصال قدموا لها الدعم المالي، الأسبوع الماضي؛ لشراء أسلحة.. وأكد علي الصمدي، قبيل مقتله، في صفحته على "الفيس بوك" أنه تلقى اتصالاً من تاجر جنوبي - الأربعاء - أبلغه تبرعه بعشرة ملايين ريال للجان لشراء أسلحة متوسطة، وقال إنه اشترى بالمبلغ رشاشين نوع ديشكا، وأربع قاذفات "آر بي جي"، ولوازمها. ووفق المصادر فإن اللجان الشعبية التي يقودها عبداللطيف السيد تتبع المنطقة العسكرية الرابعة، وتتقاضى مرتباتها من المملكة العربية السعودية. يُشار إلى أن اللجان الشعبية هي جماعات مسلحة أُنشئت في اليمن في فترات مختلقة من المواطنين ورجال القبائل لغرض مساعدة الجيش اليمني في مواجهاته وحروبه المختلفة، ففي 2010 أُنشئت في محافظة شبوة، وأنشئت لجان أخرى أثناء ثورة الشباب اليمنية عام 2011 في محافظة أبين لدعم الجيش في مواجهة مسلحي تنظيم القاعدة وأنصار الشريعة في محافظاتاليمن الجنوبية.