حملت الأيام الأخيرة تحولاً مفاجئًا في الموقف الروسي حيال ملف إيران النووي، أثارت تساؤلات حول معناه من حيث المضمون والتوقيت. وشهدت خطاباً روسيّاً مختلفاً تجاه إيران، يتسم بالتشدد والتهديد بالتخلي عنها إذا لم تغير مواقفها بشكل إيجابي. في حين تُعتبر روسيا الداعم الرئيسي لإيران في ملفها النووي على المستويين السياسي والتكنولوجي، كما أنها الشريك الأساسي في البرنامج النووي الإيراني من ناحية، وأحد الكوابح أمام التوسع في سياسة العقاب الأميركي لطهران من خلال مجلس الأمن من ناحية أخرى. ومن الواضح أن الدور الروسي في الأزمة النووية الإيرانية يصنف كأحد الأدوار القليلة التي تميّز بالفاعلية والديناميكية في التعامل مع القضايا الرئيسية المثارة على الساحة الدولية، كما يُعتبر الدور المحوري الأبرز بحكم متانة علاقات روسيا مع جميع الأطراف وبخاصة مع إيران، إضافة إلى الحيوية التي اتّسم بها هذا الدور لجهة اقتراح مبادرات محددة لتسوية الأزمة، فضلاً عن اقتراح حلول وسط بشأن نصوص القرارات المقدمة إلى مجلس الأمن بشأن هذه الأزمة. وظلت روسيا حريصة رغم مصالحها الوثيقة مع إيران على ألا تتمكن إيران في نهاية المطاف امتلاك السلاح النووي بهدف عدم الإخلال بالتوازن الاستراتيجي العالمي بشكل عام، أو الإخلال بالاستقرار الاستراتيجي القائم على تخوم روسيا الجنوبية من ناحية أخرى. سيما وأن امتلاك إيران للسلاح ربما يؤدي لتغيير موازين القوى والمعادلات الاستراتيجية في منطقة آسيا الوسطى التي تدخل ضمن الإطار الجيوستراتيجي لروسيا، ما يلحق الضرر بنفوذ روسيا القوي في تلك المنطقة، بيد أن رفض روسيا لاحتمالات امتلاك إيران للسلاح النووي لا يجعلها تقبل تلقائيّاً بالشكوك والهواجس الكبيرة التي تثيرها الولايات المتحدة و«إسرائيل» وبعض دول الاتحاد الأوروبي، بشأن حقيقة الأهداف المحركة للبرنامج النووي الإيراني. وإنما احتفظت روسيا لنفسها برؤيتها الخاصة لهذه المسألة، وهي ربما تكون أقدر من غيرها على تقييم أبعاد وحدود البرنامج المذكور، بحكم مشاركتها فيه بشكل رئيس، رغم أن الأزمة متعلقة بالأساس بمنشآت أقامتها إيران بعيداً عن إطار التعاون النووي مع روسيا. والمفاجأة الآن أن موسكو أبدت قلقها من تقنية «الصواريخ» ومشروع «التخصيب» واتجهت نحو التشكيك بنوايا إيران وعدم ثقتها بالسياسة التي تتبعها في المجالين المذكورين. هذا التطوّر السلبي لا يمكن له أنْ يظهر وبهذه السرعة من دون وجود أسباب توجب إعلانه. فموسكو التي أسست علاقات جوارية جيّدة مع طهران بناءً على دعمها في تقنية الصواريخ ومشروع التخصيب لا يمكن لها أنْ تنقلب على النقطتين إذا لم تكن على علم وبيّنة تثير مخاوفها من الطبيعة السياسية لتلك اللقاءات «الفنية» و«التقنية» التي تكرر عقدها في بغداد. فهذه التقاطعات الإيرانية الأميركية التي تمظهرت في ذاك التعايش بين نفوذ طهران واحتلال الولايات المتحدة للعراق دخلت كما يبدو في نقطة أثارت قلق موسكو من احتمال توصل الجانبين إلى تفاهمات تتجاوز حدود بلاد الرافدين. وراهنت روسيا على إيران لما تتمتع به من موقع جغرافي استراتيجي يلف خاصرتها الجنوبية من أفغانستان وتركمانستان شرقاً مروراً بحوض بحر قزوين وصولاً إلى العراق وتركيا وأذربيجان وأرمينيا شرقاً. فهذه الحدود مهمّة وتشكل تلك المعابر الحيوية التي تحتاج إليها روسيا الصاعدة اقتصادياً والعائدة دولياً؛ لتلعب دورها السياسي بعد غياب دام 15 سنة تقريباً. إيران أيضاً اعتمدت على روسياً وطلبت مراراً مساعدتها التقنية في تطوير برنامجها الصاروخي فضلاً عن تعزيز قدراتها في تخصيب اليورانيوم وتشغيل محطة بوشهر النووية لإنتاج الطاقة السلمية. كذلك اعتمدت طهران على موسكو في التصدّي لتلك السياسة الأميركية الهادفة إلى عزل إيران من خلال إصدار قرارات عن مجلس الأمن تُشكّل نقاط ارتكاز دولية للضغط على طهران.(وكالات)