أرخى إرسال الولايات المتحدة المدمرة الأمريكية المدمرة "يو.إس.إس كول" وقطعا بحرية حربية إلى قبالة الشواطئ اللبنانية بظلاله الثقيلة على الوضع السياسي اللبناني، وتحول إلى مادة اشتباك سياسي داخلي لبناني، مضافة إلى التجاذب الحاد حول تعقيدات الأزمة السياسية المتفاقمة. وفيما ركزت قيادات المعارضة، وخصوصا حزب الله على اتهام أطراف داخلية لبنانية ب"التواطؤ" مع الإدارة الأمريكية، نفت رئاسة الحكومة التشاور المسبق مع واشنطن بشأن إرسال المدمرة، فيما وصف رئيس مجلس النواب نبيه بري الخطوة الأمريكية بأنها عملية تهديد حقيقية، وليس فقط للتهويل، وربط بين إرسال "كول" والتمويه على المجزرة "الإسرائيلية" التي ترتكب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. وسارع المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة إلى توضيح موقف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جوردون جوندرو الذي كان قد أشار إلى "مشاورات منتظمة" بين إدارته والحكومة اللبنانية سبقت إرسال "كول". وقال إن هذا الكلام "غير دقيق، ولا أساس له من الصحة"، "وجاء نتيجة ترجمة مغلوطة وغير كاملة لكلام المسؤول الإعلامي الأمريكي". وشدد المكتب على ضرورة مراجعة النص الحرفي لكلام المسؤول الأمريكي الذي لم يقل ما روجته وسائل إعلامية، وأشار إشارة عامة إلى أن "الولايات المتحدة الأمريكية على اتصال مستمر مع الحكومة اللبنانية وغيرها حول الوضع في لبنان". وكان السنيورة أول أمس قد أكد أنه لا توجد سفن حربية أمريكية في المياه الإقليمية اللبنانية. وعلّق رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط على اتهامات حزب الله لقوى الأكثرية النيابية ب"التواطؤ" مع الخطوة الأمريكية لرفع معنوياتها، وقال إن معنويات "قوى 14 آذار" "مرتفعة ولا تحتاج إلى بوارج لرفعها"، وإن "كول" ليست البارجة الوحيدة في البحر الأبيض المتوسط المليء بكل أنواع البوارج، وأضاف "اطمئنوا، "14 آذار" كانت موجودة، وستبقى أقوى ببوارج أو من دونها". وفي أول تعليق رسمي يصدر عنه، اعتبر حزب الله أن إرسال البوارج الأمريكية إلى لبنان إعلانا لفشل الأشكال الأخرى مما أسماها "الوصاية والتدخل"، عبر من وصفهم بأنهم "أدوات محلية" لبنانية، اتهمهم الحزب بأنهم شركاء كاملون في ما يحصل. وقال الحزب إن الخطوة الأمريكية تشير إلى "اضطرار الأصيل" للتدخل السافر بدلاً من الوكيل، وانكشاف المشروع الفعلي الذي تواجهه المعارضة اللبنانية، ومعها غالبية الشعب اللبناني، وهو مشروع الوصاية الأمريكية الذي يمنع تلاقي اللبنانيين، ويعرقل المبادرات ويحرض الجماعات بعضها على بعض، ويريد سحب كل أوراق القوة من أيديهم لمصلحة حليفه الاستراتيجي الصهيوني. وأضاف حزب الله أنه كان واضحا ارتباك فريق السلطة وإحراجه في التعامل مع فضيحة التدخل وتهديد الاستقرار والأمن والسيادة من قبل الأمريكي الذي أعلن أنه تشاور معهم بشكل منتظم حول خطواته، بما يجعلهم شركاء كاملين في ما يحصل ويعري تماما دورهم كوكلاء للخارج، على الرغم من محاولات التنصل المكشوفة أو رفع لمعنويات زائفة هي في الأصل مفقودة. واعتبر الحزب أن شعارات الديمقراطية وحرية الشعوب التي تنادي بها واشنطن تبدو مخادعة وزائفة، لأنها تتناقض مع دبلوماسية البوارج الحربية وفوهات المدافع التي تعود إلى زمن استعماري مضى ولن يتكرر، وهو أسلوب جربته الشعوب المستقلة، بما فيها الشعب اللبناني الذي يملك تجربة فريدة في هذا الإطار، تجعله في منأى عن الخضوع للتهويل والابتزاز واستعراضات القوة، خصوصا في اللحظة التي يترنح فيها المشروع الأمريكي في كامل المنطقة. ولليوم الثاني على التوالي، قلّل رئيس الحكومة الأسبق الدكتور سليم الحص من أهمية الخطوة الأمريكية، واعتبرها في إطار إرسال رسائل التهديد إلى لبنان، وجزم بأن واشنطن لن تتجرأ على الاعتداء على لبنان، لأنها إن فعلت فذلك سيشكل فضيحة لها عربياً وعالمياً، وهذا لن يكون في مصلحتها، وطمأن إلى أن التهديد الأجوف لن يترجم عدواناً عسكرياً. وقالت مصادر في التيار الوطني الحر الذي يتزعمه النائب المعارض ميشال عون إن محاولة فريق السلطة الاستعانة أو الاستفادة من الحضور العسكري الأمريكي لن تفيد في شيء، وإن المعارضة لن تتنازل عن حقها في المشاركة، وأضاف أن أمام فريق السلطة خيار التصرف من طرف واحد وتحمّل مسؤولية النتائج. وفي السياق نفسه، نقلت وسائل إعلامية لبنانية أمس، عما وصفتها مصادر إعلامية عربية في واشنطن، أن القرار الأمريكي إرسال "كول" اتخذ بالتنسيق مع أطراف داخلية لبنانية، ورفضت تأكيد ما إذا كانت رسمية أو غير رسمية. وعلى صعيد الأزمة السياسية نفسها، لا تزال أجواء قوى الداخل اللبناني تراوح ضمن دائرة الانتظار في ظل تبادل الاتهامات بتعطيل مبادرة الحل العربية، وفي الوقت الذي تستمر فيه خيوط التواصل في الحد الأدنى بين القيادات، لعله يمكن إيجاد ثغرة ما، يمكن من خلالها النفاذ إلى حل، إذا تم كسر حدة الجليد العربي، وخصوصاً العلاقات السعودية السورية، ما يشكل عاملاً مساعداً وأساسياً في إطلاق الحل برعاية أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى، الذي سيعود إلى بيروت قبل 48 ساعة من 11 الشهر الحالي، وهو الموعد الذي حدده رئيس البرلمان نبيه بري لعقد جلسة نيابية لانتخاب رئيس الجمهورية. وقال مصدر في المعارضة إنه من نافل القول، ووفق التعبير الذي استخدمه السنيورة، في كلام عن عدم طلب أو استدعاء أو استعانة بقوى خارجية، أن ينجح أي ضغط أو عرض عضلات أو عراضات بحرية أو غير بحرية في ثني المعارضة عن مطالبتها بالضمانات التي تطرحها لتستقيم المشاركة الحقيقية في السلطة ومنع الاستئثار. ولفت في الوقت نفسه إلى أن المبادرة العربية لم تسقط، وأن المعارضة لا تزال تمد اليد للتحاور البنّاء والصادق مع قوى الغالبية في سبيل التوصل إلى حل وفاقي وتوافقي على أساس البنود الواردة في المبادرة. وكشف مصدر في قوى الأكثرية النيابية أنها سترسل وفدا منها إلى القاهرة في اليومين المقبلين ليسلم إلى وزراء الخارجية العرب مذكرة، هي استكمال لمذكرة سابقة تشرح فيها أبعاد الوضع الحاصل على خلفية المشاورات مع موسى، وتجدد، بحسب المصدر، التزامها مبادرة الجامعة، وهي ترى أن إطلاق البند الأول كفيل بإطلاق البنود الأخرى تحت عنوان الرغبة المتبادلة في التعاون والحوار لأجل إنقاذ لبنان. ورأى مصدر دبلوماسي مطلع في بيروت أن النصف الثاني من الأسبوع المقبل قد يكون بمثابة بوصلة عربية تؤشر إلى مسار الأزمة اللبنانية إيجابا من خلال إعداد العدة لإجراء الانتخاب الرئاسي في 11 الشهر الحالي، أو سلبا بحيث تحمل هذه الجلسة عنوان التأجيل السابع عشر المفتوح على تأجيلات لاحقة، قد يطول معها تحديد موعد نهائي للانتخاب، وتنفتح في خلالها الساحة على كل الاحتمالات في ظل غياب شبكة أمان عربية ومظلة دولية واقية وراعية للشأن اللبناني. (الخليج)