طالعتُ ثلاث مطبوعات ثقافية عربية شهرية، هذا الأسبوع، فإذا بي ألتقي الدكتور عبد العزيز المقالح فيها جميعها. وقد كانت له زاويتان ثابتتان في اثنتين منها، ونص شعري جديد في الثالثة. وأُطالع كل أسبوع، غير صحيفة يمنية، فإذا بالمقالح يُطلُّ منها إليَّ، بوجهه القمحي وقلمه الرمحي، كاتباً في أكثر قضايا الوطن إلحاحاً، وأشد شجون الأمة إيلاماً، وفي شؤون الثقافة وأمور الحياة اليومية. وهو على موعد مقدس مع طلابه في الجامعة، ومع زملائه ومريديه في مقيل القات، عدا حضوره في هذه الندوة وتلك الفعالية التي تزدان بحضوره ألقاً وتزداد ثقلاً. ولا أجد بعد هذا كله إلاَّ أن "أمسك الخشب"، وأدعو لأستاذي الكبير وصديقي القدير بمديد العمر وحديد الصحة وجديد الإبداع وشديد الهمَّة. فقلَّما رُزقَ شعب أو وطن أو مجتمع بمثقف طليعيّ، دائب الجهد ودائم العطاء كالمقالح. ولم يعد المقالح أهم بوابات صنعاء فحسب، بل أضحى بوابة اليمن الثقافية الأسطع نوراً والألمع حضوراً على الإطلاق. فأنت لا تقرأ كتاب صنعاء من دون أن تدلف إلى باب المقالح. وأنت لا تتجول في ردهات اليمن من دون أن تمر بزقاق المقالح. لكنهم يومَ أعلنوا صنعاء عاصمة للثقافة العربية، نسوا أن يضيفوا إلى الجملة: "... والمقالح"! كم أديب وكاتب وباحث ومثقف أطلقه المقالح من شرنقة التكوين إلى فضاء التحليق! كم طالب تتلمذ على يَدَيْ المقالح، صارت له اليوم مكانة في إيوان الإبداع! كم شاعر أو قاص أو ناقد ما كان لمشروعه أن يتحقق –على ذلك النحو السليم– ما لم يعبر به على جسر المقالح! وكم ناشئ أو مغمور –في أروقة الأدب والفن– دلف إلى ساحات الشهرة بعد أن عمدَّه المقالح! هكذا هو المقالح... وهكذا ظلَّ... أستاذاً رصيناً وأباً حنوناً وراعياً أميناً لفراشات الإبداع، يقيها نور النار وضوء السراب. وقد كان جيلي من أكثر الأجيال حظاً به وحظوة لديه. ونعترف له بأن له يداً حديدية حريرية وراء عملقة محمد حسين هيثم، على سبيل المثال، أو أن له دوراً كبيراً في تخلُّق وتألُّق خالد الرويشان، على سبيل المثال أيضاً. وهو كان محتفياً على الدوام بباقة من الشعراء والأدباء الشبان –منذ سبعينيات القرن الماضي على أقل تقدير– من أمثال: شوقي شفيق وعبد الرحمن إبراهيم ونجيب مقبل ومبارك سالمين والعواضي والحضرمي واللوزي والشيباني والقعود والمقري والعشبي والزبيري وأبلان والمتوكل... وغيرهم، وغيرهن، كثير. وما زالت القافلة تسير. إنني أقترح تشييد نصب تذكاري للمقالح عند أحد مداخل صنعاء، أو في إحدى ساحاتها، كمثال ذاك الذي ينتصب عند مدخل مدينة البصرة للشاعر العراقي الفذ بدر شاكر السياب، على سبيل المثال. عدا الأمثلة الوفيرة –على هذا المنوال– لشعراء وأدباء ومفكرين كبار، خلَّدتهم شعوبهم وكرَّمتهم، فيا حبذا لو كان تكريم كهذا في حياة المرء، وليس بعد رحيله عن هذه الدنيا الفانية! [email protected] (السياسية)