تبدو حال الخبز في اليمن وثيقة الصلة بأوضاع هذا البلد المتأرجح مابين التقليدية والحداثة والمثقل بفقر وبطالة يتزايدان يوماً بعد يوم، تزامناً مع انحسار الرقعة الزراعية وشح المياه. فمن أزمة إلى أزمة تمضي مسيرة الخبز محفوفة بتوترات قلما أخذت شكلاً عاماً. فعلى رغم التقلبات الحادة التي تشهدها أسعار الخبز، لا تثير تلك التقلّبات عادة ردود فعل قوية، على غرار ما نجده في بلدان عربية مثل مصر والمغرب. ولربما انتفض اليمنيون، عن بكرة أبيهم، إذا خلت الأسواق يوما من القات، في حين أنهم قد لا يبدون المقدار نفسه من الغضب والثورة حيال أزمات الرغيف. وكانت التظاهرات التي شهدها البلد على خلفية ارتفاع الأسعار ورفع الدعم عن المشتقات النفطية، خلت تقريباً من شعارات تتناول الخبز، الذي يندر أيضاً حضوره في الخطاب السياسي للأحزاب. والراجح أن السبب في ذلك يرجع إلى أن الخبز لم يتحول بعد، على مستوى الوعي، إلى سلعة. فهو لا يزال منتجاً أسرياً، وأسر كثيرة تعيب شراء الخبز وتنظر بازدراء لمن يعتمد تماماً على السوق للحصول عليه. وكانت المهارة في إعداد الخبز احد المعايير لاختيار الزوجة. ويطلق على المرأة الماهرة في إعداده لقب «الحميش»، وهو جاء من تشمير الأكمام عن السواعد. ويُعتبر «الملوج» المصنوع من القمح الأسمر أو الشعير موضوعاً لاستعراض المهارات النسوية في الخبز، لا سيما لجهة الحجم، إذ يصل قطر «الملوجة» أحياناً، إلى 60 سنتيمتراً. وعادة ما يستخدم الملوج مع السلتة، الطبق الشعبي الأشهر الذي لا تخلو منه الموائد في اليمن. ولا يتجاوز سعر قرص الملوج المئة ريال أي نصف دولار. أنواع وطرائف ومن الطرائف العائدة إلى فترات المجاعة التي شهدها اليمن، أن أحدهم تمنى أن يصير البحر زوماً (حساء)، وقاع جهران (وهي منطقة زراعية) ملوجة. وباستثناء الروتي (قوالب الخبز المستطيلة) التي يعتقد أنها دخلت اليمن مع الانكليز - والروتي بقي حتى زمن قريب مقصورا على المدن - ظلت أنواع الخبز المصنوع من الذرة الحمراء والبيضاء هي السائدة شعبياً. ولا تزال تحظى بأهمية، خصوصاً في الأرياف. وكذلك الحال مع الكدم، وهو نوع من الخبز يحظى بشعبية لدى الفئات الفقيرة، لا سيما في المناطق الشمالية. ويأخذ الكدم شكل فطائر الهمبرغر، ولكنه أكثر سماكة ووزناً. ويحضّر بمزج مجموعة من الحبوب من بينها بعض البقول. ومن تسمياته «السبع حبات»، نسبة إلى عدد أنواع الحبوب التي يحتويها. وسعر الكدم، الذي ادخله الاتراك الى شمال البلد، يتراوح ما بين 20و25 ريالاً (نحو 10 سنت)، ولكنه لا يحتوي كل تلك الحبوب. ومن أنواع الخبز أيضاً الفطير والملوّح والرشوش والخمير، و يؤكل أثناء الفطور. ويأتي بعد خبز الطاوة (المقلاة)، ويسمى في حضرموت ب «راوطة». وهو جاء من الهند، وينتشر بكثرة في مناطق الجنوب. أما بالنسبة الى الحوح الذي يستخدم في إعداد الشفوت، الوجبة الرمضانية الأبرز، فإنه يصنع من حبوب الذرة، وصار أخيراً يمزج بالقمح، وعجينه سيال يُصب من خلال وعاء فيه عدد من الثقوب، فيأتي على شكل رقائق رهيفة. ويصل قطر اللحوحة، إلى نحو 50 سنتيمتراً. وثمة مناطق، مثل المحويت، تستخدمة بشكل يومي على مدار السنة. ويُعتبر اللحوح المكوّن الرئيس لصنع وجبة «الزقني» الاثيوبية التي أخذت تنتشر في اليمن. ومع التصاعد الأخير في أسعار القمح تعالت أصوات تدعو إلى العودة إلى استخدام الحبوب التقليدية، مثل الذرة على ألوانها. غير أن مثل هذه الدعوات لا يبدو أنها ستلقى تجاوباً، لاسيما مع تزايد استخدام القمح، ناهيك بانحسار رقعة زراعة المحاصيل التقليدية. وهذه الدعوات أشبه بمحاولة ستر عجز الحكومة عن ضبط الأسعار وسوق الرغيف. فلا يزال كثير من أفران الخبز يرفض البيع بالوزن، بينما تفتقر صناعة الخبز إلى الرقابة الصحية الكافية، ناهيك بالالتزام بالمقاييس والمواصفات الرسمية. ومعلوم أن صناعة الخبز لا تزال من المهن الوضيعة، في الثقافة العامة، وتسمية خبّاز تطلق بغرض التحقير والازدراء. ومن الأمثال المتعلقة بالخبز «خبازة لا تحب خبازة»، ويشير إلى ضغينة يكنّها أصحاب المهنة بعضهم لبعض. *دار الحياة اللندنية