لا أعرف ما الذي أراد بالضبط أن يقوله الأخ وكيل وزارة التربية والتعليم وهو يحمل «سوء التوزيع» من جهة، ومن اسماهم «ضعاف النفوس» من جهة ثانية مسؤولية نقص الكتاب المدرسي الذي تعاني منه جميع مدارس المحافظات وأمانة العاصمة؟! الأخ الوكيل، في حديثه لوكالة الأنباء الرسمية «سبأ» مؤخراً، ألزمنا الحيرة ووسع علينا حجم ومساحة الغموض والغربة عن فهم واقعنا وما يحدث فيه. فما معنى أن يقول وكيل التربية والتعليم الوزارة أعني لقطاع «التجهيزات والمشاريع» ان وزارته تبذل جهوداً كبيرة عبر القطاع المذكور في «الاستفادة من الخارطة المدرسية في تحديد احتياجات مدارس الجمهورية»؟ وفي نفس الوقت وعقب ذلك مباشرة يرجع النقص، المتوارث لسنوات متتالية، في الكتاب المدرسي إلى «سوء التوزيع من دون مقابل» وإلى «ضعاف النفوس»؟! فاذا جاز لنا أن نفهم الثانية فلا يجوز أن نفهم الأولى، وفي الاجمال ليس علينا أن نفهم شيئاً منهما معاً طالما ورئيس القطاع المختص في الوزارة المختصة هو من نبحث لديه الإجابات وليس الأسئلة. أعني من ذلك أن «ضعاف النفوس» هؤلاء الذين حددهم وفهمناها، وان هؤلاء هم الذين «يسربون الكتاب المدرسي إلى المدارس الخاصة أو للبيع في الأرصفة» مباشرة من مطابع الكتاب المدرسي، التي طبعت ما يقارب (78) مليون كتاب أو نسخة من كتب المنهج المدرسي لمختلف المستويات خلال العام الدراسي 2007 2008م، ومع ذلك بقيت مدارس كثيرة تشكوا من نقص الكتاب المدرسي ولم يكتمل لديها المنهج حتى وقد اكتمل العام الدراسي واختبر الطلاب.. ونجحوا، في مواد لم يدرسوها ولم يعرفوا حتى شكل الغلاف للكتب الخاصة بها، فضلاً عن الكتب أو ما تحتويه!! . هكذا تحدث الأمور في «العربية السعيدة» كل عام، فيما أن الأرصفة مكدسة بكتب المنهج المدرسي، وهناك سماسرة يأتونك بالمنهج الذي تريد وساعة تريد.. وآخر طبعة! كيف يفعلون ذلك؟ لا نعلم، والأخ الوكيل وحده يشير إلى «ضعاف النفوس» الذين يسربون والأحق أنهم يبيعون ويهربون الكتب لتجار الأرصفة وبكميات كبيرة ومهولة وبأسعار مناسبة. ونحن نسأل: لماذا لا يتم إيقاف وضبط هؤلاء ومحاسبتهم على جرائمهم وقرصنتهم على المال العام وتبديد أموال الوزارة والدولة ومخصصات الكتاب والتعليم والإثراء الشخصي اللامشروع على حساب البلد والتعليم ومستقبل طلابنا ومستقبل البلد؟! المشكلة ليست في هذه فقط، بل أن الوزارة ممثلة بشخص ومنصب الوكيل المختص تعرف هؤلاء، أو تعرف أنهم موجودون ويقترفون جرائمهم وخطاياهم ومخالفاتهم هذه كل عام دراسي، ومع كل دورة طباعة للكتاب والمنهج المدرسي الذي يخرج من المطبعة الى السوق والأرصفة وتجار «الهبر» مباشرة أو الى المدارس الخاصة، بينما ينقضي العام إثر العام ومدارس الحكومة والطلاب في الأرياف والمدن على السواء تعاني العجز والنقص والندرة في الكتاب! فهل يجوز لمثلي على ما في الأمر من فضول و«حشرية» أن يسأل الأخ الوكيل: لماذا يظل «ضعاف النفوس» على حالهم أقوياء وأصحاب يد وقدرة على ممارسة هذا الفساد العلني الجائر ولا تحرك الوزارة ساكناً لردعهم وفصلهم وسوقهم إلى النيابة والقضاء بتهمة تبديد المال العام وخيانة الأمانة وطعن التعليم في مقتل؟! . أنتم تعرفونهم وتشيرون إليهم، فهل هم محميون ومحصنون ضد المساءلة والمحاسبة حتى لا تقتربون منهم وتكتفون فقط بالجأر مثلنا ومثل الطلاب تماماً بالشكوى؟! هل هذا معترك ومقبول؟! وماذا يجب أن نفعل، أو تفعل الوزارة، لتقوية نفوس هؤلاء الذين على ضعف أنفسهم، بلغوا من القوة والسطوة أن يبيعوا ويعرضوا أطناناً من الكتب في أرصفة ميدان التحرير على مقربة من مبنى وزارة التربية، إلى وقت قريب وصار الآن مبنى هيئة مكافحة الفساد.. وكلاهما معني: القضية والبلوى! . أما الشق الأول وهو «سوء التوزيع من دون مقابل» فلا يقول شيئاً محدداً أو مضبوطاً، فما الذي يعنيه «سوء التوزيع» تحديداً وممن؟ ومن يتحمل مسؤوليته؟ وكيف نتلافاه ونتحاشاه هذه المرة والأعوام القادمة. وأيضاً «دون مقابل» هذه ماذا تعني أو يفهم منها؟! وعموماً، الحل أبسط من ذلك وأسهل مما يجب، وليس إلا في جعل التوزيع جيداً عوضاً عن (سيئا)ً، وبمقابل بدلاً من دون مقابل.. وان لم أفهم حتى الآن شيئاً من هذه الكلمة تحديداً. أيام ونطوي آخر صفحات العام الدراسي، ولن أذكركم هنا كيف هي، وكم هي ملبدة هذه الصفحة الأخيرة بالمساوئ والسوء، حيث الغش، وحالات كبيرة ومتفرقة من تسريب للأسئلة، وتهريب للإجابات، وتخريب عبثي جائح وجائر للعملية التعليمية من بوابة الامتحانات، ولجوء البعض إلى الترزق وجمع المال بهذه الطريقة أو تلك اعتماداً على مقايضة غير نزيهة وغير أخلاقية كورق الامتحانات ودفاتر الإجابات ومضمون الإجابات نفسها!. وأمامنا أشهر الإجازة حتى بدء العام القادم الدراسي وخلال هذه الفترة يجب التفكير من الآن في كيفية التخلص نهائياً من قوة «ضعاف النفوس» وأثرهم السيئ في تهريب وتسريب كميات كبيرة من الكتب المدرسية إلى السوق والاستفادة من بيعها وأثمانها.. في حين أنفقت الدولة «دم قلبها» لتصل هذه الكتب إلى الطلاب في المدارس والأرياف والقرى البعيدة، وليس إلى ميدان التحرير في قلب العاصمة ولا نعرف كيف ولماذا حدث ويستمر ذلك على مرأى ومسمع؟!. لسنا سيئين إذا قلنا ذلك، ويعلم من «هو أعلم بما في الصدور» كم نحن حريصون على الوزارة وعلى التربية وعلى التعليم، وإجمالاً يجمعنا الحرص المشترك على بلادنا وأطفالنا ومستقبلنا.. ولأجل الوطن، الكلام الذي نكتبه ليس عريضة اتهام أو إدانة لجهة أو أحد فها نحن للتو قرأنا وسمعنا الاتهامات على لسان وكيل الوزارة ويهمنا أن نكمل الفكرة ونخلص إلى نتيجة مفيدة وقرار نافع، على أنني أفكر وأسأل: لماذا نكتب ولا يتغير في الواقع شيء؟ أو كأننا نكتب لنملأ فراغاً ونتمتع في الصباح التالي بالتعرف إلى صورنا وأنفسنا في الصحيفة ونحن وحدنا من نقرأ لنا؟!