أشفق على حال الكثير من أشقائنا في الصومال عندما نرى الموج القادم من البحر الأحمر وهو يحمل إلى شواطئنا المئات منهم، بعضهم يصل حياً والكثير يصل جثثاً هامدة؛ فيما العديد منهم يلقون طعاماً للسمك في عرض البحر. الإشفاق على حال الإخوة في الصومال يمتد إلينا؛ فإذا كان الإخوة الصوماليون يأتون إلينا عن طريق البحر؛ فإننا نذهب إلى الآخرين عن طريق البر، والمهانة واحدة والذل واحد، هم يبحثون عن منفذ للبقاء على حياتهم من جحيم الحرب الدائرة هناك، ونحن نذهب في هجرات جماعية إلى أراضي الجيران بحثاً عن لقمة عيش لا تتوفر لنا هنا. "الهروب إلى الجحيم" إذاً، هو واقع الطرفين، فنحن لسنا أفضل من أولئك الذين يفرون من الحرب إلى وضع آمن ومستقر تنعم به اليمن، لكن هذا الأمن والإستقرار يحتاج إلى وضع اقتصادي قوي حتى يحمي اليمنيين من المهانة والذل الذي يواجهونهما في هجراتهم اليومية إلى أراضي الجيران. لست مع حديث الدكتور عبدالكريم الإرياني الذي كان يتحدث الأسبوع الماضي إلى قناة "الحرة " عندما طالب دول الخليج باستيعاب العمالة اليمنية، لأن كثر التودد إلى هذه الدول واستجدائها يقلل من قيمتنا، ونحن قيمتنا أعلى من ذلك إن كان أهل السياسة لدينا يعرفون ذلك. نقول للدكتور الإرياني إن اليمن ليست من أفقر الدول العربية، فمثل هذا القول يشجع حكامنا على الركون إلى هذا المفهوم، ويجعلهم يتعاملون مع الخارج وكأننا مجرد شحاذين ومتلقين للهبات والصدقات منهم، كما أنه يقلل من قيمة اليمني في الخارج، الذي يعامل في الأصل بأنه عديم الإمكانيات والكفاءات. لا، لسنا دولة فقيرة ولا شعبا فقيرا، نحن دولة ينقصها مبدأ الثواب والعقاب، وشعب ينخر حاضره ومستقبله فساد المسؤولين، الذين يثرون على حساب الشعب من دون رقيب ولا حسيب. لنبدأ بأنفسنا أولاً بالعمل بشكل جدي على محاربة من يمتصون دماء هذا الشعب، ثم نتحدث بعدها عن الفقر، لأن الفقر نحن من نصنعه بأيدينا وبسياساتنا، نحن من يجعل هذا الشعب يعتمد على المعونات الخارجية أو بالأصح "الهبات والصدقات". لا يا مستشارنا العزيز، لسنا فقراء، نحن مهدرو أموال ومهدرو كرامات بعضنا بعضاً، نحن من يجعل هجرات الذل تزداد يومياً باتجاه أراضي الجيران وغير الجيران، نحن من يكتب الشقاء لهذا الشعب المسكين الذي تزداد هجرات ذله يوماً بعد يوم. *( السياسية)