بينهم نائب رئيس الاستخبارات.. هجوم حوثي مباغت على قوات العمالقة وسقوط قتلى    هل يوجد قانون في السعودية يمنع الحجاج من الدعاء لأهل غزة؟ أمير سعودي يحسم الجدل    فرحة العيد مسروقة من الجنوبيين    الرئيس يؤكد المضي في سياسة "الحزم الاقتصادي" وعدم التفريط بالمركز القانوني والمالي للدولة    الجيش الأمريكي يكشف ما فعلته فرقاطة إيرانية كانت بالقرب من السفينة المحترقة ''فيربينا'' خلال استهدافها من قبل الحوثيين    حجاج بيت الله الحرام يتوجهون إلى منى لرمي الجمرات    نازح يمني ومعه امرأتان يسرقون سيارة مواطن.. ودفاع شبوة لهم بالمرصاد    رئيس تنفيذي الإصلاح بالمهرة يدعو للمزيد من التلاحم ومعالجة تردي الخدمات    الرواية الحوثية بشأن احتراق باص في نقيل سمارة.. مقتل وإصابة 15 شخصًا ومصادر تكشف سبب الحادث    كل فكر ديني عندما يتحول إلى (قانون) يفشل    شهداء وجرحى في غزة والاحتلال يتكبد خسارة فادحة برفح ويقتحم ساحات الأقصى    جواس والغناء ...وسقوطهما من "اعراب" التعشيب!    الإصلاح: قدَرُنا كحزب وطني حَمَل على عاتقه حلم اليمن الجمهوري الكبير    تبدأ من الآن.. سنن عيد الأضحى المبارك كما وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم    "هلت بشائر" صدق الكلمة وروعة اللحن.. معلومة عن الشاعر والمؤدي    هكذا يستقبل ابطال القوات المسلحة الجنوبية اعيادهم    يوم عرفة:    سجن واعتقال ومحاكمة الصحفي يعد انتكاسة كبيرة لحرية الصحافة والتعبير    وصلت لأسعار خيالية..ارتفاع غير مسبوق في أسعار الأضاحي يثير قلق المواطنين في تعز    عزوف كبير عن شراء الأضاحي في صنعاء بسبب الأزمة الاقتصادية    استعدادا لحرب مع تايوان.. الصين تراقب حرب أوكرانيا    ياسين و الاشتراكي الحبل السري للاحتلال اليمني للجنوب    يورو2024 : ايطاليا تتخطى البانيا بصعوبة    لامين يامال: جاهز لأي دور يطلبه منّي المدرب    جريمة مروعة تهز صنعاء.. مسلحون حوثيون ينكلون بقيادي بارز منهم ويقتلونه أمام زوجته!    مدير أمن عدن يُصدر قرارا جديدا    جماعة الحوثي تقدم "عرض" لكل من "روسيا والصين" بعد مزاعم القبض على شبكة تجسس أمريكية    صحافي يناشد بإطلاق سراح شاب عدني بعد سجن ظالم لتسع سنوات    تعز تستعيد شريانها الحيوي: طريق الحوبان بلا زحمة بعد افتتاحه رسمياً بعد إغلاقه لأكثر من عقد!    ثلاثية سويسرية تُطيح بالمجر في يورو 2024.    - ناقد يمني ينتقد ما يكتبه اليوتوبي جوحطاب عن اليمن ويسرد العيوب منها الهوس    بينهم نساء وأطفال.. وفاة وإصابة 13 مسافرا إثر حريق "باص" في سمارة إب    كبش العيد والغلاء وجحيم الانقلاب ينغصون حياة اليمنيين في عيد الأضحى    - 9مسالخ لذبح الاضاحي خوفا من الغش فلماذا لايجبر الجزارين للذبح فيها بعد 14عاماتوقف    بينها نسخة من القرآن الكريم من عهد عثمان بن عفان كانت في صنعاء.. بيع آثار يمنية في الخارج    مأساة ''أم معتز'' في نقطة الحوبان بتعز    انقطاع الكهرباء عن مخيمات الحجاج اليمنيين في المشاعر المقدسة.. وشكوى عاجلة للديوان الملكي السعودي    أكثر من مليوني حاج على صعيد عرفات لأداء الركن الأعظم    ألمانيا تُعلن عن نواياها مبكراً بفوز ساحق على اسكتلندا 5-1    لماذا سكتت الشرعية في عدن عن بقاء كل المؤسسات الإيرادية في صنعاء لمصلحة الحوثي    أربعة أسباب رئيسية لإنهيار الريال اليمني    دعاء النبي يوم عرفة..تعرف عليه    حتمية إنهيار أي وحدة لم تقم على العدل عاجلا أم آجلا هارون    يورو 2024: المانيا تضرب أسكتلندا بخماسية    هل تُساهم الأمم المتحدة في تقسيم اليمن من خلال موقفها المتخاذل تجاه الحوثيين؟    صورة نادرة: أديب عربي كبير في خنادق اليمن!    المنتخب الوطني للناشئين في مجموعة سهلة بنهائيات كأس آسيا 2025م    فتاوى الحج .. ما حكم استخدام العطر ومزيل العرق للمحرم خلال الحج؟    أروع وأعظم قصيدة.. "يا راحلين إلى منى بقيادي.. هيجتموا يوم الرحيل فؤادي    مستحقات أعضاء لجنة التشاور والمصالحة تصل إلى 200 مليون ريال شهريا    نقابة الصحفيين الجنوبيين تدين إعتقال جريح الحرب المصور الصحفي صالح العبيدي    منتخب الناشئين في المجموعة التاسعة بجانب فيتنام وقرغيزستان وميانمار    الكوليرا تجتاح محافظة حجة وخمس محافظات أخرى والمليشيا الحوثية تلتزم الصمت    20 محافظة يمنية في مرمى الخطر و أطباء بلا حدود تطلق تحذيراتها    بكر غبش... !!!    مليشيات الحوثي تسيطر على أكبر شركتي تصنيع أدوية في اليمن    منظمة حقوقية: سيطرة المليشيا على شركات دوائية ابتزاز ونهب منظم وينذر بتداعيات كارثية    وفاة واصابة 4 من عمال الترميم في قبة المهدي بصنعاء (الأسماء)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الازمة الوطنية.. استقالة هلال: صراع الامن والتنمية
نشر في الوطن يوم 22 - 11 - 2008

استقال عبدالقادر هلال، وبدلا منه تولى الدكتور رشاد العليمي وزارة الإدارة المحلية، بعد ساعات من تكليف خلف العليمي في الداخلية، مطهر رشاد المصري، الجلوس مكان هلال، في رسائل لا لبس فيها بأن النقاش والخيارات لم تغادر الخيارات الأمنية.
لا مشكلة في الشخصيات، فالعليمي لديه مؤهلات علمية وشخصية تؤهله لمواصلة مشروع هلال في حماية اليمن من مخاطر السير في مركزية كاملة السوء لن تفضي إلا للانهيار. وسيحقق هلال، إن في المؤتمر الشعبي العام أو في صف المعارضة، النجاح ذاته وأكثر. فهو من صف قليل جدا من سياسيي هذه البلاد يسيرون بوعي وحماس. هو يجمع القدرة والتواضع، والعلاقات الاجتماعية التقليدية والإيمان بالتجديد والتحديث، والمحافظة جنبا إلى جنب مع احترام التوجهات والخيارات الشخصية للآخر. ومع تأهله في محيط ومؤسسات عسكرية، فهو يقصر استخدام تلك الخبرة فقط حيث يجب، فالحياة لديه ليست مجرد معسكر يستعد للحروب. وبكل حنكة يتفاعل مع الوظائف وفقا لقوتها في الواقع، وليس في قناعته الشخصية. سأكتفي بهذا عن هلال، فالمقال ليس عن شخصه الذي لا أبرئ نفسي من إعجاب وتقدير ومحبة له.
لكن المشكلة في قضيتين:
الأولى: كيف خرج هلال.؟ والثانية: كيف تسلم العليمي وظيفته؟
يأتي تحليلي هذا من خلفية مناقضة للخطاب الذي يتحدث عن علي عبد الله صالح بتلك الصفات التي يستنسخها معارضوه تكرارا للتجارب الوطنية التي يجب نقدها بدلا من نقلها في تعاملنا مع المسؤول الأول. وقريب من الخطاب القديم للإخوان المسلمين عن الرجل ذاته أيام تحالفاتهم معه.
علي عبدالله صالح (من وجهة نظري) يبذل جهدا كبيرا ليواصل مشروع الاستقرار الذي حكم به "بلاد الثعابيين". وهو في جهوده تلك محكوم بعوامل كثيرة، منها ما يتعلق بشخصه وخبرته وقدرته، ومنها ما يتعلق بمعطيات موضوعية تخص البلد الذي يحكمه والخصوم الذين يواجههم والغايات التي يريد تحقيقها. وهو في ذلك ينجح هنا ويخفق هناك، ينشط هذا الزمن ويفتر في ذاك، يواصل في هذا المشروع ويقطع آخر، وقد يناقض مشروعا بدأه، أو يبدأ آخر كان عارضه.
ليس المقال للحديث عن شخص الرئيس، لكن ما سبق كان ضرورة للحديث عن واحدة من هذه الصفات. فعلي عبدالله صالح، الذي ساند وبكل قوة تجربة الحكم المحلي التي لم تحقق تلك الإنجازات كما حققتها في عهد هلال، هو من تولى الهجوم الدائم على رجله الأول في المعطى الأهم لبرنامج إصلاح الحكم.
صحيح أن عبدالقادر هلال تحدث عن "تقارير استخباراتية" بل وسمى "مدير عام الاستخبارات"؛ لكن الكاتب سمع –قبل أزمة الاستقالة- كثيرين ينقلون عن الرئيس نفسه حديثه عن هلال تارة باعتباره مندوب الإخوان! وتارة متعاطفا مع الجنوبيين! وخاتمة المطاف "يداهن الهاشميين"، قبل أن يكون "متعاونا مع الحوثيين".
وللتذكير، تتجه هذه التهم، للشخص الذي قاد أقوى مواجهات عهد صالح الميدانية والأمنية ضد الإخوان المسملين إبان توليه محافظ محافظة إب، وقبلها شارك في إدارة معارك صالح نفسه ضد اليسار في مناطق التماس، وقاد معارك ميدانية في حرب 94 في المناطق ذاتها أيضا، وهو من أسرة تنتمي لطبقة اجتماعية تعرف تاريخيا بأنها أكثر خصومة مع الإرث السياسي والإداري لدولة ما قبل الثورة، إن كان المقصود ب"الهاشميين" أسرة حكم الأئمة.
ومع الحوثيين فإنه فعلا الرجل الذي تعاون مع الحوثيين لتوفير أفضل شروط نجاح قرار الرئيس صالح نفسه: إيقاف حرب عبثية تهدد السلام الاجتماعي وحتى التسامح المذهبي الذي تعيشه اليمن منذ زمن طويل، وتستنزف ميزانية لو قسمت على أبناء صعدة لحولتهم جنودا تاريخيين لدولة صالح. لا أتحدث عن شراء الذمم بل ما سينتجه إنفاق مثل ذلك المبلغ على التنمية بدلا من ذهابه لمصانع السلاح في أقاصي الدنيا.
أما موضوع الجنوبيين، فإن كان المقصود بالجنوبيين مواطني اليمن في المحافظات الجنوبية فليست تلك تهمة، ومن المعيب الحديث عنها ونحن نرى اليمن يزداد اتساعا أمام قوى الشمال وضيقا أمام سكان الجنوب، رغم مناقضة ذلك للمعطى الجغرافي ولحقوق الشراكة وحتى لمنطق القدرات الشخصية والمميزات الثقافية والتطور الاجتماعي.
أما إن كان المقصود ب"الجنوبيين": الانفصاليين، فالأخيرون لا يقبلون حتى بالجنوبيين الذين لا يشاطرونهم الرأي، ويحقرون الشمال اجتماعيا وحتى جغرافيا بشكل مطلق، مما يحول أي حديث عن التحالف معهم إلى مصدر لاتهام صاحبه في البصر والبصيرة.
إن الأمر (اتهام هلال وتعيين العليمي) ليس سوى ملخص يستدعي من علي عبدالله صالح الانتباه إلى خطورة النفق الطويل الذي ظل مستعصيا على دخوله، مهما قالت المعارضة إنه أدخل البلاد فيه. تاليا، ما أقصده:
مشكلة عبدالقادر هلال هي مجرد عنوان فرعي لمشكلة أكبر تتعلق بفعالية التقدير العسكري والأمني في التحكم بتوجهات الرئيس علي عبدالله صالح وقرارات دولته. وللأهمية والمسؤولية فإن حديثي عن التقدير العسكري والأمني لا يتجه لإدانة ولا لتخطئة تلك التقديرات، بل ضد اعتمادها كموجه أول، فضلا على أن تكون الموجه الوحيد.
هذا ما سار عليه الرئيس صالح منذ بدأ حكمه، حيث اعتمد التكتيتات والتسويات والترضيات التي مكنته من توظيف الموجهات الاجتماعية لصالحه حتى في أوقات الحروب، التي هي فترات ذهبية للتقديرات العسكرية. صحيح أن هذا لم يخدم التنمية ولم يحقق التحديث، لكنه قاد للاستقرار كمطلب في يمن عاشت العواصف.
ويمكن القول إن المعركة مع الحوثيين هي أول معركة تحكمها التقديرات الأمنية والعسكرية، مع عدم إغفال معطيات أيديولوجية. والنتيجة تؤكد له ولنا خطأ وكارثية ذلك. فالقوات المسلحة تفقد قدرتها حين تتولاها قيادة تتعامل معها ومع تقديراتها بمعزل عن المحيط الاجتماعي والاقتصادي والإداري.
وللتذكير فإن الرئيس صالح ومع دعمه أو قيادته أو توجيهه تفعيل ما تتطلبه التقديرات الأمنية ضد المعارضين، وبخاصة الصحفيين، خلال السنوات القليلة الماضية، فإنه كان سرعان ما يوقف ذلك ويعود لسياق أشمل من التقديرات، فيفرج عن هذا ويسوي مع ذاك... وهكذا.
لن توافقني المعارضة (قيادة وقواعد) هذا التقدير. ولن أجادلهم، فلديهم معطيات وجيهة لتأكيد ما يقولونه. لكني سأتمسك برأيي فقط وأبقي النقاش لمرة أخرى، قد يكون المقال خاصا به.
وأواصل القول:
عبدالقادر هلال، ومنذ تولى محافظة حضرموت، بدأ –وفقا لمتابعاتي الشخصية- يقف في صف تقديرات لا تتطابق دوما والتقديرات الأمنية والعسكرية.
هو عسكري، ويمثل الدولة التي يرأسها قائد القوات المسلحة؛ لكننا في اليمن، بلد الصراعات والمصالح البسطية البعيدة عن الأفكار والرؤى العمومية، بلد لا يعرف الاختلافات الجوهرية التي تقسم وتصنف القوى في أي بلد متطور وكبير في مصالحه وقواه.
المقصود أنه في اليمن لا ترتبط الخلافات بالموقف من الحريات العامة، مثلا، ولا بنمط الإنتاج، ولا بالطبقات والصراعات الاجتماعية. إنه بلد قد ينشأ فيه صراع بين معسكر وتاجر على قطعة أرض، وبين معسكر وآخر على حوش يستخدم مخزنا للمعدات، وعلى الترخيص بمهرجان أو القبول بمظاهرة... ومثل التطور الديمقراطي والصراعات السياسية منطقة جاذبة حديثة لصراعات قد تتعلق بأصول الحريات والحقوق، ولكن الصراع حوله مجرد صراع عصبويات، فالحزب الفلاني مثله مثل معسكر الصاعقة –مثلا- قد يقاتل من أجل الحرية، ويصدر البيانات والاعتصامات، ولكن فقط مع عضوه أو مقرب منه، أما من يختلف معه فسيكون موقفه منه نقيضا.
من هذا المنطلق، وجد هلال نفسه (مثله مثل آلاف المسؤولين الذين يتولون وظائف تتطلب تقديرات أشمل من الأمنية والعسكرية) في خلافات مع مثل هذا النوع من التقديرات، الوقوف ضدها قد لا يحقق التنمية، والسكوت عنها مضر، ولكن يمكن التحايل عليه.
غير أنه، يوما بعد يوم، قرأنا عن اعتكاف المحافظ هلال ضد تحكم التقديرات العسكرية والأمنية بشؤون المحافظة، والحديث عن الوظائف وليس عن الغايات. وتقول تجربة هلال إنه أدرك بعد ذلك أن برنامجا صباحيا في إذاعة المكلا أجدى بل وأفضل من وحدة أمنية تنتشر في المحافظة، ومسرحا مفتوحا أجدى من ترسانة معسكر، طالما كان الهدف التنمية والاستقرار.
بعد نجاحه في حضرموت، وجد عبدالقادر هلال نفسه أمام اختبارات أعلى مستوى. فالدولة التي ضخت قرابة 7 مليارات لنشر نقاط أمنية (تحولت وقت الحاجة الى مشكلات كما حدث في شرعب رمضان قبل الماضي ويحدث في شبوة)، تمثل لها المجتمعات المحلية تحديات مطلقة كهدف دائم للتأديب والعقاب!!
لا أقصد أنها دولة بوليسية، ولكن أعني أن استعدادها الأكبر والأقدر على تحريك التمويل تملكه آليات التقدير الأمني والعسكري، التي تعد الأكثر جاهزية للتحرك بسبب شبكة آليات تتراكم مع كل حرب أو صراع مسلح. فإذا تظاهر مرضى الكلى في الحديدة كان الأسهل احتجازهم، وإن تجمهر متقاعدون في لحج كان الخيار المتوفر قرارات أمنية وعسكرية... (لا بد من ذكر نجاح صالح في الحد من استقطاب الطرفين لعوامل الصدام: الفعاليات الاحتجاجية من جهة، والتقديرات الأمنية والعسكرية من جهة ثانية. حيث وجه بإيقاف إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين، ونزل إلى عدن مذكرا بسياسته التي أوقفت الحرب بعد انتهاء دواعيها في 94، وأطلق السجناء، وأقر ترقيات عسكرية وكلف هلال ضمن فريق حكومي متميز الإشراف على تنفيذ توجيهاته وحمايتها من إرث دولته غير الإيجابي تجاه حقوق المواطنين وبخاصة من كانوا غير سياسيين).
لعل هلال لم يصطدم كوزير للإدارة المحلية بمعوقات صراعية تخص التوجهات التحديثية للحكم المحلي، فقد كان مصدر تلك المعوقات طيفا واسعا من الناس، ولم تكن تحتاج لقرارات عسكرية وأمنية، بل لم تلفت الانتباه أصلا من قبل التقسيم الأكثر فاعلية في استقطاب التمويل والانتباه الرئاسي (المحاور العسكرية).
لكنه مع انخراطه في لجنة إدارة الأزمة الأمنية بشأن تظاهرات المتقاعدين التي حاول البعض جرها –ولايزال- نحو إنتاج حرب 94، على أمل أن ينتصر المهزوم ويهزم المنتصر!
مع ذلك الانخراط، كان هلال وزملاؤه يصطدمون يوميا بالتقديرات الأمنية والعسكرية. وفيما كانوا ينجحون ميدانيا ويخدمون الرئيس علي عبدالله صالح عبر معالجة التوترات ومسبباتها، كانت التقديرات الأمنية والعسكرية تتجمع على طاولة القائد الأعلى للقوات المسلحة، ناسفة التأطير النظري للمعالجات، حتى أن تقريرا مثل تقرير لجنة صالح باصرة وهلال والصوفي تحول مع الوقت إلى وثيقة إدانة نظرية وإن أدى لمعالجات ميدانية.
وفيما انسحب باصرة إلى زاوية مرضه من دولة تأكل مقوماتها، فقد صار الصوفي محافظا لتعز، أما هلال فواصل أدواره بترؤس أول لجنة حكومية تجمع مدنيين وعسكريين تخص الحرب في صعدة؛ في دور يتطلب إقناع اللجنة التي أدارت الحرب في صعدة بأن السلام أقدر وأقل كلفة، وهي اللجنة الأمنية العليا التي يرأسها شخص رشاد العليمي نفسه وتضم رؤساء الأجهزة الأمنية والمحاور العسكرية التي تدير الحرب في الميدان.
لا يعني الأمر أن اللجنة ميالة للحرب، لكني أعتقد أن من الطبيعي أن تكون أميل للتقديرات العسكرية والأمنية، خاصة وقد تعاملت مع مليشيات الحوثيين والتي كل ما تحسنه هو استخدام السلاح واستهداف الجيش والأمن وبخلفية أيديولوجية لا تزال شديدة الحساسية في مناطق الحكم في اليمن منذ نوفمبر 67.
ومع أن الرئيس صالح كرر دعمه لعبدالقادر هلال حين احتاجت لجنة الإعمار والسلام لقرار حاسم يقرر من يقود المعالجات، هل خيارات عسكرية أم خيارات تنموية، فإنه كان يكرر الشيء ذاته مع ما حدث بشأن لجنة باصرة: يقر ميدانيا التقديرات الأقل أمنية، لكنه يتحدث بمنطقها بعد ذلك. ومن هنا بدا حديثه عن هلال بطريقة رفعت سقف الجاهزية لدى أجهزة المخابرات، والتي -في بلادنا ككل بلدان التخلف- تعمل على حماية مزاج الحاكم وتنفيذ توجهاته التي تقدرها بدلا من أن تلعب دورا فاعلا في حماية الحاكم ومستقبله مهما تطلب الأمر من تعكير للمزاج في لحظة ما.
هذه الجاهزية، التي لم تحقق إنجازات في مواجهة مليشيات الحوثي، وجدت الطريق ذاته سهلا لتقارير أقرب للسياسية منها للأمنية، فهي تقوم بدعم معلومة صغيرة بتحليلات هشة طالما سمعت الرئيس ينطق بما يسهل اعتباره تلك التقارير إنجازات.
وفي السياق ذاته –وإن بدون يد للمخابرات هنا- كان على الرئيس ومعاونيه العسكريين والأمنيين استكمال الأداء بالوتيرة ذاتها، فكان أن عين المصري بدلا من هلال، حتى قبل أن تقبل استقالة الأخير(تقتضي تقاليد الحروب الاستخفاف بتقاليد السلم، لذا لا تقبل استقالة أي معين بل يتم تعيين شخص آخر في منصبه حتى دون الحاجة لإضافة فقرة للقرار تقول إنه يلغي ما سبقه).
وبعد الانتباه لكون المصري يناقض كليا ومطلقا مشروع سلطة محلية، ولو حتى بنظام التعاونيات، فهو أحد ثلاثة وزراء عارضوا وبشدة في اجتماعات مجلس الوزراء استراتيجية الحكم المحلي، وقع الخيار على الدكتور رشاد العليمي، الذي وإن كان رئيسا للجنة الأمنية، فإنه قد يكون خلفا معقولا لمواصلة مشروع الادارة المحلية.
غير أنه، وتأكيدا للارتباك، فقد ظل العليمي رئيسا للجنة الأمنية بصفته نائبا لرئيس الوزاء لشؤون الدفاع والأمن، وهو المنصب الذي تدارك به الرئيس صالح قراره إبعاده عن الداخلية وتولية شخص مناقض لتوجهاته خلفا له في الداخلية، كما في التعديل الحكومي قبل الأخير.
إنني حين أتحدث عن التناقض فإن حديثي عن معطيات موضوعية، ولا يحمل أي إدانة بل يكتفي بالتوصيف. فمثلا، مقابل اهتمام العليمي بنقل الداخلية وأجهزتها إلى أجهزة خدمة عامة أقرب للمدنية عبر تحديث آليات العمل، يميل المصري لاعتبار وزارته أقرب للقوات المسلحة. وعلى السياق ذات مثلما يميل هلال للشفافية السياسية ويتعامل مع الإعلام بوضوح وبتقدير، يميل العليمي للسطيرة على الأخير وبالكاد تجد له تصريحا ولصحيفة حكومية، فيما يمكنه أن يملأ الإعلام عبر التسريبات بدون مصادر، وهي إضافة إلى أنها قد لا تكون نافعة له تضر بوظيفة الإعلام.
إذن، استقالة هلال، ما لم تحدث مراجعات عميقة في علاقة الرئيس علي عبدالله صالح بالتقديرات الأمنية والعسكرية، وترتيبها ضمن سلم أولويات، فإن صالح سيجد نفسه عاجزا عن مواصلة معارك الانتخابات وأخواتها. ومن هنا فأظنه سيكون أقرب -يوما بعد يوم- لمشروع دولة الأمن التي تزيد من استهلاك قدرته كشخص وكدولة، ولكنها في بلد كاليمن لن تحقق أي إنجاز.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.