حين كان يجتمع ثلة من وجوه القوم ويمدون أيديهم لمبايعة حاكم.. إماما كان أو سلطانا أو ملكا أو أميرا كان الناس يقبلون به ويصبح هو الحاكم المطلق بإذن الله وقد يسمى بالمعتمد والمتوكل والمنصور والمنتصر والناصر لدين الله ولا يملك الرعية غير الطاعة والإذعان ومن شذ شذ في النار وظلت الحالة هكذا قرونا . وحين تغير النسق في عصرنا الحديث كان يجتمع بعض العساكر ويحركون دباباتهم ومعداتهم العسكرية فيطيحون بشرعية الحاكم بالبيان الأول .ويتقاسمون الحكم فيما بينهم ومن عف منهم وتسامى ترك من قبله من رجال الحكم يسيرون على أقدامهم ليختاروا منافيهم ومن لم يعف أطار الرؤوس وأسال الدماء ونصب المشانق وأقام المحاكم ولا يملك الناس في الحالين إلا التسليم والإذعان مع الهتاف والحماس الزائدين . وحين تآلفت إرادة اليمانيين على اختيار حكامهم وممثليهم في مجلس النواب بدأ الناس يضعون وصفات للطريقة التي يريدون بها أن يحكموا أنفسهم فكثرت المشاريع وكثرت المقترحات وكثرت الوثائق وكثرت التكتلات وكل من هؤلاء يريد أن يفصل له يمنا على مقاسه وحده بحيث يسهل عليه أن يكون حاكما له ولا مانع عنده أن تتبعثر البلاد ويتشتت العباد وتقتتل الجموع المهم أن ينفذ مشروعه .وبدأنا نستحضر كل مشاريع الحكم الذي سمع بها الناس من الإمبراطوريات المتهاوية إلى دولة الخلافة إلى الكونفدراليات إلى الفدراليات إلى الكانتونات إلى المخاليف . وكل صاحب مشروع يضع مشروعه ليقول بعده لا يصلح البلد غير هذا ويحرض الناس على ذلك ولا سواه حتى لو بلغ الأمر حد الاقتتال . ومع هذا فقد توافقت ارادة الناس على ماهو حاصل ومعتمدكان المشترك كتلة وأفرادا هو الحاضنة لكثير من المشاريع المتضاربة وقد مضى قدما في المطالبات ومع المؤتمر وبقية القوى عدل الدستور والقوانين وفصل بين السلطات وحدد فترات الحكم الرئاسي وغير في هيكيلة لجنة الانتخابات ومضى ليغير النصوص وقدم مشاريع للحكم المحلي وضغط في سبيل تنفيذها، لكن من سوء حظ المشترك هذا أنه يحوي داخله من المتناقضات التي تجعله لم يتهنأ بشيء مما فعله، فما إن يتم إقرار مشروع قانون أو تعديل دستوري أو إنجاز من أي نوع ويرى نفسه منتصرا فيه حتى ينقلب عليه لأنه لم يحقق لشخوص بعض قياداته الهدف المراد . ويبدأ الكرة من جديد ليقلب الأمور رأسا على عقب .ويثير اللغط ويكثر الصراخ والاستنجاد بالغزاة ويحشد الأعداء ضد الوطن وسيادته ويدخل الآخرين في أخص خصائص الدولة والشعب ولا يحس الكثير من قياداته بأدنى خجل وهم يتحدثون عن الثمانية الكبار من قوى الهيمنة العالمية بأنهم شركاؤهم, أو أن الاتحاد الأوربي والكونجرس الأمريكي مرجعيتهم . اللقاء المشترك يحوي أحزابا قوية ولهاوزنها الكمي والنوعي وحتى الأيدلوجي ولكن غاب قادتها الحقيقيون عن التأثير الفاعل في مواقفه نتيجة تناقضات داخلية في داخل هذه الأحزاب نفسها ونخص بالذكر هنا الحزب الاشتراكي والتجمع اليمني للإصلاح، فحضورهما هو حضور آحاد من منتسبيهما ليس لهما من الأمر شيء إلا أنهما يكثران الحديث عن كل شيء كمالو كانا يديران معارك السياسة كلها وهما في الواقع محجور عليهما في كل موقف . واللقاء المشترك يحوي أيضا أحزابا صغيرة لا وزن لها في الواقع ولا يمكن أن يكون لهاوزن كمي أو نوعي في الامد المنظور وهم يعرفون أنفسهم وهم في الواقع أفراد تحت مسميات أحزاب لهم ارتباطاتهم الخاصة في الخارج ممولون تمويلا جيدا لهم أثرهم في التواصل مع دوائر التأثير الإقليمي والعربي و الدولي لغير مصلحة الوطن ولهم علاقاتهم الخارجية المميزة .هؤلاء هم الفاعلون وهم المحرضون وهم المثيرون لكل فتنة وصراع وتنازع بين القوى السياسية في بلادنا، فليس لهم من مراد إلا أن لا يتحقق شيء إلا في نطاق مشروع الشرق الأوسط الكبير والفوضى المسماة بالخلاقة التي من خلالها يزداد التوتر بين شرائح المجتمع ويكثر التأزيم للمواقف وتكثر التناقضات، لا يهمهم أن ينتخب المحافظون أو النواب أو حتى الرئيس فالكل في دعاواهم غير شرعي، غير قانوني، غير مقبول والوضع مأزوم والدولة في طريق الانهيار والحاكم دكتاتور والحزب الحاكم فاسد والمصادرة للحريات وحقوق الإنسان بلغت المنتهى والجوعى يتساقطون في الشوارع والجنوب يثور والشمال يقاتل وهكذا. فلا تكاد تسمع منهم إلا أهازيج الحطيئة حتى ضد أنفسهم . هؤلاء لم يجدوا لهم في الكتل البشرية لكل من الإصلاح والاشتراكي أعوانا ولا من قادتهم من يركبون على ظهورهم ليصلوا بهم لمآربهم فاقتنعوا منهم بالأقل وهم مجموعة عناصر من الحزبين تظهر معهم على منصات المؤتمرات والتصريحات الصحفية لكي تقول إن الحزبين موجودون فعلا في المشترك والحقيقة غير ذلك، كما أنهم لم يجدوا لهم من بين أوساط الشعب جماهير تطيعهم وتحقق مراداتهم، فظفروا بمن ظفروابه من بقايا المشترك الذين لا يدرون مايريدون ولكنهم يجيدون فن الصراخ ويستهويهم الكلام الحماسي كثيرا والظهور في المناسبات، فهم يحركونهم كيفما تحركوا ولا يدرون المنتهى لسيرهم و هذه هي قصة قانون الانتخابات والتعديلات والنكث للعهود والوعود بين المشترك والدولة .. المشترك والمفتونون فيه يراهنون لا يزالون على الاتحاد الأوربي ليقدم لهم طوق نجاة في آخر مرحلة , والدولة بلغت من الضعف حدا يجعلها لا تثق بأي عمل تقدم عليه مهما كان قانونيا وصالحا مادام شركاء المشترك الخارجيين لن يرضوا عنه . نقول لهم ونقول للسلطة على حد سواء: ألا تستحون من الله والناس حين ترون مليون ناخب يجوبون البلاد ويسجلون أسماءهم ثم يأتي بضع مئات تجمعوا من هنا وهناك -بعضهم أطفال- يرفعون شعارا ت كتبتها أيدي الفتنة تقول إن التسجيل غير شرعي وغير قانوني وكأن الدولة وكل هياكلها تحت وصاية مندوبي الثمانية الكبار في المشترك . من يعتقد هؤلاء أنهم سيقنعون بهذا التضليل وتلك الدعاوى الباهتة حين يقولون إن العمل بقانون مثل قانون الانتخابات هو عمل غير قانوني وأن انجاز التعهدات القانونية بموجبه في وقتها والاستحقاقات الانتخابية هو عمل غير شرعي وينتظرون سيد العالم الجديد ينقذهم من ورطتهم، مع أنه لو لم يوجد قانون ولا انتخابات ولو وجدت دولة حتى غير منتخبة فلن يضيرنا شيء ونحن في سلام. هل يريدون أن يوصلوا الحكم إلى منطقة اللارجوع كما فعل عساكر موريتانيا ؟ أم يريدون الحاكم أن يطيح بالديمقراطية التي لم ترق لهم فيعود الناس -وهم في مقدمتهم- تحت إمرته راضين مختارين كما كانوا ونرتاح من هذه الديمقراطية القاتلة أم ماذا .؟