المتابع للتطورات التي تشهدها الساحة السياسية في البلاد يلاحظ ذلك التناسل العجيب للأزمات، فمنذ سنوات ونحن نلوك قضية الانتخابات التشريعية المقبلة بأساليب مختلفة، مرة نختلف فيها على قضية التعديلات القانونية وإصلاح النظام الانتخابي، وأخرى نختلف فيها على اللجنة العليا للانتخابات وأعضائها، ومرة ثالثة نختلف فيها على قضية تمويل الانتخابات والأموال التي تصرف فيها، وإذا بنا نجد أنفسنا في دوامة لها أول وليس لها آخر، ودخلنا في تفسيرات وتكهنات حتى حولنا القضية إلى حائط مبكى كل يراه بأعينه. وفي الحقيقة فإن قدراً من العراك السياسي القائم حالياً يعود إلى تعارض وجهات نظرنا حيال ما يجري، سواء كنا حاكمين أم معارضين، وتجاهلنا المواطن صاحب الرأي الأول والأخير فيما يدور من خلافات، بل إننا حولناه إلى مجرد متلق للأزمات التي ما إن تنفك إحداها حتى نلد أخرى. نعرف أن الجميع يعيش أزمة حقيقية، فلا الحاكم مرتاح للوضع الذي تعيشه الساحة، ولا المعارضة مطمئنة إلى ما يدور في الساحة، والجميع لا يزال حتى اللحظة متمترساً كل في مكانه معتقداً أنه لو قدم تنازلاً لشقيقه لاعتبره الطرف الثاني ذلاً وهواناً، مع أن المتابع للتأريخ سيجد أننا تنازلنا لغيرنا بالكثير والكثير، ولم نعتبر ذلك ذلاً أو مهانة. اليوم يحق للمواطن العادي أن يطمئن إلى مستقبله، اطمئنانا يجعله يذهب إلى عمله وهو يدرك أن الخلافات مهما بلغت حدتها بين السياسيين لن تكون سبباً في إشعال حرائق في البلد، كما هي حال اليمنيين عندما يختلفون، والتأريخ الحديث لا زال حاضراً أمامنا بمآسيه، سواء عندما كان اليمن شطرين أم عند ما توحد بعد عقود من التشطير، إذ أن البلد لم يعرف استقراراً سياسياً طوال السنوات الماضية، باستثناء فترات متقطعة من تأريخه. المطلوب من المتحاربين سياسياً أن يجنحوا إلى السلم في شأن خلافاتهم، فذلك أفضل من البقاء خلف المواقف المتحجرة التي لن تقود البلاد إلا إلى مزيد من التشرذم والانقسام، المطلوب من كافة العقلاء في الأحزاب السياسية في البلاد -حكاماً ومعارضين- الترفع عن عقلية التمترس خلف المواقف الحدية في القضايا السياسية؛ ذلك أن هذه العقلية لن تساعد أحداً في اتخاذ الموقف السليم من القضايا محل الخلاف. صحيح أن الجميع يبحث عن تحقيق مصالحه وبرامجه السياسية، إلا أن هذا البحث قد يؤدي إلى معارك طاحنة لن يقوى أحد على إيقافها إذا ما اندلعت ذات يوم، والأفضل أن يتحسس الجميع مخارج له ولمخالفيه في الرأي والمواقف حتى يكون البلد في مأمن من الهزات التي يمكن أن يتعرض له في حال استمرار الخلافات بين السياسيين إلى الحد الذي نشاهده اليوم. *المصدر : (السياسية)